بذل المرام في فضل الجماعة وأحكام المأموم والإمام

Investigator

عبد الرؤوف بن محمد الكمالي

Publisher

دار النشر الإسلامية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1423 AH

Publisher Location

بيروت

لِقَاءُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ

بِالمَسْجِدِ الحَرَامِ

(٣٧)

بَذْلُ المَرام

فِي فَضْلِ الجَمَاعَةِ

وَأَحْكَامِ المَأْمُومِ وَالإِمَامِ

تَأْلِيفُ

العَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَن بْنِ إِبْرَاهِيمَ البَيْطَارِ الدِّمَشْقِيِّ

(١٢٠٦ هـ - ١٢٧٢ هـ)

تَحْقِيق

عبد الرؤوف بن محمد الكمالي

أَسهم بِطَبْعِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْخَيْرِ مِنَ الْحرمين الشَّرِيفِينَ وَمحبيهم

دَارُ البَشَائِرِ الإِسْلَامِيَّة

1

بَذْلُ المَرام

فِي فَضْلِ الجَمَاعَةِ

وَأَحْكَامِ المَأْمُومِ وَالإِمَامِ

2

جَمِيعُ الْحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ

الطَّبْعَةُ الأولى

١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢ م

دَار البشائر الإسْلاميّة

للطّباعَة وَالنّشرُ وَالتّوزيع

هَاتفُ: ٢٠٢٨٥٧ - فَاكس: ٧٠٤٩٦٣ / ٠٠٩٦١١

e-mail: bashaer@cyberia.net.lb

بيروت - لبنانُ ص.ب: ١٤/٥٩٥٥

3

بسم الله الرحمن الرحيم

4

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنَّ مِن أعظم ما يَشْغَلُ به الإِنسانُ وقتَه وحياته، وجهدَه ونشاطَه، العلمَ الشرعي، علمَ كتابِ الله تعالى، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وما فيهما من فقهٍ وحِكَم وأحكام؛ فقد رفع الله عز وجل شأن العلم والعلماء، وبلغ بهم في الدرجة عَنان السماء، فقال عَزَّ من قائل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وقال تعالى وتقدّس: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١].

مِن أجل ذلك، كان نشرُ هذه الرسالة القيِّمة، التي تناول فيها مؤلفُها - وهو العلامة الشيخ حسن البَيْطار رحمه الله - بابًا مهمًّا في فقه الصلاة، وهو في أحكام الاقتداء؛ إذْ أن ذلك مما يَحتاج إليه كلُّ فَرْدٍ، وهو مما يتكرر كثيرًا في كل يوم وليلة، فكان إيضاحُ وبيانُ هذا الباب من الأمور الواجبة المهمة.

5

ومؤلف هذه الرسالة عالم فاضل جليل، من علماء الشافعية المعروفين في عصره، وقد جرى في رسالته هذه في بيان أحكام الاقتداء على المعتمد من مذهب الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، وسمّاها:

((بذل المَرام، في فضلِ الجماعةِ وأحكامِ المأمومِ والإِمام))

وقد قمت بالتعليق على ما يحتاج إلى تعليق في هذه الرسالة، وأشرت إلى خلاف العلماء في أهم مسائلٍ هذا الباب، ليكونَ القارىء على علم بذلك واطلاع؛ فلا يبادرَ إلى الإِنكار في مسائل الخلاف، ولْيعملْ هو بما يطمئن إليه من القول بعد معرفة قائله من أئمة المذاهب وأهلِ الذِّكر.

هذا مع قيامي بعزوِ الآياتِ الكريمةِ إلى سورها، وعزوِ الأحاديث إلى مخرِّجيها، وبيانِ أحكامها من حيثُ الثبوتُ وعدمُه، وعزوِ الأقوال إلى مصادرها، وذلك على وجه الاختصار.

ثم إنَّ مِنَ الواجب عَلَيَّ أن أتقدم بالشكر الجزيل، لأخي الفاضل الشيخ محمد بن ناصر العجمي، الذي أحضر لي مخطوطة هذه الرسالة، ولأخي الكريم الشيخ رمزي دمشقية صاحب دار البشائر الإِسلامية، الذي تُغني آثارُه وثمارُه المرئيةُ عن ذكر ما يتكلفه لنشر هذا التراث العظيم، فجزاهما الله خير الجزاء، وأدخلنا جميعًا جنَّته في دار البقاء.

