Awham Caql
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
Genres
17
على أن هذا الانفلات من جانب العقل يكون أكثر إيذاء في عملية اكتشاف العلل، فعلى الرغم من أن المبادئ الأكثر عمومية في الطبيعة ينبغي أن تكون وقائع خاما هي كما وجدت عليه ولا يمكن أن تحال حقا إلى علة. إلا أن الفهم البشري في عجزه عن التوقف ما يزال يتلمس شيئا ما سابقا في نظام الطبيعة، ثم هو في غمرة جهاده في المضي إلى ما هو أبعد إذا به يرتد إلى ما هو أقرب مأخذا؛ أعني إلى العلل الغائية،
18
تلك التي تمت بالصلة إلى طبيعة الإنسان أكثر مما تمت إلى طبيعة العالم، وهي من جراء هذا المنشأ قد أفسدت الفلسفة على نحو عجيب. على أن الفيلسوف الذي يلتمس العلل في العموميات القصوى ليس أقل خرقا وسطحية من ذلك الذي يتوانى عن التماسها في الأشياء التابعة والفرعية. (49) الفهم الإنساني ليس مجبولا من ضياء صرف،
19
وإنما هو مشرب بالإرادة والعواطف.
20 «من هنا تأتي المعرفة التي يمكن أن تسمى «معرفة حسب الطلب»؛ فالإنسان أميل دائما إلى تصديق ما يفضله»؛ ولذا فهو ينبذ الأمور الصعبة؛ لأنها تجشمه الصبر في البحث، وينبذ الاعتدال لأنه يضيق حدود أمله، وينبذ التعمق في الطبيعة؛ لأنه - أي الإنسان - مرتهن للخرافة، ويرفض نور التجربة؛ لأنه متغطرس مكابر يظن أن العقل لا يليق به أن يهدر وقته في أشياء مبذولة متغيرة، ويرفض كل ما هو غير تقليدي خوفا من رأي العامة. صفوة القول أن العاطفة تدمغ العقل وتصبغه بطرائق لا حصر لها، وطرائق خفية تند عن الإدراك في بعض الأحيان. (50) غير أن أكبر عائق للفهم البشري على الإطلاق وأكبر زيغ إنما يأتي من بلادة الحواس وقصورها وخداعها؛ فالأشياء التي تمس الحواس لها الأرجحية على الأشياء التي لا تمسها مباشرة مهما علا شأنها، هذا ما يجعل التأمل يتوقف في أغلب الأحوال حيثما يتوقف البصر، بحيث لا يؤبه للأشياء غير المرئية، وبذلك يبقى كل فعل الأرواح المكنونة في الأجسام الملموسة
21
خفيا غير ملحوظ من الناس. وخفية بالمثل تلك التغيرات البنيوية
22
Unknown page