وبينما نحن سائران التفتنا فإذا برجل جالس على صخرة غبراء وفي يده كيس يأخذ منه الملح قبضة بعد قبضة ويطرحها في البحر.
فقالت لي نفسي: هو ذا المتشائم الذي لا يرى من الحياة سوى ظلها، وليس المتشائم بخليق أن يرى جسدينا العاريين، فلنغادر هذا المكان إذ لا سبيل إلى الاستحمام ها هنا.
فتركنا ذلك المكان وتابعنا المسير حتى وصلنا إلى خور في الشاطئ، فإذا برجل واقف على صخرة بيضاء وفي يده صندوقة مرصعة بالجواهر وهو يتناول منها قطعا من السكر ويرمي بها في البحر.
فقالت لي نفسي: «هو ذا المتفائل الذي يستبشر بما لا بشر فيه، وحذار من المتفائلين أن يروا جسدينا العاريين».
فعدنا نواصل السير حتى عثرنا على رجل واقف بقرب الشاطئ يلتقط الأسماك الميتة ويعيدها بحنو إلى البحر.
فقالت لي نفسي: «وهذا هو الشفوق الذي يحاول إرجاع الحياة لمن في القبور، فلنبتعد عنه».
ثم انتهينا إلى حيث رأينا رجلا يرسم خياله على الرمال فتجيء الأمواج وتمحو ما رسمه وهو يتابع عمله المرة بعد الأخرى.
فقالت لي نفسي: «هو ذا المتصوف الذي يقيم في أوهامه صنما ليعبده، فلندعه وشأنه ».
ومشينا إلى أن أبصرنا في خليج هادئ رجلا يكشط الزبد عن سطح الماء ويضعه في إناء من العقيق.
فقالت لي نفسي: «هو ذا الخيالي الذي يحوك من خيوط العنكبوت رداء ليلبسه، وهو ليس بجدير أن يرى جسدينا عاريين».
Unknown page