وقد اعتمدت في تحقيقي لهذه الرسالة على نسخة في دار الكتب المصرية، تحت رقم (٢١٦٣٢ب)، وتقع في (١١) ورقة، وعدد الأسطر فيها (٢٣) سطرًا، وهي بخط نسخ واضح، وفيها بعض الأخطاء نبّهت عليها في الحاشية. ويبدو أنها بخط أحد تلامذة المؤلف، والله تعالى أعلم.

6

ترجمة المؤلف(١)

نسبه ومولده وعائلته:

هو: حسن بن إبراهيم بن حسن بن محمد بن حسن بن إبراهيم بن عبد الله، الشافعي، الأشعري، النقشبندي، الدمشقي، المعروف بالبيطار.

وُلد في حي الميدان من دمشق سنة (١٢٠٦ هـ - ١٧٩١ م).

وبنو البَيْطار من الأسر العلمية العريقة في دمشق. قال المؤرخ محمد أديب تقي الدين الحصني في ((منتخبات التواريخ))(٢): ((ومن الأسر الشهيرة في العلم والفضل في حي الميدان ودمشق: بنو البَيْطار. قيل: إن أصلهم من الغرب، يعني بلاد المغرب. خرج من رجال هذا البيت جماعة من أجلة العلماء والشعراء ... )). اهـ.

(١) انظر ترجمته في: ((حلية البشر)) لولده الشيخ عبد الرزاق البَيْطار (٤٦٣/١ - ٤٧٥) و ((تعطير المشام)) للشيخ جمال الدين القاسمي (٥٦/١)، و«أعيان دمشق)) للشطي (ص ٧٩ - ٨٣) و ((منتخبات التواريخ)) للحصني (٦٥١/٢)، و ((الأعلام)) للزِّرِكْلي)) (١٧٨/٢).

(٢) (٨٥٨/٢).

7

علمه وفضله:

قال عنه ولده الشيخ عبد الرزاق البَيْطار في "حلية البشر"(1): "... الوالد الأعظم، والسيد الأفخم الأكرم، والعالم النِّحرير، والمدقق الخبير، شافعي زمانه، وألمعيُّ أوانه، الجامع بين العلوم العقلية والنقلية، والمقتدي بالكتاب العزيز والسنة المحمدية، بحر العلوم والمعارف، الشارب من أطيب مناهل العرفان واللطائف، الآخذ بعزائم العبادة، والجاعل التقوى إلى الآخرة زادَه، الصوفيُّ النقيُّ الصالح، والزاهد التقيّ العابد الناجح ...".

وقال عنه - أيضًا -: "وكان رضي الله عنه مواظبًا على التهجد وصلاة الفجر في الوقت الأول، وبعد الصلاة له أوراد لا يبرح عنها في سفر ولا حضر، منها أوراد الصباح والمساء الواردة في السنة، فإنه كان يقرأها صباحًا ومساءً، ومنها أنه يقرأ في كل يوم من القرآن جزءًا، فيختم في كل ثلاثين يومًا القرآنَ بتمامه ..."، إلى أن قال:

"حَسَن الخلق، يغلب عليه الزهد والإِعراض عن الدنيا، وكان إذا تصعب أمر بين الناس من حقوق وغيرها، بمجرد حضوره وتكلمه فيه ينقضي أمره على أحسن حال؛ وذلك لصفاء نيته وحُسْنٍ سريرته". اهـ(2).

نشأته العلمية وشيوخه:

نشأ - رحمه الله - في حِجْر والده، فلمّا بلغ سن التمييز وجّهه

(١) (١/ ٤٦٣).
(٢) (٤٧٠/١).

8

والده لتعلم القرآن الكريم، عند العالم الشيخ فتح الله أفندي، فقرأه عليه، وحفظه على تمام الإتقان.

ثم تفقّه على علاّمة وقته الشيخ صالح الزَّجاج، والشيخ حسن العطار المصري الأزهري، والشيخ عبد الله الگرْدي.

