وعندي أن السبب الأخير مصنوع؛ لأن النساء لم ينفردن بالترف والزينة، ولأن الحقد على الرجل المترف أولى من الحقد على المرأة المترفة، ولو كان هؤلاء صادقين في دعواهم الانتقام من النساء المتبرجات لكان لهم مضطرب واسع في الانتقام من الرجال المتأنقين.
والسبب الصحيح هو بغض الرجل لحرية المرأة، وتلك ظاهرة طبيعية، نكون مكابرين إن جحدنا وجودها في الطباع، وهذا هو السر في ترك الرجل امرأته الجميلة وهتكه لحرمة امرأة قد تكون دون زوجه جمالا وصباحة ! وضياع الشرف قيد في الرجل وغل في العنق، تصبح المرأة بعده من سقط المتاع، والمرأة الساقطة أكثر ما تكون هوانا في عين من أغراها بالسقوط، فإذا عفت المرأة وصانت نفسها عن الغواية؛ ذل الرجل وصغر، وأطال فيها قصائد التشبيب، فهل يفهم النساء؟
بين الهدى والضلال
قرأت في جريدة «الليبرتيه» فقرة تحت عنوان «الشعراء الفاسقون»، ولو أردنا الدقة في التعريب لقلنا «الشعراء الغاوون»، ولكن كلمة الغاوي أخذت في العرف معنى غير معناها القديم، وعنوان تلك الفقرة هو عنوان كتاب فرنسوي جميل جمع بين دفتيه قصائد مختارة بديعة لشعراء فرنسا الأقدمين الذين وصفوا المرأة وتغنوا بطرفها الساحر، وخدها الأسيل.
وقد بين الكاتب أن هذه القصائد القديمة تبهره أكثر مما يبهره وصف المرأة في الشعر الحديث، وقد تساءل عن السبب في هذا السحر الذي انفرد به الأقدمون، وحرم منه المحدثون، مع وجود الوحدة في اللغة والموضوع، ثم أجاب عن ذلك بأن المحدثين لم يرزقوا صفاء السريرة، وإن رزقوا قوة الذكاء.
فهل يسمع أنصار الأدب الجديد، أولئك الذين يريدون أن يكون الشاعر عبدا للوزن والقافية، فلا يثبت كلمة إلا حذف كلمة، ولا يعرض عن الحقيقة إلا أقبل على الخيال، فإذا انتهى من المشاكل اللفظية والمعنوية ذهب يتسمع أقوال الكتاب ويتلفظ آراء الشعراء؛ ليكون شعره غاية الغايات في إقناع العقول وإمتاع القلوب.
فإن أراد القارئ مثالا من الشعر المطبوع والمصنوع فليقرأ هذا البيت:
ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفا لك قلبي وهو يحترق
ثم ليقرأ هذين البيتين:
Unknown page