وزدت أنك أنت
زجاجة العطر
ما نفع رقة روحي؟
رسم الحبيبة
البلاغة تتنهد
رسالة للتمزيق ...1
القمر1
قال القمر ...
نظراتها
استمداد فلسفة
Unknown page
صرخة ألم ... وألم الحب
مني السلام
الحبيبات والمصائب ...
رسالة الابتسامة
جواب الزهرة الذابلة
يا للجلال
الأشواق
كتاب رضا
رواية القلم
نار الكلمة
Unknown page
المتوحشة ...!
أما قبل
جواب غريب
كذب مصور
لماذا ... لماذا؟
كتاب لم تكتبه ...
قالت وقلت
الغضبى1
هدية شتم ...
متى يا حبيب القلب
Unknown page
صلاة في المحراب الأخضر
شجرات الشتاء
رسالة الطيف1
في العتاب
في الأحلام
في معاني التنهدات1
أليس كذلك
النجوى
هل أخطأت ...؟
قلت وقالت1
Unknown page
يا قلبي!
البحر
فلسفة المرض
يوم النوى
الهجر
من قلمها
وهم الجمال
والسلام عليها
وزدت أنك أنت
زجاجة العطر
Unknown page
ما نفع رقة روحي؟
رسم الحبيبة
البلاغة تتنهد
رسالة للتمزيق ...1
القمر1
قال القمر ...
نظراتها
استمداد فلسفة
صرخة ألم ... وألم الحب
مني السلام
Unknown page
الحبيبات والمصائب ...
رسالة الابتسامة
جواب الزهرة الذابلة
يا للجلال
الأشواق
كتاب رضا
رواية القلم
نار الكلمة
المتوحشة ...!
أما قبل
Unknown page
جواب غريب
كذب مصور
لماذا ... لماذا؟
كتاب لم تكتبه ...
قالت وقلت
الغضبى1
هدية شتم ...
متى يا حبيب القلب
صلاة في المحراب الأخضر
شجرات الشتاء
Unknown page
رسالة الطيف1
في العتاب
في الأحلام
في معاني التنهدات1
أليس كذلك
النجوى
هل أخطأت ...؟
قلت وقالت1
يا قلبي!
البحر
Unknown page
فلسفة المرض
يوم النوى
الهجر
من قلمها
وهم الجمال
والسلام عليها
أوراق الورد
أوراق الورد
رسائلها ورسائله
تأليف
Unknown page
مصطفى صادق الرافعي
فاتحة
بقلم مصطفى صادق الرافعي
إنه ليس معي إلا ظلالها، ولكنها ظلال حية تروح وتجيء في ذاكرتي، وكل ما كان ومضى هو في هذه الظلال الحية كائن لا يفنى، وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة بأسره مترجما إلى لغة عينيه، أصبحت أراها في هجرها طبيعة حسن فاتن مترجمة بجملتها إلى لغة فكري.
كان لها في نفسي مظهر الجمال، ومعه حماقة الرجاء وجنونه، ثم خضوعي لها خضوعا لا ينفعني ... فبدلني الهجر منها مظهر الجلال، ومعه وقار اليأس وعقله. ثم خضوعها لخيالي خضوعا لا يضرها ...
وما أريد من الحب إلا الفن، فإن جاء من الهجر فن فهو الحب ...
كلما ابتعدت في صدها خطوتين رجع إلي صوابي خطوة ...
لقد أصبحت أرى ألين العطف في أقسى الهجر؛ ولن أرضى بالأمر الذي ليس بالرضا، ولن يحسن عندي ما لا يحسن، ولن أطلب الحب إلا في عصيان الحب، أريدها غضبى، فهذا جمال يلائم طبيعتي الشديدة، وحب يناسب كبريائي ودع جرحي يترشش دما، فهذه لعمري قوة الجسم الذي ينبت ثمر العضل وشوك المخلب، وما هي بقوة فيك إن لم تقو أول شيء على الألم.
