كتاب الجامع لايضاح الدرر المنظومة فى سلك جمع الجوامع
تاليف العالم النحرير العلامة الشهير الشيخ سيدي حسن ابن الحاج عمر بن عبد الله السيناوني
المدرس من الطبقة العليا فى علوم القرءات بالجامع الاعظم جامع الزيتونة
ادام الله عمرانه
الجزء الأول
اجازة الشيخ النظار
الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه وعبده وآله وصحبه من بعده وبعد فقد عرض العالم الفاضل الزكى الشيخ حسن السيناونى المدرس من الطبقة الاولى فى فن القرءات بالجامع الاعظم جامع الزيتونة عمره الله كتابه المسمى بالاصل الجامع لايضاح الدرر المنظومة فى سلك جمع الجوامع فاذا هو واضح العبارة كثير النقل صحيح النقل الحل مفيد فى بابه
فقررت النظارة العلمية فى جلستها المنعقدة فى يوم التاريخ اجابة طلب مؤلفه نشره واجازت طبعه والله يشكر سعي مؤلفه فى جمعه وعنايته والسلام وكتب فى ٢٢ذي الحجة الحرام سنة ١٣٤٧ وفى جون ١٩٢٨.
صح احمد بيرم - محمد الطاهر ابن عاشور - محمد رضوان - صالح المقالى
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله عليه وسلم محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمد لله الذي تفضل على عباده المؤمنين بنعمة الايمان فى الجنان التى هي اصل متفرع عليه التنعم بالنعيم الخالد فى الجنان والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالشريعة المطهرة بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وعلى آله الكرام واصحابه العظام ذوي المدارك السامية فى فهم الاحكام. (اما بعد) فيقول العبد الفقير الى رحمة ربه الغنى حسن ابن الحاج عمربن عبد الله السيناوي الزيتونى المالكى انى اردت ان اشرع فى شرح لطيف موضح لدرر الفاظ كتاب جمع الجوامع الذي جمع مقاصد زهاء مائة مصنف من المصنفات فى علم الاصول واحاط كما سياتى لمصنفه الشيخ الامام العلامة تاج الدين سيدي عبد الوهاب الشافعى ابن الشيخ الامام تقي الدين السبكى رحمها الله بخلاصة ما فى شرحه على مختصر ابن الحاجب والمنهاج للبيضاوي مع زيادات كثيرة عليها فحوي مع صغر الحجم حيث بالغ فى ايجازه غزارة العلم ففى كل ذرة منه درة فروم اختصاره بعده متعذر ... وروم النقصان منه متعسر. قال فى آخره اللهم الا ان ياتى رجل مبذر مبتر. فدونك مختصرا بانواع المحامد حقيقا ... واصناف المحامدين خليقا. فاعتنى بشرحه كثيرون ﵏ واردت ان اشرحه ان شاء الله باسلوب مبتكر. يجمع متون وشرح فى شرح معتبر مؤاخيا جمعا بين الفرع والاصل ان اطبق عليه ارجوزة نظم الحافظ جلال الدين السيوطى الشافعى التى ضمن فيها هذا المختصر الجامع للاصلين اعنى اصول الفقه واصول الدين قائلا "
ضَمَّنْتُهَا جَمْعَ الْجَوَامِعِ الَّذِي ... حَوَى أُصُوْلَ الْفِقْهِ والدِّيْنِ الشَّذِي
وربما غير بالاسقاط ما كان معترضا او زاد بالالحاق او زاد بالالحاق ماكان منقوصا او
1 / 2
افاد ما لم يتعرض له فى ذا المختصر كما قال:
وَرُبَّمَا غَيَّرْتُ أَوْ أَزِيْدُ ... مَا كَانَ مَنْقُوضًا وَمَا يُفِيْدُ
فَلْيَدْعُهَا قَارِئُهَا والسَّامِعُ ... بِكَوْكَبٍ وَلَوْ يُزَادُ السَّاطِعُ
كما انى اريد ان اطبق عليه ايضا تكميلا لفوائد ذوي المذهب المالكى قواعد الاصول المالكية التى نظمها العلامة الشيخ سيدى عبد الله ابن ابراهيم العلوي الشنجيطى وهى التي ابتنت عليها فصولها الفرعية كما قال معيدا الضمير على المذهب المالكى.
اردت ان اجمع من اصوله ... ما فيه بغية لذي فصوله
سميته مراقي السعود......لمبتغي الرُّقيِّ والصعود
كما انى اريد ان اطبق ايضا على مسائل المتن ما وافقها مما ذكره العلامة الشيخ سيدي محمد ابن عاصم المالكى فى علم الاصول فى النظم الذى سماه بقوله:
سميتها بمهيع الاصول ... لمن يريد الاخذ فى الاصول
كى يتضاعف سرور ذي المذهب المالكى بجمع شمله باصول مذهب فى ارض اصول المذهب الشافعى. ويتنزه الناظر اليه برؤ ية اشجار النظاير ملتفة فى احنة الفاظه ويتنعم المتامل فيه بابتكار جمع معانيها مقصودة فى خيام معانيه وسميته (بالاصل الجامع لايضاح الدرر المنظومة فى سلك جمع الجوامع) والله أسأل ان يتقبل بفضله. وينفع به كما نفع باصله انه ذو فضل عظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته (بسم الله الرحمن الرحيم نَحْمَدُك اللَّهُمَّ عَلَى نِعَمٍ يُؤْذِنُ الْحَمْدَ بِازْدِيَادِهَا) نَحْمَدُك اللَّهُمَّ أي نَصِفُك يا الله بصفاتك الجميلة جميعها اذ كل من صفاته تعالى جميل ورعاية جميعها ابلغ فى تعظيم تعالى المراد له بقوله نحمدك حيث عبر بصيغة الاخبار قاصدا بها انشاء الحمد الذي مقامه اعظم من مقام الاخبار وكثيرامايقع موقع الانشاء بلاغة كما قال سيدي عبد الرحمان الاخضري فى الجوهرالمكنون
وصيغةُ الإخبارِ تأتي للطَّلَبْ ... لِفَأْلٍ اوْ حِرْصٍ وَحَمْلٍ وَأَدَبْ
وعبر المصنف بصيغة المضارع لاقضائه التجدد كما قال فى الجوهر المكنون:
وَكَونُهُ فِعْلًا فَلِلتقييدِ.... بِالوَقْتِ مَعْ إِفادَةِ التَّجْديدِ
واتى بالميم فى اللهم لكونها عوضا عن حرف النداء كما قال العلامة ابن مالك فى الخلاصة:
والاكثر اللهم بالتعويض. وقوله على نعم جمع نعمة كما قال فى الخاصة: ولفعلة فعل. والتنوين فيه للكثرة والتعظيم كما قال فى الجوهر المكنون:
وَنَكّروا إِفرادًا اوْ تَكْثيرا.....تَنْويعًا اوْ تعظيمًا او تَحْقيرا
أي نحمدك با الله على انعام كثيرة عظيمة فمنها ومنها وان عددناها لا نحصيها وقوله يؤذن الحمد بازديادها أي يعلم الحمد عليها بزيادتها ولكون الازدياد ابلغ فى المعنى لزيادة المبنى اتى به اذ الهام الله تعالى عبده الحمد من النعم التى يستحق سبحانه الحمد عليها وهذا الحمد يستحق الحمد لكونه من الحمد الذي الهم به وهلم جرا فتهاطلت امطارا لمنن بالانعام لكثرة المحامد فلذا قال الناظم:
لله حَمْدٌ لاَ يَزَالُ سَرْمَدَا ... يُؤذِنُ بِازْديَادِ منٍّ أَبَدَا
(وَنُصَلِّي عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدٍ هَادِي الْأُمَّةِ لِرَشَادِهَا) أي ونقول اللهم صل على نبيك مُحَمَّدٍ اذ معناه الانشاء هادي الامة أي دال الامة لرشادها أي لدين الاسلام الذي تسبب عنه الرشاد فهو من اطلاق المسبب وارادة السبب على ضرب من المجاز المرسل كما قال فيه ناظم ملحة البيان:
وسببية مسببية ... كالغيث فى نبت وعكس يثبت.
(وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا قَامَتْ الطُّرُوسُ وَالسُّطُور لِعُيُونِ الْأَلْفَاظِ مَقَامَ بَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا) أي ونصلى على آله وصحبه مدة دوام الطروس الصحف جمع طرس بكسر الطاء فما مصدرية والسطور معطوف عليه من عطف
1 / 3
الجزء على الكل وعيون الالفاظ الاضافة فيه من المدلول الى الدال أي مدة دوام الصحف والسطور للمعانى التى يدل عليها باللفظ المنقوش فى سطر الصحيفة فيهتدى بتلك المعانى للمقاصد كما يهتدى بالعيون الباصرة ففيه استعارة تصريحية حيث شبه المعانى بالعيون بجامع حصول الاهتداء بكل وقوله مقام بياضها وسوادها أي مقام بياض الطروس وسواد السطور أي نصلى مدة قيام كتب العلم المبعوث به المصطفى الكريم المرسوم فى سطور الطروس وقيامه مسطورا فيها بقيام اهله واهله لا يزالون قائمين بفضل الله تعالى الى قيام الساعة اذلاتزال طائفة من امته ﷺ ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم حتى ياتى امرالله واستعمل المصنف صناعة الجناس البديعية فى الطروس والسطور واللف والنشر المرتب فى رجوع البياض للطروس والسواد للسطور على اسلوب قوله تعالى وهوالذي جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله. (وَنَضْرَعُ إلَيْك فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ عَنْ إكْمَالِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ الْآتِي مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ بِالْقَوَاعِدِ الْقَوَاطِعِ) نضرع أي نسألك ياالله بخضوع وذلة ان تمنع الاشياء التى يعوق بها اكمال تحرير هذا الكتاب المسمى بجمع الجوامع الحاوي مقاصد عدة مصنفات معلومات وبالاحري الختصرات فاحصى منها الخلاصة كماقال صاحب الخلاصة: وما به عنيت قد كمل ... نظما على جل المهماة اشتمل
احصى من الكافية الخلاصة ... كما اقتضى غنى بلا خصاصه
وقوله الاتي الخ أي الاتى من فن اصول الفقه وفن اصول الدين بالقواعد المقطوع بها والقاعدة هى الامرالكلي المنطبق على الجزئيات لتعرف احكام منها فى اصل لجزئياتها فلذا سمي الامام ابو القاسم الشاطبى قواعد قراءات الايمة السبعة فى حرز الامانى اصولا حين اتى جميعها فى قوله
فهذي اصول القوم حال اطرادها ... اجبت بعون الله فانتظمت جلا
(الْبَالِغِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْأَصْلَيْنِ مَبْلَغَ ذَوِي الْجِد وَالتَّشْمِيرِ)
أي البالغ فى الاحاطة باصلى الفقه والدين بلوغا مثل بلوغ ذوي الاجتهاد والتشمير فى التحصيل على المرتبة القصوى فيها (الْوَارِد مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّف مَنْهَلًا يُرْوِي وَيَمِيرُ) أي الجائ من زهاء بضم الزاي والمد أي قدر مائة مصنف فى حال كونه منهلا يروي بضم الياء أي كل عطشان من اهل العلم للاطلاع على الاصوليين ويمير بفتح اوله أي يشبع كل جائع للتغذي بما ئلها ففى التركيب تشبيه بليغ حيث جعل كتابه منها ورود ذي العطش وشبع ذي الجوع بحذق اداة التشبيه ووجه الشبه كما قال فى الجوهر المكنون: وأبلَغُ التّشبيهِ ما مِنْهُ حُذِفْ.....وَجْهٌ وآلَةٌ
وهذه المياه العذبة التى تلا طمت امواجها فى منهله هى التى جرت اليه من عيون المصنفات الكثيرة ذوات الفوائد الغزيرة فماء منهله ماء مبارك كماء زمزم يروي ذا العطش ويشبع ذا الجوع فيحصل به من الاحاطة المبلغ من كمال الراحة بالشبع والري (الْمُحِيطُ مَا فِي شَرْحَيْ عَلَى الْمُخْتَصَر وَالْمِنْهَاج مَعَ مُزْبِد كَثِير) كما بلغ من الاحاطة الملغ المتقدم فى جمعه لما ذكر بلغ ايضا من الاحاطة بخلاصة ما فى شرحيه على المختصر لابن الححاجب والمنهاج للبيضاوي قال الجلال المحلى وَنَاهِيكَ بِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِمَا أي عن تطلب غيرهما مع مزيد كثير على تلك الخلاصة (وَيَنْحَصِرُ فِي مُقَدِّمَاتِ وَسَبْعَةِ كُتُبٍ) أي وينحصر التصنيف فى مقدمات جمع مقدمة وهي عند المناطقة القضية المجعولة جزء الدليل الذي يتركب منه القياس كما قال سيدي عبد الرحمن الاخضري فى سلم المنورق:
فان ترد تركيبه فركبا ... مقدماته على ما
1 / 4
وجبا. والمراد بها هنا قال فى المغيث الهامع مايتوقف عليه حصول امر أخر فالمقدمات لبيان السوابق والكتب لبيان المقاصد اه وقال الجلال السيوطى قال الشيخ سعد الدين يقال مقدمة العلم لما يتوقف عليه مسائله كمعرفة حدوده وغايته وموضوعه ومقدمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت امام المقصود لارتباطه بها وانتفاع بها فيه سواء توقف عليها ام لا قال والفرق بينهما مما خفى على كثير من الناس اه. قال الجلال السيوطى واما الكتب السبعة ففى المقصود بالذات خمسة فى مباحث ادلة الفقه الخمسة الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستدلال والسادس فى التعادل والترجيح بين هذه الادلة عندتعارضهاوالسابع فى الاجتهاد الرابط لها بمدلولها وما يتبعه من التقليد وءاداب الفتيا وما ضم اليه من علم الكلام المفتتح بمسالة التقليد فى اصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة الصوف اه. فلذاقال فى نظمه مقتفيا أثر اصله.
