فتمتم مجيبا بكلمة لم يكد يتبين لفظها، وهبط يسير نحو الباب مسرعا، وذهب معه سعيد يشيعه إلى المحطة في عربته، وأحس كأن عبئا أزيح عن صدره عندما وجد نفسه في عربة القطار وحيدا، وأسلم نفسه لخواطره الحانقة.
وبلغ بيته آخر الأمر فقضى سائر ليلته ساهدا حتى طلع الصباح، وذهب إلى عمله فاتر الجسم، ولكن قلبه كان ثائرا يريد أن تجتمع عنده كل الهموم السوداء لعل انشغاله بها يصرفه عن الأحاديث الحانقة التي كانت تضطرب فيه.
وعزم على أن يقطع ما بينه وبين الإسكندرية فلا يزورها حتى لا تقع عينه على صدقي مرة أخرى، ومضت أيام الأسبوع ونفسه موزعة بين الحنق حينا والكآبة حينا، حتى جاء يوم الخميس فسأل نفسه: ألا يزور الشاطئ مرة أخرى؟ وحاول أن يصرف عنه هذا الخاطر مرارا، ولكنه وجد نفسه آخر الأمر يركب أول قطار في صباح الجمعة إلى الإسكندرية، ولم يتردد في أن يذهب إلى دار سعيد ويدعو نفسه إلى الغداء مع الأسرة، وكان سعيد في مكتبه، فدخل عليه متكلفا أن يبدو مرحا غير متكلف، فما وقعت عين سعيد عليه حتى صاح به قائلا: لقد أحسست أنك آت للغداء معنا اليوم.
فقال فؤاد: هو قلبك المؤمن دائما يا سعيد.
وجلسا يتحدثان على عادتهما.
ودخلت علية باسمة فقالت: مرحبا بك يا فؤاد، لقد لمحتك من النافذة داخلا.
فخفق قلب فؤاد وهجم عليه شعور قوي من السعادة وقال لها: يخيل إلي أننا افترقنا أجيالا طويلة.
فقالت علية ضاحكة: لقد كانت إقامتنا في الريف - بلا شك - أجيالا طويلة.
فقال سعيد: لست أدري إذن كيف نعيش إلى اليوم.
فقالت علية: لست أفهمك يا أستاذي.
Unknown page