أريدها لا تعرفني ولا أعرفها، لا من شيء إلا لأنها تعرفني وأعرفها ... تتكلم ساكتة وأرد عليها بسكوتي. صمت ضائع كالعبث، ولكن له في القلبين عمل كلام طويل ...
صدر من التاريخ
Unknown page
بقلم مصطفى صادق الرافعي
هذا الديوان من الرسائل تكملة على كتابين خرجا من قبل، وهما: «رسائل الأحزان» و«السحاب الأحمر» فجملة آرائنا في فلسفة الجمال والحب وأوصافهما هي في هذه الكتب الثلاثة.
ورسائل «أوراق الورد» هذه تطارحها شاعر فيلسوف روحاني وشاعرة فيلسوفة روحانية، كلاهما يحب صاحبه كما يقول الفيلسوف ابن سينا «باعتبار عقلي»،
1
وسيرى القارئ فلسفة حبهما في بعض ما يأتي، كما رأى من ذلك في الكتابين الآخرين، وقد جرت الرسائل بينهما على أغراضهما في أحوال مختلفة يكتب إليها بما عنده منها، وما عند نفسه من نفسه، وما يكون من الوجود المحصور بينهما في حدود الحب، وكأن تلك الكتب الثلاثة هي ما استوجبته الحياة من عمل قلب ذلك الشاعر في تدوين حادثة واحدة من حوادثه، فلو أن بيانا أكثر من أن يكون بيانا لما علمته إلا هذا الأثر من خالصة السريرة في ذلك الشاعر الخالص للحب. الموقوف الضلوع على الهوى! •••
وأما بعد، فإننا لا نعرف في تاريخ الأدب العربي كله رسالة كتبت من هذا الطراز، على كثرة كتاب العربية وكتبها، وعلى ما أبدعوا في فنوان الترسل، وعلى أن هذه العربية من أوسع لغات الدنيا فيما خصت به المرأة، وما أوقعته على صفاتها، وما أقامته على العاطفة إليها، وما حفلت به من ألفاظ معانيها ، حتى لو أمكن أن ترسل لغات الأمم ألفاظها تستبق في المعاني النسائية، لما كان السبق إلا للألفاظ العربية، ولا أوفى على الغاية إلا المعجم العربي وحده!
وفي تاريخ أدبنا ممن اشتهروا بالعشق من نكاثر بهم في هذا الباب، ومن أشهرهم: مجنون بني عامر
2
وصاحبته ليلى، وقيس بن ذريح ولبنى، وتوبة وليلى الأخيلية، وكثير وعزة، وجميل وبثينة، والمؤمل والذلفاء، ومرقش وأسماء، وعروة وعفراء، وعمرو بن عجلان وهند، والمهذب ولذة، وذو الرمة ومية، وقابوس ومنية، والمخبل السعدي والميلاء، ووضاح اليمن وأم البنين، وبشر وهند، وابن أبي ربيعة والثريا (وثريات كثيرة ...) والأحوص وسلامة، ونصيب وزينب، وأبو العتاهية وعتبة، وابن الأحنف وفوز، وأبو الشيص وأمامة، وابن زيدون وولادة، وكثيرون وكثيرات ...
اشتهر من شعراء الغزل خاصة كثيرون، منهم: ابن أدينة، وابن الدمينة، وابن الطثرية، وابن ميادة، وابن مطير، وابن أبي ربيعة، وابن ذريح، والعرجي، والمجنون، وقيس بن الحطيم، وسويد بن أبي كاهل، وكثير الذي قالوا فيه: لو رقى المجنون بشعره لأفاق، وجميل، ونصيب، ووضاح، وعباس بن الأحنف، والخليع، والوأواء، وابن الخياط، وابن زيدون، ومن لا يحصى في المشرق والمغرب والأندلس.
