Athar Carab Fi Hadara Urubbiyya
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Genres
ومن الباحثين اللغويين من يرجح نسبة بعض المواقع اليونانية إلى سلالة من العرب أسستها أو سكنتها في زمن مجهول، ومنها مدينة لاريسا (العريش)، ومدينة لسكرا (العسكر)، وجبل الفنديس (الفند)، وهو في العربية الجبل العظيم.
فالمراجع الحديثة تؤكد أثر العرب في القارة الأوروبية، وتعود به إلى أزمنة أقدم من تاريخه الذي كان مفروضا قبل جيل أو جيلين.
وهذه المراجع الحديثة تزودنا في العصور التاريخية بالبراهين التي كانت تعوزنا لتقرير بعض الحقائق، والخروج بها من دائرة الظن والاستنتاج المعقول ... فمنذ أربعين سنة كان المستشرق الإسباني بلاسيوس يظن أن الشاعر الإيطالي، دانتي أليجيري، قد استمد وصفه لمناظر الجحيم والأعراف والفردوس من الكتب الإسلامية التي تتكلم عن البعث وعن المعراج، وهو يشير إلى سبق أبي العلاء المعري إلى هذا الضرب من القصص في رسالة الغفران، ويبني ظنه على مجرد التشابه بين الأوصاف العربية والأوصاف التي ترددت في أناشيد الكوميدية الإلهية.
ولكن الدراسات الأخيرة تثبت وجود هذه الأوصاف العربية في المكتبة اللاتينية والإيطالية التي كانت متداولة في أيدي المثقفين من الإيطاليين في حياة دانتي، ويقول الدكتور محمد عوض محمد: إنه اطلع على هذه «الحلقة المفقودة» طبقا لعنوان الترجمة اللاتينية والفرنسية القديمة والإيطالية.
قال الدكتور الفاضل في محاضرة ألقاها بمؤتمر أندية القلم في مدينة طوكيو منذ سنتين: ... هذه الترجمة علمت كما هو منتظر في قصر الملك ألفونسو في إشبيلية، الذي كان يعد نفسه ملكا مزدوجا على المسلمين والنصارى على حد سواء. وفي حوالي عام 1264م قام الطبيب اليهودي، إبراهيم الفقين، بترجمة قصة المعراج المتداولة بين الناس إلى لغة قشتالة، وهذه الترجمة فقدت، غير أن العالم الإيطالي «بونا فنتورا» (1221-1274) تولى ترجمة هذا النص الإسباني إلى اللغتين اللاتينية والفرنسية.
ووجدت نسخ من هذه الترجمة في أكسفورد وباريس والفاتيكان، وهذه النصوص نشرت في وقت واحد بواسطة الأستاذ تشيرولي في إيطاليا، والأستاذ مونيوز في إسبانيا، وكلاهما لم يكتف بنشر هذا النص القديم الذي يرجع إلى عام 1264؛ أي في العام السابق لميلاد دانتي، بل تحدث أيضا عن أثره في كتاب دانتي.
وقد أورد الأستاذ جبرييلي أدلة عديدة تثبت أن هذه التراجم كانت متداولة وفي متناول الكتاب بوجه خاص، وأورد من جملة الأدلة قصيدة من مرتبة دون مرتبة دانتي بكثير، ولكنه معاصر له، ويشير فيها صراحة إلى محمد وقصة المعراج ...
فالمراجع الحديثة التي تستقصي البحث عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية لم تغير شيئا من قواعد الفكرة الغالبة التي شرحناها في هذا الكتاب، وإنما استحدثت في هذا البحث توكيدا لها وأدلة عليها، ولا تزال تتجه كل عام إلى مزيد من التوكيد والتثبيت. •••
أما الشق الآخر من هذا الكتاب - عن أثر الحضارة الأوروبية في العالم العربي الحديث - فهو من مسائل العيان التي لا تلجئنا إلى تاريخ وراء ما نذكره ونشاهده يوما بعد يوم.
إن العالم العربي يتقدم في الاستفادة من حضارة الغرب، ويخرج من محنة الخضوع السياسي للدول الغربية بكيان مستقل، وحياة ثقافية تنسب إليه، وتوشك أن تسلك به مسلك المناظرة لأمم الغرب في ميادين الأدب والفن، ومسلك الاقتداء الناجح في ميادين العلم والصناعة ... ومن الآمال الصادقة - لا من الأماني الحالمة - أن تكون مهمة الكاتب عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية وأثر الأوروبيين في حضارة العرب المحدثين مهمة الموازنة بين كفتين متقابلتين، قبل نهاية القرن العشرين.
Unknown page