ألا لله درك من رئيس
ثم مضت الأيام وتتابعت فيها الأحداث، حتى إذا دار العام رأى الفتى نفسه يتهيأ للامتحان في الأزهر لينال درجة العالمية. وقد تلقى الفتى ما كان يسمى حينئذ بالتعيين، وهو الدروس التي يجب أن يعدها ليلقيها أمام لجنة الامتحان، ويثبت لمناقشة الممتحنين فيها.
فاستعد الفتى وأحسن الاستعداد، وحفظ فأحسن الحفظ، حتى إذا لم يبق بينه وبين شهود الامتحان إلا سواد الليل، وأقبل عليه شيخه المرصفي رحمه الله فأنبأه هذا النبأ العجيب الذي لم يحمله إليه في ضوء النهار، وإنما حمله إليه في ظلمة الليل، بعد أن صليت العشاء.
قال الشيخ: إذا أصبحت يا بني فاستقل من الامتحان ولا تحضره من عامك هذا، فإن القوم يأتمرون بك ليسقطوك.
قال الفتى: وما ذاك؟!
قال الشيخ: تعلم أني عضو في لجنة الامتحان التي ستحضر أمامها غدا، والتي يرأسها الشيخ دسوقي العربي، فقد دعي رئيس اللجنة إلى الشيخ الأكبر وأمر بإسقاطك مهما تكن الظروف.
قال الفتى: ولكني سأحضر أمام لجنة أخرى يرأسها الشيخ عبد الحكم عطا.
قال الشيخ: فإن هذه اللجنة لن تجتمع؛ لأن رئيسها أبى أن يسمع للشيخ الأكبر حين أمره بإسقاطك، فلما ألح الشيخ الأكبر عليه ألح هو في الإباء، فلما خيره الشيخ الأكبر بين إسقاطك وبين ألا تجتمع لجنته، آثر ألا تجتمع اللجنة، وقال: إنما هو غداء وثلاثون قرشا!
وأبى الفتى أن يستقيل على رغم إلحاح الشيخ المرصفي عليه في ذلك، ونام ليله هادئا موفورا، واستقبل صباحه راضيا مسرورا، وغدا على لجنة الامتحان، وكانت مجتمعة في مكان في الدراسة لا يعرف الفتى أقائم هو أم درس فيما درس من المنازل والدور.
غدا على لجنة الامتحان فألقى التحية، وجلس، وكان أعضاء اللجنة يشربون الشاي.
Unknown page