Unknown page
3
واشتهر من الشاعرات المتظرفات الجميلات الموقوفات على الحب: الذلفاء، وعنان جارية الناطفي، ويقولون: إنها أشعر الناس، وجنان صاحبة أبي نواس، وفضل الشاعرة جارية الخليفة المتوكل، وكانت أفصح أهل زمانها وكانت تهاجي الخنساء الشاعرة جارية هشام المكفوف، وعشقت الكاتب البليغ سعيد ابن حميد، وللمتوكل بنان ومحبوبة أيضا، وهما شاعرتان، وفي الأندلس: نزهون الغرناطية، وولادة، وحمدة الملقبة بخنساء المغرب ... وكثيرات غيرهن استوفينا أسماءهن في تاريخ آداب العرب.
وحفل تاريخ العرب بالقيان الظريفات الغزلات، ولا تكاد أسماؤهن تحصى، وهن سر الغزل الحي البديع الذي انفردت به تلك العصور، ولم يظفر الأدب العربي بمثله من بعدها إلى اليوم.
4
وجاء في آدابنا العربية من المؤلفات المعجبة التي أفردت للحب ومعانيه وأهله وأخبارهم ونوادرهم وأشعارهم كتب مجردة: منها كتاب الزهرة الذي ألفه الإمام محمد بن داود الظاهري فقيه أهل العراق
5
وقد جعل كتابه في مائة باب وهو القائل: ما انفككت من هوى منذ دخلت الكتاب! ثم الظرف والظرفاء، وكتب مؤلفه الكثيرة في هذه المعاني،
6
ثم مصارع العشاق الذي وضعه أبو بكر البغدادي السراج المتوفى سنة 509ه وجعله اثنين وعشرين جزءا، وهو أصل لكل ما وضع بعده من الكتب: كأسواق العشاق، وديوان الصبابة، وتزين الأسواق، ومنازل الأحباب، وغيرها ... ومع كل ما رأيت فقد انفرد الشعر وحده بالنسيب والغزل وأوصاف الجمال، وليس لنا كتاب واحد في رسائل الحب، ولا نعرف أحدا من البلغاء كتب فيها، ولعل هذا راجع إلى أن تلك الطريقة استقل بها الشعر في الصدر الأول فقلد الباقون، وأخذوا في مدرجتهم من بعد.
وكأن هذا الباب عندهم مما يرون للشعر به اختصاصا، فهو سبيله دون الكتابة والخطابة؛ لمكان الوزن في الشعر، فتجيء الرسالة الغزلية لحنا غنائيا من طبيعتها، ثم لأنه قد تقرر عندهم أنه يحسن في الشعر من فنون الكذب والمبالغة ما لا يطرد في النثر، حتى إن أكثر الرذائل - كالهجاء ووصف الخمر والمجون - كان ظرفها الشعر، وهي فيه سائغة وفي غيره منكرة، ولا يأتي منها في المنثور إلا قليل.
Unknown page
وقد نصوا على أن للشعر مواضع لا ينجح فيها غيره من الخطب والرسائل بل هو يفضلهما.
قال أبو هلال العسكري في كتاب «الصناعتين» وهو يعد هذه المواضع: «ومن ذلك أن صاحب الرياسة والأبهة لو خطب بذكر عشيق له وصف وجده به، وحنينه إليه، وشهرته في حبه، وبكاه من أجله؛ لاستهجن منه ذلك وتنقص به فيه، ولو قال في ذلك شعرا لكان حسنا».
وقد توفي العسكري سنة 395 للهجرة، وعلى كثرة ما حشد في كتابه من فنون النثر وطرائفه لم يأت برسالة واحدة بين حبيبين، إلا ما أورده في باب: (ما يحتاج الكاتب إلى ارتسامه وامتثاله)، قال: وينبغي أن يكون الدعاء على حسب ما توجبه الحال بينك وبين من تكتب إليه ... وقد كتب بعضهم إلى حبيبة له: عصمنا الله وإياك مما يكره. قال: فكتبت إليه: يا غليظ القلب! لو استجيبت لك دعوتك لم نلتق أبدا ...!
ولا ريب عندنا أن هذه الكتابة مصنوعة للتمثيل بها في هذا الموضع، كالذي كانوا يصنعونه من الشعر إذا احتاجوا إلى الشاهد والمثل، على ما بيناه في باب الرواية من تاريخ آداب العرب.
