Asrar Qusur
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Genres
فقاطعته الكلام، وقد انتبهت إلى قوله فصاحت به: أصبت ... وحزرت ... سر حالا إلى الحرم، ولا تدع أحدا من السراري أو الجواري أن يقلق راحتي بعد هذه الساعة، وبلغ أمري إلى أغا دولته أن يخبر مولاه بأني في انتظاره، وأني آمرة له بالدخول علي في أية ساعة رجع.
فانحنى الخصي ممتثلا للأمر الكريم، وخرج فرحا مسرورا.
ولا شك أن القارئ قد عرف أن هذا الخصي هو الذي ذهب إلى محلة الطوبخانة مع أحمد للبحث عن الطفلة مساء عيد رمضان.
ولم تمض ساعة من الزمن على ذلك الانتظار حتى سمعت السلطانة وقع حوافر الخيل في صحن الدار، فعرفت أنها عربة الباشا زوجها، أما هو فلم ينحدر منها حتى تقدم إليه الأغا، وبلغه أمر السلطانة، فعلا وجهه الاضطراب، وخاف وقلق، وظن سوءا، ولكنه تجلد وصعد إلى غرفة السلطانة، وهو يكاد لا يقف على قدميه من السكر، فلما دخل عليها ووجدها باسمة زال عنه القلق، وسرت هي لما رأته في تلك الحالة، فتقدم إليها مسلما كما يسلم العبد على مولاه، أما هي فأعطته يدها فقبلها مرارا، ثم قالت له: تفضل باشا أفندي حضرتلري. - أمرت سموك الأغا أن يبلغني أمرك السامي بشرف المثول بين يديك أية ساعة رجعت، فأقلقني هذا الأمر خوفا من أن يكون قد أصاب صحتك الثمينة انحراف. - أي عزيزي محمد، ألا تظن سببا لرؤيتك إلا المرض، فهل تكرهني إلى هذا الحد؟
فأندى جبين الباشا من العرق، ولم يفهم حرفا من هذا السؤال؛ فتقدمت إليه ومسكت بيده متلطفة قائلة: لقد أخطأت نحوك وأذنبت لديك؛ فها قد مضى ستة أشهر وأنا حردة عليك، ولقد أسأت الظن بك، وندمت الساعة فأبعدت الجواري لألتمس منك عفوا عن قساوتي الماضية وظلمي ... ثم لصقت بجانبه وسألته قائلة: أفي قلبك بعد أثر من الحب لي؟ - مولاتي قد غمرتني لطفا، أتلتمسين مني العفو وأنا المذنب المسيء؟ - إذن تعترف بأنك مذنب أيضا، لقد زدت في عيني اعتبارا وفي قلبي حبا بهذا الإقرار، وتعترف أيضا أني لست بمذنبة ... أي محمد، ألا ترى بكائي؟! ومسحت دموعا كاذبة.
أما الباشا فكان قد أعماه السكر، وظن نفسه في منام؛ لأن السلطانة لم تعوده منذ اقترن بها هذا اللطف، ولم تسمعه من قبل مثل هذا الكلام.
وغلب عليه السكر والنعاس فقال لها: خففي عنك مولاتي لقد كنت مصيبة في غيرتك وحنقك ... وأنا وحدي المذنب لديك وأنت الملاك الكريم.
فتجلدت السلطانة، وأخفت غيظها، ثم تنهدت، وقالت: أعفو عنك على شرط أن تقر بالحقيقة كلها، وألا تخفي علي شيئا، ومدت يدها إلى الباشا فقبلها مرارا. - لم أخف الحقيقة عنك، وإنما عنفوانك حال دون إبلاغك الحقيقة، ولقد كنت تناسيت تلك الحادثة لو لم تأخذني الشفقة على تلك المسكينة ...
فانتفضت السلطانة حنقا من هذا الكلام كما ينتفض العصفور بلله القطر، ولكنها تجلدت رغبة منها في معرفة السر المكنون، فاتكأت على كتف زوجها، وقالت له باسمة: إلى أين أرسلت هدية رمضان؟ لم لم تكل إلي تربية المولود ... فقد كنت بذلت جهدي اعتناء به، ولا سيما لأني لم أرزق ولدا.
فحدق الباشا بها، وظن نفسه في منام أو ما يسمعه أضغاث أحلام، فسألها مبهوتا حائرا: كيف ... أنت ... تتنازلين ... إلى تربيته، من أخبرك؟ - عرفت كل شيء، ولم تخفني خافية، ولهذا أسامحك لأني عرفت أن الخوف من انتقامي حال دون إقرارك بالحقيقة، ولهذا السبب وضعت المولود بمساعدة إقبال في طبق العيد، وأرسلته إلى محلة الطوبخانة ...
Unknown page