فقال فؤاد في دهشة: لم أفكر في هذا؟
فقال الأب: أكبر ظني أنه قد سطا على أقرب جار فأخذه.
فتبسم فؤاد كأنه لا يصدق وقال: إذن فأنا شريكه.
فقال الأب: خذه كما هو يا ولدي، وحاول - كما قلت لك من قبل - أن تجعل منه إنسانا، حاول ألا تضيق بالشخص الأسفل الذي فيه؛ لكي تظهر منه الشخص الأعلى.
ولقد زادت دهشة فؤاد بعد أيام عندما عرف صدق فراسة أبيه، فإن ذلك الحمل كان حقا لأحد جيرانه، فمد إليه يده ليولم به وليمته، ولم يفض النزاع الذي ثار بين قوية وجاره إلا أن تدخل الأفندي، فدفع لصاحب الحمل ثمنه.
وبقيت من مدة الصيف أيام، وفؤاد ما يزال يحس في نفسه نزاعا يكاد لا يفارقه، فكان بين حين وحين يحتجب في الدار نهارا حتى إذا أقبل الليل قضى صدرا منه ساهرا وحده يطل على الحقول الصامتة، تؤنسه موسيقاها الوحشية، وتومض من فوقه النجوم البعيدة التي لا تفصح عن سرها.
ثم مضت تلك الأيام الباقية واستعد فؤاد للسفر وودع أبويه كما ودع العزبة وأهلها وكل أركانها.
وركب إلى المحطة آخر الأمر عائدا إلى القاهرة؛ كي يستأنف دراسته في عامها الأخير.
وسار قوية وراءه يودعه مع ثلاثة من الفلاحين يحملون حقائبه، وكان قوية يسير نشيطا منشدا طروبا، على حين كان فؤاد صامتا يكاد يكون حزينا، يتلفت حوله إلى الحقول وإلى الكوم والبركة الخضراء.
ولما مر بحقل تعويضة قامت تجري نحوه وهي تصيح: مع السلامة يا حاج فؤاد.
Unknown page