أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة
أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة
Publisher
طبع على نفقة فاعل خير
Publisher Location
يُهدى ولا يباع
Genres
أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة
Unknown page
«إهداء»
أهدي هذا الكتاب ..
إلى كل مؤمن ومؤمنة ..
إلى أصحاب الهمم العالية ..
اللذين يحرصون على اغتنام أوقاتهم بالأعمال الصالحة والمفيدة ..
اللذين يريدون أن يؤجروا في كل سكنة وحركة وفي كل دقيقة وثانية ..
اللذين يثقل عليهم أن تمر لحظة من حياتهم في غير طاعة الله ﷿ ..
وإلى المشتغلين بالمعايش والأعمال، ويودون اكتساب الحسنات ..
وإلى أصحاب الهمم الدنية، اللذين يتثاقلون الأعمال الصالحة رغم أنهم محبون لها ولجمع الحسنات لكنهم يريدون جمعها وهم على الأسرة ..
أهدي هذا الكتاب إلى كل هؤلاء، لعله أن يطمئن قلوبهم ويفيض عليها بالسكينة والرحمة والأجر والثواب ويحرك قلوب آخرين ويدفعها إلى القمة ...
1 / 1
المقدمة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره وأساله المزيد من فضله وكرمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والعبد المجتبى أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهاديا إلى صراط مستقيم، فصلوات الله وبركاته عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغُرِّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد ..
قال ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» البخاري:١/ ٧،١٥. فهذا الحديث من جوامع كلماته الشريفة، ومن أعظم أصول الشريعة المنيفة فيدخل في هذا جميع العبادات والعادات ويتناول المعاملات والمعاوضات فلا يصح لأحد صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج إلا بالنية ولا تكمل عباداته كلها وينمو ثوابها إلا بكمال الإخلاص وصحة الطوية والنية بها تميز فروض العبادات من نفلها وبإخلاصها يعظم أجرها وفوز العامل بفضلها فيجب على كل مسلم أن يوطن ننفسه على الاحتساب في كل شيء وإرادة وجه الله تعالى.
وها أنا أفتح لك في هذا الكتاب باب عظيما من أبواب الطاعات لتسعى لكسب كنوز من الحسنات في دقائق معدودات ودللتك على المفتاح الأعظم لهذا الباب ألا وهو: مفتاح الإخلاص فبادر بتجديد النيات لتغير جميع العادات إلى عبادات لتبلغ إلى أسمى الغايات إلى جنة رب الأرض والسماوات وتطبق قول الله تعالى في محكم الآيات ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾ (الأنعام، الآية١٦٢.)
وقد حاولت بعد الاعتماد على الله ﷿ أن لا أضع في هذا الكتاب غير الأحاديث الصحيحة ومن ثم حاولت الاختصار قدر الممكن وبسطه بصورة سهلة وبسيطة ليسهل على القارئ قراءته بدون ملل أو تعب وقد جزئت هذا الكتاب إلى أربعة أقسام.
القسم الأول: النية في الحياة اليومية.
القسم الثاني: النية في المعاملات.
القسم الثالث: النية في العبادات.
القسم الرابع: تذكرة عامة.
وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، معينا قراءه على كسب الحسنات وتجديد النيات، فما من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان فمني والشيطان ..
1 / 2
كيف يحكم المسلم في حياته قول الله تعالى
«قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين»
إن الدين كله داخل في العبادة والدين منهج الله تعالى جاء ليسع الحياة كلها وينظم أمورها من آداب الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة وسياسة الحكم وسياسة المال وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب وأن الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج لها أهميتها ومكانتها ولكنها ليست العبادة كلها بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله سبحانه، وتطبيق هذا الفهم للعبادة في دنيا الناس من شروط التمكين في الأرض كما أن العبادة لها أهمية في حياة الإنسان في تثبيت الاعتقاد وتثبيت القيم الأخلاقية وإصلاح الجانب الاجتماعي.
فلن يستطيع المسلم أن يعبد الله سبحانه طوال اليوم فكما أن لآخرته حقوق فكذلك لدنياه حقوق فكيف يستطيع الأكل والشرب إن لم يعمل، وكيف ينعم بالنوم والراحة وهو يعلم أنه محاسب على كل ثانية في حياته.
لقد عُرف الله تعالى بأنه واسع المغفرة والرحمة رؤوف بعباده متودد لهم بإحسانه تفضل عليهم بجوده وكرمه فأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه ويسر وسهل لهم طرق التلذذ والتنعم بالطيبات في الحياة والدنيا وسهل لهم الطريق لعبادته فضاعف لهم الأجر وحط عنهم الوزر وجعل لهم أعمالا قليلة أجورها كبيرة ولم يحّمل أحدا أكثر من طاقته قال تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» سورة البقرة:٢٨٦ وقال سبحانه «يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما. يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا» سورة النساء:٢٦ - ٢٨. قال ﷺ «عليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» صحيح الجامع ٢/ ٤٠٨٥. وقال ﷺ «عليكم برخصة الله التي رخص لكم» صحيح الجامع٢/ ٤٠٧٧.
فحقيقة الإسلام اليسر والسهولة لا التشدد والتنطع فالله سبحانه لم يشرع الشرائع للتشديد والعقوبة بل شرعها للرحمة والهداية وإنقاذ البشرية من ظلمات الجهل والضلال وجور الأديان إلى نور الإيمان وعدالة الإسلام، والسعادة الأبدية لهم في الدنيا والآخرة، كما قال الصحابي ربعي بن عامر: (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).
فمن أجل كل ذلك شرع لنا الله ﷿ عملا يسيرا لا يتم أي عمل إلا به وهو: النية
قال ﷺ «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» البخاري:١/ ٧ - ١٥
فبمنطلق هذا الحديث يفسح الطريق للجميع لتتمتع بأي متعة شاء من طرق الحلال فإن المباح بالنية الصالحة يرتفع إلى قربة وطاعة فبذلك تستطيع أن تطبق قول الله تعالى بأن تجعل حياتك كلها لله بالنية الصالحة.
وهذا هو مقتضى الإيمان أن يسلم العبد حياته كلها لله ليقودها إلى الإيمان والأمان مصداقا لقول الله تعالى ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾ الأنعام ١٦٢ - ١٦٣.
1 / 3
وقفة مع القلب
القلب هو أهم عضو في جسم الإنسان وهو المحرك الأساسي لجميع أعضاء الجسم والحاكم عليها والمسئول عنها وهو محل نظر الله تعالى قال ﷺ «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم:٢٥٦٤، وهو العضو الوحيد الذي في صلاحه صلاح للجسد كله، وفي فساده فساد للجسد كله، قال ﷺ «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» البخاري:١/ ١١٦، ومسلم:١٥٩٩
والقلب سر كامن في الجسد لا يعلم حقيقة سره إلا الله تعالى فبه يفرق بين الكافر والمؤمن، والصادق والكاذب، والمرائي والمنافق.
