Badhul Ihsan bi-Taqreeb Sunan an-Nasa'i Abi Abdir-Rahman
بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن
Publisher
مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
Genres
بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن
تأليف
أبي إسحاق الحويني الأثري
الناشر
مكتبة التربية الإسلامية
لإحياء التراث الإسلامي
ت: ٨٦٨٦٠٥
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤١٠ هـ- ١٩٩٠ م
الناشر
مكتبة التربية الإسلامية
لإحياء التراث الإسلامي
١٤ ش سويلم من ش الهرم
خلف مسجد الأنصار - الطالبية
ت: ٨٦٨٦٠٥
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فما له من هاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﵌.
وبعد: فهذا كتاب "بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن" نقدمه للقراء الكرام، بعد ما تفضل الأَخ الشيخ "أبو إسحاق الحويني" علينا بأن ننشره - جزاه الله خيرًا.
نقدمه في وقت تنمر فيه بعض المستغربين للحط على السنة وأهلها، وأطلّت على الأمة نابتة سوء وُجهت للغوص في بطون الكتب، لا هَمَّ لها سوى إخراج الأقوال الباطلة، والأصول المتهاوية والحيل الكاذبة، والزلات الغائرة. لصد المسلمين عن طريق السنة وما فيه صلاح الأمة.
فإذا سئلوا عن شيء من سيرة النبي ﵌ وعبادته وأحكامه وفتاويه، أجابوا والشيطان ممليهم إما بحديث مكذوب، أو حيلة متهالك متعالم، أو زلة فقيه عالم، أو غير ذلك من الشرور والمخازي، فأضاعوا السنة، وخرقوا البنية، وساء ما يفعلون، و﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ فانتبه يا هذا فإنك على خطر شديد، استحضر عند كتابتك ما يبقى بعدك ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ واتق الله في الغلط على الأئمة إذا نقلت مذاهبهم، فلا تنسب إليهم ما لم يقولوه، واحذر أن تجتمع فيك الشرور بتتبع رخصهم وزلاتهم.
وبعد: فكتابنا الذي نقدمه اليوم -قارئي الكريم- هو تقريب وتهذيب وتحقيق وخدمة لكتاب من كتب السنة، والتي هي علم الصدر الأول والتي وصفها الصادق الأمين بمماثلة القرآن المبين فقال: " ... ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" وفي رواية أخرى: " ... ألا إن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله".
قال الحافظ "الخطيب البغدادي": (... ولما كان أكثر الأحكام لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة النقل لزم النظر في حال الناقلين، والبحث عن عدالة الراوين، فمن
1 / 3
ثبتت عدالته جازت روايته، وإلا عدل عنه، والتمس معرفة الحكم من جهة غيره لأن الأخبار حكمها حكم الشهادة في أنها لا تقبل إلا عن الثقات). وكما توجهت عناية علماء الحديت إلى دراسة الحديث من جهة السند، اهتموا أيضًا بدراسة متنه والنظر فيه، ولأنهما جهابذة صدقت نيتهم، وقوت عزيمتهم فقد ألهمهم الله الرشد، فقعدوا القواعد وشيدوا البنيان لمن بعدهم لمعرفة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله رسلم من غيره فهذا الحافظ "ابن الصلاح" رحمه الله تعالى يقول: "وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره، وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها".
وهذا شيخ الإِسلام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- يضع قواعد كلية يميز بها بين موضوع الحديث وصحيحه دون النظر في إسناده، وكذلك نقل السيوطي -رحمه الله تعالى- في تدريب الراوي عن كثير من الأئمة قرائن وعلامات لمعرفة الحديث الموضوع الذي يناقض الأصول ويباين المعقول، ويخالف المنقول، وغني عن البيان أنه لا يقوى على ذلك -كما يقول ابن قيم الجوزية- (سوى من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها مَلَكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنة والآثار أو معرفة سيرة رسول الله ﵌ وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر به ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول ﵌ كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول ﵌ وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز، ما لا يعرفه غيره، وقد ذكر هؤلاء الأئمة وغيرهم أحاديث كثيرة بينوا كذبها ووضعها وكأن هؤلاء الجهابذة قد علموا أنه سيأتي زمان كزماننا تتسرب فيه إلى بعض المستغربين من أبناء المسلمين فرية متهالكة وهى قولهم وبئس ما يقولون -إن اهمام المحدثين كان لدراسة الأسانيد منصرف دون النظر في المتن، وردوا بتلك الفرية أحاديث كثيرة قصرت أفهامهم عن استيعابها، وخالفت أهواءهم وعقولهم، والله حسيبهم هذا وقد أطلت في مقدمتي هذه لعلل يعرفها النابه، وخشية صرفه عن درر هذا الكتاب أتركه معه يخبر عن نفسه، وينبئى مؤلفه -حفظه الله- عن مكنونه وهو به خبير آملين ألا نعدم فائدة يزفها إلينا فاضل، أو فائتة يذكرنا بها نابه، أو نصيحة ينصحنا بها ناصح، ونحن له من الشاكرين، وسنواصل نشره تباعًا.
