Badaic Fawaid
بدائع الفوائد
Publisher
دار الكتاب العربي
Edition Number
الأولى
Publisher Location
بيروت
Genres
Hadith
السماوات فكان لفظ الإفراد أليق بها ثم تأمل كيف جاءت مجموعة في قوله: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ﴾ لما كان المراد نفي علم الغيب عن كل من هو في واحدة من السماوات أتى بها مجموعة وتأمل كيف لم يجيء في سياق الإخبار بنزول الماء منها إلا مفردة حيث وقعت لما لم يكن المراد نزوله من ذات السماء بنفسها بل المراد الوصف وهذا باب قد فتح الله ولك فلجه وانظر إلى أسرار الكتاب وعجائبه وموارد ألفاظه جمعا وإفرادا وتقديما وتأخيرا إلى غير ذلك من أسراره فلله الحمد والمنة لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه هل الرزق من السماء أو من السماوات فإن قيل: فهل يظهر فرق بين قوله تعالى: في سورة يونس: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ﴾ وبين قوله في سورة سبأ: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ قيل هذا من أدق هذه المواضع وأغمضها وألطفها فرقا فتدبر السياق تجده نقيضا لما وقع فإن الآيات التي في يونس سيقت مساق الاحتجاج عليهم بما أقروا به ولم يمكنهم إنكاره من كون الرب تعالى هو رازقهم ومالك أسماعهم وأبصارهم ومدبر أمورهم وغيرها ومخرج الحي من الميت والميت من الحي فلما كانوا مقرين بهذا كله حسن الاحتجاج به عليهم إن فاعل هذا هو الله الذي لا إله غيره فكيف يعبدون معه غيره ويجعلون له شركاء لا يملكون شيئا من هذا ولا يستطيعون فعل شيء منه ولهذا قال بعد أن ذكر ذلك من شأنه تعالى: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ أي لا بد أنهم يقرون بذلك ولا يجحدونه فلا بد أن يكون المذكور مما يقرون به والمخاطبون المحتج عليهم بهذه الآية إنما كانوا مقرين بنزول الرزق من قبل هذه السماء التي يشاهدونها بالحس ولم يكونوا مقرين ولا عالمين بنزول الرزق من سماء إلى سماء حتى تنتهي إليهم ولم يصل علمهم إلى هذا فأفردت لفظ السماء هنا فإنه لا يمكنهم إنكار مجيء الرزق منها لا سيما والرزق هاهنا إن كان هو المطر فمجيئه من السماء التي هي السحاب فإنه يسمى سماء لعلوه وقد أخبر سبحانه أنه بسط السحاب في السماء بقوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ والسحاب إنما هو مبسوط في جهة العلو لا في نفس الفلك وهذا معلوم بالحس فلا يلتفت إلى غيره
1 / 117