فما خلعتُ نجادًا في العناق له ... حتى لبستُ وشاحًا من ذوائبه
وبات أسعدنا حظًا بصاحبه ... من كان في الحبِّ أشقانا بصاحبه
وعلامة هذا الباب أن يكون أحد المعنيين تلويحًا والآخر تصريحًا.
ولبعض المتملحين البغداديين رواه أبو يوةسف القاضي.
أترى القاضيَ أعمى ... أمْ تراهُ يتعامى
سرقَ العبد كأنَّ ال ... عبدَ أموالُ اليتامى
وللشريف الرضي ﵀:
ترى الوفد عن أعطانهم وقبابهم ... من اللؤم أبدى من نعامهم طردا
وله أيضًا في تعليق المدح بالهجو، وهي طريقة قد سلكها الشعراء:
فذاك من فعله بطيءٌ ... جدإن وأقواله سراعُ
دينارهُ في السماحِ فلسٌ ... وكرهُ في الفخار صاعُ
ومنه أن يتحيل الكاتب في بلاغته أن يقصد شيئًا ويلف معه غيره، كما قال ابن مسعدة، وكتب به إلى المأمون يستنجز أرزاق الجند فكتب: كتابي إلى أمير المؤمنين أعزه الله، ومن قبلي من قواده وأجناده، في الطاعة والانقياد، على أحسن ما تكون عليه طاعة أصحاب سلطان، تأخرت أرزاقهم، واختلت أحوالهم.
وكتب آخر إلى المأمون، وكف الذكر عن رقة حاله مع دعائه له:
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحبُّ ونكرمُ
فقلت له: نعماكَ فيهم أتمها ... ودع أمرنا؛ إن المهمَّ المقدمُ
آخر:
رأى الناسُ فوقَ المجدِ مقدارَ مجدكم ... فقد سألوكم فوق ما كان يسألُ
وقصر عن مسعاتكم كلُّ آخرٍ ... وما فاتكم فيما تقدم أولُ
وما ليَ حقٌّ واجبٌ غيرَ أنني ... إليكم بكم في حاجتي أتوسلُ
بلغتُ الذي قد كنتُ آمله لكم ... وإن كنتُ لم أبلغْ بكم ما أؤملُ
باب
التورية
اعلم أن التورية هي أن تكون الكلمة بمعنيين، فتريد أحدهما، فتوري عنه بالآخر: مثل قول بعض العرب:
خيلٌ صيامٌ، وخيل غيرُ صائمةٍ ... تحتَ العجاجِ، وأخرى تعلك اللجما
أراد بالصيام ها هنا القيام؛ فورى عنه بقوله: تعرك اللجما.
وقال البحتري:
مرية بالحسنِ تملحُ في القلوبِ وتعذبُ
أراد الملاحة ولم يرد الملوحة، فورى بقوله: وتعذب، عن ذلك.
وكذلك قول أبي تمام:
قمرٌ ألقت جواهرهُ ... في فؤادي جوهرَ الحزن
كل جزء من محاسنه ... فيه أنواع من الفتن
أراد جوهر المتكلمين لا جوهر الملوك.
1 / 60