لذا، وجدت نفسها جالسة على متن الطائرة إلى جوار تلك المرأة ذات الخواتم الماسية. خلت يدا جيل من الخواتم وطلاء الأظافر، وبشرتها كانت جافة بسبب الأعمال التي تزاولها باستخدام الأقمشة. كانت تصف الملابس التي تحيكها بالملابس «المصنوعة يدويا» حتى جعلها ويل تخجل من هذا الوصف، وما زالت لا تدري ما العيب في وصفها.
باعت المحل؛ باعته إلى دونالدا التي لطالما كانت لديها رغبة في شرائه. أخذت المال، وانطلقت على متن الطائرة إلى أستراليا، ولم تخبر أحدا بوجهتها. كذبت إذ تحدثت عن إجازة طويلة ستقضيها في إنجلترا، ثم ستنتقل إلى مكان ما في اليونان شتاء، وبعدها من يدري؟
في الليلة السابقة لرحيلها، أحدثت تغييرا كليا في هيئتها؛ فقصت شعرها الأشيب المائل إلى الحمرة، وخضبت ما بقي منه بلون بني داكن، لكن اللون الذي نتج عن ذلك كان غريبا؛ أحمر قانيا، صناعيا في ظاهره، لكنه أكثر دكنة من أن يلفت الانتباه. واختارت من محلها - ولو أن محتوياته لم تعد في حيازتها بعد - ثوبا لم تكن لترتدي مثله أبدا؛ فستانا بسترة من البوليستر الأزرق الداكن الذي يبدو أشبه بالكتان، والمزدان بخطوط لامعة باللونين الأحمر والأصفر. جيل طويلة القامة عريضة الأرداف، وعادة ما ترتدي ملابس فضفاضة وجميلة. يجعل هذا الثوب منكبيها كبيرين، وينحسر على رجليها عند نقطة أعلى ركبتيها. أي امرأة كانت تتقمص؟ المرأة التي يمكن أن تلعب فيليس معها لعبة البريدج؟ إذا كان هذا هو قصدها، فقد جانبها الصواب. خرجت وهي أقرب شبها بامرأة أمضت أغلب حياتها أسيرة حلة رسمية، تمتهن وظيفة نبيلة وزهيدة الأجر (ربما في كافيتريا أحد المستشفيات). وقد أنفقت الآن أموالا طائلة على ثوب مبهرج جدا سيتبين لها أنه غير لائق وغير مريح ولا يناسب رحلة العمر.
هذا لا يهم؛ فهو ضرب من التنكر.
في مرحاض المطار، في قارة جديدة، اكتشفت أن صبغة شعرها الداكنة، التي لم تغسل بالقدر الكافي ليلة أمس، امتزجت بعرقها، فأخذت تقطر على عنقها. •••
حطت طائرة جيل في بريسبين، ولم تكن قد اعتادت التوقيت الجديد بعد، وأزعجتها حرارة الشمس القاسية. ما زالت ترتدي ثوبها البشع، لكنها غسلت شعرها فلم يعد لون صبغته يقطر عليها.
استقلت سيارة أجرة، وعلى الرغم من الإرهاق الشديد الذي أحست به، لم تكن لتستقر أو تجد الراحة إليها سبيلا إلا بعد أن تعرف أين يعيشان. كانت قد ابتاعت بالفعل خريطة وعثرت على طريق آير. كان طريقا قصيرا ومنحنيا. طلبت من السائق أن تترجل عند زاوية الشارع حيث يوجد محل بقالة صغير. الأرجح أن هذا هو المكان الذين يمكن أن يشتريا منه الحليب أو غيره من الأغراض التي ربما تنفد من عندهما؛ المنظفات، والأسبرين، والفوط الصحية.
بطبيعة الحال، كانت حقيقة أن جيل لم تلتق ساندي قط نذير شؤم؛ لا بد أنها كانت تعني أن ويل عرف شيئا ما بسرعة البرق، ولم تثمر أي محاولات لاحقة للبحث عن وصف واف عن الكثير. أهي طويلة القامة أم قصيرة؟ نحيلة أم سمينة؟ شقراء أم داكنة الشعر؟ كانت في مخيلة جيل صورة لواحدة من هؤلاء الفتيات الطويلات الساقين، القصيرات الشعر، المفعمات بالحيوية والنشاط، والفاتنات فتنة الصبية. نساء. لكنها لم تكن لتتعرف على ساندي لو صادفتها على قارعة الطريق.
هل يمكن أن يتعرف أحد على جيل؟ تشعر جيل بنظارتها السوداء وقصة شعرها غير المتوقعة أنها تبدلت تماما لدرجة أنه يصعب ألا تلفت الانتباه. وحقيقة أنها في بلد أجنبي أيضا هي التي بدلتها تماما. لم تألف المكان بعد. فور أن تألفه، ربما لن تتمكن من الإقدام على الأفعال الجريئة التي تقدم عليها الآن. يجب أن تقطع هذا الشارع، وتلقي نظرة على البيت فورا، وإلا فقد لا تتمكن من ذلك أبدا.
كان الدرب الذي صعدته سيارة الأجرة وعرا عند نهر براون. يمتد طريق آير بطول سلسلة جبلية، ولا يوجد رصيف، بل مسار ترابي فحسب. لا وجود للمشاة ولا السيارات ولا الظل. ثمة حواجز من ألواح خشبية أو أغصان متشابكة - ربما كانت تعريشة! - أو في بعض الحالات أسيجة عالية مغطاة بالأزهار. لا ، الأزهار في حقيقة الأمر مجرد أوراق أشجار لونها وردي مائل إلى الأرجواني أو القرمزي، وثمة أشجار تجهلها جيل تتجلى أعلى الأسيجة. لتلك الأشجار أوراق مغبرة قاسية المظهر، ولحاء قشري أو ليفي، ومظهر رديء. ثمة لا مبالاة أو عداء غامض يشوب تلك الأشجار، ربطت جيل بينه وبين المناطق الاستوائية. أمامها على الدرب رأت زوجا من الدجاج الحبشي يتهادى بتفاخر وكبرياء.
Unknown page