وللقلب غذاء لا يستطيع أن يحيى بغيره وهو غذاء الإيمان ولغذائه ذلك طعم لا يستطيع أن يعيش حياة طيبة بدونه قال ﷺ «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» رواه مسلم:١٥١، كما أن لغذائه حلاوة قال ﷺ «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرئ لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» البخاري:١/ ٥٨،٥٦ - مسلم:٤٣
والقلب السليم هو سبب النجاة الأول يوم القيامة قال تعالى ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ الشعراء ٨٨. وهو سبب من أسباب دخول الجنة، قال تعالى ... ﴿وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ. من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود. لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد﴾ ق ٣١. وهو الذي يعي الموعظة ويتقبلها قال تعالى: ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ ق ٣٧.
القلوب أربعة أنواع:
١ - قلب نقي تقي فيه سراج منير، فذلك قلب المؤمن قال تعالى ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ الأنعام ١٢٢.
٢ - قلب أغلف مظلم وذلك قلب الكافر، قال تعالى ﴿وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون﴾ البقرة ٨٨.
٣ - قلب مرتكس منكوس وذلك قلب المنافق عرف الحق ثم أنكره وأبصر ثم عمي قال تعالى ﴿فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا﴾ النساء ٨٨.
٤ - قلب تمده مادتان مادة الإيمان ومادة النفاق فهو على ما غلب عليه منهما قال تعالى في أقوام ﴿هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان﴾ آل عمران ١٦٧ ..
فيجب على كل مسلم أن يعرف حقيقة قلبه فإن معرفة القلب من أعظم مطلوبات الدين ومن أظهر المعالم في طريق الصالحين وإن معرفته تستوجب اليقظة لخلجات القلب وخفقاته وحركاته ولفتاته، والحذر من كل هاجس، والاحتياط من المزالق والهواجس والتعلق الدائم بالله فهو مقلب القلوب والأبصار.
فلابد أن نحرص على تمكين العقيدة الإسلامية في قلوبنا ونجعلها ضابطا لسلوكنا وتصرفاتنا وحركاتنا وسكناتنا، لا أمرا ثانويا في قاموس حياتنا فإنها هي القضية العظمى التي من أجلها نحيا ومن أجلها نموت وإليها ندعو وعنها ندافع وإننا في زمن كثرت فيه الفتن ولا خلاص لنا منها إلا بتنمية محبة الله ورسوله ﷺ في قلوبنا وتقواه وخشيته في السر والعلن وتطهير القلب من المعاصي والذنوب والآثام وتغذيته بالتقوى والإيمان والنظر في سير أسلافنا من الصحابة
1 / 4
وكيف أنهم كانوا يبذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى وكيف كانت محبتهم لله ورسوله قال ﷺ «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» صحيح الجامع ١/ ٢٩٦٠.
فالإنسان الذي يهمل غذاء قلبه ويتبع هواه قد شابه قلب الحيوان لأن قيمة الإنسان الحقيقية في حياة قلبه وما أن يموت قلبه فليست له أية قيمة لأنه لا يستطيع أن يفهم أو يعقل أو يفكر قال تعالى ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولائك كالأنعام بل هم أضل﴾ الأعراف ١٧٩. كذلك قال الله تعالى فيمن مات قلبه وعمي عن الحق ﴿أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ الحج ٤٦.
وهنا تأتي معجزة عظيمة اكتشفها العلماء في هذا العصر تبين لنا عظم أهمية القلب وأنه ليس كأمثاله من الأعضاء قال تعالى ﴿فتكون لهم قلوب يعقلون بها﴾ إكتشف العلماء أن القلب هو الذي يفهم ويعقل ثم يرسل إشارة للعقل، فمن الذي أخبر محمد ﷺ بهذه المعجزة العظيمة.
ولقد أجرى أحد الأطباء المسلمين حوار مع عالم مريض كافر وكان مرضه نفسيا، فسأله الطبيب المسلم إذا أردت أن تمتع بصرك فماذا تفعل؟ قال: أنظر إلى الحدائق والأزهار أو إلى فيلم أو مسلسل رائع. قال له وإذا أردت أن تمتع سمعك فماذا تفعل؟ قال: أستمع إلى موسيقى هادئة أو أغنية جميلة. قال له: وإذا أردت أن تمتع أنفك ماذا تفعل؟ قال: أستنشق رحيق الأزهار أو العطور الزكية. قال له: وإذا أردت أن تمتع بطنك فماذا تفعل؟ قال: آكل ما أشتهي من ألوان الطعام والشراب. قال له: إن أردت أن تمتع جسدك فماذا تفعل؟ قال: أرتدي ما أحب من أنواع الملابس المختلفة والأحذية الأنيقة. قال له: وإذا أردت أن تمتع قلبك فماذا تفعل؟ ففوجئ العالم الكافر بهذا السؤال ولم يستطع أن يجيب لأن قلبه ميت، فعرف سبب مرضه لأن الله تعالى يقول: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾ طه ١٢٤. وهنا نجيب نحن بمقال الشاعر:
يا خادم الإنسان كم تسعى لخدمته ... أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
إن في القلوب فاقة وحاجة لا يسدها إلا الإقبال على الله تعالى والإنابة إليه ولا يلم شعثها إلا بحفظ الجوارح واجتناب المحرمات واتقاء الشبهات.
فسبحان من حياة القلوب في محبته وأنس النفوس في معرفته وراحة الأبدان في طاعته ولذة الأرواح في خدمته، وكمال الألسن بالثناء عليه وذكره وعزها بالتعبد له وشكره.
ولكي يحافظ المسلم على سلامة قلبه وصلاحه لابد له من صيانة خاصة مستمرة حتى لا يموت القلب فأكثر الخلق يخافون من موت أبدانهم ولا يبالون بموت قلوبهم، وأما المسلم الحقيقي فيخاف من موت قلبه لا من موت بدنه ولصيانة القلب طرق كثيرة وأهمها:
١ - إخلاص النية في العمل لله وحده
٢ - المتابعة وهي أن تبعد الله تعالى على بصيرة بما جاء به في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه ﷺ وأن تبتعد عن كل البدع
٣ - إعتزال أماكن الفتن والشهوات، فهي تدمر القلب تدميرا
1 / 5
٤ - الدعاء بالتثبيت فإن الرسول ﷺ كان أكثر دعائه «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» صحيح الجامع ٢/ ٤٨٠١.، وقال ﷺ «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم - أي يبلى - كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم» صحيح الجامع:١/ ١٥٩٠
٥ - العلم فإن تعلم العلم والعمل به والدعوة إليه نور يضيء القلب ويطفئ ظلمة الجهل.
٦ - التوبة الاستغفار
٧ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
٨ - تعظيم شعائر الله تعالى، قال تعالى ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ الحج ٣٢.