وقرأ كثيرًا من العلوم الآلية والشرعية على الشيخ عبد الرحمن الكُزبري، والشيخ حامد العطار، والشيخ نجيب القلعي، والشيخ عبد الرسول المكي، والشيخ عمر المجتهد، والشيخ عبد الغني السَّقطي، وغيرهم من العلماء الأعلام، والفضلاء الكرام، الذين اعترفوا له بالإِجادة، وألزموه بالتدريس والإِفادة.

ولمّا بلغ من العمر ثلاثين سنة (١٢٣٦ هـ)، طلبه أعيان أهل الميدان للقيام بوظائف الإِمامة والخطبة والتدريس في جامع ((كريم الدِّين)) (المعروف الآن بجامع الدقاق)، فتولّى ذلك بعد تمثُّع وإباء، واشتد الإِقبال عليه، فاستدعاه قاضي البلد، واتّهمه بالتعرض لمصالح الحكام، وأرسله إلى السجن، فثار الناس له، وخرجوا أفواجًا سَدّت الطرق، وشعر القاضي بحرج عظيم، فأذن بإخراجه في مساء اليوم نفسه، واعتذر إليه.

وفي سنة (١٢٦٣ هـ) أمر السلطان الغازي عبد المجيد خان بدعوة الشيخ حسن البَيْطار والشيخ عبد الرحمن الطيبي إلى الآستانة، وأكرمهما وأحسن إليهما. ولقي هناك شيخ الإِسلام إذ ذاك السيد أحمد عارف حكمت بيك، فأخذ كل منهما عن الآخر وأجازه.

9

وقد مدح الشيخ أحمد عارف مترجَمنا بهذه الأبيات على الارتجال من غير إمهال:

يا قلبُ أبشِرْ بما ترجوه مِن مِنَنِ فقد حظيتَ بشهمٍ كاملٍ فطِنٍ

حليفٍ علمٍ إمامٍ سيدٍ ثقةٍ أخلاقُه الشُّمُّ قد جاءت على سَنَنِ
فقلت للقلب هذا ما تؤمِّلُهُ لقد بلغتَ المنى والأنسَ من حَسَنِ

فأجابه الشيخ حسن - رحمه الله - بأبياتٍ، أوَّلها:

شمسُ المعارف تغنينا عن السُّرُجِ ومنهجُ الفضل لا يخفى لمن يلج

وطالعُ السَّعْدِ لا يعروه كاسفة وعارف الدهر محفوظ من العِوَج
شيخ الأنام الذي طابت مآثره بحر الكمالات ذو الأمواج واللُّجَج

تلاميذه :

من تلاميذ الشيخ أبناؤه الأربعة، وكلهم علماء، وهم:

١- الشيخ محمد. وهو من كبار علماء دمشق وفقهائها، وأمين الفتوى بها أكثر من ثلاثين سنةً.

٢- الشيخ المقرىء: عبد الغني.

٣- الشيخ عبد الرزاق، صاحب كتاب ((حلية البشر)).

٤- الشيخ سليم. وهو أحد أركان رجال هذا البيت.

مؤلفاته(١) :

١- إرشاد العباد في فضل الجهاد. طَبعت مِن قِبَلِ دار البشائر

(١) ذكرها الشيخ محمد بن ناصر العجمي في مقدمة تحقيقه لـ((إرشاد العباد)) (ص ١٤).

10

الإِسلامية ضمن سلسلة ((لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام)) (١٤)، بتحقيق الأخ الشيخ محمد بن ناصر العجمي حفظه الله.

٢ - بذل المرام في فضل الجماعة وأحكام المأموم والإِمام.وهو كتابنا هذا.

٣ - تحقيق الكلام في وجوب الصلاة قبل السلام.منه نسخة في دار الكتب المصرية (٢١٦٣٢ب).

٤ - فتح الكريم بشرح بسم الله الرحمن الرحيم.له نسخة في دار الكتب المصرية (٢١٦٣٢ب).

٥ - كشف اللثام عن هداية الأنام.وهو كتاب كبير يقع في (٢٠٩) ورقات، له نسخة في الظاهرية برقم (٨٢٣٢).

