ألا ليتها كانت ابنة زراع ترعى أغنام أبيها في الأودية وتعود مساء إلى كوخ أبيها وعلى قدميها غبار المنعكفات وبين طيات ثوبها رائحة الكروم. حتى إذا ما جن الليل ونام سكان الحي اختلست خطواتها إلى حيث يترقبها حبيبها.
ليتها كانت راهبة في الدير تحرق قلبها بخورا فينشر الهواء عطر قلبها. وتوقد روحها شمعا فيحمل الأثير نور روحها. وتركع مصلية فتحمل أشباح الخفاء صلواتها إلى خزائن الزمن حيث تصان صلوات المتعبدين بجانب حرقة المحبين وهواجس المستوحدين!
ليتها كانت عجوزا مسنة تجلس مستدفئة في أشعة الشمس بمن تقاسموا صباها، فذاك خير من أن تكون ابنة الملك الأكبر وليس في مملكة أبيها من يأكل قلبها خبزا ويشرب دمها خمرا!
نفسي مثقلة بأثمارها، فهل في الأرض جائع يجني ويأكل ويشبع؟
نفسي طافحة بخمرها؛ فهل من ظامئ يسكب ويشرب ويرتوي؟
ألا ليتني كنت شجرة لا تزهر، ولا تثمر، فألم الخصب أمر من ألم العقم، وأوجاع ميسور لا يؤخذ منه أشد هولا من قنوط فقير لا يرزق.
ليتني كنت بئرا جافة والناس ترمي بي الحجارة، فذلك أهون من أن أكون ينبوع ماء حي والظامئون يجتازونني ولا يستقون.
ليتني كنت قصبة مرضوضة تدوسها الأقدام، فذاك خير من أن أكون قيثارة فضية الأوتار في منزل ربه مبتور الأصابع وأهله طرشان!
حفنة من رمال الشاطئ
كآبة الحب تترنم، وكآبة المعرفة تتكلم، وكآبة الرغائب تهمس، وكآبة الفقر تندب، ولكن، هناك كآبة أعمق من الحب، وأنبل من المعرفة، وأقوى من الرغائب، وأمر من الفقر. غير أنها خرساء لا صوت لها، أما عيناها فمشعشعتان كالنجوم.
Unknown page