الشؤون العامة والخاصة وراءها دون الحالة الثانية التي يكون فيها متفرغ القلب للربِّ. وما كان ذلك الغين إلا الإشتغال بأمور الخلق في الحالة الأولى، الذي يحجب عن كمال مشاهدة الحق، التي في الحالة الثانية، فاستغفر الله- تعالى- منه، وما كان استغفاره- ﵊ إلا لاشتغاله بكامل عن أكمل، وتوجهه للقيام بأمر عظيم عن مقام أعظم.
وقد تفطن الصحابة- رضوان الله عليهم- لهاتين الحالتين وسألوا النبي- ﵌ عنهما وأفتاهم فيهما فجاء في الصحيح أن حنظلة الأسيدي- وكان من كتَّاب النبي- ﵌ قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة، قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله- ﵌ يذكرنا بالنار والجنة، كأنها رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله- ﵌ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقي مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله- ﵌ وقلت، نافق حنظلة يا رسول الله!! فقال رسول الله ﷺ: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار كأنها رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ فنسينا كثيرًا. فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. ثلاث مرات.
فقوله- ﵌: "ساعة وساعة " بيان للحالتين وتقرير لهما. وقوله: والذي نفسي بيده إلى آخره ... بيان لفضلاهما.