At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genres
(١) وَالسِّيَاقُ بِتَمَامِهِ ﴿إِنَّ الَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوْهُمْ فَلْيَسْتَجِيْبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُوْنَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُوْنَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُوْنَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُوْنَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيْدُوْنِ فَلَا تُنْظِرُوْنِ، إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِيْ نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِيْنَ، وَالَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُوْنَ، وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُوْنَ﴾ (الأَعْرَاف:١٩٨). وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٥٣٠/ ٣) - فِي سِيَاقِ الكَلَامِ عَنْ آلِهَةِ المُشْرِكِيْنَ -: (وَقَوْلُهُ ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُوْنَ﴾ إِنَّمَا قَالَ: ﴿يَنْظُرُوْنَ إِلَيْكَ﴾ أَيْ: يُقَابِلُوْنَكَ بِعُيُوْنٍ مُصَوَّرَةٍ كَأَنَّهَا نَاظِرَةٌ - وَهِيَ جَمَادٌ -، وَلِهَذَا عَامَلَهُم مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى صُوَرٍ مُصَوَّرَةٍ كَالإِنْسَانِ، فَقَالَ: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْكَ﴾ فَعبَّرَ عَنْهَا بِضَمِيْرِ مَنْ يَعْقِلُ). (٢) قُلْتُ: وَالسِّيَاقُ هُوَ فِي دُعَاءِ المَسْأَلَةِ. (٣) وفِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِيْ قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى﴾ (الزُّمَر:٤٢) بَيَانُ أَنَّ أَرْوَاحَ الأَمْوَاتِ مُمْسَكَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى؛ بِخِلَافِ مَنْ زَعَمَ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِالأَمْوَاتِ - مِنْ ضُّلَّالِ الأَحْيَاءِ - فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ الأَرْوَاحَ مُطْلَقَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ﴾ (البَقَرَة:١٤٠). (٤) قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ ذِكْرِ الأُلُوْهيَّةِ وَالرُّبُوْبِيَّةِ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي القُرْآنِ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيْطُوْنَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُوْدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيْمُ﴾ (البَقَرَة:٢٥٥)، فَاللهُ حَيٌّ سُبْحَانَهُ لَا يَمُوْتُ، وَهُوَ قَيُّوْمٌ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى القُدْرَةِ التَّامَّةِ، وَلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ (وَالسِّنَةُ هِيَ: أَوَّلُ النَّوْمِ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ المَعِيَّةِ وَالحُضُوْرِ وَالإِحَاطَةِ. وَكَمَا قَالَ تَعَالَى لِمُوْسَى يُطَمْئِنُهُ مِنْ بَطْشِ فِرْعَوْنَ ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ (طَه:٤٦). وَقَدْ صَارَ عِنْدَ المُشْرِكِيْنَ فِي هَذِهِ الأّيَّامِ (لَا تَخَافَا إِنَّ الوَلِيَّ مَعَكُمَا يَسْمَعُ وَيَرَى)، كَمَا قَالَ قَائِلُهُم - عَنْ شَيْخِهِ -: (أَنَا لَا أَتْرُكُكَ؛ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ) وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. (٥) أَيْ: اسْتِقْلَالًا؛ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. (٦) وَقَدْ سَبَقَ مَعَنَا أَنَّ القَيْدَ قَدْ يَكُوْنُ شَرْطًا وَقَدْ لَا يَكُوْنُ، فَقَدْ يَأْتِي كَاشِفًا مُوَضِّحًا لِبَيَانِ العِلَّةِ.
1 / 96