Asl Nizam Usra
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
Genres
ونقترب الآن من تغيير اجتماعي تختفي فيه أسس الزواج الاقتصادية القائمة إلى الآن، كما يختفي البغاء. فقد ظهر الزواج مع ظهور قدر معين من الثروة في يد شخص واحد هو الرجل ومع رغبة هذا الرجل في توريث الثروة لأبنائه، وكان الزواج ضروريا لأداء هذا الغرض من جانب المرأة وليس من جانب الرجل؛ بدليل أن زواج المرأة من رجل واحد لم يمنع تعدد الزوجات العلني أو الخفي بالنسبة للرجل. أما التغيير الاجتماعي المقبل فسيحول الجزء الأكبر من الثروة المتوارثة إلى الملكية الاجتماعية، وسيكون ذلك سببا في تخفيض كل القلق من أجل الميراث، وحيث إن الزواج قد ظهر نتيجة أسباب اقتصادية، فهل يختفي الزواج باختفاء تلك الأسباب؟
لا يجب أبدا أن نقول ذلك، فبدلا من الاختفاء سيبدأ الزواج تماما في أن يتحقق لأنه بتحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية اجتماعية سيختفي العامل الأجير، وستختفي باختفائه ضرورة وجود عدد معين من النساء يبعن جسدهن للمال، أي سيختفي البغاء، وبدلا من اختفاء الزواج سيصبح أخيرا حقيقة ناصعة حتى بالنسبة للرجال؛ ولذلك فإن وضع الرجل سيعتريه تغير ملحوظ وكذلك وضع المرأة، وستظل العائلة هي الوحدة الاقتصادية للمجتمع، وستصبح إدارة المنزل عملا اجتماعيا مرة أخرى، وستصبح تربية الأطفال أمرا يهم المجتمع الذي سيعنى حينئذ بكل الأطفال بصرف النظر عما إذا كانوا شرعيين أو غير شرعيين، كما أن الخوف من «النتائج» الذي يعتبر اليوم أهم دافع خلقي واقتصادي يمنع الفتاة أن تمنح نفسها للرجل الذي تحبه، هذا الخوف سيختفي. ولكن ألن يكون ذلك كافيا للتوسع التدريجي في العلاقات الجنسية ونمو رأي عام أكثر تساهلا فيما يتعلق بعذرية الفتاة وخجل المرأة؟! وهل يستطيع البغاء أن يختفي دون أن يأخذ معه الزواج؟!
نعتقد أن العكس هو الصحيح؛ فهناك عامل جديد ظهر إلى الوجود وهو كفيل بحفظ الروابط الاجتماعية، وهذا العامل هو الحب الجنسي بين الأفراد.
ولم يظهر ما يسمى بالحب الجنسي قبل العصور الوسطى؛ فإن الجمال وتشابه العواطف والصداقة الوطيدة أظهرت الرغبة في الدخول في علاقات جنسية مع أشخاص معينين، ولم يعد الرجل أو النساء غير مكترثين بمسألة مع من يدخلون في تلك العلاقات الوثيقة. ولكن كل ذلك كان بعيدا عن الحب في العصور الوسطى هذه؛ فقد كان أطراف الزواج أيامها يقبلان الزواج الذي كان ينظمه الوالدان في هدوء، ولم يكن الحب الزوجي القليل المعروف لدى الأقدمين عاطفة بأي حال، بل كان واجبا خارجيا، ولم يكن سببا للزواج بل نتيجة له. ولم يكن الرعاة الذين تغنى ثيوكريتس وموسكي بأفراحهم وعواطفهم، لم يكن هؤلاء الرعاة أحرارا بل كانوا عبيدا لا نصيب لهم في الدولة؛ وبذلك لم يكن الحب من صفات المواطن الحر. وكانت أمور الحب لدى المواطنين الأحرار قاصرة على عواطف النساء الذين يعيشون خلف حوائط المجتمع، وغانيات أثينا عندما بدأ نجمها في الأفول، وغانيات روما أيام الأباطرة. وكان كل الحب الذي ظهر بين المواطنين الأحرار يتخذ شكل الزنا. ولم يكن الحب الجنسي بمعناه الحالي مادة لشعر الحب الكلاسيكي عند الأقدمين؛ ففي أشعار أناكريون لم يكن حتى جنس الشخص المحبوب موضع أهمية.
ويختلف الحب الجنسي الحالي اختلافا ماديا عن الرغبة الجنسية التي كانت هدف الأقدمين، فهو يفترض حبا متبادلا من جانب الطرف الآخر بينما كانت موافقة المرأة لدى الأقدمين غير مهمة إطلاقا. كما يتطلب الحب الجنسي الحديث درجة من الرقي ورغبة في الدوام قد تدفع الطرفين إلى الإقدام على مخاطرات قد تصل إلى درجة المخاطرة بالحياة وهو ما لم يكن يحدث عند الأقدمين إلا في حالات الزنا. كما يتطلب الحب الحديث مستوى خلقيا جديدا لحكم العلاقات الجنسية.
وبذلك يصبح أهم سؤال هو ما إذا كانت العلاقة الجنسية مبنية على حب أم لا بصرف النظر عما إذا كانت العلاقة مشروعة من عدمه.
وعندما بدأ الأقدمون يتجهون إلى الحب الجنسي بدأت العصور الوسطى، وكان الحب حينئذ عبارة عن علاقات غير شرعية، وقد وصفنا فيما سبق حب الفرسان الذي كان يظهر في أغاني الفجر. وما زالت هناك ثغرة واسعة بين هذا النوع من الحب الذي كان يهدف إلى تحطيم الزواج، وبين الحب الذي يهدف إلى أن يكون أساس الزواج. ولم يكن الألمان القدماء بأفضل من اللاتينيين العابثين من حيث نظرتهم للحب، وقد انعكس ذلك بصدق في آدابهم؛ ففي رواية
Nibebungenlied
نقرأ أن كرايمهيلد كانت تحب سيجفريد بنفس القوة التي كان يحبها بها، ولما أخبرها أبوها بأنه وعد فارسا بأن يزوجها إياه أجابت ببساطة: «ليس بك حاجة لسؤالي فكما تأمر سأكون إلى الأبد، وهذا الذي اخترته أنت يا سيدي ليكون زوجي سأمنحه إخلاصي»، ولم يظهر لكرايمهيلد أبدا أن حبها يمكن أن تكون له قيمة في هذا الشأن. وكانت عروس الأمير عند الألمان يختارها له والداه، فإن لم يكونا على قيد الحياة اختارها بنفسه مع مجلس النبلاء. وبالنسبة للفارس أو البارون، كما هو الحال بالنسبة للأمير نفسه، يعتبر الزواج عملا سياسيا وفرصة للحصول على السلطة عن طريق عقد محالفات جديدة، وتعتبر المصلحة العامة هي العامل الحاسم بصرف النظر عن العواطف الشخصية؛ ولذلك لم يكن ممكنا للحب أن يكون أساس الزواج.
وقد كان هذا هو نفس الحال بالنسبة للرجل العادي من سكان المدن في العصور الوسطى، والميزة الوحيدة التي كانت تحميه (مواثيق النقابات بشروطها الخاصة، والحدود الصناعية بين المناطق وهي الحدود التي كانت تفصله عن النقابات الأخرى). هذه الميزة كانت تقتصر على تضييق الدائرة التي كان الرجل يستطيع أن يبحث فيها عن شريكة حياته. ومع ذلك فقد كانت هذه الشريكة تختار طبقا لمصلحة العائلة وليس طبقا للعواطف الفردية في ظل هذا النظام المعقد.
Unknown page