ثم هم يخصصون الشعر بالغزل والتشبيب والنسيب؛ لأن الشعر أيسر عملا وأخف مؤنة في هذا الباب؛ إذ يعين بقوافيه على الإبداع في المعاني فإن القافية كثيرا ما تخترع المعنى وتلهمه الشاعر، ثم الشعر يصحبه الوزن واللحن فيعين بنسقه أيضا كما يعين بقوافيه، ثم تجيء ألفاظه مقدودة مفصلة فتكون حلية ثالثة، ثم هو يكتفى منه بالبيتين والأبيات اليسيرة فيجيء كل ذلك على أتمه وأحسنه ويقوم به، بخلاف الكتابة: فلا يجدي فيها السطران والأسطر القليلة في رسالة تصف الحب، وما ستر هناك يفضح هنا، وما أعان في الشعر يخذل في النثر، والشعر إجمال والكتابة تفصيل:
وأنت فاعمد إلى بيتين من رائع الغزل كقول ابن الطثرية:
بنفسي من لو مر برد بنانه
على كبدي، كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته
فلا هو يعطيني ولا أنا سائله!
Unknown page
فاجعل هذين البيتين رسالة إلى حبيبة، فإنهما يجزئان ويؤديان الرسالة، وينقلان إليها عن نفسك معاني الاحتراق والعشق والصبابة، ويتكلمان عندها كثيرا، ويعلقان بذهنها، ويدوران في قلبها دورة الدم. ثم اعمد إليهما فاجعل المعنى المنظوم في سطرين، وحاول منهما رسالة كتلك، فإن السطرين لا يتزحزحان ولا يمشيان إلا كما يتوكأ الأعرج على أعرج مثله ...!
وهذا إلى أن الكتابة في معاني الحب لا تحتمل الصدور والفصول وصناعة الألفاظ والترادف بالكثير منها على القليل من المعاني، ويسمج فيها خاصة ما نراه يحسن في غيرها من فنون الكتابة: كالتوسع بالنقل والرواية، وتشقيق الكلام بما يلابس كل معنى، والطغيان في العبارة بذلك وما إليه، وكل شيء فهو يصلح مادة للكتابة إلا في هذا الفن من رسائل الحب، فإن مادته القلب والروح وفلسفة العاطفة وترادف وحي الجمال بالمعاني الكثيرة على الشعور الواحد، لا وحي اللغة بالألفاظ الكثيرة على المعنى الواحد، ولا يتخلص إلى فنونه ومعانيه إلا من ثمة. فكأن هذا الباب هو من ناحية ليس في طبيعة كتابه المتقدمين ومن الناحية الأخرى ليس في طبيعة الاجتماع يومئذ ؛ لأسباب لا محل لبسطها في هذا الإيجاز.
ولقد كتب شيخنا وأديبنا الكبير «الجاحظ» رسالة في العشق والنساء، وهي مجموعة رسائله، فكان والله كالذي يلبس ملكة الجمال في هذا العصر مرقعة قذرة ... واجتلب من هنا وهناك لمعانيه، وشق لها المداخل والمخارج على طريقته، واتسع بذلك في العبارة، فجاءت أبرد رسائله وأسقطها، وكان هذا الإمام فيها كالذي يتحسس بيده مجلدا ضخما من الكتب، ثم يذهب يستوحي من جلدته أوصاف ملمس جسم الحبيبة ... التي كأنها طاقة نرجس أو كأنها ياسمينة، أو كأنها خرطت من ياقوتة.