كلما أُنجز جزءٌ نشرناه، والله نسأله القبول.
الناشر
عماد صابر المرسي
رجب ١٤١٠هـ فبراير ١٩٩٠م
1 / 4
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
إنَّ الحَمْدَ لله تَعَالَى نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِالله تَعَالَى مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا. مَن يَهْدِ الله تَعَالَى فلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [٣/ ١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [٤/ ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [٣٣/ ٧٠ - ٧١].
أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيْثِ كِتَابُ الله تَعَالَى، وَأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِى النَّارِ. فإني أحمدُ الله ﵎ أَنْ يسر لي خروج الجزء الأول من هذا الكتاب المبارك -إنْ شاء الله تعالى-. وكنتُ قد بدأتُ العمل فيه في أواخر سنة (١٣٩٩) هـ. والفضلُ فى ذلك يرجع إلى أُستاذنا الشيخ حامد بن إبراهيم حفظه الله تعالى صاحب مكتبة المصطفى
1 / 5
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كنت أتردد على مكتبته العامرة، فرآني أعملُ في "سنن ابن ماجة" فقال لي: لم لا تعمل في "سنن النسائي"؟ فإن أحدًا من أهل العلم لم يوجه عنايته إليها.
فلمَّا اعتذرتُ عنها، قال لي: اخدمها، ولو بتخريج أحاديثها فقط، حتى تكون عونًا للمترددين على المكتبة من أهل العلم وطلبته.
وقد حدث بالفعل ما أراده.
فكتبت الجزء الأول بخط يدي، وصورتُه، ثمَّ أودعتُه المكتبة أما باقي النُّسخ -وقد كانت قليلة- فكنت أعطيها لمن أرى أنه من طلبة العلم رجاء أن يصحح لي ما أخطأتُ فيه. وقد وقع في هذه النسخة أوهامٌ، سواءٌ في الحكم على الحديث أو في تخريجه، والسببُ في ذلك شرحه يطولُ، وسأذكرُهُ -إنْ شاء الله- في "الإِمعان مقدمةُ بذل الإِحسان".
وعلى كل حال، فقد بات هذا الشرح أمنيةً عندي، وددتُ لو يسر الله لي فعله، حتى أكشف مزية هذه السنن، التي على أهميتها ما التفت إليها أهل العلم مثلما فعلوا في "الصحيحين" وبقية السنن.
وقد بادر بعضُ أهل الخير والفضل من إخواننا، فأرسلوا نسخًا من هذا الكتاب إلى شيخنا الشيخ الإِمام، حسنة الأيام، ناصر الدين الألباني -حفظهُ الله تعالى وأمتع المسلمين بطول حياته- فأثنى عليه خيرًا والحمدُ لله.
* فأخبرني الأخ مازن بن نهاد كمال -وهو من نابلس- أنه أعطى الكتاب للشيخ وجاء بعد فترة، ثمَّ سأله عنه، فقال له:
1 / 6
"لقد أعجبتُ به، ورجوتُ له مستقبلًا زاهرًا بشرط أن يستمر على هذا المنوال أو النهج- الشك من الأخ مازن".
وقد شافهني بذلك في لقائي به في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، يوم الخميس ١٩/ جمادى الأولى/ ١٤٠٦ هـ الموافق ٣٠/ ١/ ١٩٨٦ عقب صلاة العصر.
* وجاءني بعض الإخوة -واسمه كمال- بشريط تسجيل سجله مع الشيخ الألباني وسأَله فيه عن أفضل الشروح على السنن الأربعة وموطأ مالك .. فلما جاء ذكُر "سنن النسائي" قال الشيخ:
"أنا لا أعلمُ -أو لم أطلع- على كتابٍ يفيد في هذه الناحية من كتب القدامى، لكن وصلني أخيرًا جزء لأحد الشتغلين بالحديث من الشباب في مصر -ولعل اسمه حجازي-.
