40

سارت في طريق الجبل، وكانت تسبق رؤبة إلى الدرب قبل أن يدل عليه بالقول أو بالإشارة فتعجب لها، وأدركه شيء من الخجل؛ إذ لم يعد يرى نفسه في منزل الدليل العظيم الفائدة لرفيقه. فقال لصاحبه وهو خجل من نفسه: لا أراني والله أستحق أن تحملني الناقة على ظهرها، فإن معك دليلا أبصر مني بالطريق وأعجل. لكأني بالناقة ... فضحك ورقة لهذا ضحكا لم يسبق أن امتلأ صدره منذ ما غادر مكة يطلب العقاقير والطب في اليمن. ضحك لصراحة الغلام فيما استشعر، وطيب خاطره فقال له: بل إن حديثك معي أثمن من كل شيء.

وإذ وجد رؤبة من رفيقه ارتياحا إلى الكلام المزهر ترك للناقة أمر الطريق، ولم ينقطع عن مؤانسته بما لديه من أخبار اللص، ومشاحناته مع الشمطاء خالة امرأته، وكيف أنه حملها وهي كما رأى من الضعف على تعلم الرمي بالقوس؛ لتكون له عونا عند الحاجة، وكيف كان يذمها إذا هي أخطأت المرمى، ويضربها على إضاعة السهام سدى، ويحملها على تدلي الجبل للبحث عن النشاب الطائش حتى لم تجد المرأة بدا من أن تتعلم صناعة السهام من خشب الغضا،

3

لتعوضه مما يضيع، وكيف أنها وقفت دونه مرة لتطلق عليه الوتر إثر ما ضربها فصاح في وجهها وسقطت هي والقوس ذعرا، وورقة يضحك من رواياته ويعجب لاختياراته إلى أن صعدت بهما الناقة تبة عالية لاحت نجران من أمامها تحت نخيلها وأشجارها ناصعة في شمس المغيب كأنها ملاءة بيضاء مبسوطة في عرصة الدار، ولاحت قافلة مكة في مكانها من سفح الجبل على كبرها وكثرة حمولها وعددها، كأنما هي رقش يزين حواف هذه الملاءة.

طرب ورقة لرؤيتها وأمل أن يجد فيها الجيرة والأصدقاء؛ لأنها قافلة مكة بيد أنه قدر أنه غير بالغ نجران قبل أن ينقضي الهزيع الأول من الليل، ولكن رؤبة استمسك برأيه؛ لأنه رأى الناقة تطوي الطريق طيا فهي لا بد أن تدركها قبل انقضاء العشية.

ولقد صدق حدس رؤبة وتقديره، فقد بلغا نجران في العشية مع غيرهم من ركبان تأخروا في الورود مثلهم إلى نجران، وكانوا راحلين في القافلة إلى ديار مذحج

4

فانصرفوا إلى مستقرها. أما ورقة فلم يذهب معهم بل التمس الطريق إلى الكنيسة في ذراها، وخاض غمار الناس؛ إذ كانوا عائدين من سهرتهم مع القافلين.

الفصل السابع

حراس الباب

Unknown page