إنّ عريبا وإن ساءني ... أحبّ حبيب وأدنى قريب
سأجعل نفسي له جنّة ... بشاكي السلاح نهيب أريب (١)
وكم ثارت نوازع النقمة والاستياء لدى نسوتهم، وغلت في صدورهن مراجل الحقد مشوبة بالغيرة؛ لما يرونه من مبالغة الرجال في العناية بالأفراس، وكم تعالت صيحاتهن مطالبة برد الغذاء على الأبناء، والانتفاع بأثمان الخيل الباهظة في توفير حاجات الأسرة. . فكان الرجال يوصدون آذانهم حيال هذا، ولا يقبلون بصنيعهم جدلا، وحجتهم في ذلك تتردد بين التذكير بأيام الشدة والتعرض للغزو والسباء، وبين تعلق الفارس بفرسه، وربما جمع بينهما. . يعبر المقعد بن شماس السعدي عن ذلك فيقول في فرسه كنزة:
أتأمرني بكنزة أم قشع ... لأشريها (٢) فقلت لها دعيني
فلو في غير كنزة آمرتني ... ولكني بكنزة كالضنين
فلا وأبيك لا أحبو خليلا ... بكنزة ما حييت فلا تهوني
رأت جاراتها خدّرن ريطا ... وأكثر فوقهن من العهون (٣)
ومثله للقتّال الكلابي في فرسه الشهباء قوله:
لا تقصيا مربط الشهباء منتبذا ... بخلوة، إن ريب الدهر مرهوب
وقرّباها إني لن تمسّ يدي ... يدا ببيع لها ما حنّت النيب (٤)
ولا يغريهم ثمن لبيع الفرس، مهما قاسى أحدهم من شظف العيش وشدته، ولو أدى الأمر أحيانا إلى تطليق الزوجات. وينقل فارس النعامة
_________
(١) الغندجاني (عريب) برقم (٤٩١).
(٢) أي لأبيعها. وهي من الأضداد. انظر الأضداد للجستاني ص ١٠٦ والصغاني ص ٢٣٤.
(٣) أنساب الخيل ص ١٠٠ والغندجاني (كنزة) برقم (٥٨٩).
(٤) الغندجاني (الشهباء) برقم (٣٦٦).
1 / 17