يُحْصَرُ هَذَا النَّظْمُ في مُقَدِّمَهْ ... وَبَعْدَهَا سَبْعَةُ كُتْبٍ مُحْكَمَه
وتعرض شارح مراقي السعود لبيان موضوع الفن قائلا موضوع الاصول الادلة الشرعية والاحكام وعند بعضهم الادلة الشرعية فقط فلذاقال فى نظمه:
الاحكام والأدلة الموضوع.......وكونه هذي فقط مسموع
وافاد ايضا ان اول من الف علم الاصول الامام الشافعى وهو محمد بن عباس شافع المطلبى حيث قال.
أول من ألفه في الكتب ... محمد ابن شافع المطَّلِبي
وذر ان غيره من الجتهدين كا الصحابة فمن بعدهم كان معرفة علم الاصول سليقة له أي مركوزا فى طبيعته كماكان علم العربية من نحو وتصريف وبيان خليقة أي مركوزا فى طبايع العرب فطرة فطرهم الله عليها فلذاقال فى نظمه:
وغيره كان له سليقه.......مثل الذي للعرب من خليقه
(الكلام فى المقدمات أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ) افتتح المصنف ﵀ الكلام فى المقدمات التي قدمها على المقصود بالذات من الكتب السبعة بتعريف اصول الفقه ليتصوره طالبه ابتداء بما يضبط مسائله الكثيرة حتى يكون الطالب على بصيرة اذ من عرف مايطلب هان عليه ما يبذل من النفيس سيما انفاس العمر فاصول الفقه فى الاصل مركب اضافى ثم صار علما جنسيا لفن الاصول وفيه اشعار يمدحه بابتناء الفقه عليه فعرفه بانه دلائل الفقه أي قواعد الفقه الاجماليه أي غير المعينة كمطلق الامر والنهى وغير ذلك من القواعد الاتية فى الكتب السبعة وقال الناظم معرفا لذا الفن اعنى فن الاصول:
أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الأُصُوْلُ مُجْمَلَهْ ... وَقِيْلَ: مَعْرِفَةُ مَا يَدُلُّ لَهْ
فالاصول مبتداء وادلة خبره مقدم مجملة حال اي تعريف فن الاصول
فى حال كونها مجملة وقال شارح مراقى السعود الدليل الاجمالى هوالذي لايعين مسالة جزئية كقاعدة مطلق الامر والنهي وفعله ﷺ والاجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والظاهر والمؤول والناسخ والمنسوخ وخبر الاحاد ثم افاد ان طرق الترجيح للادلة عند تعارضها قيد تابع للدلائل الاجمالية فى الاندراج فى حقيقة الاصول وان شروط الاجتهاد الاتى ذكرها واضح دخولها فى مسمي الاصول وان الاصل يطلق فى الاصطلاح ايضا على الامر الراجح نحو الاصل براء ة الذمة والاصل ابقاء ما كان على ماكان عليه فلذاقال فى نظمه:
أصوله دلائل الإجمال ... وطرق الترجيح قيد تال
وما للاجتهاد من شرط وَضَحْ.......ويطلق الأصل على ما قدرجح
(وقيل معرفتها) أي وقيل فى تعريف اصول الفقه معرفة دلائل الفقه الاجمالية أي
1 / 5
وذلك لان مسمي كل علم يطلق على مسائله التى هى القواعد الكلية وهوالتعريف الاول ويطلق على ادراك تلك القواعد وعلى الملكة الحاصلة من ادراكها وهوالتعريف الثانى وزاد الناظم فى تعريف الاصول بمعرفة الدلائل الاجمالية معرفة طرق الاستفادة أي ليحصل الترجيح عند التعارض مما ذكر فى الكتاب السادس ومعرفة صفات المستفيد الذي هوالمجتهد المذكورة فى الكتاب السابع ليحصل بها معرفة من يصح منه استنباط الحكم حيث قال
وَقِيْلَ: مَعْرِفَةُ مَا يَدُلُّ لَهْ
وَطُرُق اسْتِفَادَةٍ والْمُسْتَفِيْدْ ... وَعَارِفٌ بِهَا الأُصُوْلِيُّ الْعَتِيد أي الحاضر
(وَالْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّة) أي تعريف الفقه هوالعلم بالاحكام الماخوذة من الشرع المبعوث العزيز المبعوث به النبئ الكريم المتعلقة بصفة عمل قلبي اوغيره المكتسب ذلك العلم من الادلة التفصيلية فلذاقال فى نظمه.