٦ - نبذة في بناء دمشق الشام. دار الكتب المصرية برقم (٨٣٠٠).

وفاته :

توفي - رحمه الله - بدمشق، في غرة رمضان، سنة (١٢٧٢ هـ ـ ١٨٥٦م)، إثر مرضه بداء ذات الجنب في الثاني والعشرين من شعبان من السنة نفسها، وقد حضر جنازته جمع عظيم، ودُفِن في تربة باب الله بالميدان.

11

صورة صفحة العنوان من المخطوطة

12

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا يا كريم

الحمد لله الذي شرف هذه الملة المحمدية، ومنح فيهم الجماعة ففلقوا بها على سائر البرية، وضاعف لهم فيها الأجور حمسا، وأودعها الأسرار الربانية فيصرف في رياضها راتعون، وعلى حملها عاكفون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالواحدية والأحدية، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جاز أوفر مقام وأعلام زية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الرتب العلية والوجوه البهية ما طفق المؤمنون، بالجماعة يقعون.

وبعد، فيقول كاتب هذه الأسطر ومن أوثقته ذنوبه في بحر الأخطاء حسن بن إبراهيم البيطار، لما منّ المولى عليّ بنبي لسيدي والمتازيا وعمدتي وملاذي بقية السلف مظاهر، وعين أعيان الخلف الظاهرة سيدي فيشي عبد الغني السقطي، متعني الله بسنين ومتعني بحياته ونفعني وإياهم بصالح دعواته بأن صرت في جملة خدامه، وتلامذته وعوانده خرجت لزيارته في بيض الأيام، لاقتبس من أنواره ما يحلو عن حقلب الظلام، فرأيت رسالة لوالده الإمام البحيري والعالم المدقق البصيرة شيخ عبد الحق السقطي، سقى الله ثراه صبيب الرحمة والغفران وفي فضل الجرعة السنية وما ورد فيها من الأخبار المروية، وأمر في أن أضر إليها بالطلعت على الفوائد التي يُش بها الخاط، مع التصرف في ترتيبها على حسب مقام وفكري الفاتر. هذا وإن كنت لتت أهل ذلك لكن حسن ظنه في، وامتثالاً من حواجب على السابق إحسانه الج وعائي لأن أسلك تلك المسالك موسميتها بذل

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة

13

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة

14

لِقَاءُ الْعَشْرِ الأُوَاخِرِ

بِالمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ

(٣٧)

بَذْلُ الْمَرام

فِي فَضْلِ الجَمَاعَةِ

وَأَحْكَامِ المَأْمُومِ وَالإِمَامِ

تَألِيفُ

الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنِ بن ابْرَاهِيم البَيْطَارِ الدِّمَشْقِيِّ

(١٢٠٦ هـ - ١٢٧٢ هـ)

تَحقِيق

عبد الرؤوف بن محمد الكمالي

15

-

16

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ يا كريم

الحمد لله الذي شرَّف هذه الملَّةَ المحمَّدية، وسنَّ فيهم الجماعة ففاقوا بها على سائر البريّة، وضاعف لهم فيها الأجور السَّنِيَّة، وأودعها الأسرار الربّانية؛ فهم في رياضها راتعون، وعلى حماها عاكفون.

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، إله تفرَّد بالواحدية والأحديَّة، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا عبده ورسوله، الذي حاز أوفر مقامٍ وأعلى مزيَّة، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الرُّتب العليّة، والوجوه البهيّة، ما طفق المؤمنون، بالجماعة يتقربون.

