كانت «ناتاشا» ابنة قسيس أرسل إلى مطارح النفي قبل ذلك بأعوام كثيرة؛ ولذلك كان معروفا في المدينة، ولم تكن «ناتاشا» قد بلغت عشرينها بعد، وكان جمالها من طراز رقيق كجمال الأطفال، ولقد علمت من «يورف» أن «ناتاشا» قد ألزمت إلزاما أن تكون مترجمة ل «لنتز» إذ تهددوها في أبيها ووعدوها أن يأذنوا له بمكاتبتها.
وذات «أحد» جميل قصد الألماني ومترجمتاه ورجل قيل إنه صديقهم، وقيل إنه من هواة السيارات، قصدوا جميعا إلى رحلة نهرية في نهر «دنيبر» وكان معهم طعام كثير ونبيذ وفودكا في القارب البخاري الذي ركبوه، ولكي يضيفوا إلى جمال الرحلة أخذوا معهم حاكيا وعددا من الأسطوانات الروسية والألمانية، وبعد أن سمروا وأكلوا في مكان منعش جميل على شاطئ النهر، وبعد أن أصغوا إلى ألحان الموسيقى، استصحب «هاوي السيارات» كبرى الفتاتين إلى مشية قصيرة، وأما «لنتز» الذي كان عندئذ قد صعد فعل النبيذ إلى رأسه شيئا فشيئا، وزاد على النبيذ فعل النساء والغناء الألماني، أقول: أما «لنتز» فقد بقي وحده مع «ناتاشا» التي تسيل اللعاب.
وحدث ما توقعوا له أن يحدث، وهو أن أخذ الرجل بأسباب الغزل فصدت الفتاة تلك الأسباب، وهي بين الإثارة لشهوته والحياء من القبول، لكن المهندس «لنتز» لم يزد إلا إلحاحا، وفي اللحظة التي خلع الألماني للفتاة قميصها فعرى ثدييها الناضرين، خيل إليه أنه يسمع صوتا في الشجيرات القريبة، فألقى فريسته من يديه وبقفزة واحدة ذهب إلى مصدر الصوت بين الشجيرات، ليجد «هاوي السيارات» على وشك أن يصور فيها بآلته صورة ثانية لمنظر الألماني وهو يعابث الفتاة.
فعاد إلى «لنتز» صحوه فورا، وجذب آلة التصوير جذبا سريعا وحطمها تحطيما وألقى بها في النهر، وأمطر السباب على «هاوي السيارات» الذي أرسله القسم السياسي، وعاد إلى داره، ولما شكا الأمر إلى الإدارة في اليوم التالي، مهددا بأن يبلغ القصة كلها إلى السفارة الألمانية، أكدوا له أن ذلك لم يزد على مهاذرة أصحاب في يوم عطلة، وليس له أي معنى من معاني السياسة على الإطلاق، لكن «لنتز» لم يكن من الحمق بهذا المكان. «أنا أحسن تصويرا من شرطيكم.» قال ذلك في نغمة المزهو ثم قهقه ضاحكا: «انظر إلى هذه المجموعة.»
وعرض صورا له مع ألكساندرا في عدة مواقف غزلية.
ثم قال: «لو أرادت حكومتكم صوري مع «ناتاشا» لسرني أن أقدمها لها، ولم يكن ثمة ما يدعو أن تكلفوا أنفسكم قاربا بخاريا ورحلة نهرية، فها أنتم أولاء ترون أني من رجال التصوير الشمسي أيضا.»
فلم يلبث «لنتز» أن طلب إليه مغادرة الروسيا، وأغلب ظني أنهم أجزلوا له العطاء ماركات ألمانية ثمنا لكتمانه الأمر عن السفارة الألمانية، وعادت «ألكساندرا» إلى «دنيبروبتروفسك» حيث يتسع لها المجال لإظهار مواهبها في المهندسين الفنيين الأجانب، وإنهم في تلك المدينة لكثيرون، ولست أدري هل كوفئت «ناتاشا» على صنيعها بأن أذن لها أن تكاتب أباها، وأما «يورف» فإنه لما قبض عليه بعد ذلك بعام، اتهم بأشياء كثيرة بينها «الاتصال بالفاشيين من الألمان»، وكان كل أساس هذه التهمة أنه كان حينا بعد حين يترجم ل «لنتز».
الفصل الثالث عشر
السرعة السرعة!
في شهر سبتمبر من عام 1935م حدثت «معجزة» في منطقة الفحم من حوض الدنتز، وتلك هي أن عاملا يدعى «ستاخانوف» استعدن 102 من أطنان الفحم في نوبة واحدة، وهو مقدار يساوي ما يستخرجه العامل الواحد في المتوسط أربع عشرة مرة! ولن تجد من أحداث التاريخ الحديث إلا عددا قليلا صادف ما صادفته هذه الحادثة من تهليل وتكبير، بحيث ظلت تذاع أمدا طويلا وفي كثير من الهوس والأساليب المسرحية، غير أن المعجزة لم تجاوز حدود ما يمكن فعله في ظروف هذه الحياة الجارية، ولم تخل من أوجه النقص التي تشوبها، فلم يكن من العسير على مهندس عملي أن يتبين في الأمر عوامل الخداع، إذ كان من الجلي الواضح أن قد أعدت ظروف خاصة وأدوات خاصة وبعض المعاونة بحيث يتمكن «ستاخانوف» من الوصول إلى هذا الرقم القياسي، وإذن فقد دبرت المعجزة تدبيرا ليتخذ الكرملن منها وسيلة لإذاعة ديانة جديدة، ديانة عقيدتها السرعة في العمل.
Unknown page