فقال له الأخ: هناك في مصر كتاب اسمه "بذل إِلاحسان".
قال الشيخ: هو هذا، فهو يتوسع في هذا الكتاب، في التخريج مع بيان صحة الأحاديث من ضعفها، وهو في الواقع من الكتب المفيدة بالنسبة لما يؤلَّفُ في هذا العصر".
* ولما قابلتُ الشيخ في "عمَّان" سنة (١٤٠٧ هـ) سألته
عن الكتاب، فقال لي بالحرف الواحد: قويٌّ، قويٌّ، ما شاء الله".
فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.
...
أمَّا خدمتي لهذا الكتاب فهي كالآتي:
1 / 7
١ - أحكمُ على سند الحديث بما يستحقه من صحة أو حسنٍ أو ضعفٍ، حسب القواعد العلمية الدقيقة التي وضعها أهل الحديث، رضى الله عنهم ثمَّ أترجمُ لرجال الإِسناد ترجمة خفيفة رجاء التعريف بهم، ذاكرًا اسمه واسم أبيه وجدِّه، ثمَّ كنيتهُ، ولا أطيلُ في الترجمة، إلَّا إن كان لا بد من الإِطالة لدحض شبهة مفترٍ، أو بيان تساهل بعض الناس في مسائل الجرح والتعديل ونحو ذلك. وإنْ خالفتُ أحدًا فيما ذهب إليه، أظهرتُ حجتي في مخالفته ليكون أرجى لقبول العذر.
٢ - أخرجُ الأحاديث من كتب السنة التي بين يديَّ سواء المطبوعة منها أو المخطوطة، ولا أكتفي بذلك، بل أذكر درجة كل حديثٍ أوردهُ في هذا الشرح، وكثيرًا ما أبسط الكلام عليه إنْ كان هناك ما يدعو إلى ذلك.
٣ - ألتزمُ ببيان قول الترمذيّ: "وفي الباب عن فلان وفلان" فأُخرجُ هذه الأحاديث، وأتتبعُ طرقها وعللها مع الترجيح في كل ذلك، لأنَّ هذه الأحاديث تُعدُّ كالشواهد لحديث الباب، فتقويه إنْ كان ضعيفًا -على الشرائط المعتبرة-، أو تزيدُهُ قوة إنْ كان صحيحًا. وأمرٌ آخرُ: وهو أنني تمنيتُ لو صار شرحي هذا مفتاحًا لكتب السنة الأخرى غير النسائي، ولا شك أن هذا يحتاج مني وقتًا مديدًا، وجهدًا جهيدًا، وعزمًا حديدًا كما يعرف ذلك المشتغلون بهذا العلم الشريف.
ثمَّ ليكن معلومًا أن ما أُخرِّجُهُ من قول الترمذى: "وفي الباب" هو ما يتعلق بالحديث الذي رواه النسائي، ويكون الترمذيُّ قد رواه أيضًا، أما الأحاديث التي لم يروها النسائيُّ وهي في الترمذيّ فقد أفردت لها كتابًا مستقلًا سميتهُ "العُباب بتخريج قول الترمذيّ وفي الباب" وقد تمَّ منه جزءان. يسر الله إتمامه بخيرٍ.
1 / 8
٤ - وضعتُ مقدمة لهذا الشرح سميتُها" الإِمعان مقدمةُ بذل الإِحسان" وهي في ثلاثة أجزاء:
* أما الجزءُ الأول: فذكرتُ فيه ترجمة النسائيّ وتكلمتُ على سننه تفصيلًا بما لعله يُعجب الناظرين إن شاء الله، وقد انفصلتُ في بعض أبحاثه إلى تقديم سنن النسائي على سنن أبي داود، وقد برهنتُ على ذلك برهانًا علميًا، لا تعصُّب فيه والحمد لله.
وقد حققتُ في هذا الجزء أيضًا شرط النسائي، وذكرت رتبة سننه ومميزاتها، ورواة السنن عنه. وهل في "السنن الصغرى" من اختيار ابن السني، أم من تصنيف النسائيّ، وهل في "السنن" حديثٌ موضوعٌ ثمَّ لماذا لم يخرج النسائي لابن لهيعة، وهل خرّج لمن هو أضعفُ منه؟ ثمَّ هل روى النسائيّ عن البخاري أو أبي داود في السنن؟.