وفي هذا الكتاب أنذ كر بالنية فهي من أهم الأعمال القلبية التي لا يقبل الله تعالى أي عمل بدونها، قال تعالى ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ الذاريات ٥٥.
**
أهمية النية والإخلاص
قال ﷺ «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» البخاري:١/ ١٥،٧.
دل الحديث على أن النية معيار لتصحيح الأعمال فحيث صلحت النية صلح العمل وحيث فسدت النية فسد العمل.
معنى النية لغة: القصد، يقال نواك الله بخير أي قصدك ..
معنى النية شرعا: قصد الشيء مقترنا بفعله، وشرعت النية لتمييز العادة من العبادة، أو لتمييز رُتَب العبادة بعضها عن بعض.
١ - مثال على تمييز العادة عن العبادة: الجلوس في المسجد قد يُقصد به الاستراحة في العادة، وقد يُقصد به العبادة بنية الاعتكاف، فالمميز بين العادة والعبادة هو النية، وكذلك الغُسل قد يقصد به تنظيف البدن في العادة وقد يقصد به العبادة فالمميز هو النية، وإلى هذا المعنى أشار النبي ﷺ حين سُئل عن الرجل يقاتل رياءً ويقاتل حمية ويقاتل شجاعة أي ذلك في سبيل الله تعالى؛ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله تعالى» البخاري:١/ ١٩٧ - مسلم:١٩٠٤.
٢ - مثال على تمييز رُتَب العبادة: فمن صلى أربع ركعات قد يقصد إيقاعها عن صلاة الظهر، وقد يقصد إيقاعها عن السنن فالمميز هو النية، وكذلك الصيام قد يقصد به الفريضة، وقد يقصد به نافلة كصيام الأيام البيض ونحوها فالمميز هو النية.
والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وتكون النية قبل العمل ويجب فيها حضور القلب وصدق العزيمة والإخلاص لله تعالى لا خاطرا فقط فلو علم المسلم فضل النية وعظمتها لتأسف حسرة وندامة على ما فاته من عظيم الأجور.
معنى الإخلاص:
هو إفراد الله تعالى بالقصد في الطاعات قال تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾ البينة ٥.
واعلم أن ألإخلاص قد يعرض له آفة العجب والرياء.
1 / 6
والرياء نوعان: أحدهما أن يريد الناس ورب الناس وهو بذلك يطلب الدنيا والآخرة فذهب بعض أهل العلم إلى أن عمله مردود لقول الرسول ﷺ «قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم:٢٩٨٥.
الثاني: لا يريد بطاعته إلا الناس وكلاهم محبط للعمل.
أخي الحبيب: لا وصول للسعادة إلا بالعلم والعبادة فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وهو للنفاق كفء ومع العصيان سواء والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء وكم من عمل يتعب الإنسان فيه وهو يظن أنه خالص لوجه الله تعالى ويكون من المغرورين.
والنية الصالحة لا تغير المعاصي عن مواضعها فلا ينبغي للجاهل أن يفهم ذلك من عموم قوله ﷺ «إنما الأعمال بالنيات» فيظن أن المعصية تصير طاعة بالنية ولكن من الممكن أن تنقلب الطاعة إلى معصية بالقصد، ودخول النية في المعصية إذا أضاف مقاصد خبيثة تضاعف وزرها وتعظم وبالها، والطاعة مرتبطة بالنيات في أصل صحتها وفي تضاعف فضلها فأما الأصل فهو أن ينوي بها عبادة لله وحده فإذا نوى رياء صارت معصية، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة فالتطيب مثلا إن قصد به التلذذ والتنعم فهو مباح وإن نوى به إتباع السنة فهو قُربة وإن نوى به التودد إلى قلوب النساء الأجنبيات والتفاخر فهذا يجعل الطيب معصية، فإن المباح بالنية الصالحة يرتفع إلى قربة وبالنية الفاسدة يصبح معصية.
**
فضل النية
للنية فضائل عظيمة جدا فهي تجعل المسلم يجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات بدون أي مشقة أو تكلف وإليك بعضا من فضائلها:
١ - قال ﷺ «الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعمل لله فيه حقه فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء» صحيح الجامع١/ ٣٠٢٤.
أخي الحبيب بادر وأسرع بالنية إنوِ لو أن لك مالا وصَلتَ به رحمك وبررت به والديك وساعدت الفقراء والمساكين والمحتاجين وبنيت به المساجد ووزعت المصاحف وبنيت دارا للأيتام وتحفيظ القرآن ونشرت به العلم بين الناس ولصرفته في كل أوجه الخير والحلال.
٢ - قال ﷺ لما رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة،: (إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم). قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر).البخاري:٤٤٢٣.
أخي العزيز: لقد شارك الصحابة الغائبون المجاهدين بحسن نياتهم، فانو أيها الحبيب ما تحب مع الصدق في ذلك فإن كتب لك عمله عملته، وإن حبسك العذر أخذت أجرك كاملا بإذن الله.
٣ - قال ﷺ «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه» صحيح الجامع ٢/ ٥٩٤١.
أخي المسلم: إحذر كل الحذر أن تنام قبل أن تنوي قيام الليل لكي لا يفوتك الأجر.
1 / 7
٤ - قال ﷺ: «من أدان دينا ينوي قضاءه أداه الله عنه يوم القيامة» صحيح الجامع٢/ ٥٩٨٦.
أخي الحبيب: أنظر كيف عاملك الله تعالى بنيتك فلا تتردد أبدا في نوايا الخير.
٥ - قال ﷺ «من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه» رواه مسلم:١٩٠٩
إعلم أنك تبلغ منازل الشهداء بصدق نيتك، وصدق النية هي: إرادة الله تعالى بالعبادة مع حضور القلب إليه فكل صادق مخلص وليس كل مخلص صادق، فلا تنسى أن تسأل الله الشهادة في جميع دعائك.
٦ - قال ﷺ «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم – أي نوى – بحسنة فلم يعملها كتبها الله ﵎ عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها له سيئة واحدة» البخاري:١١/ ٢٧٧،مسلم:١٣١
تأمل أخي المسلم إلى سعة رحمة الله تعالى فبمجرد النية كتب الله لك حسنة ولم يجازيك على السيئة بمثلها بل إن تركتها من أجله كتبت لك حسنة فاحرص أخي المسلم على أن تجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات بالنوايا الصالحة.
٧ - قال ﷺ «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت عائشة ﵂ كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم» البخاري:٤/ ٢٨٤، مسلم:٢٨٨٤
دل هذا الحديث على عظم شأن النية إذ أن الله ﷾ سيجازيهم على حسب نياتهم لا على حسب أعمالهم فمن أراد النجاة فليحسن جميع نياته ولا يبالي أن يأتيه الموت على أيه حال.