والفقه هو العلم بالأحكام.......للشرع والفعل نماها النامي
قال فى شرحه أي نسبها الناسب أي اليه أي الى الفعل فيقول الشرعية الفعلية أي العملية قال والفرع هو حكم الشرع المتعلق بصفة فعل المكلف وتلك الصفة ككونه مندوبا او غيره من الاحكام الخمسة مطلقا أي سواء كان الفعل قليلا كالنية اوبدنيا كا الوضوء قاله الناصر اللفانى عند قول خليل فذلك لعدم اطلاعى فى الفرع على ارجحية منصوصة اه. باختصار فلذاقال فى نظمه:
والفرع حكم الشرع قد تعلقا.......بصفة الفعل كندب مطلقا
ثم قال والمراد بالعلم بجميع الاحكام في تعريف الفقه العلم بمعنى الصلاحية والتهيئ لذلك بان يكون له ملكة يقتدر بها على ادراك جزئيات الاحكام وقد اشتهر عرفا اطلاق العلم على هذه الملكة قال واذا كان المراد التهيئو والصلاحية فلايقدح فى ائمة المناحي الاربعة أي المذاهب قوله لا ادري فاتبع ذلك القول فانه يدل على الورع اه. فلذاقال في نظمه معيدا الضمير على ادلة التفصيل. والعلم بالصلاح فيما قد ذهب
فالكل من أهل المناحي الأربعهْ.......يقول لا أدري فكن مُتَّبِعَه
فقوله قد ذهب بمعنى قد اشتهر (وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّه الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ) أي والحكم المتعارف فى الاذهان بين الاصوليين فى حال كونه ملابسا للاثبات تارة وللنفى اخري كلامه تعالى النفسى الازلي أي الذي لاابتداء له المتعلق بفعل المكلف أي الشخص الملزم ما فيه كلفة تعلقا صلوحيا قبل وجوده بمعنى انه اذا وجد غير مستجمع لها ككونه مجنونا مثلا واما اذاوجد مستجمعا لها فيتعلق به تعلقا تنجيزيا قال الحقق البنانى للكلام المتعلق بفعل المكلف تعلقان صلوحى وتنجيزي والاول قديم والثانى حادث بخلاف المتعلق بذات الله وصفاته فليس له الا تعلق تنجيزي قديم اه. وقوله من حيث انه مكلف بما فيه كلفة أي الحكم كلام الله تعالى المتعلق بالشخص الملزم ما فيه كلفة من حيث انه ملزم به ونقل الناظم فى شرحه ان اعتبار يخرج ما لا تكليف فيه كالاباحة وهى احد اقسام
1 / 6
الحكم فقال والد المصنف ان الاختيار ان يقال فى تعريف الحكم على وجه الانشاه ليندرج فيه الاباحة وخطاب الوضع فان الصواب انه حكم اه. فلذاقال الناظم:
خِطَابُ اللهِ بِالإِنْشَا اعْتَلَقْ ... بِفِعْلِ مَنْ كُلِّفَ حُكْمٌ
وشارح مراقى السعود سلك مسلك المصنف حيث قال ان الحكم المتعارف عندالاصوليين هو كلام الله المتعلق بفعل المكلف من حيث انه مكلف به فلذاقال فى نظمه:
كلام ربي إن تعلق بما....يصح فعلا للمكلف اعلما
فذاك بالحكم لديهم يعرف.
وتعرض لاختلافهم فى التكليف هل هو الزام ما فيه مشقة وكلفة كما تقدم او طلب ما فيه كلفة فافاد انه فاه أي نطق بكل من القولين خلق كثير وذكر ان هذالخلاف لايفيد فرعا من الفروع لعدم بناء الحكم عليه حيث قال:
وهو إلزام الذي يشق.......أو طلبٌ فَاهَ بكلِّ خَلْقُ
لكنه ليس يفيد فرعا.......فلا تَضِقْ لِفَقْد فرع ذرعا
وتعرض لتكليف الصبي قائلا ان الصبي مكلف عندنا أي معاشر المالكية أي مخاطب بغير الواجب والمحرم لا فى الخطاب بالندب والكراهة والاباحة فهو ووليه مندوبان الى الفعل ماجوران فلذاقال:
قد كُلِّفَ الصَّبِي على الذي اعتُمِي.....بغير ما وجب والمحرم
(وَمِنْ ثَمَّ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّه) قال الشيخ الشربينى أي من اجل ان الحكم خطاب الله المفيد انه لا مثبت له الا الله دون شيئ اخر وانه لا يدرك الا بسبب ورود الخطاب به نعتقد انه لا حكم الاالله اه. وقال الجلال السيوطى أي ومن اجل ان الحكم خطاب الله وحيث لاخطاب لا حكم يعلم انه لاحكم الا لله فلذاقال فى نظمه:
فالاحق.... لَيْسَ لِغَيْرِ اللهِ حُكْمٌ أبَدَا
قال المحقق البنانى على الجلال المحلى عندقوله فلا حكم للعقل شيئ مما سياتى عن المعتزلة اشار بذلك الى ان مقصود المصنف بقوله ومن ثم لا حكم الا الله التمهيد لخلاف المعتزلة بتحكيم العقل والرد عليهم
(الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ بِمَعْنَى: مُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ وَصِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ عَقْلِيٌّ وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الذَّمِّ عَاجِلًا وَالْعِقَابِ آجِلًا شَرْعِيٌّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ)
الحسن والقبيح يطلقان بثلاثة اعتبارات احدها ما يلائم الطبع وينافره كقولنا الحسن والمر قبيح والثانى صفة الكمال والنقص على الشرع واشار العلامة ابن عاصم الى الاول والثانى فى مهيع الوصول بقوله:
فاول مالحسن بالموافقه ... للطبع ثم القبح مالا وافقه
والثانى ماجاء فى الاستعمال ... بنسبة النقص اوالكمال
وذان لاافتقار فيهمالان ... يبين الشرع القبيح والحسن.
والثالث ما يوجب المدح والذم عاجلا والثواب والعقاب ءاجلا فالمعتزلة قالوا هو عقلى ايضا يستقل العقل بادراكه لمافيه من مصلحة او مفسدة وقال اهل السنة هو شرعي لا يعرف الا بالشرع فلذاقال الناظم:
والْحُسْنُ والْقُبْحُ إِذَا مَا قُصِدَا.
وَصْفُ الكَمَالِ أَوْ نُفُورُ الطَبْعِ ... وَضِدُّهُ عَقْلِي وَإلاَّ شَرْعِي
وهذا القسم اشار اليه العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول بقوله:
وان يكن ما مدح الله الحسن ... وما عليه بالثواب منه من
وضده القبيح ما قد ذمه ... واستوجب العقاب من قدامه
فها هنا الخلاف كل نقله.... للاشعريين وللمعتزلة
فالاشعريين يقولون بان ... ليس بغير الشرع يعلم
1 / 7
الحسن. اوضده اذ ليس حكم يثبت.. قبل ورود الشرع وهوالاثبت
(وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ لَا الْعَقْلِ) أي الثناء على الله تعالى لانعامه بالخلق والرزق والصحة وغير ذلك واجب بالشرع لابالعقل اذ لووجب عقلا لعذب تاركه قبل بعثة الرسول لكنه لايعذب لقوله تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ وذهبت المعتزلة الي وجوبه بالعقل فلذاقدم الناظم: الشرع باثبات الحكم له فى وجوب شكرالمنعم لاللعقل فى قوله. بالشرع شكرالمنعم. حتم. (وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِهِ وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْل فَإِنْ لَمْ يَقْضِ فَثَالِثُهَا لَهُمْ الْوَقْفُ عَنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) أي ولا حكم قبل البعثة لاحد من الرسل لازمة من ترتب الثواب والعقاب حين لاشرع لقوله ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ أي ولا مثيبين وانفاء اللازم المذكور الذي هو الترتب المذكور يستدل على انتفاء الملزوم الذي هو الحكم فلذاقال الناظم: وَقَبْلَ الْشَّرْعِ لاَ حُكْمَ نُمِي
قال المحقق البنانى ظاهره أي قول المصنف ولاحكم قبل الشرع انه لافرق فى ذلك بين الاصول والفروع فمن لم تبلغه دعوة نبي لا يجب عليه توحيد ولاغيره اه. وذكر شارح مراقي السعود ان اهل الفترة لا يروعون أي لا يعذبون بسبب تركهم للفروع كالصلاة مثلا لعدم تكليفهم بها وهم من كانو بين رسولين لم يرسل الاول لهم ولا ادركوا الثانى ثم قال واختلف فى تعذيبهم بترك الاصول من الايمان والتوحيد فلذاقال فى نظمه:
ذو فترة بالفرع لا يراع.......وفي الأصول بينهم نزاع
وقوله بل الامر الخ قال الجلال المحلى بل هنا للانتقال من غرض الى اخر اه. أي بل الامر فى وجوده الحكم موقوف الى ورود الشرع وافاد العلامة فى مهيع الوصول ان الابهري قال ان الاشياء قبل الشرع ممنوعة وان ابالفرج قال انها مباحة حيث قال:
والابهري قائل بالمنع ... فى جملة الاشياءقبل الشرع
وقال بل مباحة ابوالفرج ... ومن له توقف فلا حرج
قال المحقق البنانى فمن قال بالوقف لم يرد معنى لا ندري هل الحكم ثابت قبل البعثة اولا بل اراد ان وجوده متوقف على ورود الشرع اه.
