217

Awlad Haratna

أولاد حارتنا

Genres

وإذا بعم زكريا يقول بحماس طارئ كأنما قدر ما يعود عليه من رفعة بالنسب المرتقب: تكلم كما تكلمت يوم واقعة المنجد، إنك شجاع حكيم، وسنذهب معا إلى السيدة؛ لنفاتحها في الأمر ثم نكلم عويس؛ إذ إننا لو بدأنا بعويس لأرسلنا إلى مستشفى المجاذيب!

وجرت الأمور كما رسم عم زكريا؛ لذلك جلس عم عويس في حجرة الاستقبال بدار قمر ينتظر مجيئها وهو يعبث بشاربه الغزير مداراة لاضطراب خاطره. وجاءت قمر في ثوب محتشم مغطاة الرأس بمنديل بني فصافحته بأدب وجلست وفي عينيها نظرة جمعت بين الهدوء والتصميم. قال عويس: حيرتني يا بنتي! بالأمس رفضت يد عم مرسى وكيل أعمالي بحجة أنه غير كفء لك، واليوم ترضين براعي غنم؟!

فأجابت ووجهها يتورد حياء: عمي، إنه رجل فقير حقا ولكن ليس من أحد في حينا إلا ويشهد له ولأهله بالطيبة!

فقال عم عويس مقطبا: نعم ولكن على نحو ما نشهد لخادم بالأمانة أو النظافة، والكفاءة في الزواج شيء آخر.

فقالت قمر بأدب: دلني يا عمى على رجل مهذب مثله في حارتنا، دلني ولو على رجل واحد لا يباهي بعمل من أعمال البلطجة أو الخسة أو الوحشية؟!

وكاد الرجل أن ينفجر غاضبا لولا تذكره بأنه لا يخاطب ابنة أخيه فحسب ولكن المرأة التي تسهم في تجارته بمال غير قليل، لذلك قال برجاء: قمر، لو شئت زوجتك من أي فتوة في الحارة، لهيطة نفسه يودك لو قبلت أن تقاسميه مع زوجاته. - لا أحب هؤلاء الفتوات! ولا هذا النوع من الرجال. كان أبي رجلا طيبا مثلك، وكم قاسى من عنتهم حتى أورثني كراهتهم، أما قاسم فهو رجل مهذب، لا ينقصه إلا المال وعندي منه الكفاية.

فتنهد عويس، ثم نظر إليها طويلا، ثم قال برجاء أخير: إني مبلغك رسالة أمينة هانم حرم حضرة الناظر، قالت لي: قل لقمر أن تعقل، وأنها مقدمة على غلطة ستجعل منا أحدوثة الحارة.

فقالت قمر بحدة: أنا لا تهمني أوامر الهانم، ويبدو للأسف أنها لا تعرف من هم الذين تجعلهم فعالهم أحدوثة في الحارة. - يا بنت أخي إنها تود لك الكرامة. - يا عمي لا تصدق أنها تهتم بنا أو حتى تذكرنا، ومنذ وفاة المرحوم من عشرة أعوام لم أجر لها على خاطر.

فتردد الرجل مليا في حرج ظاهر، ثم قال في تأفف: إنها تقول أيضا: إنه ليس من العقل أن تتزوج امرأة من رجل غير كفء لها وبخاصة إذا كان لظرف ما يتردد على بيتها!

فانطلقت قمر واقفة بوجه مصفر من الغضب وهتفت: قطع لسانها، لقد ولدت ونشأت وتزوجت وترملت في هذه الحارة، الكل يعرفني، وسيرتي كالعطر على كل لسان. - طبعا يا بنتي طبعا! ليس الأمر إلا أنها تشير إلى ما قد يقال. - عمي، دعنا من الهانم فلا يجيء منها إلا وجع الدماغ، إني أخبرك وأنت عمي بأنني قبلت الزواج من قاسم، وسيكون ذلك برضاك وحضورك!

Unknown page