77

Atwal

الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم

Genres

ومما ينبغي أن ينبه عليه أن ما بسط من الكلام في الخارج ليس في الخارج الذي يدور عليه الصدق والكذب، لأنه بمعنى خارج تعقل المتكلم لا بمعنى الخارج المقابل للذهن، وإلا لم يشمل الصادق والكاذب الذهنيين، بل في الخارج المقابل للذهن، لنكون على بصيرة في القضايا الخارجية، ويتضح عندك وجه تقييد النسبة فيها بالخارج، ولذا عجب المصنف في بيان المذاهب الثلاثة، فذكر المذهب الأول من غير نسبة إلى صاحبه، كما نسبه المفتاح إلى الجمهور، ولم يؤيده، ولم يبالغ في التصريح بترجيحه، كما أيده وصرح به حيث قال: وهو المتعارف وعليه التعويل، مبالغة في صحته وظهور سلطانه، إلى أن استغنى اعتباره وعن نسبته إلى الجمهور، وعن التأييد بتعارفه، والشهادة بأنه المعول عليه، وأشار إلى كمال سخافة المذهب الثاني، بحذف قائله وتحقيره بمجهوليته، مع # العلم بأنه النظام، وقد سلك هذا المسلك المفتاح حيث قال: وعند بعض؛ إلا أنه عدل إلى أخصر طريق في ذلك، وأشار إلى رجحان مذهب الجاحظ، بذكر القائل، ووجه كمال سخافة هذا المذهب ما أشار إليه السكاكي من أن تصديق اليهودي إذا قال: الإسلام حق، وتكذيبه إذا قال: الإسلام باطل، بإجماع المسلمين ينجيان بالقطع على هذا المذهب، واستئصاله، ومع ذلك قدمه على مذهب الجاحظ (¬1) لكمال اتصاله بالمذهب الأول، حيث اجتمعا في انحصار الخبر في الصادق والكاذب فقال عقيب بيان الحق: (وقيل: مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطأ) وجرد بيانه عن حشو في عبارة المفتاح حيث قال: طباق الحكم لاعتقاد المخبر أو ظنه، فإن قوله أو ظنه حشو، إذ لا بد من حمل الاعتقاد في هذا التعريف على معناه الغير (¬2) المشهور، وهو التصديق الشامل للظن والعلم وغيرهما؛ إذ لو حمل على المشهور وهو الجزم القابل للتشكيك لخرج مطابقة الخبر لعلم المخبر عن حد الصدق، ولدخل في حد الكذب، وعدل عن قوله سواء كان خطأ أو صوابا إلى قوله ولو خطأ؛ لأنه أخصر وإلى الصواب أقرب؛ لأن مطابقة الاعتقاد الصواب أحق بالصدق من مطابقة الاعتقاد الخطأ، كما تقيده (لو) الوصلية، فالتسوية لا تخلو عن شوب، وفيه أن سوى في الإيضاح؛ لكن الراجح ما في المتن، وقوله: ولو خطأ للإشعار بالفرق بينه وبين ما هو الحق، فإنه يفارق الأول في هذا الفرق، وأشار إلى تعريف الكذب بقوله: (وعدمها) أي عدم مطابقته للاعتقاد ولو خطأ، فالكذب بمخالفة الاعتقاد الخطأ، مادة افتراق الكذب على ما هو الحق، لكن لا تقتصر مادة افتراق الكذب عليه؛ بل منها الخبر الموهوم والمشكوك، فإنهما لا يطابقان اعتقاد المخبر لانتفائه، وليس لك أن تقول: المراد عدم مطابقة الاعتقاد مع وجوده، ولا اعتقاد له في المشكوك، لأنه ينافي ما هو مذهبه من انحصار الخبر في الصادق والكاذب، ولا أن تقول: الخبر المشكوك ليس بخبر، لأنه لا تصديق له بمدلوله، لأنا نقول: الخبر ما يدل على التصديق، سواء تخلف المدلول أو لا، ولولا ذلك لم يوجد خبر كاذب على هذا # المذهب، لأن الخبر الكاذب ما خالف المدلول اعتقاد المخبر، فلا اعتقاد للمخبر بخبره، ولا تصديق به، فلا يكون كاذبا لأنه مختص بالخبر.

ومن تحقيق تعريف الكذب يكاد يظهر أنه لا يصح جعل ضمير ولو خطأ إلى الخبر لأنه وإن لا تفاوت بينه وبين جعله للاعتقاد في تعريف الصدق لكن في تعريف الكذب لا يصح، حينئذ من ذكر قوله؛ ولو خطأ، وجعل المصنف تاركا لقوله ولو خطأ في تعريف الكذب لا موجزا اعتمادا على انسياق الذهن إليه بعد اعتباره في تعريف الصدق بعيد.

بدليل قوله تعالى: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (¬1) أضاف الدليل إلى تمسك النظام إشارة إلى قوته؛ لأن الظاهر رجوع الكذب إلى قوله: إنك لرسول الله، لأنه الخبر المنقول عنهم، ويشهد ليس بخبر بل إنشاء. والظاهر من الحكم بالكذب الحكم بالكذب في الواقع، لا في اعتقادهم، فالظاهر معه، والرد ليس إلا بتأويل الآية كما صرح به المفتاح، لا نقول التأويل لا يعارض الظاهر، لأنا نقول يعارض البداهة المنبه عليها بقوله: تنبيه الدليل، ويوجب التأويل، وفي المفتاح: أن إجماع المسلمين على تصديق اليهودي في قوله: الإسلام حق، وتكذيبه في قوله: الإسلام باطل، يوجب تأويل النظم.

(ورد) استدلالهم (بأن المعنى: لكاذبون في الشهادة) يحتمل وجوها:

ظاهرها: أنه راجع إلى خبر تضمنه مجرد «نشهد»، لأنه إخبار عن الشهادة في الحال، أو على سبيل الاستمرار، أما كذبهم في الثاني فظاهر، وأما في الأول فلأن الشهادة هو الخبر العاطف، ورده الشارح المحقق في شرح المفتاح بأن «نشهد» إنشاء الشهادة، لا الإخبار عنها، وقال في الشرح: لا نسلم أن «نشهد» خبر بل إنشاء، ويدفعه في غاية الأمر أن ظاهره الإنشاء، ونحن في مقام التأويل لموجبه.

وثانيها: أنه راجع إلى دعوى أن شهادتنا إنشاء، وهذه من صميم القلب، كما يفيده تأكيد الرسالة بأن، واللام، واسمية الجملة، وهذا هو الذي أوضحه في # الإيضاح، موافقا لما في المفتاح.

Page 217