ثمَّ ذكرتُ شيوخ النسائي وعدة ما لكل شيخٍ من الأحاديث، مع ذكر الشيوخ الذين تفرد النسائيُّ بالرواية عنهم من دون الجماعة، ثمَّ ذكرتُ عدة ما لكل صحابيٍّ من الأحاديث.
ثم ذكرتُ منصب النسائي في الجرح والتعديل، ومؤاخذات الناس عليه مع الجواب عنها. ثمَّ ذكرتُ بعض آرائه كرأيه في اللحن في الحديث، وأخذ الأجرة على التحديث ونحو ذلك. وفصولٌ أخرى.
* الجزء الثاني: ذكرت فيه كتابًا اعتنى فيه صاحبهُ بسنن النسائي خاصة، وهو كتاب: "بُغية الراغب المتمني في ختم النسائي
1 / 9
برواية ابن السني" للحافظ شمس الدين السخاوي ﵀، وهذا الكتاب لا يزال مخطوطًا.
* الجزء الثالث: ذكرتُ فيه قوانين الجرح والتعديل، وجعلته كالأصل يرجع إليه، وهو كتاب كنتُ صنفتهُ قديمًا وسميتُه: "قصد السبيل في الجرح والتعديل" فبدا لي أن أُلحقه بمقدمة هذا الشرح لتعلقه الشديد به. والله أسأل أن يتقبله مني بقبول حسنٍ، وأن يغفر لي ما زلَّ به يراعي.
٥ - لقد هممت -بناءً على نصيحة شيخنا الألباني- أن أتكلم على فقه الحديث حتى تتم الفائدة، إذ الغايةُ من الحديث هي العمل به كما قال لي شيخنا، ولكنى رأيتُ الكتاب يعظُم جدًّا، ويتأخر إنجازه، فرأيتُ فصل الفقه عن الحديث وجعله في كتاب مستقلٍّ، وجعلتُ طريقتي فيه ذكر مناسبة ما ترجم به النسائيُّ لحديث الباب، على غرار ما صنع ابنُ المنيِّر في كتابه "المتوارى على تراجم أبواب البخاري "وكذا ما صنعه بدر الدين ابن جماعة في كتابه "مناسبات تراجم البخاري"، وهذا يُظهر لنا منزلة الإِمام النسائي في الفقه، وقد قال الحاكمُ:
"فأمّا كلام أبي عبد الرحمن النسائيِّ على فقه الحديث، فأكثر من أن يُذكر في هذا الموضع، ومن نظر في كتابه "السنن" له، تحيَّر من حُسْنِ كلامه" اهـ.
وسميتُ هذا الكتاب: "تقريبُ النائي لتراجم أبواب النسائي" وقد نجز منه حتى الآن "كتاب الطهارة" إلا قليلًا منه.
1 / 10
٦ - فقد نصحني بعضُ أهلِ العلم والفضل أن أجعل عملي على "سنن النسائي الكبرى"، لا سيما وعندي منها نسخة مخطوطة جيدة جدًّا لكنها ناقصة، فعسُر عليَّ ذلك لأنني قطعتُ في "السنن الصغرى" شوطًا كبيرًا، فتمَّ منها عندي -اثنا عشر جزءً- وصلتُ فيه إلى "كتاب الجنائز"، وقد توقفت عنها منذ أكثر من خمس سنين لأشياء عرضت لي، ثمَّ بدا لي أن أحصل مقصود هؤلاء الأفاضل، فرأيتُ أن أحقق الأحاديث التي لم تُذكر في "المجتبى" وهي في "السنن الكبرى"، وأُلحقها بآخر كل كتابٍ. فمثلًا بعد الانتهاء من طبع "كتاب الطهارة"، أُذيِّلُ عليه بالأحاديث المذكورة في "السنن الكبرى" وهي غير موجودة في "الصغرى" وبهذا يتمُّ تحقيق الكتابين جميعًا. والله الموفق.
٧ - صنعت كتابًا مستقلًا فيه زوائد النسائي على "الصحيحين"، ثمَّ كتابًا آخر في زوائده على الكتب الخمسة، ومنه علمتُ منزلة هذه السنن، وأنها أقلها حديثًا ضعيفًا، ورجلًا مجروحًا.
