151

ه وقال ص(99) أيضا: "لكنه يستلزم الإعطاء فيما لا يتقدم فيه البرهان من علم الغيب، إذ لا بد من تعينه ببرهان ... فيلزم من خرق العادة إبطال الحكمة وتغيير الكتاب والسنة، ولزوم ما لم يتعين لزومه ببرهان المحجة، وذلك من التعاطي بالمغيبات، وليس من شأننا إلا ببرهان فأقمه لنا على ما عينته نتبع، إذ وعدنا الله أن نتبع برهان الكتاب والسنة، والحكم بما ظهر منهما لا بما غاب، وما عليه السفسطة، وما ذلك إلا إلزام ما لا يلزم، قلبا للحجة ما لم يكن له بالحق مناط". ا.ه ودعوى أن هذا النظر الذي يلزم له هذه الأشياء في الشواهد أما في الغائب فلا، باطلة أيضا لأن الله تعالى تعبدنا بما نفهم ولا نعقل من الرؤية إلا ما كان بهذه الطرق ومن قال بغير ذلك يلزمه الدليل، وقولهم: "بلا كيف" لا طائل ورائها، وحسبك أن هذه العبارة لم يأت بها نص بل هي من عند القائلين بالرؤية، والإنسان لا يؤمن بشيء يصادم المعقول فيما جاءت فيه الأدلة متضاربة على هذه القاعدة، نعم فيما كانت الأدلة القطعية غير قابلة للتأويل ولا تضارب بينها في مسائل لا يدرك العقل كنهها فهناك يصح أن يقال هذا أما أن يزج بها في كل شيء وفيما كان الدليل له صوارف تصرفه فلا يصح إثباته بهذه القاعدة ولو جاز الأخذ بها مطلقا لقال من شاء ما شاء.

ولو انطلت هذه القاعدة لقيل بأن الناس يرون علمه تعالى وقدرته وإرادته وحياته وسائر صفاته العلية، وكل ذلك موجود وكل موجود يصح أن يرى في قولكم وأنها ترى بلا كيف ... الخ وهذا ظاهر الفساد.

وأما تعلقهم بأن كل موجود يصح أن يرى فهو باطل أيضا لأن الموجودات خالق ومخلوق وقياس الخالق على المخلوق في هذا ظاهر الفساد، وكان الأولى أن يجعلوا قاعدتهم: كل مخلوق يصح أن يرى. وعليه فلا ينطلي على البارئ. وقياس الغائب على الشاهد باطل عاطل ولابن الجوزي كلام جيد في هذا الباب في كتابه "صيد الخاطر" في الفصل رقم [237] ص(326 وما بعدها).

Page 183