90

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Genres

تلاشت همهمة الأصوات بعد قليل، ورأت أوليفيا، وهي تتطلع عبر النافذة، أن العمة كاسي كانت هي المنتصرة هذه المرة. كانت تقف في الحديقة تنظر إلى ممر السيارات بذلك التعبير الخبيث الذي يعلو وجهها أحيانا في اللحظات التي تظن فيها أنها بمفردها. وبعيدا على ممر السيارات المظلل على مسافات متفرقة، كانت سابين تتحرك مبتعدة في تكاسل صوب منزل «بروك كوتيدج». كانت سابين، هي الأخرى، تنتمي نوعا ما إلى العائلة؛ إذ كانت قد نشأت تحيط بها التقاليد المتشددة التي جعلت أناسا لم يكونوا ينتمون إلى عائلة بينتلاند أفرادا من العائلة. وربما كان (هكذا فكرت أوليفيا) يكمن السبب الرئيسي وراء الحياة القلقة التعسة التي تحياها سابين في ذلك الصراع الكئيب نفسه. ربما إذا استطاع المرء أن يتعمق بالقدر الكافي في التاريخ العائلي الطويل، سيجد هناك الأسباب التي جعلت سابين تكره هذا العالم الخاص بدورهام والأسباب التي جعلتها تعود إلى أشخاص كانت تكرههم بكل الحماسة المريرة، شبه المتطرفة، المتأصلة في طبيعتها. كانت سابين تمتلك مقومات القسوة البالغة.

وما إن رأت العمة كاسي أوليفيا تنزل الدرجات المؤدية إلى الحديقة، حتى استدارت واتجهت نحوها بسرعة وعلى وجهها نظرة توقع، وسألتها: «كيف حال المسكينة؟»

وعندما أجابت أوليفيا بقولها: «إنها هادئة الآن ... نائمة. مر كل شيء على خير»، تغيرت النظرة إلى نظرة خيبة أمل.

قالت بتنهيدة عميقة: «أها، ستبقى إلى الأبد. ستظل على قيد الحياة بعد أن أكون قد لحقت بالسيد سترازرس العزيز بفترة طويلة.»

ردت عليها أوليفيا، وكأنها أرادت أن تقول شيئا آخر: «هذا هو الحال مع المرضى طريحي الفراش. إنهم يعتنون بأنفسهم عناية كبيرة.» وعلى الفور تقريبا قالت في نفسها: «ها أنا ذا ألعب لعبة العائلة، وأتظاهر بأنها ليست مجنونة وإنما مريضة طريحة الفراش فحسب.»

لم تشعر بالامتعاض من العجوز المشغولة؛ بالطبع بدا لها أحيانا أنها كانت تشعر مع العمة كاسي بما يشبه الألفة؛ ألفة من قبيل ما يشعر به المرء تجاه حيوان أو قطعة أثاث موجودة منذ وقت طويل بقدر ما يستطيع المرء أن يتذكر. وفي تلك اللحظة، بدا جسد العمة كاسي، ومشهد سابين من بعيد، والحديقة البراقة المليئة بالزهور ... بدت لها كل هذه الأشياء غير حقيقية، وكأنها جزء من مشهد ميلودرامي؛ لأنها كانت لا تزال تعيش في أجواء منزل عائلة بينتلاند في زمن سافينا وتوبي كاين. كان من المستحيل عليها أن تركز انتباهها على العمة كاسي وتوتراتها.

كانت العجوز تقول: «يبدو أنكم جميعا صرتم مولعين جدا بهذا الرجل المدعو أوهارا.» (ما الذي كانت ترمي إليه الآن؟) ثم جهرا قالت أوليفيا: «ولم لا؟ فهو لطيف وذكي ... بل ومتميز بطريقته الخاصة.»

أجابت العمة كاسي قائلة: «أجل. كنت أتناقش مع سابين بشأنه، ولقد توصلت إلى استنتاج مفاده أنني ربما كنت مخطئة بشأنه. هي تراه رجلا ذكيا ذا مستقبل عظيم.» ساد صمت وجيز ثم أضافت بطريقة من يدلي بملاحظة عابرة: «ولكن ماذا عن ماضيه؟ أقصد من أين أتى؟» «أعرف كل شيء عنه. لقد أخبرني بنفسه. لهذا السبب تأخرت هذا الصباح.»

لبعض الوقت لاذت العمة كاسي بالصمت، كما لو أنها تقدر في ذهنها حجم مشكلة كبيرة. وأخيرا قالت: «كنت أتساءل عن مسألة الإفراط في مقابلته. لديه سمعة سيئة مع النساء ... على الأقل، هذا ما قيل لي.»

ضحكت أوليفيا. ثم أردفت قائلة: «على أي حال، أنا امرأة ناضجة يا عمة كاسي. أستطيع أن أعتني بنفسي.» «أجل ... أعرف ذلك.» ثم استدارت إليها بابتسامة ورعة ملطفة للأجواء: «لا أريدك أن تظني أنني أتدخل في شئونك يا أوليفيا. هذا آخر شيء أفكر في القيام به. ولكني أفكر في مصلحتك مليا. أنا واثقة من أنه لا ضرر كبيرا في ذلك. لن يفكر أحد خلاف ذلك، من منطلق معرفته بك يا عزيزتي. ولكن المشكلة فيما سيقوله الناس. حدثت فضيحة حسبما أعتقد قبل ثماني سنوات مضت ... فضيحة في حانة!» قالت كلماتها الأخيرة متظاهرة بمعاناة شديدة، كما لو أن عبارة «فضيحة في حانة» قد ختمت على فمها. «أظن ذلك. فأغلب الرجال ... أقصد رجال السياسة ... لديهم فضائح ترتبط بأسمائهم. هذا جزء من العمل يا عمة كاسي.»

Unknown page