177

Badr Talic

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع

Publisher

دار المعرفة

Publisher Location

بيروت

وَقد قدمنَا الإشارة إليه عِنْد تَرْجَمَة مُؤَلفه ابْن عرب شاه وَقد وصف فِيهِ من عجائب تيمور وغرائبه مَا ينبهر لَهُ كل من وقف عَلَيْهِ وَيعرف مِقْدَار هَذَا الْملك الَّذِي لم يَأْتِ قبله وَلَا بعده مثله فان جنكزخان ملك التتار وإن كَانَ قد أهلك من الْعباد والبلاد زِيَادَة على مَا أهلك هَذَا الا ان ذَاك لم يُبَاشر مابا شَره هَذَا وَلَا بعضه وَلَا كَانَ جَمِيع مافعله في حَيَاته بل الْغَالِب بعد مَوته في سلطنة أَوْلَاده وأحفاده وَأما هَذَا الطاغية فَهُوَ الْمُبَاشر لكل فتوحاته الْمُدبر لجَمِيع معاركه وَلَقَد كَانَ من أَعَاجِيب الزَّمن في حركاته وسكناته وَكَانَ شَيخا طَويلا مهولًا طَوِيل اللِّحْيَة حسن الْوَجْه أعرج شَدِيد العرج سلبت رجله أَوَائِل أمره وَمَعَ ذَلِك يصلى من قيام مهابًا بطلًا شجاعًا جبارًا ظلومًا سفاكًا للدماء مقدامًا على ذَلِك أفنى فِي مُدَّة سلطنته من الْأُمَم مَالا يحصيهم الا الله وَخرب بلدانا كَثِيرَة تفوت الْحصْر وَكَانَ جهير الصَّوْت يسْلك الْجد مَعَ الْقَرِيب والبعيد وَلَا يحب المزاح وَيُحب الشطرنج وَله فِيهِ يَد طولى ومهارة زَائِدَة وَزَاد فِيهِ جملًا وبغلًا وَجعل رقعته عشرَة في أحد عشر بِحَيْثُ لم يكن يلاعبه فِيهِ إلا أَفْرَاد وَيقرب الْعلمَاء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم مَنَازِلهمْ وَلَكِن من خَالف أمره أدنى مُخَالفَة استباح دَمه فَكَانَت هيبته لَا تدانى بِهَذَا السَّبَب وَمَا أخرب الْبِلَاد إلا بذلك فإنه كَانَ من أطاعه من أول وهلة أَمن وَمن خَالفه أدنى مُخَالفَة هلك وَله فكر صائب ومكايد في الْحَرْب عَجِيبَة وفراسة قلّ أَن تخطأ وَمَعْرِفَة بالتواريخ لإدمانه على سماعهَا وَعدم خلو مَجْلِسه عَن قِرَاءَة شئ مِنْهَا سفرًا وحضرًا وَكَانَ مغرى بِمن لَهُ معرفَة بصناعة مَا إِذا كَانَ حاذقًا فِيهَا مَعَ كَونه أميالا يحسن الْكِتَابَة وَلَا الْقِرَاءَة وَله حذق باللغة

1 / 178