ولإقبال منظومات كثيرة معظمها بالفارسية، وبعضها بالأردية، وقد ضمنها من الفلسفة والتصوف والأخلاق والاجتماع والسياسة ونقد المدنية ما يملأ القارئ إعجابا. والرجل حر يكره التقليد، ويحذر منه، فعقله وقلبه ظاهران في كل ما يكتب.
ومن منظوماته كتابان سماهما: «أسرار خودي» و«رموزبي خودي»؛ أي أسرار الذاتية، ورموز اللا ذاتية. ومدار البحث في الأول أن العالم قائم على «الذاتية»، وأن حياة الإنسان بإبراز ما أودع فطرته من المواهب، وتقوية نفسه، ومدار البحث في الكتاب الثاني بيان ائتلاف الأفراد في الجماعة، وما تقوى به الجماعات. وقد شرح ذلك شرحا مبينا، وضرب الأمثال، واستشهد التاريخ، وسما إلى الدرجة العليا في الشعر.
وقد ترجمت في مجلة «الرسالة» صفحات من الكتابين، ومن ديوانه «بيام مشرق» الذي جعله الشاعر جوابا للشاعر الألماني جوته.
3
وقد بدا لي أن أنشر في الرسالة منظومة أهديها إلى إقبال، وأجعلها صدى لكتابيه المذكورين آنفا.
وأريد مع هذا أن أنهج بها في العربية نهجا جديدا، وأجعلها مثلا للمعاني السامية التي يتناولها الشعر إذا أطلق من عقاله، وحرر من الموضوعات الضيقة التي اعتادها جمهور الشعراء، ولا سيما المعاني التي تكثر في أشعار الصوفية العظام، ثم أريد أن أجعلها مثالا للقافية المزدوجة التي قصرها شعراء العربية على الرجز المشطور، كما قصروا الرجز على نظم العلوم كالألفية والجوهر المكنون والتاريخ، كمنظومة ابن عبد ربه في أمراء بني أمية، والقصص ككتاب كليلة ودمنة، والصادح والباغم. وينبغي أن يسري هذا الضرب من التقفية إلى أبحر الشعر الأخرى، حين تعالج الموضوعات الواسعة، فهذا الذي سنى لشعراء الفارسية وغيرهم أن ينظموا عشرات الآلاف من الأبيات في قصة واحدة أو كتاب واحد.
وقد اخترت وزن الرمل ليسره وخفته، واقتداء بجمال الدين في المثنوي، ومحمد إقبال في بعض كتبه، ولا سيما «أسرار خودري» و«رموزبي خودري».
4
ثم التفعيلة الثالثة في الرمل تأتي تامة «فاعلاتن»، ومقطوعة «فاعلات»، ومحذوفة «فاعلا»، والقافية المزدوجة تجعل كل شطرين متفقين في الروي منفصلين ببعض الانفصال عن غيرهما.
فينبغي أن يسوغ الجمع في المنظومة الواحدة بين أبيات على فاعلاتن، وأخرى على فاعلات أو فاعلا تيسيرا للناظم، ولكن الجمع بين فاعلا وفاعلات حسن لا عيب فيه؛ لأن الحرف الأخير في فاعلات لا يتأتى إلا بعد مد. وبهذا المد يتم الوزن، فيأتي الحرف بعد المد نهاية للصوت، فلا يشعر المنشد باختلاف النغمة بين فاعلا وفاعلات، مثال هذا: البيتان الآتيان:
Unknown page