قال الجلال السيوطى وذهبت المعتزلة الى تحكيم العقل فى الافعال قبل البعثة فالضروري منها كالتنفس فى الهواء مقطوع باباحته والاختياري ان اشتمل على مفسدة ففعله حرام كالظلم اوتركه فواجب كالعدل او على مصلحة ففعله مندوب كالاحسان اوتركه فمكروه وان لم يشتمل على مصلحة ولا مفسدة فمباح فان لم يقض فيه بشيئ ففيه ثلاثة مذاهب لهم احدها الحظر لان تصرف فى ملك الله بغير اذنه والثانى الاباحة لان الله خلق العبد وما ينتفع به فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا أي خاليا عن الحكمة والثالث الوقف عنهما لتعارض دليليهما والمراد به انه لا يدري امحظور ام مباح مع انه لا يخلو عن واحد منهما فوقفوا وقف حيرة فلذاقال فى نظمه:
وَفِي الْجَمِيْعِ خَالَفَ الْمُعْتَزِلَهْ ... وَحَكَّمُوا الْعَقْلَ فإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهْ
فَالْحَظْرُ أوْ إِبَاحَةٌ أوْ وَقْفُ ... عَنْ ذَيْنِ تَحيِيْرًا لَدَيْهِمْ خُلْفُ
وافاد العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول عنهم ان الاوليين أي ماكان حسنا اوقبيحا اتى الشرع فيهما مؤكدا ما ثبت بالعقل من الحسن والقبح وان الثالث اظهر الشرع فيه ما لم يصل اليه العقل حيث قال:
والحسن والقبح لدي المعتزلة ... العقل قبل الشرع كان حصله
اما ضرورة واما بالنظر ... او لم يصل فيه لمعنى معتبر
فالاولان الشرع فيهمااتى ... مؤكد اما بالعقو ثبتا
والثالث الشرع به اظهر ما ... لم يصل العقل اليه
1 / 8
منهما. والمذهب الصحيح مذهبنا معا شر اهل السنة من ان الامر موقوف الى ورود الشرع فيما قبل البعثة واما اذا تعارضت الادلة فيما بعدها او عدمت ولم يظهر نص فافاد المصنف فى كتابه الاستدلال ان الصحيح ان اصل المضار التحريم والمنافع الحل فلذاقال ناظم مراقى السعود:
والحكم ما به يجيء الشرع........وَأَصْلُ كلِّ ما يَضُرُّ المنعُ.
وتعرض العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول الي ان ماتقدم من الشرايع فيما لم يرد به شرعنا هل يكون شرعا لنا ام لا فافاد ان ثالث الاقوال شرع الخليل لنا حيث قال:
واختلفوا هل شرع من تقدما ... شرع لنا فى غير ما قد احكما
ثالثهاماشرع الخليل ... شرع لنا وفرقه نبيل.
(وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ عَلَى الْقَتْلِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ لِإِيثَارِهِ نَفْسِهِ) أي والصواب امتناع تكليف الغافل وهو من لا يدري كالنائم والساهى اذ التكليف بالشيئ لقصد الاتيان به امتثالا وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به والغافل لايعلم التكليف مع العقل والبلوغ والاسلام وعموم الدعوة قائلا. ويحصل التكليف للانام ... بالعقل والبلوغ والاسلام
ثم حصول الذهن حال الفرض ... ودعوة تبلغ اهل الارض
وكذا يمتنع تكليف الملجا وهو من يدري ولا سعة له فى الانفكاك عما ألجئ اليه كالملقى من شاهق على شخص فقتل ذلك الملقى اللقى عليه فانه لامندوحة للملقى عن الوقوع عن الملقى عليه قال الجلال المحلى فامتناع تكليفه بالملجا اليه او بنقيضه لعدم قدرته على ذلك لان الملجا اليه واجب الوقوع ونقيضه ممتنع الوقوع ولاقدرة على واحد من الواجب والممتنع اه. فلذاقال الجلال السيوطي فى نظمه:
وَصُوِّبَ امْتِنَاعُ أنْ يُكَلَّفَا ... ذُوْ غَفْلَةٍ وَمُلْجَأٌ
وقال ناظم مراقى السعود:
والعلم والوُسع على المعروف.......شرط يعم كل ذي تكليف
كما انه يمتنع تكليف المكره قال الجلال المحلى: وَهُوَ مَنْ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ. وذكر العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول ان ظاهر المذهب استنبط منه اشتراط عدم الاكراه حيث قال. وظاهر المذهب منه استنبطا.... في عدم الاكراه ان يشترطا. وافاد الجلال السيوطى ان فى تكليف المكره على ما اكره عليه قولين: احدهما: وهو مذهب المعتزلة انه ممتنع وصححه فى جمع الجوامع لعدم قدرته على الامتثال بالصبر على مااكره به وان لم يكلفه الشارع والثانى انه يجوز وهو مذهب الاشاعرة وذكر ان المصنف رجع اليه اخيرا فلذاقال فى نظمه: واختلفا.
