فاستشفعت ببعض علمائها فأجازني - أثابه الله - بنسخه. فعاودت العمل وأعانني الله تعالى عليه فنسخته في أيام معدودات: سبعة وعشرين يوما: فإني كنت أعمل طول النهار وأطراف الليل. ورجعت مسرورًا ببغيتي، ظافرًا بخزانة مكنونة من خزائن أسلافنا، ودرّة فريدة من دررهم الغالية، شاكرًا لربي إعانته وتوفيقه، قائلا: "فزت، ورب الكعبة، بنعمة جليلة: ووجدت، ورب محمد، ضالة المؤمن، وبغية المسلم - فلله الحمد والمنة.
ورغبة في تقديم الكتاب للطبع شرعت في تصحيحه؛ وتوفرت عليه مدة طويلة طالعت في أثنائها شرح الحصيري: الجزء الأول والرابع منه: ولكنه لم يخل بعد من أغلاط. فكتبنا إلى بلاد شتى، من الهند وغيره، فلم نظفر بنسخة أخرى. ثم دخل بعض أصحابنا استانبول في أثناء رحلته في البلاد الإسلامية والأوربية: وزار مكتباتها باحثا ومنقبا، وتعرف إلى الدكتور "ريتر" المستشرق الألماني؛ وأرسل إلينا عنوانه: فكتبنا إليه، فأخذ لنا صورة الجامع الكبير من نسخة شيخ الإسلام، ولي الدين أفندي، وأرسلها إلينا مشكورًا.
وقد اجتمعت الجمعية العلمية (^١) وتعاونت في نسخه ومقابلته بالنسخة التونكية. وشرفت أنا بتصحيحه بنفسي إلا مواضع بقيت منه بدون تصحيح. فكتبنا إلى الأستاذ الكبير محمد أسعد براده بك؛ فأخذ لنا صورة نسخة دار الكتب المصرية وأرسلها - حفظه الله - إلينا؛ فحصل لنا منها مدد عظيم في تصحيح الكتاب. وطلبنا شرح العتابي من فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد راغب الطباخ، عضو اللجنة العلمية بحلب، فزفه - أثابه الله - إلينا بعد أن تولى أمر نسخه ومقابلته: بل لقد قابله هو بنفسه، جزاه الله عنا جزاء المحسنين.
نظرنا إلى نسختنا مرة أخرى نظر استيعاب وتمحيص، وصححنا ما كان قد بقى فيها من أغلاط أو تحريف وتصحيف حتى أخرجناها - كما ترى - من بين فرث ودم، لبنا خالصا سائغا للشاربين.
هذا وقد استبان لك أنه توفر لدينا ثلاث نسخ من الكتاب: الرومية - نسخة استانبول - وهي التي قدمت للطبع، والتونكية وهي الهندية، والمصرية. فما زيد
_________
(^١) الجمعية العلمية شعبة من "لجنة إحياء المعارف النعمانية" لأن لها شعبتين: انتظامية وعلمية.
1 / 6