٨ - قال ﷺ «من استطاع منكم أن يكون له خبئ من عمل صالح فليفعل» صحيح الجامع٢/ ٦٠١٨.
فالنية من أخبأ الأعمال التي لا يعلم بها إلا الله ﷿ فانو كل ما تحب وبذلك تكون قد طبقت حديث الرسول ﷺ.
قال بعض السلف: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية.
وقال يحيى بن كثير: تعلموا النية فإنها من أبلغ العمل
قال بعضهم: تجارة النيات تجارة العلماء والمعنى أن العلماء هم الذين يعلمون كيف يعاملون ربهم ﷿ ويربحون منه سبحانه أعظم ربح، أما في الطاعات فانوِ في الطاعة الواحدة نيات كثيرة، وأما في المباحات فما من شيء منها إلا ويحتمل نية أو نيات فيصير بها من محاسن القربات، كما قال بعضهم إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. ونصح آخر فقال لا تعملن عملا إلا بنية.
وقد أجاز بعض العلماء بجمع أكثر من نية في عمل واحد بالطريقة التي ذكرنا ولكن لا يجوز أن ننوي بعمل واحد فريضة ونافلة كمن يصوم صيام الفرض وينوي مع الفرض صيام التطوع.
وهذه التجارة تجارة النيات تجعك تجمع حسنات أكثر في أقل الأوقات.
**
1 / 8
التحذير من النية السيئة
يجب على كل مسلم أن يحذر من نوايا السوء فخطرها عظيم فهي توقع الهلاك بالعبد وتجعله يقع في أخطر الذنوب ألا وهو الشرك الأصغر «الرياء» وإليك بعضا من أخطارها:
١ - النية السيئة والرياء سبب من أسباب دخول النار قال ﷺ «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكن قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» رواه مسلم:١٩٠٥
٢ - النية السيئة سبب لكسب الذنوب قال ﷺ «الدنيا لأربعة نفر ... وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل لله فيه حقه فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء» صحيح الجامع١/ ٣٠٢٤.
٣ - النية السيئة تهلك العبد قبل وقوع العمل قال ﷺ «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فسئل: هذا القاتل فما بال المقتول قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه» البخاري:١/ ٨١،مسلم:٢٨٨٨
٤ - النية السيئة تحبط العمل وإن كان صالحا، قال ﷺ «بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» صحيح الجامع١/ ٢٨٢٤.
وهذا العمل مثل ما يفعله الناس اليوم كمن يكثر من الصلاة والصيام والصدقة لينال رتبة عالية أو نجاح أو شهادة أو غيرها ..
**
نية عامة
إن المتأمل في فضل النية يجد فيها منهج حياة متكامل يكفل لمن تمسك به السعادة في الدنيا والآخرة.
وللنية طرق كثيرة جدا فأول هذه الطرق وأهمها نيتان هما:
١ - أن تنوي أن تعبد الله وحده ما دمت حيا.
٢ - أن تنوي أن تطبق حديث الرسول ﷺ «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم» البخاري:٧٢٨٨، ومسلم:١٣٣٧
فهاتان نيتان أساسيتان يجب على كل مسلم أن ينويهما ثم تليها نية أخرى وهي أن تنوي أن تتقرب إلى الله ﷿ بفعل النوافل والمستحبات وأن تبتعد عن كل ما يكره وعن جميع الشبهات بقدر استطاعتك.
1 / 9
القسم الأول:
النية في الحياة اليومية
كان الصحابة رضوان الله عليهم فرسانا بالنهار ورهبانا بالليل لا يمنعهم علمهم وإيمانهم الحق وخشوعهم لله تعالى من القيام بشؤونهم الدنيوية من بيع وشراء وحرث ونكاح وقيام على الأهل والأولاد وغيرها فيما يحتاجون ولكن كانت النية هي أساس حياتهم فغيروا جميع العادات إلى عبادات
قال ﷺ «إن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا» صحيح الجامع٢/ ٧٩٤٦.
**
النية في النوم
النوم نعمة عظيمة امتن الله بها سبحانه على عباده لراحتهم وقطعا لأعمالهم وهي آية ومعجزة من معجزاته ﷾ قال ﷿: ﴿ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله﴾ الروم٢٣.
ولا يقدر هذه النعمة إلا من حرمها بسبب مرض أو بعد سهر طويل أو يوم مليء بالمشقة والعناء، ولكي نحافظ على هذه النعمة لابد أن نحرص على ترتيب مواعيد النوم فيرتب على حسب مواقيت الصلاة خاصة صلاة الفجر أو قيام الليل ولا نضيع أوقاتنا في النوم لفترات طويلة تزيد على حاجاتنا وكذلك نحافظ عليها بالشكر فهو مفتاح الزيادة.
وهذه سبع نوايا يستحب أن تنويها في النوم فهي بإذن الله تعالى تجعل هذه العادة عبادة، وهذا من شكرها والشكر لا يكون باللسان فقط بل بالقلب والجوارح:
١ - طاعة لأمر الرسول ﷺ، قال ﷺ: «إحرص على ما ينفعك» صحيح الجامع٢/ ٦٦٥٠.
فهنا يقاس كل شيئ نافع وللنوم منافع كثيرة فهو يصحح البدن وينشط العقل ..
٢ - لعدم الوقوع في حديث النبي ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» صحيح الجامع٢/ ٧٥١٧. فإن قلة النوم أو السهر لأوقات طويلة له تأثير بليغ في صحة الإنسان فتجعله شارد العقل ضعيف الجسم مصفر اللون.
٣ - للراحة، وقطعا للعمل؛ فهذه هي الفطرة التي خلق الله النوم من أجلها قال تعالى: ﴿وجعلنا نومكم سباتا﴾ النبأ: ٩. أي قطعا لأعمالكم.
٤ - تجديدا للنشاط بعد الفتور، لعمل آخر وهذا أدعى لتحسين العمل فالله سبحانه يحب العمل الحسن لا الكثير قال تعالى ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾ الملك: ٢. أي يختبركم. فما أجمل أن يجمع العبد بين الحسن والكثرة.
٥ - لترتيب الوقت لصلاة أو عمل أو غيره.
٦ - للاقتداء بالنبي ﷺ في آداب النوم وفيه كسب لحسنات كثيرة، ومن آداب النوم:
١ - قال ﷺ: «إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك» صحيح الجامع١/ ٢٩٢.
٢ - قال ﷺ: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلَّفه بعده على فراشه فإذا أراد أن يضجع فليضجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» البخاري:٦٣٢٠، ومسلم:٦٨٩٢
1 / 10
٣ - كان النبي ﷺ إذا أوى إلى فراشه يقول: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» رواه مسلم:٢٧١٩
٤ - كان ﷺ: «إذا نام وضع يده اليمنى تحت خده وقال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك» صحيح الجامع٢/ ٤٧٩٠.