وبعد: فيقول كثير الأوزار، ومن أوثقَتْهُ ذنوبه في أبحر الأخطار، حسنُ بنُ إبراهيمَ البَيْطار:

لمَّا مَنَّ المولى عَليَّ بنسبتي لسيِّدي وأستاذي، وعمدتي وملاذي، بقيَّةِ السلف الطاهر، وعين أعيان الخَلَفِ الظاهر، سيِّدي الشيخ عبد الغني السقطي - مَتَّعني الله والمسلمين بحياته، ونفعني وإيّاهم بصالح دعواته - بأن صرت من جملة خدَّامه، وتلامذته وأعوانه؛ خرجت لزيارته في بعض الأيام؛ لأقتبس من أنواره ما يجلو عن القلب

17

الظلام، فأراني رسالةً لوالده الهُمَام النِّحرير(١)، والعالم المدقق البصير، الشيخ عبد القادر السقطي - سقى الله ثراه صبيبَ الرحمة والغفران - في فضل الجماعة السَّنِيَّة، وما ورد فيها من الأخبار المرويَّة، وأمرني أن أضمّ إليها ما اطلعت عليه من الفوائد التي يُسَرُّ بها الخاطر، مع التصرّف في ترتيبها على حسب فهميَ القاصر، وفكريَ الفاتر.

هذا، وإن كنتُ لستُ أهلاً لذلك؛ لكن حُسْنُ ظنِّه فيّ، وامتثالُ أمرِه الواجبٍ عليَّ، لسابق إحسانه إليّ، دعاني لأن أسلك تلك المسالك، وسمّیتها:

((بذل المَرام، في فضلِ الجماعةِ وأحكامِ المأمومِ والإِمام))

ورتبتها على: مقدمة، وبابين، وخاتمة.

فاللَّهَ أسألُ أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون سببًا لحسن الخاتمة.

(١) النِّحْرير والنِّحْر - بكسر النون فيهما - : الحاذقُ الماهر، العاقلُ المجرِّب، المتقِن، الفَطِن، البصيرُ بكل شيء؛ لأنه يَنْخَرُ العلم نحرًا. ((القاموس المحيط)» (ص ٦١٨) - مادة نحر.

18

المقدمة

في بيان الأصل في مشروعية الجماعة

وما ورد في فضلها

اعلم أن صلاة الجماعة مشروعة بالكتاب والسنَّة وإجماع الأمة. وإنما شُرِع لنا الجمعُ في السفر والمطر محافظةً عليها.

قال تعالى:

﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ... ﴾ الآية [النساء: ١٠٢]؛ أمر بها سبحانه وتعالى في الخوف، ففي الأمن أَوْلى.

ومن السنَّة: خبر الصحيحين(١): ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ - أي: المنفرد - بسبع وعشرين درجة))، وفي رواية: ((بخمس وعشرين درجة))(٢).

(١) ((صحيح البخاري)) (١٣١/٢) - ((الفتح))، و((صحيح مسلم)) (١/ ٤٥٠، ٤٥١) مِن رواية ابن عمر رضي الله عنهما.

(٢) وردت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجها البخاري (١ / ٥٦٤) (١٣١/٢)، ومسلم (٤٤٩/١، ٤٥٠). ومِن رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجها البخاري (١٣١/٢).

19

قال في «المجموع» (١): ولا منافاة بين الروايتين؛ لأن القليل لا ينفي الكثير، أو أنه أخبر أولاً بالقليل ثم أُخبر بزيادة الفضل، فأخبر بها، أو أن ذلك يختلف باختلاف المصلين (٢). اهـ.

أو أن الاختلاف بحسب قرب المسجد وبعده، أو أن الأولى (٣) في الصلاة الجهرية، والثانيةَ في السرِّية؛ لأنها تنقص عن الجهرية بسماع قراءة الإِمام والتأمين لتأمينه، إذ روى الشيخان (٤): «إذا أمَّن الإِمام فأمِّنوا، فإنه مَن وافق تأمينُهُ تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه».

وخبر ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «مَن سرَّه أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا فلْيحافِظْ على هؤلاء الصلواتِ حيث يُنادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهُدَى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنَّة نبيكم لضللتم [ ..... ] ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها» (٥).

(١) (٤/ ٨٤) - ط مكتبة الإِرشاد - جدة.

(٢) أي تكون لبعضهم خمس وعشرون، ولبعضهم سبع وعشرون، بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها ... ذكره في «المجموع» (٤/ ٨٤).

(٣) أي الرواية الأولى.

(٤) «صحيح البخاري» (٢٦٢/٢)، و«صحيح مسلم» (٣٠٧/١) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) في الأصل: «منا»، والتصويب من مسلم.

20