فِي مُكْرَهٍ وَمَذْهَبُ الأَشَاعِرَهْ ... جَوَازُهُ وَقَدْ رَآهُ آخِرَهْ
ففاعل رآه يعود على مصنفا وقوله ولو على القتل أي ولوكان المكره مكرها على القتل لمكافئته فانه يمتنع تكليفه حالة القتل وقوله واثم القاتل الخ قال الحقق البنانى جواب سؤال تقديره اذا كان المكره على قتل المكافئ ليس بمكلف بالقتل ولابنقيضه قلتم فلاي شيئ تعلق به الاثم فاجاب بما حاصله ان الاثم تعلق به من حيث الايثار أي تقديمه نفسه بالبقاء على مكافئة لقدرته عليه وعلى تركه بسبب ان المكره له خيره بين قتله لمكافئة وبين ان يقتله المكره له ان لم يقتل ذلك المكافئ اه. (وَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) أي ويتعلق الامر الذي هو الايجاب والندب بالمعدوم تعلقا معنويا بمعنى انه اذا وجد يكون مامورا بذلك الامر النفسى الازلى لا تعلقا تنجيزيا بان يكون ...
1 / 9
مامورا حالة عدمه حقيقة اوحكما بان يوجد غير متصف بصفات التكليف خلاف للمعتزلة فى تفهيم التعلق المعنوي ايضا لتفهيم الكلام النفسى قال الجلال المحلي: وَالنَّهْيَ وَغَيْرَهُ أي الاباحةكَالْأَمْرِ وقال الجلال السيوطى: مذهب الاشاعرة ان الامر والنهي يتعلقان بالمعدوم تعلقا تنجيزيا فامرالله ونهيه يتعلقان فى الازل بالمكلف لا على معنى تنجيز التعلق في حال عدمه بل على معنى انه اذا وجد بصفة التكليف صارمكلفا بذلك الطلب القديم من غير تجديد طلب آخر وهذا مبنى على اثبات الكلام النفسى فلذلك خالف المعتزلة لانكارهم الكلام النفسى فلذاقال فى نظمه:
وَالأمْرُ بِالْمَعْدُومِ والنَّهْيُ اعْتَلَقْ ... أيْ مَعْنَوِيًّا وأبَى بَاقِي الْفِرَقْ
أي معنويا وابى باقى الفرق.
(فَإِنْ اقْتَضَى الْخِطَابُ الْفِعْلُ اقْتِضَاءً جَازِمًا فَإِيجَابٌ أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ فَنَدْب
أَوْ التَّرْكَ جَازِمًا فَتَحْرِيمٌ أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ فَكَرَاهَةٌ أَوْ بِغَيْرِ مَخْصُوصٍ فَخِلَافُ الْأَوْلَى) قال الكمال لا يخفى ان اسناد اقتضى الى الخطاب النفسي مجاز اذكل من الاقتضاء والتخيير النفسيين خطاب نفسي لا امر يترتب على الخطاب النفسي مغايرله قال البنانى فالقياس ان لوقال فان كان الخطاب اقتضاء للفعل اقتضاءاجازما فهذالخطاب يسمى ايجابا اواقتضاء غير جازم بان جوز تركه فندب كما قال الناظم:
إنِ اقتَضَى الخطابُ فعْلًا مُلْتَزَمْ ... فَوَاجِبٌ أوْ لاَ فَنَدْبٌ
وقال ناظم مراقى السعود:
ثم الخطاب المقتضي للفعل........جزما فإيجاب لدى ذي النقل
وقال فيهما العلامة ابن عاصم.
ما طلب الشارع بجزم فعله ... فذلك الواجب فاعرف فضله
وان يكن بغير جزم يطلبه ... فذاك من ندب غدا يستصحبه
وقوله فى السعود لدي ذي النقل. قال شارحه المراد به الاصولي الذي ينقل مسائل الفن فى الكتب او يرويها اه. وان اقتضى الخطاب جزمافذا الحرام عند الكل. واذاكان الاقتضاء غير جازم بان كان بنهى مخصوص قال الجلال السيوطى: من نص اواجماع اوقياس فكراهة او بغير مخصوص بل بالنهى عن ترك المندوبات المستفاد من اوامرها فخلاف الاولى وسواءكان فعلا كفطر مسافر لايتضرر بالصوم اوتركا كترك صلاة الضحى فلذاقال الناظم: او جزم. تركا فتحريم والا وورد.
نهي به قصد فكره او فقد قصد الاولى
وقال ناظم مراقى السعود:
وما التركَ طلب......جزمًا فتحريم له الإثم انتسب
أولا مع الخصوص أولا فع ذا.......خلافَ الاولى وكراهة ً خُذا
لذاك. وقوله اوالتخيير فاباحة أي او اقتضي الخطاب التخيير بين فعل الشيئ وتركه فاباحة قال الجلال المحلى: ذِكْرِ التَّخْيِيرِ سَهْوٌ إذْ لَا اقْتِضَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالصَّوَابُ أَوْ خُيِّرَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ عَطْفًا عَلَى اقْتَضَى اه.
فلذا قال الجلال السيوطى فى نظمه: إِذَا مَا خَيَّرَا ... إِبَاحَةٌ
وقال ناظم مراقى السعود:
والإباحة الخطاب..........فيه استوى الفعل والاجتناب
وقال ابن عاصم فى مهيع الوصول.
وسم بالمباح بعد كل ما..ورد فيه اذن للشرع انتمى.
ثم ذكر ناظم مراقي السعود ان الاباحة الماخوذة من البراءة ليست حكما شرعيا كشربهم للخمر فى صدر الاسلام قبل ان يرد فى اباحتها نص من تقرير او غيره بل هى اباحة عقلية فلذاقال:
وما من البراءة الأصليهْ....... قد أخذت فليست الشرعيهْ
وافاد ايضا ان لفظى الاباحة والجواز قد ترادفا عند بعضهم على معنى
1 / 10
هو مطلق الاذن فى الفعل فلذا قال:
وهي والجواز قد ترادفا....في مطلق الإذن لدى من سلفا
وقال العلامة ابن عاصم ثم المباح عند الاستعمال سمى بالجائز والحلال.
وربما عيينوا المباحا ... بمثل لا باس ولا جناحا.
(وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا فَوَضْعٌ وقد عرفت حدودها) أي وان ورد الخطاب النفسي بكون الشيئ سببا او شرطا او مانعا اوصحيحا او فاسدا فالخطاب حينئذ يسمى وضعا ويسمى خطاب وضع ايضا لانه بوضع الله وبجعله قال الجلال السيوطى نقلا عن الزركشى وان لم يكن فى الخطاب اقتضاء ولاتخيير بل ورد بكون الشيئ سببا او شرطا او مانعا او صحيحا او فاسدا فليس خطاب تكليف بل خطاب وضع أي وضعه الله فى شرائعه لاضافة الحكم اليه تعرف به الاحكام تيسيرالنا فان الاحكام مغيبة عنا والفرق بينهما من حيث الحقيقة ان الحكم فى الوضع هو قضاء الشرع على الوصف بكونه سببا او شرطا او مانعاوخطاب التكليف لطلب اداء ما تقرر بالاسباب والشروط والموانع اه. فلذا قال فى نظمه فارقا بينه وبين خطاب التكليف.
