الناس اليوم في عداوة وعذاب أليم من الحرب والضرب، فإذا أضاءت عقولهم كما أضاءت هذه الكهرباء أغدقت عليهم النعم، وأصبحوا في سلام آمنين، النور الساطع الساعة من الكهرباء، والكهرباء في سائر الأجسام المادية.
إن الأرواح الإنسانية فيها كهرباء المحبة والمودة والجاذبية الإنسانية، فإذا اكتشفت تلك الكهرباء أضاءت للناس، وأسعدتهم وبدلت العداوة بالمحبة والمشقة بالسهولة، وحملت عنهم مشاق الحروب والأذى والنفقات العظيمة، كما حملت الكهرباء عن الناس أثقالهم، وأدارت آلاتهم، وحملت أمتعتهم، وخاطت ملابسهم وأضاءت منازلهم.
وإذا كانت المادة حاوية لهذه المحبة الكهربائية أفلا تحمل القلوب ما هو أجل وأبهى من أنواع الجمال والعشق والمودة الناجم عنها السعادات.
الحكمة الرابعة عشرة: أزرار صداري
ركبت الترام يوما وأنا لم أزر أزراري فأحسست ببرد فأدركت أني نسيت أن أزر الأزرار، وقلت: أيؤاخذ المرء على النسيان أو يعذب الناس على غفلتهم! إن هذا لعجب عجاب، غفلت عن زر أزراري، فكيف أؤاخذ على ما لم أعلم.
ثم أيقنت أن هناك فرقا ما بين الذنوب المادية، والآثام الروحانية، فالآثام الروحانية تكون على ما تعمدنا من الأعمال، والذنوب الجثمانية لا تذر قاصدا، ولا ساهيا، ولا ترحم جاهلا بها ولا عالما، فلها قانون لا تتخطاه، وحد لا تتعداه، فالأمم الجاهلة تذوق العذاب، وتسام الخسف من الله والناس وإن صلحت نفوسها.
فالتقوى قسمان؛ تقوى الأرواح وهي التي قررها الأنبياء، وتقوى الأجسام وهي التي تتبع النواميس الطبيعية المحدودة.
وأهل الأرض نوعان نوع أحكموا نياتهم وقلوبهم كالبراهمة والبوذيين من أهل المشرق الأقصى، وقوم أصلحوا أجسامهم، واتقوا مصارعها، وساروا على نهج النظامات الطبيعية في الأحوال المادية، ولم يلاحظوا من آداب أرواحهم إلا على مقدار ما لاحظ أهل الشرق الأقصى من أحوال أجسامهم، فاستهزأ الجثمانيون بالروحانيين، وعدوهم من الأنعام، وساموهم سوء العذاب، والطرفان ضالان، ألا إن العدل أن يتوسط الطرفان، ويصير وسطا في الجثمانيات والروحانيات، وإلا قامت قيامتهم وساءت حالهم أجمعين.
الحكمة الخامسة عشرة: الأرواح وتقاطعها وتواصلها
كنت في جماعة من الإخوان، ونحن جالسون في بهو، وهم مجدون في أعمالهم، منصرفون عما عدا أشغالهم. فقلت: إن لكل منهم شأنا يغنيه، ولا يعلم أحد منهم ما في نفس أخيه، ولا يحس بما يحس به، فهم أشتات متفرقون، ثم فكرت من وجه آخر وقلت: أنا أحس بما يؤلمهم، وأجزع لما يدهمهم، إذا أصيب أحدهم بحرق أو غرق أو فقد صديق أو جرح عضو أو خدش عرض، أأنا إذ ذاك لا أشعر بمصيبته ولا أتأثر لنكبته؟ كلا، فالناس جميعا يتراحمون ويتعاطفون ولو كان أحدهم شرقيا والآخر غربيا، ألا إن بين النفوس عطفا ورحمة يبرزها الفرح والترح كما تتقد النار في الأحجار، والكهرباء بالقدح والحركة، فهكذا المحبة العامة والسلام العام سيكونان بقدح زناد الآراء واستخراج شعور النوع الإنساني.
Unknown page