وساق ابن قتيبة في كتابه: «عيون الأخبار» رسالة منية إلى صاحبها قابوس - وهما من أعلام العشق والأدب - ثم جواب قابوس عليها، ثم رسالة أخرى منه
7
فكتبت منية إلى حبيبها:
من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه بها؛ ومن سأل مسألة فليرض من العطية بقدر بذله، لكل عمل ثواب، ولكل فعل جزاء، ومن بدأ بالظلم كان أظلم، ومن انتصر فقد أنصف، والعفو أقرب إلى العقل، وغير مسيء من أعتب، مع المخض تبدو الزبدة، عند تناهي البلاء يكون الفرج، كل ذي قرح يشتهي دواء قرحه، كل مطمع منتظر، كل آت قريب؛ الموت أروح من الهوى، اليأس أول سبب الراحة، السحر
8
أنفذ من الشعر، دواء كل محب حبيبه، مع اليوم غد، كما تدين تدان، استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك!
وأجابها قابوس:
Unknown page
من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام ... تكون القسوة، من كرم أصله؛ لأن قلبه ورق وجهه، ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل، ومن ترك الفضل أخطأ الحظ، ومن لم يغفر لم يغفر له، أولى الناس بالرحمة من احتاج إليها فحرمها، لكل كرب فرج، ولكل عمل ثواب ملكت فأسجحي، قدرت فأعفي، ويل للشجي من الخلي إلخ إلخ.
فانظر ويحك ما هذا الكلام المتقطع المبتدل المطروق المنتزع كله من الأمثال والأحكام، وكأن العشق في الحافظة ... ولم يورده ابن قتيبة إلا في باب النساء والعشق ... ثم ما عسى كان يقول هذان الحبيبان لو أن منية هذه قامت على منبر مسجد الكوفة ... وصعد قابوس المنبر في مسجد البصرة، وأرادا أن يخطبا الناس لإقامة صلاة الجمعة؟ •••
على أن بلغاء الكتاب في كل عصر تناولوا في ترسلهم فن (الإخوانيات) وأجروا فيه رسائل المودة والشوق والصداقة والاستعطاف والعتاب والاعتذار والاستزارة لمجالس اللذات والأنس، وهذه كلها من أمس المعاني بالحب وأقربها شبها به، وقد أجاد بعضهم في ذلك إجادة بالغة، وأنت تجد رسائلهم منثورة في كتب الأدب
9
ومن أبدعها قول سعيد بن حميد، حبيب فضل الشاعرة. «إني صادقت معك جوهر نفسي، فأنا غير محمود على الانقياد لك بغير زمان؛ لأن النفس يقود بعضها بعضا».
10
غير أنهم يشترطون في هذا الفن من الرسائل الإيجاز والاختصار، وألا يتجاوزوا به نكتة المعنى، ليجيء قصدا قريبا، ولعل ذلك للعلة التي أومأنا إليها من قبل، إذا كان هذا على حدود الحب، فإذا تبسط فهو الحب بعينه، والكثير في الحب لا يكثر ولا يمل، أما في الصداقة فإلى حد وحسب.
وانظر ما كتب بعضهم في قطيعة صديق؛ إذ كتب إليه:
لم يدع انقباضك عن الوفاء وانجذابك مع سوء الرأي في ملاحظة الهجر والاستمرار على الغدر - محركا من القلب عليك، ولا خاطرا يومي إلى حسن الظن بك، هيهات! انقضت مدة الانخداع لك حين أخلفت عدة الأماني فيك، وما وجدنا سائرا من تأنيب النصحاء في الميل إليك، والتوفر عليك، إلا الإقرار بطاعة الهوى والاعتراف بسوء الاختيار.
فهذه الرسالة لو أنها صرفت إلى حبيبة، وامتد بها النفس على هذا الأسلوب وبمثل هذا التصرف لتكون صفحتين أو تبلغ ثلاث صفحات، لرجفت أركانها الوثيقة، وخرجت إلى الاستكراه والتكلف، وجاءت عيوبها من محاسنها، وهلك من طولها أولها إلى آخرها.