٥ - يجب ذكر الله تعالى، لقول الرسول ﷺ: «من اضجع مضجعا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة» صحيح الجامع٢/ ٦٠٤٣. والترة: الحسرة.
٦ - النية بقيام الليل قال ﷺ: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه» صحيح الجامع٢/ ٥٩٤١.
**
النية في الأكل والشرب
لقد خلق الله تعالى الإنسان وكرمه وفضله على جميع المخلوقات وسخر جميع ما في الكون لخدمته قال تعالى ﴿وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ الجاثية١٣.
ولقد اهتم الإسلام بغذاء المسلم اهتماما لم يسبقه إليه أي دين أو تشريع من قبل فلا يخلوا كتاب من كتب الفقه أو التشريع من باب في علم التغذية يسمى باب الأطعمة أو الأشربة وكذلك من باب في علم التداوي وبين الإسلام فيما بين الأطعمة المباحة والأطعمة المحرمة.
إن الطعام الصحي والأغذية المتوازنة هما مفتاح التمتع بصحة جيدة وقوية وإن حياتنا تقوم على التغذية السليمة فالتغذية توفر للجسم كل العناصر الضرورية للحياة، والنقص فيها مصدر للأمراض والاضطرابات من كل نوع وهناك نمطان أساسيان لسوء التغذية يتعلق أحدهما بحصول الجسم على مغذيات تقل عن حاجته وبينما يتعلق الآخر بحصوله على فائض منها وفي كلتا الحالتين نجد اختلالا بين العرض والطلب بالنسبة لما يحتاجه الجسم من المواد الخام لحفظ حياته، والتغذية السيئة تسبب تعبا للجسم وأمراضا عديدة لذلك جعل الله سبحانه لنا قوانين إلهية تقينا من شر هذه الأمراض وهي:
١ - عدم ملأ البطن قال ﷺ: «ما ملا آدمي وعاء شرا من بطنه» صحيح الجامع٢/ ٥٦٧٤.
٢ - تنويع أصناف الطعام فإن الجسم يحتاج إلى عناصر غذائية متنوعة لينعم بالصحة والنشاط والله سبحانه سخر لنا كل ما يحتاجه الجسم من أصناف الطعام فسخر لنا الأنعام وألبانها والجنات وثمارها قال تعالى ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه. أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا. فأنبتنا فيها حبا. وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا. متاعا لكم ولأنعامكم» عبس ٢٤ - ٣٢.
٣ - عدم الإسراف والتبذير في الأكل والشرب قال تعالى: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾ الأعراف٣١.
فبعد أن عرفنا تلك القوانين الثلاثة لابد أن نعرف مصدر الطعام الذي يدخل معدتنا فيجب أن يكون حلالا قال ﷺ: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» صحيح الجامع٢/ ٤٥١٩. والسحت: الحرام.
وبعد أن علمنا من أين نأكل وكم مقدر الطعام الذي يدخل معدتنا يستحب لنا أن ننوي قبل الأكل والشرب وإليك بعض النوايا لتجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات وأنت تتمتع بالأكل والشرب:
1 / 11
١ - طاعة لأمر الله تعالى قال ﷺ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم») صحيح الجامع١/ ٢٧٤٤.
٢ - إقتداء بالرسول ﷺ، فقد كان يأكل من أصناف الطعام ما يحب «كان يحب الحلواء والعسل» صحيح الجامع٢/ ٤٩١٩. و«كان يعجبه الحلو البارد» صحيح الجامع٢/ ٤٩٨٠. و«كان يحب الزبد والتمر» صحيح الجامع٢/ ٤٩٢١. و«كان يعجبه الذراع» صحيح الجامع٢/ ٤٩٨١. أي: ذراع الشاة. و«كان أحب الشراب إليه الحلو البارد» صحيح الجامع٢/ ٤٦٢٧، وكان يقول ﷺ: «عليكم بلحم الظهر فإنه من أطيبه» صحيح الجامع٢/ ٤٠٨٠.
٣ - للتقوي والنشاط على العبادة والعمل فإن العقل السليم في الجسم السليم وإذا تغذى الإنسان وحرص على النافع، وابتعد عن الضار فإن جسمه يصبح قويا سليما قال ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» صحيح الجامع٢/ ٦٦٥٠.
٤ - لعدم الوقوع في حديث ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» صحيح الجامع٢/ ٧٥١٧. فإن المسلم إذا لم يأكل فإنه يضر نفسه وهذا حرام في الإسلام.
٥ - للراحة فإن الجائع يصعب عليه صنع أي عمل حتى أن الرسول ﷺ كان يتعوذ من الجوع قال ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع» صحيح الجامع١/ ١٢٨٣.
٦ - لنيل مغفرة الله ﷿ قال ﷺ: «من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه») صحيح الجامع٢/ ٦٠٨٦.
٧ - للفوز برضا الله تعالى بالشكر بعد الأكل قال ﷺ: «إن الله تعالى ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» رواه مسلم:٢٧٣٤.
٨ - للفوز بأجر الشكر على الطعام قال ﷺ: «الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر» صحيح الجامع٢/ ٣٩٤٣.
٩ - لكسب أجر الصدقة قال ﷺ: «ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة» صحيح الجامع٢/ ٥٥٣٥.
١٠ - لجمع الحسنات قال ﷺ: «إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه» صحيح الجامع٢/ ٣٩٨٦.
١١ - التأدب بآداب الطعام لما فيها من اقتداء للنبي ﷺ والفوز بالحسنات وإليك بعض الآداب ..
*الجلوس جلسة معتدلة وعدم الاتكاء؛ قال ﷺ: «لا آكل متكئا» رواه البخاري:٩/ ٤٧٢،
* قال ﷺ «سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» البخاري:٩/ ٤٥٨،مسلم:٢٠٢٢
*قال ﷺ: «لا تأكل بالشمال فإن الشيطان يأكل ويشرب بالشماله» رواه مسلم:٢٠١٩
* «كان ﷺ يأكل بثلاث أصابع» رواه مسلم:١٠٣٢
* قال ﷺ: «أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي» صحيح الجامع١/ ١٧١.
* «كان ﷺ إذا شرب تنفس ثلاثا وقال: هو أروى وأبرأ وأمرأ» رواه مسلم:٥٢٨٧
* قال ﷺ: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ثم يأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة» رواه مسلم:٢٠٣٣
1 / 12
* قال ﷺ: «إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه، وإذا شرب لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن» صحيح الجامع١/ ٣٨١.
* قال ﷺ: «إذا شربتم اللبن فتمضمضوا منه فإن له دسما» صحيح الجامع١/ ٦٢٨.
فهذه إحدى عشرة نية قطفناها من بستان السنة لنحصل على الثواب العظيم في الآخرة والفائدة الكبرى في الدنيا وهي تمتعك بصحة جيدة. فيستحب لكل مسلم أن ينويها.
