أما نحن فنقول: الأمم المتمدينة فطانتهم بتراء، فإن أكابرهم وسواسهم وعلماءهم يعلمون الحقائق ويدرسون، وأكثرهم جهال غافلون، فيغلب أهل الشره والطمع وجمع المال وحب الغلب على أولئك السواس، فيأتمرون بأمرهم، ويصبحون ذوي وجهين وقلبين ولسانين؛ قلب عالم بالحقيقة عاطف على الإنسان، وقلب مطيع لأولئك الغافلين الطامعين الظالمين، فينقلب العلم جهلا، وتكون الصناعات والعلوم أول معوان على الفتك والأذى، بحيث لو كانوا أقل علما لكانوا أقل ضررا، وأمنع أذى وأبعد سوء.
ففطانة الأمم داعية لازدياد شرههم وحرصهم وخضوع الفضلاء منهم للظالمين الطاغين، وتكون فطانتهم الناقصة من دواعي شرههم وأذاهم ومكرهم، ومتى ارتقت الأمم وصارت فطانتها كاملة ذهبت الأحقاد والمطامع وعاش الناس سعداء آمنين.
المذكرة الحادية عشرة: التبجح بدعوى المعرفة مفسدة للأخلاق
قلنا: إن فطانة الناس بتراء، وهم يدعون أكاذيب كثيرة، ويفتخرون بأنهم يعلمون، ولكن أكثرهم يجهلون، يتبجح الرجل بقوله: نحن علماء، نعلم أن الشمس أكبر من الأرض مليون مرة ونحو ثلاثمائة ألف مرة، وهو لم يقرأها إلا في كراسة المعلم، وما يدري أحدهم كيف استخرج هذا الفلكيون، وعلى أي القواعد الهندسية بنيت، وما تشابه المثلثات الذي هو أساس هذه القاعدة، وما طريقة العمل، فيكون الرجل مقلدا وهو يظن أنه أول العالمين.
إن لذلك أثرا سيئا في الأخلاق والعادات، بحيث يقف الرجل غير خجل ويقول: أخدم الإنسانية، وهو إنما يخدم نفسه فيسحر الناس بقوله، ويصدقونه، وكثيرا ما يلفق الخبر السيئ فيصدق الناس، فتغلو الأسعار، ويرفع قوم ويخفض آخرون؛ ذلك لنقص الفطنة في مجموع الناس.
المذكرة الثانية عشرة: نواب الأمم
كثرت الرشا في انتخاب نواب الأمم، ولو أن طائفة المديرين المتقاعدين والمأمورين والمحامين والقضاة والأطباء والمهندسين والمزارعين وغيرها كل واحدة منها انتخبت عنها واحدا منها أو أكثر لقلت الرشا في الانتخابات كما هو الناموس الطبيعي في جسم الإنسان، إذ يوصل كل عضو أخباره إلى الدماغ بلا حاجة إلى آخر، فتصل الأعصاب من الأعضاء إلى الدماغ من كل عضو أصالة، بذلك تسير الأمم على نظام أتقن وحكومات أعدل، والسلام.
المذكرة الثالثة عشرة: آن أن يعقل الناس المحبة
الأنبياء علموا الناس أن يتحابوا، ولم يكن في طاقة الأمم أن تفهم بالبرهان، وقد آن أن يفهم الناس بالحجة أن ضرر أمة أو فرد ضار بمجموع الإنسان، فليشمر العلماء عن ساعد الجد، وليعلموا الأمم، وليتعاونوا جميعا على غرس فضيلة المحبة ببراهين كالتي ذكرناها، وحجج كالتي سطرناها، وليعلموا أنما الأمم للأمم حياة، ولا سعادة لأمة إلا بسعادة غيرها، وكلما كانت الأمم أكثر كانت السعادة لهم أوفر، وكلما قلت أعدادهم نقصت سعادتهم.
إذا كانوا في حياة إنسانية وجامعة عقلية يبلغون ما يريدون من المادة والمنافع الجسمانية والعلوم العقلية والأدبية.
Unknown page