Unknown page
ولذلك نحونا في «أوراق الورد» أسلوبا خاصا، تدور به المعاني الحية في ألفاظها بألين مس وألطفه على وضع مستحكم كما يمس الدم الحي عروقه التي يدور فيها. •••
ولم نقف على اسم كتاب أفرد لرسائل الحب، ولو أنهم كتبوا فيها لجمعت كغيرها وأفردت بالتدوين، بيد أن للقيان الأديبات المتظرفات ضربا من رسائل الحب يكتبنها بالذهب والمسك والزعفران في بديع الحرير الصيني وضروب الديباج، ويجعلن ظروفها طرائف المناديل؛ ويتخذن لها الزنابير الحريرية تربطها، ويطيبنها بالمسك والذرائر،
11
ولا يكتبن فيها إلا «نتف الألفاظ المهلكة ... وملح المكاتبة، وطرائف المعاتبة، وجميل المطالبة، وشكيل المداعبة، وقد جمع أبو الطيب الوشاء من أدباء القرن الثالث كتابا من هذه الرسائل سماه: (فرح المهج) والذي يؤخذ من كلامه أن أكثر ما يكتب في ذلك هو الشعر والمثل وأبيات العتاب والسلام ونحوها، مما هو محفوظ مأثور، فليست هذه من رسائل الحب وإنما هي من وسائله.
وأبعد في الاستحالة من كل ما مر أن يكون في الأدب العربي ديوان من الرسائل الغرامية لكاتب واحد، فلقد كان مثل ذلك في الشعر كالندرة والفلتة، حتى قال الجاحظ: «لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاما وخاطرا! ما قدر أن يكون شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه يهجو ولا يمدح ولا يتكسب ولا يتصرف، وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا ولزومه فأحسن فيه وأكثر.
ولأديبات الجواري رقاع في مكاتبة عشاقهن، بيد أنها لا تذهب إلا مذهبا واحدا في الكلام، فهي في القلم كما هي في اللسان، وليس الكتاب إلا رسولا لا رسالة، وقد نقل صاحب الأغاني في ترجمة «عريب» الحسناء الفاتنة المغنية الشاعرة الكاتبة البليغة المتعشقة التي تكاد تشبه الأديبة الفرنسية الشهيرة المتسمية (جورج ساند) في عشقها واستكلابها ... نقل أنها عشقت صديقا لمولاها يقال له حاتم بن عدي قال؛ فمد عينه إليها «فكاتبها فأجابته» وقال أيضا: إنها لما صارت في دار المأمون، احتالت حتى أوصلت محمد بن حامد وكانت قد عشقته «وكاتبته»، ونقل عن بعضهم قال: وسمعت من يحكي أن بلاغتها في كتبها ذكرت لبعض الكتاب، قال: فما يمنعها من ذلك وهي بنت جعفر بن بحيى؟
12
ثم روى صاحب الأغاني من مجونها وإفحاشها، فلو أن لها رسائل حب لاستطرف منها هو أو غيره، ولكنها كما قدمنا، رقاع في مثل الكلام الذي يتراجعه كل صاحبين إذا تحدثا أو تشاكيا أو تواعدا، وليست من الرسائل المصنوعة المجودة القائمة في فنها على شاعرية الجمال وتفلسف الحب وغزل الروح وخصائص المعاني.
وتبذل بعض أدباء المتأخرين فكتبوا في الرسائل الغرامية يخاطبون فيها بكاف الخطاب المفتوحة. كقول الأديب الشهير ابن سيناء الملك في رسالة: «وأنا والله في أمرك مغلوب، والسبب أني أنا المحب وأنت المحبوب، ولا أتجلد عليك فأغرك وأخون حبك، ولا أتصنع عليك فأغشك، وأغم قلبك ... اعمل ما شئت فأنا الصابر، وافعل كيف شئت فأنا الشاكر، وقل فلي سمع يعشق قولك، والتفت تر آمالي ترفرف حولك، وافعل فأنت المعذور، واستطل فما أنا المضرور بل المسرور، وارجع إلى الواد الذي بيننا فكل ذنب لك مغفور».
وهذا كما ترى، كلام غث سمج، وحب قد يكنسه في الطريق الكناسون، ولبديع الزمان رسالة مشهورة، إلى بعض من عزل عن ولاية حسنة، أثبتنا في ديوان رسائله، ولابن الأثير في كتابه «المثل السائر» رقعة قال إنها من عاشق لمعشوق، وعدها فيما عد من معانيه المبتدعة، وكل ذلك عندنا لا قيمة له.
