100

صلى الله عليه وسلم

دعاه إلى الله وإلى الإسلام، وتلا عليه بعضا مما أنزل الله عليه من القرآن، فصغرت في عينه حكمة لقمان التي كان يستهدي بها في رأيه وشعره، وطابت نفسه للقرآن، وآمن برسول الله، وعاد إلى موطنه يتحدث عن رسول الله، ويقول للأوس ولكل من كان يتصل به: يا قوم، إن الذي يخبرنا اليهود بمقدمه قد جاء. هذا الذي في يده خلاصنا من ذلة الإيمان بغير الواحد الأحد. هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. نور الله الذي يرتقبه اليهود رجاء أن يعتزوا به علينا يوم تتم دعوته في قريش. فانهضوا إليه وآمنوا به، وبايعوه لا تسبقكم اليهود إليه.

والواقع أن لليهود فضلا غير مقصود في أن كان الأوس والخزرج على تمام الاستعداد لقبول دعوة الإسلام، وحمل أمانته. فقد كانوا في عهود جوارهم لليهود يرجون لو يتهودون كما تهودت حمير، ويدخلون في دين اليهود لا حبا في اليهود، بل فرارا من ذلة النفس بابتاع دين غير كريم هو دين الوثنية المكية التي كانوا عليها، ولكن أحبار اليهود كانوا يأبون عليهم هذا التهود

9

ويحولون دونه قائلين: «إن اليهودية وقف على بني إسرائيل من أولاد إبراهيم» حين أن المانع الأكبر كان في أن إدماج الأوس والخزرج فيهم معناه زوال شخصيتهم الإسرائيلية برجحان العربية عليها، وزوال اختصاصهم بالعز والسلطان، ولذلك أبى الأحبار أن يهودوهم، ومن ثم بقي الأوس والخزرج على وثنيتهم الكريهة التي كان اليهود مع ذلك يعيرونهم بها، ويسفهون أحلامهم للاستمساك بها.

9

من أجل هذا كان حديث سويد وإياس وورقة مع من يتصلون بهم من الأوس والخزرج حديثا مشتهى؛ لأن الرسول

صلى الله عليه وسلم

عربي وهم عرب فهم أحق به، وهو أحق بهم من كل إنسان، ودينه دين توحيد وإخاء ومساواة، فهو خير بديل من دين اليهودية المحتكر، ثم هو لا ينكر أحدا من الأنبياء كما يفعل اليهود مكابرة وأنانية ويعظم عيسى بن مريم تعظيما هم يعلمون أنه يستحقه وإن أنكره اليهود وكذبوه؛ ولهذا أكبر الأوس والخزرج هذا الدين، ولاسيما لأنه دين الحنيفية السمحة؛ دين أبيهم إبراهيم أبي إسماعيل وإسرائيل الذي هم عليه فعلا لولا ما دخل عليه من بدعة الأوثان.

وحنت نفوسهم إلى اعتناقه وإعلاء كلمته، ولكن الناس إذا حنت نفوسهم إلى أمر كان لا بد لهم أن يأتموا بزعيم منهم تجتمع في نفسه عواطفهم وأعراضهم؛ ليقودهم حيث يريدون. غير أن الزعماء كانوا مشغولين يومئذ بما يملأ نفوسهم من العداوات والأحقاد، والتوفر على الثأر والانتقام بعضهم من بعض. مقفلي الأعين عن النور الذي لو تأملوه؛ لاهتدوا به إلى السلام، وإلى المنعة وسعادة الدارين، ولذلك لم يستطيعوا أن يبصروا هذا النور، حتى أفرغوا في ميادين الحرب ما كان في قلوبهم من دماء الذئاب. يومئذ صفت النفوس وراق الجو للمبصرين، ومن ثم تأخرت بيعتهم الرسول على الإسلام، ودعوته إلى الهجرة إليهم ست سنين.

Unknown page