138

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Genres

بدا أن الاضطراب الذي ساد اليوم كان يزداد حدة بدلا من أن يزول. طلب من العمة كاسي البقاء لتناول الغداء، لكنها قالت إنه يستحيل أن تفكر في ابتلاع ولو حتى كسرة خبز. وصرخت بنبرة ميلودرامية: «من شأنها أن تخنقني.»

ألحت عليها أوليفيا، قائلة: «إنه غداء ممتاز.» «كلا ... كلا ... لا تطلبي مني ذلك!»

ولكن، نظرا لعدم رغبتها في مغادرة مسرح الأحداث، استلقت على الأريكة الكلاسيكية من طراز ريجنسي الخاصة بهوراس بينتلاند واستعادت عافيتها قليلا بأخذ غفوة بينما كان الآخرون يتناولون الطعام.

أخيرا، اتصل بهم آنسون، وحين أبلغ بالخبر، تردد في سماعة الهاتف صدى تهديداته. قال إنه سيستأجر سيارة (وهي مبالغة تعكس مدى عمق انفعاله وغضبه) ويأتي على الفور.

ثم، مباشرة تقريبا، اتصل مايكل. وقال: «لقد وصلت توا.» وطلب من أوليفيا أن تأتي لتركب معه الخيل. وأردف قائلا: «يجب أن أتحدث إليك فورا.»

رفضت أن تركب الخيل معه، ولكنها وافقت أن تقابله في منتصف الطريق بينهما، عند أيكة أشجار الصنوبر حيث كان هيجينز قد اكتشف جراء الثعالب. وقالت له: «لا يمكنني أن أغادر الآن ولا أظن أنه من المناسب لك أن تأتي إلى هنا في الوقت الحالي.»

ولسبب ما، لم تخبره بشيء عن مسألة الهروب، ربما لأنها على نحو غامض ظنت أنه قد يستغل هذه المعلومة سلاحا لكسر إرادتها. ففي خضم الاضطراب الذي ساد اليوم، ووراء كل الاهتياج الذي ساد مشهد الأحداث، والانفعالات والمكالمات الهاتفية، أخذت تفكر، وتفكر، وتفكر، لدرجة أنها في النهاية تأثرت باللغط تأثرا طفيفا. كانت قد باتت تدرك أنه لا بد وأن جون بينتلاند قد عاش حياته هكذا، عاما تلو الآخر، متحركا دوما في إطار حياة سرية خاصة به، وبعد قليل كانت قد توصلت إلى أنها يجب أن تهجر مايكل نهائيا.

وبينما كانت تتحرك عبر المروج، لاحظت أن أشجار البتولا كانت قد بدأت تذبل وتتحول إلى اللون الأصفر وأن المروج في المنخفض بحذاء النهر قد تلونت باللونين الذهبي والأرجواني بفعل أكوام من نبات عصا الذهب ونبات عصا الراعي الأرجواني. ومع كل خطوة كانت تخطوها بدا أنها تضعف أكثر فأكثر، وعندما اقتربت من السور الأسود المائل إلى الزرقة المكون من أشجار الصنوبر انتابتها رعشة عنيفة، كما لو أن الإحساس بوجوده استطاع أن يصل إليها بشكل أو آخر ويغمرها حتى قبل أن تراه. حاولت أن تتخيل أن الرجل المسن يقف بجوارها عند السياج الشجري، ولكن شيئا أقوى من إرادتها جعلها لا ترى سوى رأس مايكل بشعره الأسود المجعد وعينيه الزرقاوين. بدأت حتى تدعو في سرها ... وهي (أوليفيا) التي لم تدع قط لأن الورع الزائف للعمة كاسي وآنسون وأسقف الطبقة الأرستقراطية حال دوما بينها وبين الدعاء.

ثم رفعت بصرها ورأته واقفا شبه متوار بين أشجار الصنوبر الأقصر طولا يراقبها. بدأت تركض نحوه، خشية أن تخذلها ركبتاها وتسقط أرضا قبل أن تصل إلى كنف الأشجار.

وفي ظلمة الأجمة، التي نادرا ما تخترقها أشعة الشمس، أحاطها بذراعيه وقبلها بطريقة لم يفعلها من قبل، ولم يؤد هذا التصرف إلا إلى ازدياد خوفها. لم تنبس ببنت شفة؛ وإنما بكت في هدوء، وأخيرا، عندما تمالكت نفسها، جاهدت لتتحرر من ذراعيه وقالت: «لا تفعل، يا مايكل ... أرجوك لا تفعل ... أرجوك.»

Unknown page