65

واتجه مباشرة إلى شقة أرملة شابة كانت تعمل سكرتيرة بعيادته. وفي رسالة - كتبها لي لاحقا - قال إنه لم ينظر لهذه المرأة إلا من باب الصداقة فحسب إلى أن حلت تلك الليلة، حين خطر له فجأة كم سيكون من الممتع أن يقع في حب امرأة طيبة القلب، متزنة التفكير، و«متماسكة».

كان على سيلفيا أن تصل إلى المستشفى في تمام الحادية عشرة، وعادة ما كان نيلسون يصحبها إلى المستشفى سيرا على الأقدام؛ حيث لم تكن لديهما سيارة. في تلك الليلة، قالت له إنها لا ترغب في رفقته نهائيا.

وبذلك أمسينا أنا ونيلسون وحدنا معا. لقد استمر المشهد وقتا أقصر مما كنت أتخيل. بدا نيلسون مكتئبا وشاعرا بالارتياح في الوقت نفسه، ومع أني كنت قد شعرت بأن هذه كانت ضربة قاسية لفكرة الحب، وبمنزلة حدث عظيم ومفجع، كنت أعلم أنه من الحكمة ألا أظهر شعوري هذا.

استلقينا على السرير، وتحدثنا عن خططنا للمستقبل، وانتهى بنا الأمر بممارسة الجنس؛ لأن هذه كانت عادتنا. في وقت ما خلال الليل، استيقظ نيلسون، ورأى أنه من الأفضل أن ينزل إلى الطابق السفلي ويخلد إلى النوم في فراشه.

استيقظت في ظلمة الليل، وارتديت ملابسي، وحزمت أمتعتي، وتركت رسالة، واستدعيت سيارة أجرة هاتفيا. ركبت القطار المتجه إلى تورونتو في تمام السادسة، ومنه إلى القطار المتجه إلى فانكوفر. كان السفر بالقطار أرخص تكلفة إذا كان المرء على استعداد لأن يظل مستيقظا لثلاث ليال، وكانت هذه نيتي.

ها أنا ذا جالسة في الصباح البائس الذي يمر ببطء في كابينة القطار الذي يهبط منحدر فريزر المحاط بصخور شاهقة، ومنه إلى وادي فريزر حيث غطى الدخان البيوت الصغيرة المتناثرة، ونباتات الكروم البنية اللون، والآجام ذات الأشواك والأغنام المحتشدة. هذا الزلزال الذي ضرب حياتي كان في ديسمبر. ألغيت احتفالات عيد الميلاد بالنسبة إلي، وانتهى الشتاء بتراكماته وأمطاره الثلجية وعواصفه الجليدية العنيفة المنعشة بسبب هذا الموسم الضبابي من الطين والأمطار. كنت مصابة بإمساك، وكنت أعلم أن رائحة أنفاسي كريهة، وأطرافي مصابة بتشنجات عضلية، وروحي المعنوية في الحضيض. ألم أحدث نفسي حينئذ أنه من العبث الافتراض أن ثمة رجلا يختلف كل الاختلاف عن رجل آخر، في الوقت الذي يمكن أن تختزل فيه الحياة حقا في الحصول على قدح رائع من القهوة، وامتلاك غرفة يستطيع أن يستلقي المرء فيها؟ ألم أحدث نفسي أنه حتى لو كان نيلسون يجلس هنا إلى جواري، لتحول إلى شخص غريب ذي ملامح منهكة، ولم تكن عزلته واضطرابه إلا سيزيدان من عزلتي واضطرابي؟

لا، لا، سيظل نيلسون هو نيلسون بالنسبة إلي على أية حال. لم تتغير نظرتي إلى بشرته ورائحته وعينيه الزاجرتين. لا بد أن المظهر الخارجي لنيلسون هو الذي كان يحضرني أكثر من غيره، وأما بالنسبة إلى دونالد، فكانت اضطراباته الداخلية، ومشاعره العاطفية، وطيبته المبالغ فيها، وتلك الهواجس الخاصة التي اكتشفتها بالتزلف تارة والتحايل تارة أخرى؛ هي التي خطرت لي دوما. لو كان لي أن أجمع بين حبي للرجلين معا وأكرسه لرجل واحد، لأمسيت امرأة سعيدة. لو استطعت أن أهتم بالناس جميعا اهتمامي الشديد بنيلسون، وعنايتي المتروية الخالية من الشهوات بدونالد، لأمسيت قديسة. بدلا من ذلك، فقد وجهت ضربة مزدوجة طائشة في ظاهرها. •••

الزبائن المعتادون الذين أمسوا أشبه بأصدقاء لي كانوا امرأة في منتصف العمر تعمل محاسبة معتمدة، لكنها كانت تفضل قراءة كتب مثل «ستة مفكرين وجوديين» و«جوهر المعنى»؛ وموظفا رسميا يعمل بالبلدية ويطلب أعمالا إباحية رائعة وباهظة الثمن لم أسمع بها من قبل (فقد بدت ارتباطات هذه الأعمال بالشرق والحضارة الإترورية بالنسبة إلي بشعة وغير ذات أهمية لو قورنت بالطقوس البسيطة الفعالة المشوقة التي كنا نمارسها أنا ونيلسون)؛ وكاتب عدل كان يعيش خلف محل عمله على ناصية شارع جونسون (قال لي: أنا أعيش في المناطق العشوائية، وأتوقع أن يفاجئني في ليلة من الليالي رجل ضخم الجثة يترنح على ناصية الشارع ويصرخ: «ستيلا»)؛ والمرأة التي عرفتها لاحقا باسم شارلوت - كان كاتب العدل يسميها «الدوقة». لم يهتم أي من هؤلاء بالآخرين، وباءت بالفشل محاولة مبكرة قمت بها لبدء حوار بين المحاسبة وكاتب العدل.

قال كاتب العدل: «أعفيني من النساء الذابلات المحيا اللائي تملأ وجوههن مستحضرات التجميل.» وفي المرة التالية التي جاء فيها المكتبة قال: «آمل ألا تتسكع في المكان الليلة.»

صحيح أن المحاسبة بالغت في تجميل وجهها الناحل البالغ من العمر خمسين عاما، الذي يبدو عليه الذكاء، ورسمت حاجبيها فصارا أشبه بخطين مرسومين بالحبر الهندي، ولكن من هو كاتب العدل لينتقدها بأسنانه الصغيرة المصبوغة بالنيكوتين، ووجنتيه المليئتين بالبثور؟!

Unknown page