Unknown page
ومن المضحكات رسالة كتبها علاء الدين المغربي سماها النيرين. قال: وهي من المحب الكئيب إلى حبيب الحبيب
13 ... وقد أوردها ابن أبي حجلة من أدباء القرن الثامن في كتابه الذي سماه: (حاطب ليل). •••
فأنت ترى أن الأدب العربي قد انطوى على محجوبة من هذا الفن بقيت في الغيب إلى عهدنا هذا، ونرجو من فضل الله أن تكون كتبنا الثلاثة قد أظهرتها، واستعلنت بها، وأن تقول العربية إذا تواصفوا كتب هذا الباب في بيان اللغات الأخرى: «هاؤم اقرؤا كتابية».
والحمد لله بما يبلغ رضاه.
المقدمة
بقلم مصطفى صادق الرافعي
هذا كتاب «أوراق الورد» فحدثني من حدث
1 ... في سبب هذه التسمية قال: كانت معها ذات يوم وردة لا أدري أيتهما تستنشي الأخرى
2
فجعلت لها ساعة من حفاوتها تلمسها مرة صدرها ومرة شفتيها، والوردة بين ذلك كأنما تنمو في شعاع وندى، إذا رأيتها وقد تفتحت وتهدلت حتى لحسبت أنها قد حالت أوراقها شفاها ظمأى.
Unknown page
ثم تأملتها شيئا، ثم نحت إلي بصرها
3
وقالت: ما أرى هذا الحب إلا كورق الورد في حياته ورقته وعطره وجماله، ولا أوراق الوردة إلا مثله في انتثارها على أصابع من يمسها إذا جاوز في مسها حدا بعينه من الرفق، ثم في تفترها على إلحاح من يتناولها إذا تابع إلحاحه عليها ولو بالتنهد، ثم في بناء عقدها على أن تتحلل أو تذوي إن لم يمسكها مع بنائها الرفيق حذر من أن تكون في يده
4 ... لأنها على يده فن لا وردة.
ثم دنت الشاعرة الجميلة فناطت وردتها إلى عروة صاحبها فقال لها: وضعتها رقيقة نادية في صدري، ولكن على معان في القلب كأشواكها ... فاستضحكت، وقالت: فإذا كتبت يوما معاني الأشواك فسمها «أوراق الورد» وكذلك سماها! •••
عمر الورد فصل من السنة! أما الشوك فعمره ما بقيت الشجرة وما بقي حطبها، ولذلك ينسى الحبيب ويذهب الحب، ويبقى بعدهما القلب العاشق وليس بينه وبين آلامه إلا كما ذر الضياء بين أول الفجر وآخرة الليل في مرأى من النور والظلمة يخيل إليك من غبشه
5
أن الليل ظلام مكفوف وراء حائط من البلور: فالآلام دائما بمنزلة من القلب المحب والأشواق منه أبدا على أسباب؛ ومن أحب مرة فما اهتدى إلى حبيب ينتهي منه إذا سلاه، وإنما ابتدأ في جمال هذا الحبيب أشواق الحياة التي لا تنتهي، وعرف من الحب طريقا بين الحس والغيب آخره دائما أول غيره كطريق السماء لعينك؛ كل مسافة أنت مقدرها فيه تراها قد نيطت بمسافة أخرى
6
إلى ما لا ينتهي ولا ينقطع؛ إذ ليس ذلك اتصالا بين المسافات المكونة للأبعاد أكثر مما هو اتصال بين النواميس المكونة للأبدية.
