Asl Nizam Usra
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
Genres
ومع ظهور هذه الطبقة دخلت النقود المعدنية والعملة المسكوكة في دائرة التعامل؛ وبسبب ذلك ظهرت وسائل جديدة يستطيع غير المنتج بها أن يتحكم في غير المنتجين وإنتاجهم. فسلعة السلع (أي النقود) التي تختفي في طياتها كل السلع كانت قد اكتشفت، وكانت الإغراء الذي يستطيع أن يحول نفسه بإرادته إلى أي شيء مرغوب فيه. وأيا كان مالك هذه النقود فهو يستطيع أن يحكم عالم الإنتاج، ومن الذي كان يملكها أكثر من الجميع؟ التاجر، ففي يديه كانت هيبة النقود في مأمن؛ فقد أوضح للجميع أن كل السلع - وبالتالي كل منتجي السلع - يجب أن تركع أمام النقود. وأثبت التاجر في الحياة العملية أن كل أشكال الثروة الأخرى عبارة عن صور إذا ما قورنت بهذا الأصل المجسم للثروة. ولم تظهر قوة النقود نفسها بعد ذلك بمثل هذه الحالة البدائية والعنف كما فعلت في هذه الفترة من شبابها.
وبعد بيع السلع من أجل النقود جاء اقتراض النقود بالربا، ولم يلق أي تشريع ظهر في فترة لاحقة بالمدين تحت أقدام المرابي الدائن دون شفقة أو رحمة كما فعل تشريع أثينا وروما القديم؛ فكلا التشريعين جعلا الضغط الاقتصادي قانونا تلقائيا.
وبجانب الثروة في السلع والعبيد، الثروة النقدية، ظهرت الثروة في الشكل العقاري؛ فحقوق الأفراد في قطع الأرض التي منحتها لهم في الأصل السلالة أو القبيلة أصبحت سائدة، لدرجة أن هذه الأراضي أصبحت ملكية متوارثة للأفراد. وكان أكثر شيء صارع الأفراد في سبيله إلى ما قبل هذه الفترة هو تحررهم من ادعاء المجتمع القبلي الحق في أراضيهم، وكان هذا الادعاء قيدا عليهم، وقد تحرر الأفراد من هذا القيد؛ ولكنهم تحرروا بعد ذلك فورا من ملكيتهم العقارية الجديدة نفسها. وقد تضمنت الحرية الكاملة في الملكية العقارية إمكانية الملكية غير المحدودة وإمكانية نقل هذه الملكية؛ فطالما كانت الأرض مملوكة للسلالة لم يكن ممكنا نقل ملكيتها. ولكن عندما حطم الملاك الجدد قيود الحق الأعظم للسلالة والقبيلة مزقوا أيضا الروابط التي ربطته وقتا طويلا بالأرض.
أما الامتداد التجاري في النقود والربا والملكية العقارية والرهن فكانت مصحوبة بالتركيز السريع للثروة في أيدي طبقة صغيرة. ومن ناحية أخرى كان الافتقار المتزايد للكتل الشعبية وظهرت كتلة كبيرة من الفقراء. ودفعت أرستقراطية الثروة الجديدة بالجماهير إلى الحضيض دائما (انظر أثينا وروما وألمانيا) بشكل أقسى كثيرا مما فعلته الأرستقراطية القبلية القديمة. وكان تقسيم الرجال الأحرار إلى طبقات طبقا لثروتهم مصحوبا (خاصة لدى الإغريق) بزيادة ضخمة في عدد العبيد.
2
وكان عمل العبيد الإجباري هو الأساس الذي يقوم عليه الصرح الكامل للمجتمع.
ولنر الآن ما انتهى إليه النظام القبلي نتيجة هذه الثورة الاجتماعية؛ فقد وقف النظام القبلي عاجزا في وجه العناصر الجديدة التي نمت دون مساعدته، وكان معتمدا على اضطرار أعضاء السلالة أو القبيلة أن يعيشوا معا في إقليم واحد ويكونوا قاطنيه الوحيدين، وقد بقي ذلك مدة طويلة. وقد امتزجت الفروع والقبائل في كل مكان، وأصبح العبيد والتابعون والأجانب يعيشون مع المواطنين.
وكان يزعج الدولة التي لم تكن مطلوبة إلا حوالي نهاية المرحلة الوسطى للبربرية، كان يزعجها التنقل، وتغير المقر الذي كانت التجارة وتغير حيازة الأرض مشروطين به. ولم يعد في استطاعة أعضاء التنظيم القبلي الاجتماع لبحث أمورهم العامة إلا في حالات قليلة الأهمية مثل الاحتفالات الدينية التي كانت لا تزال تراعى دون اكتراث. فبجانب المصالح التي قامت أجهزة التنظيم القبلي للعناية بها، ظهرت مصالح جديدة في مجال كسب العيش والتغير الذي ترتب على ذلك في البناء الاجتماعي، وقد كانت هذه المصالح الجديدة غريبة على النظام القبلي ومعارضة له في كل اتجاه. فمصالح مجموعات الحرفيين التي خلقها تقسيم العمل، والحاجات الخاصة للمدن، كانت تتطلب أجرة جديدة؛ ولما كانت المجموعات الاجتماعية الجديدة تتكون من أناس من مختلف الفروع والأخوات والقبائل وتشمل حتى الأجانب، فقد كان على الأجهزة الجديدة أن تتشكل خارج النظام القبلي، وكان ذلك يعني أن تكون ضد هذا النظام. ومرة ثانية نقول إنه في كل تنظيم قبلي أصبح تعارض المصالح محسوسا، ووصل إلى قمته بكون الأغنياء والفقراء والمرابين والمدينين مندمجين في نفس الفرع والقبيلة. كما كانت هناك كتلة المقيمين الجدد الأجانب عن الاتحادات القبلية والذين استطاعوا (كما في روما) أن يصبحوا قوة، وكان عددهم من الكثرة بحيث لا يمكن للفروع والقبائل المرتبطة برباط الدم أن تبتلعهم بالتدريج. وواجهت الاتحادات القبلية هذه الكتل كمجموعات ذات مزايا قوية. وتحولت الديموقراطية الأصلية الطبيعية النمو إلى أرستقراطية مكروهة.
وأخيرا فقد نشأ النظام القبلي ونما في مجتمع لم يعرف الصراع الداخلي؛ ولذلك لم يكن هذا النظام صالحا إلا لمثل هذا المجتمع، ولم تكن لهذا النظام أي قوة إلزامية سوى الرأي العام.
ولكن جاء الآن مجتمع جديد كان عليه أن يفرق بين الأحرار والعبيد وبين الأغنياء والفقراء؛ نظرا لقوة الظروف الاقتصادية التي أوجدته، وكان مجتمعا عاجزا عن التوفيق بين المصالح المتعارضة بل كان عليه أن يزيد من حدة هذا التعارض. ومثل هذا المجتمع لم يكن ممكنا وجوده إلا في حالة صراع علني مستمر بين هذه الطبقات، أو تحت حكم قوة ثالثة وهي القوة التي كانت تقف في الظاهر فوق الطبقات المتصارعة بينما كانت تضغط الصراع العلني بين الطبقات، ولا تسمع بالصراع الطبقي إلا في الميدان الاقتصادي على أكثر تقدير وبشكل يسمى شروعي. إذن فقد استنفد النظام القبلي أغراضه، وتحطم عن طريق تقسيم العمل ونتيجته الحتمية وهي تقسيم المجتمع إلى طبقات، وحلت الدولة محل النظام القبلي. •••
Unknown page