يا سيدي أنَّ القضية عول على المقام والاستسلام، وخلوف فيها رأي الخليفة الرشيد لمّا تحول في مثلها عن سكنى دار السلام، بمحضر أركان الدين وأعلام الإسلام؛ وقد سمعت في الأجوبة الظريفة، ما صدر من قوله: أخشى أن أكون أول خليفة؛ وقد كنت يا سيدي أرتجي أن يكون لهذا المرض ارتفاع، أو يحصل بدخول فصل البرد انتفاع؛ فتركت الكتب منتظرة لذلك إلى أن تزايدت الحال وأنت على حالك، لا يمر الترحال بخاطرك ولا ببالك، وأنا أقول: أما واجب التسليم، لتقدير العزيز العليم؛ فمتأكد شرعًا، لا يضيق به المؤن ذرعًا؛ لكن ما يفعل المستسلم بالروح والجسد، إذا قيل له اهرب من الأسد؛ وقد أبصره مقبلا إليه، أو منقضا عليه؛ أنَّ يأخذ في تحفظه واحتراسه، أم يصبر لافتراسه؟ ومن قيل له في ظلم الليل: ارتفع عن هذا المكان تنج من السيل؛ أنَّ ينام في مكانه، أم يبادر إلى السلامة بجهد إمكانه؟ ومن نوى: هذه الخيل قد طلعت مغيرة، والرعاة في الجبال مستجيرة؛ فارفع غنمك قبل الاكتساح، فالوقت في انفساح؛ أيتركها تسرح، ولا يبرح؛ أم يرفعها لتسلم، مما تدرب وتعلم؟ وكذلك إذا قامت الرماة صفوفا وأصابت سهامهم من الخلق ألوفا؛ أيرجح الحق يباعدًا أم وقوفًا؟ وكذلك أيضًا المنازل، التي تدوم بها الزلازل فأرضها في كل يوم تميد، ودهش القلوب بها حاضر عتيد أو الخسوف بها في يوم ينقض وفي يوم يزيد لا تسمع فيها إلا سقوط جدار، على ركن دار؛ وانفكاك الأركان، على السكان؛ وإخراج ميت، من تحت بيت؛ وسقوط سارية، على جارية؛ أيعزم على السكنى والاستيطان تحت هذه الحيطان؛ أم يؤخذ في الاحتيال،