وصايا نبوية قيمة:
١ - قال ﷺ: «عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء» صحيح الجامع٢/ ٤٠٨٣.
٢ - قال ﷺ: «عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمانها فإنها شفاء وإياكم ولحومها فإن لحومها داء» صحيح الجامع٢/ ٤٠٦٠.
٣ - قال ﷺ: «العجوى من الجنة وفيها شفاء من السم والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» صحيح الجامع٢/ ٤١٢٧.
فلنحاول جميعا أن نتبع هذه الوصايا والآداب العظيمة لنرى أثرها العظيم في تنظيم طعامنا ورعاية صحتنا ونقطف ثمار اتباعنا لها في الدنيا والآخرة.
**
النية في العمل
خلق الله سبحانه الخلق ويسر لهم كل أسباب الرزق وجعل لهم مخرجا من كل ضيق وسهل لهم كل طريق ليسعوا لكسب الأرزاق من كل فج عميق وليشكروه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى فهو الميسر لهم كل أسباب التوفيق قال تعالى ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور﴾ الملك٢٣.
فلقد فتح الله تعالى لعباده بركات من السماء والأرض فذلل لهم الأرض وبسطها وأخرج منها ماءها ومرعاها وأنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها وملأ جوفها بكنوز من الذهب والفضة وأنواع كثيرة من معادنها وسخر لهم البحار وجواهرها وأصدافها وخلق لهم الأنعام لينتفعوا بألبانها ولحومها وأصوافها وأشعارها وبِرُكُوبها.
فمن هنا كان لابد من أيدي عاملة لعمارة الأرض ولتزرع الأرض وتحرثها لتخرج منها ثمارها ولتصنع من جلود الأنعام اللباس الذي يقي من البرد ويقينا بأسنا، وأن تبحث عن معادن الأرض وكنوزها وتستخرج منها حلية نلبسها وأدوات لخِدمتنا وصناعات تنفعنا في حياتنا.
فلا يستطيع أي مجتمع أن يعيش بغير عمل إذ أنه المصدر الأول لحياتنا وخدمتنا فمن هنا حث الإسلام على العمل وكسب الرجل من عمل يده وعلى نفع الناس كما قال تعالى «فامشوا في مناكبها» أي: سافروا حيث شئتم من أقطار الأرض وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات.
والعمل في منظور الإسلام عبادة ولكن لا ينبغي للجاهل أن يفهم هذه العبادة بمفهوم خاطئ فهي عبادة إذا لم يضيع حقوق الله ﷿ وفرائضه قال تعالى في مدح المؤمنين ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة﴾ النور٣٧.
1 / 13
فللعمل وقت لا يتعارض مع مواقيت الصلاة، فلا تؤخر الصلاة من أجل العمل بحجة أنه عبادة قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ الجمعة: ٩.
وهذه عدة نوايا يستحب أن تنويها قبل العمل:
١ - تنفيذ أمر الله تعالى فقد قال «فامشوا في مناكبها» وقال تعالى «فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله».
٢ - لحث الرسول ﷺ عليه فقد قال «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» البخاري:٣/ ٢٦٥،مسلم:١٠٤٢
٣ - لنيل أجر الصدقة قال ﷺ «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها - أي يقصدبها وجه الله والتقرب إليه – فهي له صدقة» البخاري:٩/ ٤٣٧،مسلم:١٠٠٢. قال ﷺ «ما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» صحيح الجامع٢/ ٥٦٦٠.
٤ - لنفع الناس وأولاد، قال ﷺ «أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله» صحيح الجامع١/ ١٧٢. وقال أيضا «أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله ﷿ سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرا» صحيح الجامع:١/ ١٧٦
٥ - للحصول على فضل العمل قال ﷺ «ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده» صحيح الجامع٢/ ٥٥٤٦. وقال ﷺ «أطيب الكسب عمل الرجل بيده» صحيح الجامع١/ ١٠٣٣. وقال ﷺ «اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستغني يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله» صحيح الجامع٢/ ٨١٩٦. واليد العليا هي: المعطية واليد السفلى هي: السائلة.
٦ - للإقتداء بالأنبياء والصالحين قال ﷺ «كان داود ﵇ لا يأكل إلا من عمل يده» البخاري:٤/ ٢٥٩، وقال ﷺ «كان زكريا ﵇ نجارا» رواه مسلم:٢٣٧٩، وقال ﷺ «كنت أرعى أغناما لأهل مكة بقراريط» رواه البخاري:٢٢٦٢، وكان أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة رضوان الله عليهم بزازين، أي: بائعوا ثياب، وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل وكان عثمان بن طلحة خياطا، ﵃ أجمعين.
٧ - لتحصيل الرزق، قال ﷺ «إن كان خَرج – أي العامل – يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» صحيح الجامع١/ ١٤٢٨.
٨ - لإنفاق أفضل الدنانير، قال ﷺ «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله» رواه مسلم:٩٩٤
٩ - للإنفاق في سبيل الله. (راجع نيات الصدقة).
١٠ - لكسب الخبرات والنشاط والقوة، قال ﷺ «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني
1 / 14
فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان» صحيح الجامع٢/ ٦٦٥٠.
١١ - للغنى قال ﷺ «لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم» صحيح الجامع٢/ ٧١٨٢.
إن كسب المال وجمعه إن قصد به إعفاف نفسه وعائلته والتوسعة على الإخوان وأبناء الفقراء وصلة الأرحام وفعل المصالح، نية أفضل من الكثير من الطاعات.
١٢ - للدعوة إلى الله فإن مجال الدعوة مفتوح ومهيأ لأصحاب الأعمال إما بالكلمة الطيبة أو الابتسامة أو الشريط الإسلامي والكتيبات المناسبة أو بحسن الخلق والمعاملة الطيبة مع الآخرين.
نصائح مهمة لأصحاب الأعمال:
١ - إعلم أن سعيك لكسب الرزق سبب من أسباب حصولك عليه بعون الله تعالى لك فلا تنسى التوكل عليه فهو سبحانه السبب الأول لتحصيل الرزق.
٢ - يجب أن يكون العمل حلالا والمال المأخوذ منه حلالا، قال ﷺ «لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته» صحيح الجامع١/ ٢٠٨٥. وقال ﷺ «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» صحيح الجامع٢/ ٤٥١٩. والسحت: الحرام.
٣ - اعلم أن رزقك مكتوب لك فلا تستعجل قال ﷺ «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» صحيح الجامع١/ ١٦٣٠. وقال ﷺ «لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له فاتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ أخذ الحلال وترك الحرام» صحيح الجامع٢/ ٧٣٢٣.
٤ - القناعة كنز لا يفنى قال ﷺ «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه» رواه مسلم:١٠٥٤
٥ - إتقان العمل طاعة لله تعالى، قال ﷺ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» صحيح الجامع١/ ١٨٨٠.