وهذا آخر ما قصدتُ ذكره لبيان منهجي في تقريب هذه السنن، ولا يفوتني أن أذكر أن ما سطرتُه في كتابي هذا، إنما هو بحسب ما بلغه اجتهادي بعد إعمال القاعدة العلمية، مع الاستفادة من استقراء الأئمة المحسنين لهذا الشأن. ولا شك أنه قد وقع خللٌ في بعض ما ذهبتُ إليه، فأنا لا أؤكدُ الثقة به، وكلُّ من عثر على حرفٍ فيه، أو معنىً يجبُ تغييرُه، فإني أناشدُهُ الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة فيه، وما أبرأ من العثرة والزلة، وما أستنكف أنْ
1 / 11
أراجع الصواب إنْ بان لي مأخذُهُ، فإن هذا الفن لطيفٌ، وابنُ آدم إلى العجز، والضعف، والعجلة أقرب. فرحم الله أخًا نظر فيه نظرة تجرُّدٍ وإنصافٍ، ودعا لي بظهر الغيب على صوابٍ وفقني الله إليه، واستغفر لي زلاتي الكثيرة فيه. والله أسألُ أن يجعله زادًا لحُسْنِ المصير إليه، وعتادًا ليُمْنِ القدوم عليه، إنه بكل جميلٍ كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
والحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا.
وكتبه
راجي عفو ربه الغفور
أبو إسحاق الحويني الأثري
عفا الله عنه بمنه وكرمه
غرة ذي القعدة / ١٤٠٩ هـ
1 / 12
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
1 / 13
باب تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﷿ (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
١ - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِى وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ».
ــ
١ - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ.
* قتيبة بنُ سعيد:
هو ابنُ جميل بن طريف، أبو رجاء البغلاني.
روى عنه الجماعة، إلا ابن ماجة، فإنه روى عنه نازلًا بواسطة الذهليِّ عنه. وكذا روى المصنف عن زكريا السجزي، عنه، نازلًا.
وهو ثقةٌ جليلُ القدر. وقد أكثر المصنفُ عنه، بحيث لا أعلمُهُ روى عن شيخٍ أكثر منه. فروى عنه في "سننه" (٦٨٧) حديثًا فقد رحل إليه المصنفُ سنة (٢٣٠)، فأقام عنده سنةً كاملةً، على ما ذكره الذهبيُّ في "السير" (١١/ ٢٠).
وكان قتيبةُ من المكثرين، بحيث روى نحوًا من مائة ألف حديث، ومع سعة ما روى، ما أعلمُ أنه روى حديثًا أنكروه عليه، سوى حديث معاذ بن جبل ﵁ في جمع التقديم. =
1 / 15
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= قال الحاكم في "علوم الحديث" (ص- ١٢٠):
" ... وقد قرأ علينا أبو عليٍّ الحافظُ هذا الباب، وحدثنا به عن أبي عبد الرحْمَن النسائي، عن قتيبة بن سعيد. ولم يذكر أبو عبد الرحمن، ولا أبو عليٍّ للحديث علَّةً، فنظرنا فإذا الحديثُ موضوع، وقتيبةُ ثقةٌ مأمونٌ" اهـ.
* قُلْتُ: كذا قال الحاكم رحمه الله تعالى!، وحكمه على الحديث بالوضع لم يوافق عليه، بل الحديث صحيحٌ، وما أُعلَّ به، فليس بعلةٍ، كما يأتي شرحه في هذا الكتاب -إن شاء الله-.
* سفيان، هو ابنُ عيينة.
وهو ثقةٌ نبيلٌ، جليلٌ.
كان يدلسُ عن الثقات فقط، فهو المدلسُ الوحيدُ الذي تستوى عنعنته وتصريحه بالتحديث.
قال ابنُ حبان في "مقدمة صحيحه" (١/ ٩٠):
"وأما المدلسون الذين هم ثقاتٌ وعدولٌ، فإنا لا نحتجُّ بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا ... اللهم إلا أن يكون المدلسُ يُعلم أنه ما دلَّس قطُّ إلا عن ثقةٍ، فإن كان كذلك قُبلت روايتهُ وإن لم يُبين السماع، وهذا ليس في الدُّنيا إلا لسفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يُدلسُ، ولا يدلسُ إلا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكادُ يوجد لسفيان بن عيينة خبرٌ دلَّس فيه إلا وُجد ذلك الخير بعينه قد بين سماعُه عن ثقةٍ مثل نفسه، والحكمُ في قبول روايته لهذه العلة -وإن لم يُبين السماع فيها- كالحكم في رواية ابن عباس إذا روى عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لم يسمع منه" اهـ. =
1 / 16
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= * والزهري:
هو محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ.