أوْ سَبَبًا أوْ مَانِعًا شَرْطًا بَدَا ... فَالْوَضْعُ أَوْ ذَا صِحَّةٍ أَوْ فَاسِدَا
قال والتعبير فى النظم باو احسن من تعبير اصله بالواو اذالمراد التقسيم وقال ناظم مراقى السعود:
ثم خطاب الوضع هو الوارد.......بأن هذا مانع أو فاسد
أو ضده أو أنه قد أوجبا.....شرطا يكون او يكون سببا
وافاد ايضا ان خطاب الوضع اعم مطلقا من خطاب التكليف يجتمعان فى الزنى والسرقة والعقود فانها اسباب تعلق بها التحريم والاباحة وهى اسباب العقوبات وانتقال الاملاك وينفرد الوضع باوقات الصلوات فانها اسباب لوجوبها والحيض مانع اه. كما ان اتلاف الصبى مثلا سبب لوجوب الضمان فى ماله ومرور الحول سبب فى زكاته ولايعترض بالوجوب عليه اذ وليه هوالمخاطب بذاك او وصيه فلذاقال العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول. ولا اعتراض بالزكاة تجب ... فى مال غير بالغ وتطلب
ولا بما اتلف اذ وليه ... مخاطب بذاك وصيه
قال شارح السعود ولا ينفرد التكليف اذ لا تكليف الا له سبب او شرط او مانع فلذاقال:
وهو من ذاك اعم مطلقا. قال وجعلها أي القرافى فى الفروق بينهما عموم من وجه وهوالصواب اه. (وقد عرفت حدودها) أي حدودالمذكورات من اقسام خطاب الوضع فعرف الايجاب بكونه الذي اقتضاء الخطاب اقتضاء جازما وهكذا فى بقية ما ذكر والناظم ايضا حيث كان مقتفيا اثره عرفها كهو فقال وحدها قد عرفا. (وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ لَفْظِيٌّ) أي والفرض والواجب لفظا هما مترادفان أي اسمان لمعنى واحد وهوكما علم من حد الايجاب الفعل المطلوب طلبا جازما وفرق الامام ابوحنيفة بينهما فجعل الفرق ما ثبت بدليل قطعي كالقراءة فى الصلاة الثابتة بقوله تعالى فاقروا ما تيسر من القران والواجب ما ثبت بدليل ظنى كخبر الواحد والقياس قال الجلال السيوطى كقراءة الفاتحة فى الصلاة وصدقة الفطر والاضحى الثابتة بالاحاديث فلذاقال فى نظمه:
والْفَرْضُ والْوَاجِبُ ذُوْ تَرَادُفِ ... وَمَالَ نُعْمَانُ إِلَى الْتَّخَالُفِ
وقال العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول. وسم باللازم والمكتوب ... والفرض والمفروض ذالوجوب.. والفرق للنعمان بين الواجب. والفرض منقول لدي المذاهب.
فالواجب الثابت عن ظنى ... لديه والفرض عن القطعى
قوله والخلف لفظى أي والخلاف المذكور عائد الى اللفظ والتسمية قال الجلال المحلى: اذ
1 / 11
حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا هَلْ يُسَمَّى وَاجِبًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيِّ كَمَا يُسَمَّى وَاجِبًا هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا لِلْفَرْضِ مِنْ فَرَضَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى حَزَّهُ أَيْ قَطَعَ بَعْضَهُ، وَلِلْوَاجِبِ مِنْ وَجَبَ الشَّيْءُ وَجْبَةً سَقَطَ وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَاقِطٍ مِنْ قِسْمِ الْمَعْلُومِ. اه.
قال المحقق البنانى أي لان المعلوم خاص بالمقطوع به ولذا يسمون ما ثبت بقطعى بالواجب علما وعملا اخذا من فرض الشيئ قدره ووجب الشيئ وجوبا ثبت والثابت اعم من ان يثبت بقطعى او ظنى اه. فالخلاف حينئذ بين الشافعية والحنفية لفظى حيث ان كلا منها استند فى دعواه الى امر لغوي فتعارض ماخذهما وعندنا معاشر المالكية فى الاصطلاح ان الواجب والفرض يطلقان على ما الاثم فى تركه سواء ثبت بدليل قطعى او ظنى قال شارح مراقى السعود فعلى هذا يترادفان مع الحتم واللازم والمكتوب ان اريد ذلك المعنى نحو اذا اقيمت الصلاة فلا صلاة الاالمكتوبة وخمس صلوات كتبهن الله على العباد فلذاقال فى نظمه:
والفرض والواجب قد توافقا.
كالحتم واللازم مكتوبٍ ...
وافاد ان الواجب الذي لاتتوقف صحة فعله على نية لا نوال فيه أي لا اجر اذا لم ينو فاعله حين التلبس به امتثال امرالله تعالى وذلك كانفاق على الزوجات والاقارب وردالمغصوبات ونحو ذلك فلذاقال:
وليس في الواجب من نَوَالِ.....عند انتفاء قصد الامتثال
فيما له النية لا تُشترطُ.........وغير ما ذكرته فغلط
قوله وغير ما ذكرته الخ اعنى ما ذكر بعض شراح خليل من توقف الاجر على نية الامتثال توقف صحة الفعل على نية ام لا وكذا ترك المنهي بقسميه مثل الواجب فى عدم الاجر عند عدم قصد الامتثال والتقرب الى الله بذلك الترك الا ان فاعل الترك أي الكف مسلم من الاثم وان لم يشعر به اصلا فلذاقال:
ومثله الترك لما يُحَرَّمُ........من غير قصْدِ ذا نَعَمْ مسلَّمُ
فذا مضاف اليه اشار به للامتثال فى البيت قبله ومسلم بتشديد اللام مفتوحة (وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ مُتَرَادِفَة خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابَنَا وَهُوَ لَفْظِيٌّ) أي وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ اسماءمُتَرَادِفَة بمعنى واحد عرفا لا لغة قال المحقق البنانى مثلها الحسن والنفل والمرغوب فيه اه. وخالف فى ذلك بعض الشافعية كالقاضى الحسين والبغوى وغيرهما فى نفيهم الترادف حيث قالوا الفعل ان واظب عليه النبي ﷺ فهوالسنة اولم يواظب عليه كان فعله مرة او مرتين فهو المستحب اولم يفعله وهو ما ينشئه الانسان باختياره من الاوارد فهو التطوع قال الجلال المحلى ولم يتعرضوا للمندوب لعمومه للاقسام الثلاثة بلاشك اه. واما عند المالكية فافاد شارح مراقى السعود ان الفضيلة والمندوب والمستحب الفاظ مترادفة على معنى هو ما فعله الشارع مرة او مرتين بما فى فعله ثواب ولم يكن فى تركه عقاب وان التطوع هوما ينتخبه الانسان أي ينشئه باختياره من الاوراد وان السنة هي ما واظب عليه ﷺ وامر به دون ايجاب واظهره فى جماعة نعم افاد ان بعض اصحاب الامام مالك سمي السنة المذكورة واجبا قال وعليه جرى ابن ابي زيد فى الرسالة حيث يقول سنة واجبة فلذاقال فى نظمه.