٦ - المسامحة في البيع والشراء سبب من أسباب دخول الجنة، قال ﷺ «أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا ومقاضيا ومقتضيا» صحيح الجامع١٢٤٣. وقال ﷺ «رحم الله عبدا سمحا إذا باع وإذا اشترى سمحا وإذا اقتضى» رواه البخاري:٢٠٧٦
٧ - وجوب مراقبة الله ﷾ في كل الأعمال، قال ﷺ «يحب الله العامل إذا عمل أن يحسن» صحيح الجامع٢/ ٨٠٣٧.
٨ - إلزم الوفاء والأمانة والصدق ... فإنها من أهم المعاملات بين المسلمين.
٩ - إحذر الغش والظلم وأكل أموال الربا والرشوة، قال ﷺ «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه هم فيه سواء» صحيح الجامع٢/ ٥٠٩٠. وقال أيضا ﷺ «من غشنا فليس منا» رواه مسلم:١٠١
١٠ - وجوب النصح والإرشاد للآخرين قال ﷺ «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» البخاري:١٣/ ١١٣،مسلم:١٤٦٠
**
1 / 15
النية في الزواج
الزواج مملكة إيمانية، وآية ربانية وسنة نبوية وفطرة إنسانية وضرورة اجتماعية وسكن للغريزة الجسدية.
قال تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» الروم٢١. إن هذه المملكة الإيمانية إن أظل سماءها منهج رب البرية وسيد البشرية، وروى نباتها بماء الإخلاص والمودة والرحمة الندية؛ آتت ثمارها بكرة وعشية وأينعت أرضها كل زهرات الحب والوفاء والأخلاق العلية.
وإن سفينة الحياة الزوجية لا يمكن أن تخوض في بحر الحياة بهدوء واتزان واستمرار إلا إذا قادها زوج مؤمن تقي وتحكَّم معه في توجيه دفة السفينة إلى كل خير وفضيلة زوجة صالحة طاهرة مؤمنة وتقية.
والإسلام يقيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من المشاعر النبيلة الراقية الطاهرة النظيفة التي تبنى على السكن النفسي والبدني والرحمة والمودة وليس مجرد المتعة. فبيت الزوجية ليس مرتعا للطعام والشراب والزوجه ..... بل إن بيت الزوجية وسيلة لغاية كبرى لإنشاء أسرة هي القلعة الأولى من قلاع الإسلام وهي اللبنة الأولى في صرح الدولة الإسلامية.
ومن هنا كان لابد لكل مسلم أن يعرف لماذا نتزوج؟ وإليك هذه النوايا:
١ - طاعة لأمر الله تعالى، قال تعالى: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم﴾ النور٣٢.
٢ - طاعة لأمر رسول الله ﷺ فقد قال ﷺ «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم» صحيح الجامع١/ ٢٩٤١.
٣ - إتباع لسنة الرسول ﷺ، حيث يقول «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأنام، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» البخاري:٩/ ٨٩،مسلم:١٤٠١
٤ - لإعفاف النفس، قال ﷺ «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أي: وقاية. رواه البخاري:٥٠٦٦
٥ - لتكثير بيوت المسلمين وأعدادهم من حيث الذرية، قال ﷺ «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم» صحيح الجامع١/ ٢٩٤٠
٦ - لتنشئة ذرية جديدة على حب الله ورسوله، وهذا العمل يكون في مثقال حسناتك فالدال على الخير كفاعله، قال ﷺ «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم:١٦٣١
يقول صاحب كتاب مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار: وقيَّد الولد بالصالح؛ لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلحق بالوالد من سيئة ولده، إذا كانت نيته في تحصيل الخير، وإنما ذكر الدعاء له تحريضا على الدعاء لأبيه، لا لأنه قيد، لأن الأجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل عملا صالح سواء أدعا لأبيه أم لا كمن غرس شجره يحصل له من أكل من ثمرتها ثواب سواء أدعا له من أكلها أم لم يدع، وكذلك الأم.
٧ - لتعاون الزوجين على البر والتقوى قال تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى».
٨ - للفوز بأجر الصدقة، قال ﷺ «في بضع أحدكم صدقة - أي الجماع - قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم- أي: أخبروني- لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» رواه مسلم:١٠٦٦
1 / 16
٩ - لتكسب خير الكنوز، قال ﷺ «قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس» صحيح الجامع٢/ ٤٤٠٩.
١٠ - ليكمل نصف إيمانك، قال ﷺ «من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان فليتقي الله في النصف الباقي» صحيح الجامع٢/ ٦١٤٨.
١١ - لتخلف بعدك خير خلف قال ﷺ «خير ما يخلف الإنسان بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم ينتفع به من بعده» صحيح الجامع١/ ٣٣٢٦.
١٢ - للتمتع بأفضل متاع قال ﷺ «الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» صحيح الجامع١/ ٣٤١٣.
١٣ - لترزق السعادة، قال ﷺ «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع والجار الصالح، والمركب الهنيء» صحيح الجامع١/ ٨٨٧.
١٤ - للفوز ببعض الفضائل، كقول الرسول ﷺ «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» صحيح الجامع١/ ٣٣١٤.
١٥ - لعمران الأرض وإقامة شرع الله تعالى، فالله سبحانه خلق الخلق ليتناسلوا ويُحكِّموا شرعه في الأرض ولو ترك الناس النكاح لقل الناس ولترك الغزو والجهاد.
**
النية في اللباس
لقد امتن الله على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن هذه النعم نعمة اللباس، فجعل لهم لباسا يواري سوءاتهم ويجمّل هيئاتهم، ويقيهم من البرد والحر ويقيهم بأسهم قال تعالى ﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون﴾ الأعراف٢٦.
فالله سبحانه امتن عليهم باللباس والريش، واللباس المراد به: ستر العورات وهي السوءات، والريش: ما يتجمل به ظاهرا، فاللباس من الضروريات والريش من الكماليات، ثم نبه سبحانه إلى خير لباس وهو لباس التقوى وهو التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، ولباس التقوى هو الغاية والمقصود ولباس الثياب معونة عليه ثم ختم الله سبحانه الآية بقوله تعالى: ﴿ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون﴾ أي ذلك المذكور لكم من لباس مما تتذكرون به نعمة الله عليكم فتشكرونه وتتذكرون بحاجتكم إلى اللباس الظاهر ما هو أعظم منه من فوائد اللباس الباطن وهو التقوى.
فاللباس من نعم الله تعالى التي يجب أن نشكره عليها ونثني عليه بها وإن من شكرها التقيد بأحكامها ألا وهي:
١ - أن لا يشبه ملابس الكفار قال ﷺ: «من تشبه بقوم فهو منهم» صحيح الجامع٢/ ٦١٤٩.