وهو ثقةٌ، جبلٌ، حافظٌ، ربما دلَّس.
وأنكر بعضُ أصحابنا أن يكون ابن شهاب مدلسًا، واستعظم ذلك جدًّا، وبالغ حتى زعم أن مخالفهُ: "تردى في وهدةٍ سحيقةٍ"! وأنه: "ادعى باطلًا ليس له فيه سلفٌ"!
كذا قال!!
وإنكار المشار إليه، هو الذي ينبغي أن يُستعظم، فقد وصفه بالتدليس الشافعىُّ، والدَّارقطنىُّ، وغيرهما، على ما ذكره الحافظ في "طبقات المدلسين".
وذكره الذهبىُّ في أول "منظومته" في المدلسين، فقال:
خُذِ المُدَلِّسِيْن يَاذَا الفِكْرِ ... جَابِرٌ الجُعْفِىُّ ثُمَّ الزُّهْرِيّ
بل قال الرهانُ الحلبى في "التبيين":
"مشهور به"! كذا قال! وليس بصوابٍ عندي.
فقد قال الحافظ في "الفتح" (٢/ ٥):
" ... وابنُ شهاب جُرب عليه التدليس".
وقال في "موضع آخر" منه (١٠/ ٤٢٧):
" ... وإدخالُ الزهري بينه وبين عروة رجلًا، مما يؤذن بأنه قليل التدليس".
وصرّح بذلك الذهبىُّ تصريحًا، فقال في "الميزان":
"كان يُدلِّسُ في النادر".
نعم، ينكر على بعض المشتغلين بالعلم أن يُعلُّوا الحديث بعنعنة =
1 / 17
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= الزهري، فإن التدليس لم يكن من عادته، بل كان يفعله أحيانًا كما تقدم، فالصوابُ عدم الإِعلال بعنعنة الزهري، إلا إذا كان المتنُ منكرًا، ورجال الإِسناد ثقات، ولا مدخل للإِعلال إلا بعنعنة الزهري.
والله أعلمُ.
* أبو سلمة:
هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
ثقةٌ جليلٌ حافظٌ، مشهورٌ بكنيته، وقد اختُلف في اسمه على أقوال.
وقال مالكُ بنُ أنس:
"اسمُه كنيتُهُ".
...
وللحديث طرقٌ كثيرةٌ عن أبي هريرة، وهي:
١ - أبو سلمة، عنه.
أخرجه مسلمٌ (٢٧٨/ ٨٧)، وأبو عوانة في "صحيحه" (١/ ٢٦٣)، وأحمدُ (٢/ ٢٤١، ٢٥٩، ٣٨٢)، والشافعيُّ في "مسنده" (١/ ٢٧)، والحميدىُّ (٩٥١)، والدارمي (١/ ١٦١)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (٩)، وكذا ابنُ خزيمة (١/ ٥٢/ ٩٩)، وابنُ حبان (ج٢ / رقم ١٠٥٩)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج١٠/ رقم ٥٩٦١)، وابنُ عديّ في "الكامل" (١/ ١٩٧)، والدارقطنىُّ في "العلل" (ج ٣ /ق ٢١/ ١)، والبيهقيُّ (١/ ٤٥)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (١/ ٤٠٧) من طريق الزهري، عن أبي سلمة.
وتابعه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة. =
1 / 18
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٢،٣٤٨) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق ١٢/ ١)، وابنُ أبي شيبة في "المصنف" (١/ ٩٨)، وأبو يعلى (ج ١٠/ رقم ٥٩٧٣)، والطحاوي في "شرح المعاني" (١/ ٢٢) وسنده حسنٌ.
وأخرجه الترمذيُّ (٢٤)، وابنُ ماجة (٣٩٣)، والطحاوي (١/ ٢٢)، والدارقطني في "العلل" (ج ٣/ ق ٢٠/ ٢)، والبيهقي (١/ ٢٤٤)، والخطيبُ في "التاريخ" (١١/ ٣٠٠)، وابنُ جُميع في "معجمه" (٣٤١ - ٣٤٢) من طريق أبي سلمة وسعيد بن المسيب جميعًا، عن أبي هريرة مرفوعًا به.
