وأخلى الصمت لقرقرة الجوزة حتى قطعه العجوز قائلا: لديك عمك وعم زوجتك؛ أما عمك فلا فائدة منه ولا ضرر، وأما الآخر فبوسعك أن تكسبه إلى جانبك لو منيته بشيء! - بماذا أمنيه؟ - عده بنظارة الجرابيع!
فقال صادق بإخلاص: لن يميز أحد بشيء من ريع الوقف، هو ميراث الجميع على قدم المساواة كما قال الجبلاوي.
فضحك يحيى قائلا: ما أعجب جدنا، كان قوة في جبل، ورحمة في رفاعة، واليوم له شأن آخر!
فقال قاسم : إنه صاحب الوقف، ومن حقه أن يغير ويبدل في الشروط العشرة! - لكن مهمتك شاقة يا بني، إنها تخص الحارة كلها لا حيا من الأحياء. - هكذا أراد الواقف.
وسعل يحيى سعالا متواصلا تركه كالقتيل فتطوع حسن لخدمة الجوزة محله. ومد الرجل ساقيه وهو يتنهد بعمق. ثم تساءل: ترى أتعمد إلى القوة كجبل أم تؤثر الحب كرفاعة؟
فجاست يد قاسم خلال لاسته، ثم قال: القوة عند الضرورة والحب في جميع الأحوال.
فهز يحيى رأسه، وجعل يبتسم، ثم قال: لا عيب فيك إلا اهتمامك بالوقف، سوف يسوقك ذلك إلى متاعب لا حصر لها. - كيف يعيش الناس بغير الوقف؟
فقال العجوز في مباهاة: كما عاش رفاعة.
فقال قاسم بجد وأدب: عاش بمعونة أبيه ومحبيه، وخلف أصدقاء لم يستطع أحدهم أن يحذو حذوه، والحق أن حارتنا التعيسة في حاجة إلى النظافة والكرامة. - ألا يجيء ذلك إلا بالوقف؟ - بلى يا معلم، بالوقف وبالقضاء على الفتونة، هنالك تتحقق الكرامة التي أهداها جبل إلى حيه، والحب الذي دعا إليه رفاعة، بل والسعادة التي حلم بها أدهم.
فضحك يحيى متسائلا: ماذا أبقيت لمن يجيء بعدك؟
Unknown page