٢ - ألا يتشبه الرجل بالمرأة ولا المرأة بالرجل قال ﷺ «لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل» صحيح الجامع٢/ ٥٠٩٥.
٣ - عدم الإسراف والتبذير قال ﷺ «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيله» صحيح الجامع٢/ ٤٥٠٥.
٤ - عدم التكبر قال ﷺ «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» رواه مسلم:٩١
1 / 17
٥ - أن لا يزيد اللباس عن حد الكعبين للرجل وعن الذراع أسفل القدمين للمرأة، قال ﷺ «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» البخاري:١٠/ ٢١٨، وقال ﷺ: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» صحيح أبو داود للألباني:٢/ ٣٤٤٣، وعن أم سلمة زوجة النبي ﷺ أنها قالت لرسول الله ﷺ حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله؟ قال: "ترخي شبرا "، قالت أم سلمة: إذن ينكشف عنها. قال: " فذراعا لا تزيد عليه" صحيح أبو داود للألباني:٢/ ٣٤٦٧
وهذه تسع نوايا أقدمها لتؤجر بإذن الله في جميع لباسك:
١ - لستر العورة قال ﷺ «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» رواه مسلم:٣٣٨
٢ - للتجمل، قال ﷺ «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنه، قال: «إن الله جميل يحب الجمال» مسلم:٩١
٣ - تحدثا بنعمة الله تعالى. قال تعالى: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ الضحى ١١. وقال ﷺ «إذا آتاك الله مالا، فليُر عليك، فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا ولا يحب البؤس ولا التباؤس» صحيح الجامع١/ ٢٥٥.
٤ - للتزين لله ﷾، قال تعالى ﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ الأعراف٣١. وقال ﷺ «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق من تزين له» صحيح الجامع١/ ٦٥٢.
٥ - للتدفئة أو الوقاية من الحر والحرب، قال تعالى: ﴿وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم﴾ النحل٨١. والسرابيل: القُمص. والبأس: الحرب.
إن عدم التدفئة من البرد أو الوقاية من الحر تضر الإنسان، ولا ينبغي للمسلم أن يضر نفسه أو يوقعها في المهالك، كما أن في التدفئة والوقاية، إعانة على عبادة الله تعالى.
٦ - لحث النبي ﷺ عليها، فقد قال لعمر بن الخطاب ﵁ «إلبس جديدا وعش حميدا، ومت شهيدا» صحيح الجامع١/ ١٢٣٤. وقال ﷺ «ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مهنته» صحيح الجامع٢/ ٥٦٣٥. وقال ﷺ «عليكم بثياب البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم» صحيح الجامع٢٤٠٧٤.
٧ - لإكرام الناس وجذب قلوب الآخرين، وتحسين صورة المسلمين، وهذا أمر مهم لدعوتهم ففي حديث ابن عمر ﵄ قال: (أخذ عمر جُبَّة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود» البخاري:٩٤٨
٨ - للإقتداء بالنبي ﷺ، وهذه بعض الألبسه والألوان التي كان النبي ﷺ يحبها ويرتديها فالإقتداء به يوجب الحسنات.
- «كان أحب الألوان إليه الخضرة» صحيح الجامع٢/ ٤٦٢٣.
- «كان أحب الثياب إليه القميص» صحيح الجامع٢/ ٤٦٢٥.
- قال ﷺ «إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم» صحيح الجامع١/ ١٢٣٦.
- «كان له ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران، يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء» صحيح الجامع٢/ ٤٨٣٥.
- قال ﷺ «إلبسوا البياض، فإنها أطهر وأطيب» صحيح الجامع/١١٢٣٥
- عن جابر رضي اله عنه أن الرسول ﷺ «دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء» رواه مسلم١٣٥٧
1 / 18
- عن أبي رمثة رفاعة التميمي ﵁ قال: «انطلقت مع أبي نحو النبي ﷺ فرأيت عليه بردين أخضرين» صحيح أبو داود للألباني:٢/ ٣٤٣٠
- عن البراء بن عازب ﵁، قال: «ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه» البخاري:١٠/ ٢٥٨،مسلم:٢٣٣٧، والحلة: ثوب له ظهار وبطانة من جنس واحد.
٩ - تكثير الحسنات بالتأدب بآداب اللباس وإحياء سنة الرسول ﷺ، ومن الآداب:
- «كان ﷺ يعجبه التيمن - أي استعمال اليمين - في شأنه كله» البخاري:١/ ٢٣٥،مسلم:٢٦٨
- كان ﷺ إذا استجد ثوبا سماه بإسمه قميصا أو عمامة أو رداء، ثم يقول: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» صحيح الجامع٢/ ٤٦٦٤.
**
النية في التجمل والزينة
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه غاية التكريم، ويسر له جميع أسباب السعادة والتمكين، وجبله على حب التجمل والتزيين، فهذه هي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها أجمعين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
قال تعالى: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون﴾ الأعراف٣٢.
وها أنا أقدم لك تسع نوايا ذهبية من كنوز السنة المحمدية:
١ - التقرب إلى الله تعالى بما يحب، قال ﷺ «إن الله جميل يحب الجمال» رواه مسلم:٩١
٢ - التحدث بنعمة الله تعالى، قال تعالى: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ الضحى١١. قال ﷺ «إن الله تعالى إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه» صحيح الجامع١/ ١٧١١.
٣ - الإقتداء بالنبي ﷺ، فهو القدوة الأولى في الجمال والزينة.
- حثنا على التطيب وبدأ به ﷺ قال أنس ﵁ عن النبي ﷺ «ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله ﷺ) البخاري:٦/ ٤٢٠،مسلم:٢٣٣٠، و«كان يعرف بريح الطيب إذا أقبل» صحيح الجامع٢/ ٤٩٨٨. و«كان يعجبه الريح الطيبة» صحيح الجامع٢/ ٤٩٨٣. و«كان له سُكّه يتطيب منها» صحيح الجامع٢/ ٤٨٣١، وكان يقول ﷺ «أطيب الطيب المسك» صحيح الجامع١/ ١٠٣٢، وقال ﷺ «حبب إلي من دنياكم النساء والطيب» صحيح الجامع١/ ٣١٢٤.
- وحث على تحسين الشعر، فقال ﷺ «من كان له شعر فليكرمه» صحيح الجامع٢/ ٦٤٩٣. ولقد أنكر ﷺ على من لم يهتم بذلك فقال «أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟ أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه» صحيح الجامع١/ ١٣٣٣. وأمر رجلا فقال له «أكرم شعرك وأحسن إليه» صحيح الجامع١/ ١٢١٨.
- وحث على تزيين العينين، فقال ﷺ «عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر» صحيح الجامع٢/ ٤٠٥٦، وفي رواية أخرى «إكتحلوا بالإثمد ..» صحيح الجامع١/ ١١٩٧.
1 / 19