قال الترمذي:
"حديث حسنٌ صحيحٌ".
٢ - الأعرج، عنه.
أخرجه البخاريُّ (١/ ٢٦٣ - فتح)، بزيادةٍ في أوله، ومسلمٌ (٢٧٨/ ٨٨)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٣)، ومالك (١/ ٢١/ ٩)، والشافعي (ج ١ / رقم ٦٨، ٦٩)، وأحمد (٢/ ٤٦٥)، والحميدي (٩٥٢) وابنُ المنذر في "الأوسط" (١/ ١٤٣، ٣٧٢)، وابنُ حبان (ج ٢ / رقم ١٠٦٠)، والبيهقيُّ (١/ ٤٥)، وابنُ النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (٢/ ١٨٤)، والبغوي في "شرح السنة" (١/ ٤٠٦)، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج.
وقد رواه عن أبي الزناد: "مالك، وابنُ عيينة".
وتابعهما هشام بنُ عروة، عن أبي الزناد به، مع زيادة:
"ويُسمى قبل أن يدخلها". يعني يده. =
1 / 19
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (٤/ ١٥٠١)، والعقيلىُّ في "الضعفاء" (٢/ ٣٠٠)، من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام به.
* قُلْتُ: وهذه الزيادةُ منكرةٌ، والحديثُ غيرُ محفوظٍ عن هشام بن عروة.
قال ابن عدي:
"وهذا غريبُ الإِسناد والمتن. فمن قِبلِ الإِسناد: من حديث هشام بن عروة، عن أبي الزناد. لا أعلم يرويه عن هشام غير عبد الله بن محمد بن يحيى. وغرابة المتن: "ويسمى قبل أن يدخلها" وهذه اللَّفظةُ (غريبةٌ) (١) في هذا الحديث" اهـ.
* قُلْتُ: يعني منكرة، فلم يذكرها أحدٌ ممن روى الحديث.
وآفة هذا الإسناد: عبد الله بن محمد بن يحيى هذا.
فقد تركه أَبو حاتم، وقال:
"ضعيفُ الحديث جدًّا".
وقال العقيلي:
"لا يتابعُ على كثيرٍ من حديثه".
وقال ابنُ حبان:
"يروى الموضوعات عن الثقات".
فالسندُ تالفٌ. =
(١) هذه اللَّفظةُ سقطت من "مطبوعة الكامل"، واستدركتها من "لسان الميزان" (٣/ ٣٣٢). ونسخة "الكامل" كثيرة السقط والتحريف.
1 / 20
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= ٣ - سعيد بن المسيب، عنه.
أخرجه مسلمٌ (٢٧٨/ ٨٧)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٤)، والمصنفُ في "كتاب الغسل" -ويأتي-، وأحمد (٢/ ٢٦٥، ٢٨٤)، وابنُ عدي (١/ ١٩٧)، والطحاويُّ (١/ ٢٢)، والدارقطنيُّ في "العلل" (ج٣ / ق ٢٠/ ٢).
وأخرجه الترمذيُّ، وابنُ ماجة، وغيرُهُما عنه، وعن أبي سلمة معًا عن أبي هريرة. وقد مرّ تخريجه قريبًا.
٤ - أبو صالح، عنه.
أخرجه أبو داود (١٠٤)، وأحمد (٢/ ٢٥٣)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٤)، والطيالسىُّ (٢٤١٨)، وابنُ عديّ (٢/ ٧٠٨)، والسهميُّ في "تاريخ جرجان" (١٣٨)، والطحاويُّ (١/ ٢٢)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣)، والبيهقيُّ (١/ ٤٧)، من طُرقٍ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ به.
وتابعه سهيلُ بنُ أبي صالحٍ، عن أبيه.
أخرجه ابنُ المقرى في "معجمه" (ق ٦٥/ ٢)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (١/ ١٤٧) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن هشام، عن سهيل به.
وسندهُ صحيحٌ.
٥ - أبو رزين، عنه.
أخرجه مسلمٌ (٢٧٨/ ٨٧)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٤)، ووكيع في "نسخته عن الأعمش" (١٨)، وأحمد (٢/ ٤٧١)، والطحاوي (١/ ٢٢)، والبيهقىُّ (١/ ٤٥) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، =
1 / 21