هم تلك القضبان اللينة التي تميل إلى اليمين وإلى اليسار، ولكن بدون إرادة، وترتعش في الصباح وفي المساء، ولكنها لا تدري أنها ترتعش.
هم تلك السفينة التي تصارع الأمواج وهي بدون دفة ولا شراع، أما ربانها فالتردد وأما ميناؤها فكهف تسكنه الغيلان. أوليست كل عاصمة في أوروبا كهفا للغيلان؟
هم الأشداء الفصحاء البلغاء، ولكن بعضهم لدى بعض، والضعفاء الخرسان أمام الإفرنج.
هم الأحرار المصلحون المتحمسون، ولكن في صفحهم وفوق منابرهم، والمنقادون الرجعيون أمام الغربيين.
هم الذين يضجون كالضفادع قائلين: لقد تملصنا من عدونا الطاغية القديم، وعدوهم القديم الطاغية ما برح يختبئ في أجسادهم.
هم الذين يسيرون أمام الجنازة مزمرين راقصين، حتى إذا ما التقوا موكب العرس تحول تزميرهم إلى نواح ورقصهم إلى قرع الصدور وشق الأثواب.
هم الذين لا يعرفون المجاعة إلا إذا كانت في جيوبهم، فإذا ما التقوا من كانت مجاعته في روحه ضحكوا منه وتحولوا عنه قائلين: ما هذا سوى خيال يسير في عالم الأخيلة.
هم أولئك العبيد الذين تبدل الأيام قيودهم المصدأة بقيود لامعة فيظنون أنهم أصبحوا أحرارا مطلقين.
هؤلاء هم أبناء لبنانكم، فهل بينهم من يمثل العزم في صخور لبنان أم النبل في ارتفاعه أم العذوبة في مائه أم العطر في هوائه؟ هل بينهم من يتجرأ أن يقول: إذا ما مت تركت وطني أفضل قليلا مما وجدته عندما ولدت؟ هل بينهم من يتجرأ أن يقول: لقد كانت حياتي قطرة من الدم في عروق لبنان أو دمعة بين أجفانه أو ابتسامة على ثغره؟
هؤلاء هم أبناء لبنانكم، فما أكبرهم في عيونكم وما أصغرهم في عيني!
Unknown page