280

Al-Tawḍīḥ al-Rashīd fī sharḥ al-tawḥīd

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي حَدِيْثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؛ لِمَاذَا لَمْ يُحْمَلِ الكُفْرُ فِيْهِ عَلَى الكُفْرِ الأَكْبَرِ؟
الجَوَابُ: لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الأَكْبَرِ لِأُمُوْرٍ:
١) أَنَّهُم لَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ أَنَّ النَّوْءَ خَالِقٌ لِلمَطَرِ، وَإِنَّمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُوْلِهِ، فَهُم لَمْ يُشْرِكُوا فِي الرُّبُوْبِيَّةِ، وَأَيْضًا هُم لَمْ يَسْتَغِيْثُوا بِهِ لِإِنْزَالِ المَطَرِ، فَهُم لَمْ يُشْرِكُوا فِي الأُلُوْهِيَّةِ أَيْضًا، وَالعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا لَمْ تَكُنْ تَنْسِبُ المَطَرَ إِلَى النُّجُوْمِ عَلَى أَنَّهَا خَالِقَةٌ مُنَزِّلَةٌ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُوْلُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُوْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦٣).
٢) حَدِيْثُ البَابِ (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي) قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُم مَا زَالُوا فِي أُمَّتِهِ ﷺ.
٣) أَنَّ الكُفْرَ هُنَا هُوَ كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَهُوَ كُفْرٌ أَصْغَرٌ. وَدَلَّ لِذَلِكَ بَعْضُ أَلْفَاظِ الحَدِيْثِ. (١)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢): (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ المُرَادُ بِهِ كُفْرَ النِّعْمَةِ، وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ سُفْيَانَ (فَأَمَّا مَنْ حَمِدَنِي عَلى سُقيَايَ وَأثْنى عَلَيَّ فَذَلِكَ آمَنَ بِي)، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالإِسْمَاعِيلِيِّ نَحْوُهُ؛ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: (وَكَفَرَ بِي أَوْ قَالَ: كَفَرَ نِعْمَتِيَ)، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ اللهُ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيْقٌ مِنْهُمْ كَافِرِيْنَ بِهَا) (٣)، وَلَهُ فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ». (٤)
قُلْتُ: وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أَنَّ الكُفْرَ كَانَ بِالنِّعْمَةِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ (كَافِرِيْنَ بِهَا). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
٤) أَنَّهُم لَمْ يَرْتَدُّوا بِذَلِكَ، فَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّيْنَ لَأَمَرَهُم بِالشَّهَادَتَيْنِ.

(١) وَمِنْ أَمْثِلَةِ كُفْرِ النِّعْمَةِ مَا فِي البُخَارِيِّ (٢٩) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أُرِيْتُ النَّارَ؛ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ؛ يَكْفُرْنَ)، قِيْلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيْرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ؛ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا؛ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)، فَالكُفْرُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ هُوَ كُفْرٌ لِلنِّعْمَةِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ المَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا.
(٢) فَتْحُ البَارِي (٥٢٣/ ٢).
(٣) مُسْلِمٌ (٧٢) مَرْفُوْعًا.
(٤) مُسْلِمٌ (٧٣) مَرْفُوْعًا.

1 / 280