193

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُشْكِلُ قَوْلُهُ ﷺ (عَلَى الحَقِّ مَنْصُوْرَةً) مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ الَّذِيْنَ كَانُوا عَلَى الحَقِّ قُتِلُوا بِيَدِ أَعْدَائِهِم!
وَالجَوَابُ: أَنَّ نَصْرَهَا هُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ:
١) أَنَّهُ بِالحُجَّةِ وَالبُرْهَانِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ ﷺ (ظَاهِرِيْنَ عَلَى الحَقِّ)، فَعُلُوُّهُم هُوَ بِالحَقِّ الَّذِيْ مَعَهُم.
٢) أَنَّهُ فِي الآخِرَةِ بِالحُكْمِ لَهُم وَلِأَتْبَاعِهِم بِالثَّوَابِ، وَلِمَنْ حَاربَهُم بِشِدَّةِ العِقَابِ. (١)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٢): (قَدْ أَوْرَدَ أَبُو جَعْفَرٍ؛ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَاَلَّذِيْنَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (غَافِر:٥١) سُؤَالًا، فَقَالَ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَهُ قَوْمُه بِالكُلِّيَّةِ كَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَشَعْيَا (٣)، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ؛ إِمَّا مُهَاجِرًا كَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِمَّا إِلَى السَّمَاءِ كَعِيْسَى، فَأَيْنَ النُّصْرَةُ فِي الدُّنْيَا؟ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ الخَبَرُ خَرَجَ عَامًّا وَالمُرَادُ بِهِ البَعْضُ، قَالَ: وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ المُرَادُ بِالنَّصْرِ الِانْتِصَارَ لَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ؛ وَسَوَاءً كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، كَمَا فُعِلَ بِقَتَلَةِ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا، وَشَعْيَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مَنْ أَهَانَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ). (٤)

(١) أَفَادَهُمَا الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٧٣٩).
(٢) (١٥٠/ ٧).
(٣) وَهُوَ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ.
(٤) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ أَيْضًا - فِي التَّفْسِيْرِ (١٥٠/ ٧): (وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ النُّمْرُوْدَ أَخَذَهُ اللهُ تَعَالَى أَخْذَ عَزِيْزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَمَّا الَّذِيْنَ رَامُوا صَلْبَ المَسِيْحِ ﵇ مِنَ اليَهُوْدِ؛ فَسَلَّطَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الرُّوْمَ فَأَهَانُوْهُمْ وَأَذَلُّوْهُمْ وَأَظْهَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَة سَيَنْزِلُ عِيْسَى بْنُ مَرْيَمَ ﵊ إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا؛ فَيَقْتُلُ المَسِيْحَ الدَّجَّالَ وَجُنُوْدَهُ مِنَ اليَهُوْدِ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيْرَ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيْبَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ؛ فَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الإِسْلَامَ، وَهَذِهِ نُصْرَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ فِي قَدِيْمِ الدَّهْرِ وَحَدِيْثِهِ؛ أَنَّهُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الدُّنْيَا وَيُقِرُّ أَعْيُنَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ).

1 / 193