يناقش الجصاص في كثير من آرائه التي تفرد بها. وفضلا عن هذا كله فإنه يبين في صدر كل باب الأصل الذي بناه عليه الإمام محمد قدّس الله سره، فيقول: "أصل الباب كذا، وبناه على كذا" فبذلك سهلت معرفة وجوه التفريعات جدا.
والجامع الكبير له نسختان: الأولى، والثانية؛ صنفه أوّلا ورواه عنه أصحابه: أبو حفص الكبير، وأبو سليمان الجوزجاني، وهشام بن عبيد الله الرازي، ومحمد بن سماعة، وغيرهم؛ ثم نظر فيه ثانيًا، فزاد فيه أبوابًا ومسائل كثيرة، وحرّر عباراته في كثير من المواضع حتى صار أكثر لفظًا، وأغزر معنى؛ ورواه عنه أصحابه ثانيًا.
ولجلالة الكتاب ونفاسته عى أئمتنا الحنفية، شكر الله سعيهم. بشأنه؛ فمن شارح له، إلى ناظم، إلى ملخص. وكان لي من شرخ الشباب شغف بكتب الإمام محمد ﵁. وشوق لرؤيتها، ولا سيما الجامع الكبير منها. فإني كنت أرى في مطالعاتي صفته ومدحه وحسن أسلوبه ودقة معانيه: فكنت أفتش مكتبات الهند وفهارسها فلا أظفر به. ورأيت نسخة منه في فهرس مكتبة شيخ الإسلام ولي الدين أفندي باستانبول، وأخرى ناقصة في فهرس "دار الكتب المصرية".
ولما ألفنا لجنة "إحياء المعارف النعمانية" لنشر كتب المتقدمين من أئمتنا، قرّرنا البدء بإحياء الجامع الكبير: ولكن كيف السبيل إلى الحصول على الأصل الذي نطبع منه!!
لذلك عزمت على الرحلة في البلاد الهندية للبحث عنه إنفاذًا لقرار اللجنة. وفي شهر رمضان من سنة سبع وأربعين وثلثمائة وألف بدأت رحلتي. فدخلت بلدة "بوبال" المحروسة. ثم بلدة "تونك" المحمية: فوجدت بها نسخة منه في مكتبة المرحوم عبد الرحيم صاحب زاده. ثم خرجت منها إلى بلدة "دهلي" قاعدة الهند، ثم إلى غيرها من البلاد. ثم إلى "بيشاور" لرؤية مكتبات مشايخ القادرية. ثم إلى بعض جبال الأفاغنة، ثم قفلت راجعا في نهاية الشهر ولم أعثر بعد على غير النسخة التونكية.
وفى رجب من العام القابل رحلت إلى "تونك" مرة أخرى لنسخ الكتاب؛ فإني لم أجد بها في الرحلة الأولى من يقوم عنا بنسخه. دخلت "تونك" وأريت الكتاب الناسخين: فأبوا نسخه لصعوبة خطه. فشرعت في نسخه بنفسي مستعينًا بالله وطالبا التوفيق منه سبحانه. فعملت يومين. ثم منعني أمين المكتبة؛
1 / 5