Unknown page
وإلقاء الحب الصحيح في قلب من خاطره الهوى، معناه إيحاء الفن إلى صاحب ذلك القلب يفهم به الصورة الشعرية الجميلة التي يلبس منها الحبيب جماله، فيرى كيف يجيء كل شيء من حبيبه كأنه في وزن من الأوزان، حتى لكأن هذا الشكل المحبوب إن هو إلا لحن موسيقي خلق إنسانا يجاوب بعضه بعضه ... ... وبذلك يخرج من فهم جمال الحبيب إلى فهم جمال الطبيعة، ويدرك بروحه ما حول كل شيء من الجو الخيالي البديع المحيط به إحاطة الوزن الشعري بالكلمة والنغمة الموسيقية بالصوت، ومن ذلك ينبثق في نفسه نور إلهي خالق يفيض على كل جمال في الأرض والسماء ما يجعل هذا الجمال من إدراكه أو حسه بسبب قريب، فتشتمل نفسه العاشقة على آفاق واسعة من جمال الخليقة ما دام في نفسه الحب، كما تحيط العين بالأفق فتحويه ما دام في العين البصر! •••
وتاريخ الحب عند صاحب هذه الرسائل كان كله نظرة أخذت تنمو وبقيت تنمو ... وهو حب قد كان من نمائه وجماله وطهره كأنما أزهرت به روضة من الرياض لا امرأة من النساء، وكان من مساغه وحلاوته ولذاته البريئة كأنما أثمرت به شجرة خضراء تعتصر الحلاوة في أثمارها أصابع النور فأنت لا تجد في هذه الرسائل معاني النساء متمثلة في امرأة تتصبى رجلا، ولكن معاني الحب والجمال متألهة في إنسانية تستوحي من إنسانية أو توحي لها.
وبين الدهر والدهر تخرج الأقدار على طوفان الشهوات الذي يغرق الإنسانية عاشقا روحانيا في طباعه مثل شموخ الجبل العالي وقوته وتماسكه تأوي إليه صفات الحب السامية يعصمها ويبقيها على ندوها
7
ولو في إنسان واحد كما هي على أصيلها في جمال الكون، وهذا الإنسان لا يعطي الدنيا إلا من سبيل حرمانه هو، وكأنما يحترق قلبه ليسطع بالنور والدفء على القلوب المظلمة الباردة التي لا يكون الحب فيها إلا خديعة مسولة من الطبيعة بين الجنسين حين تعمد إلى حسابها العجيب في جعل الاثنين ثلاثة.
8
وكل الصفات السامية متى نزلت إلى الدهماء والأوشاب وهذا الهمج الهامج في إنسانية الحياة، نحلوها أسماء من طباعهم لا من طباعها؛ فاسم الفضيلة عندهم غفلة، والسمو كبرياء، والصبر بلادة، والأنفة حماقة، والروحانية ضعف، والعفة خيبة، والحب اسمه الفسق ...! •••
وصاحب هذه الرسائل يرى نفسه في الحب كأنما وضع على هامش الناس، منطلقا غير مقيد، عزيزا غير ذليل؛ فهو كالسطر الذي يكتب على هامش الصفحة يستعرض ما ملأها بين أعلاها وأسفلها، وله الشرح والتعليق وما في معناهما، إلى التهكم والضحك والسخرية، ومن ثم فرسائله كذلك على هامش كل رسائل الحب: يتجافى بها عن ألفاظ الشهوات ومعانيها مما يتعمده بعض فحول الكتاب في أوربا، ولا طلاوة لرسائلهم وقصصهم بغيره؛ إذ هو يشبه أن يكون روح اللحم والدم في اللغة، ويتوخون التأثير من أقرب الطرق إليه، فيمسون شهوات القراء بالحادثة والوصف والعبارة كما يدر لعاب الجائع على ألفاظ الطعام وأوصافه ورائحته ... وإنما نحن نرى أن لحياة الحب - حتى يكون حبا صحيحا - واقعا غير الواقع في هذه الحياة، وأوهاما غير أوهامها، وحقائق غير حقائقها، فلا بد لها من كلام يلائمها في هذا المعنى الطائف بين القلب والروح يكون أشبه بكلام النية الصادقة لو نطقت في لسان، وبكتابة الضمير المخلص لو كتب في قلم.
والحب الصحيح إذا سلمت فيه دواعي الصدر،
9
Unknown page