كانت مجالس الناس كالعناقيد على المقاهي كما هي في مصر، وكانت هناك الحوانيت الضيقة والمركبات البطيئة، والناس إذ يتحدثون والملابس والألوان والصيحات راضية وساخطة، كانت كل هذه مناظر عهد فؤاد وعلية مثلها في مصر، فكانا يعجبان ما الذي يفصل هذه البلاد بعضها عن بعض ويقطعها قطعا وما هي سوى رقعة خلقها الله لتكون واحدة؟!
وقضيا في المدينة صدر اليوم كله، ثم مالا على فندق مطل على البحر ليتغديا فيه، وأخذ الحديث يجري سهلا غير منقبض، فأعاد إلى فؤاد ذكرا من أيامهما بالإسكندرية، وخيل إليه أن علية كانت تود لو وجدت وسيلة إلى الإفضاء إليه بمكنون أشجانها، ولكنها كانت كلما بدأت في شيء من ذلك ترددت ونكصت، ولم يجرؤ فؤاد على أن يبدأها بسؤال؛ خوف أن يكون فيه اقتحام لما تؤثر إخفاءه.
ثم تجرأ آخر الأمر فقال لها: أأنا واهم يا علية إذ أرى عليك أثرا من هم؟
وترددت علية في الإجابة فمضى فؤاد قائلا: إنه فضول مني أن أسألك مثل هذا السؤال، ولكني أعتمد في جرأتي على إخلاصي ومودتي.
فرفعت رأسها وقالت في حرارة: بل هو تفضل منك يا فؤاد أن تسألني سؤالك هذا، ولقد شكرت الله منذ رأيتك هنا، كأنه أراد أن أجد في هذه الجبال النائية صديقا أستطيع أن أثق بمودته فأفضي إليه بما عندي.
فقال فؤاد مرتاحا: إنني سعيد يا علية إذ أعرف أنني ما زلت عندك صديقا.
فقالت علية: أتشك في معزتك عندنا؟ لقد كنت دائما أنظر إليك كما أنظر إلى أخي.
ووثب قلبه عند ذلك وأعاد قولها في نفسه كئيبا، إنها لا تنظر إليه إلا كما تنظر إلى أخيها.
وأطرق يفكر في الأحلام البعيدة التي غرق فيها حينا في الإسكندرية إذ كان ينعم بسعادة من الوهم يتخيلها في نظراتها وبسماتها.
كان يخيل إليه عند ذلك أن نظراتها تتحدث أحيانا إليه عاطفة وتناجيه قائلة: «هذه الحياة لنا»، ولكنها كانت في كل ذلك تنظر إليه كما تنظر إلى أخيها.
Unknown page