فضيلة والندب والذي استحب........ترادفت ثم التطوع انتُخِب
وسنة ما أحمد قد واظبا......عليه والظهور فيه وجبا
وبعضهم سمى الذي قد أُكدا.......منهابواجب فخذ ما قيدا
وقسمها العلامة ابن عاصم الى سنة
1 / 12
عينية والى كفائية حيث قال معيدا الضمير على المندوب بمعنى السنة. وهو على قسمين ما للعين ... مثل صلاة الوتر والعيدين.
وربما يكون كالاذان ... كفاية ليست على الاعيان.
وافاد شارح السعود ان الرغيبة هى ما في فعله ثواب ولاعقاب فى تركه رغب النبى ﷺ فى فعله قال وان النفل ما خلا عن القيدين المذكورين فى الرغيبة وهماالترغيب فى فعله بذكر ما فيه والمدوامة منه ﷺ على فعله وما خلا من الامر به أي لم يامر به ﷺ بل اعلم ان فيه ثوابا من غيران يامر او يرغب فيه الترغيب المذكور او يدوم على فعله نقله عن المقدمات فلذاقال:
رغيبةٌ مَا فيه رَغَّب النبي ... بذكر ما فيه من الأجر جُبِي
أودام فعله بوصف النفل ... والنفلَ من تلك القيود أخل
والأمرِبلْ أعلم بالثواب....فيه نبي الرشد والصواب
قوله وهو لفظى أي والخلاف لفظى أي عائد الى الفظ والتسمية قال الجلال المحلى: إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُسَمَّى بِاسْمٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَ هَلْ يُسَمَّى بِغَيْرِهِ مِنْهَا فَقَالَ الْبَعْضُ لَا إذْ السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالْعَادَةُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْمَحْبُوبُ وَالتَّطَوُّعُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَكْثَرُ نَعَمْ وَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ طَرِيقَةٌ وَعَادَةٌ فِي الدِّينِ وَمَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ بِطَلَبِهِ وَزَائِدٌ عَلَى الْوَاجِبِ. اه. فلذاقال الناظم:
والْنَّدْبُ والْسُّنَّةُ والْتَّطَوُّعُ ... والْمُسْتَحَبُّ بَعْضُنَا قَدْ نَوَّعُوْا
والْخُلْفُ لَفْظِيُّ. وذكر العلامة ابن عاصم ان فى كلها الخيرات حاصلة حيث قال: وسمى المندوب بالتطوع. وهو مراتب لدى التنوع
فضيلة وسنة ونافلة.. وكلهاالخيرات فيها حاصلة
(وَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ لِأَنَّ نَفْلَهُ وَكَفَّارَةً وَغَيْرَهُمَا) أي ولا يجب اتمام المندوب بسبب الشروع فيه وذلك لان ترك اتمامه المبطل لما فعل منه ترك له وتركه جائز فمن تلبس حينئذ بنفل الصلاة او صوم فله قطعه ولا قضاء خلافا لابى حنيفة فى قوله بلزوم المندوب بالشروع فيه ووجوب الفضاء بقطعه لقوله ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ وعورض بقوله ﷺ فى الصوم المندوب ﴿الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ﴾ فانه رواه الترمذي وغيره وصححه الحاكم ويقاس على الصوم غيره من بقية المندوبات فلذاقال الناظم:
وبِالْشُّرُوْعِ لاَ ... تَلْزَمُهُ وقَالَ نُعْمَانُ بَلَى
واما وجوب اتمام الحج المندوب فلان نفل الحج كفرضه حيث ان كلا منهما فيه قصد التلبس بالحج بالنية ولاتحادهما فى وجوب الكفارة بالجماع المفسد وغيرذلك كانتفاء الخروج بالفساد اذ يجب مضي الحج بعد فساده والعمرة كالحج فيما ذكر ففارق الحج حينئذ سائر المندوبات بوجوب اتمامه فلذاقال الناظم:
والحجَّ ألزِمْ بالتَّمَامِ الشُّرَّعَا ... إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ تَطَوُّعَا
وعندنا معاشر المالكية لا يجب اتمام المندوب بالشروع الا فى المسائل التى نظمها العلامة شارح الشيخ سيدي خليل فلذاقال ناظم مراقى السعود: والنفل ليس بالشروع يجب ... فى غير ما نظمه مقرب. بكسر الراء المشددة أي من يقرب المسائل للفهم أي وهو الشارح المذكور لسيدي خليل واليها اشار بقوله:
قف واستمع مسائلا قد حكموا....بأنها بالابتداء تلزم
صلاتنا وصومنا وحجنا....وعمرة لنا كذا اعتكافنا
طوافنا مع ائتمام المقتدي ... فيلزم القضا بقطعِ عامد
(وَالسَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِلتَّعَلُّقِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَرِّفٌ أَوْ غَيْرُهُ) أي والسبب المتقدم ذكره فى قوله وان ورد سببا ما يضاف الحكم اليه لتعلقه
1 / 13
به من حيث معرف له أي للحكم قال الشيخ حلولو ومعنى اضافة الحكم اليه الى السبب نسبته اليه كما يقال وجب الحدبالزنى ووجب الظهر بالزوال اه. فالمعنى انه جعل علامة يعرف بها الشئ وهو قول جمهوراهل السنة قال الجلال السيوطى اشارة الى انه ليس المراد منه كونه موجبا لذلك لذاته او لصفة ذاتية كما يقوله المعتزلة بل المراد انه معرف للحكم كما هو مذهب الاكثرين من السنة فلذاقال فى نظمه
والْسَّبَبُ الَّذِي أُضِيفَ الْحُكْمُ لَهْ ... لِعُلقَةٍ مِنْ جِهَةِ الْتَّعْرِيْفِ لَهْ
قال وقال الغزالي انه لا لذاته ولالصفة ذاتية ولكن بجعل الشارع له موجبا وهو مراد جمع الجوامع بقوله او غيره اراد به صحة التعريف على المذهبين وحذ فته من النظم اكتفاء به على مذهب الاكثرين ثم قال قال الشيخ جلال الدين أي المحلى الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالسَّبَبِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ كَالزِّنَا لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ اه. وقال شارح مراقي السعود ان السبب والعلة مترادفان عند جمهور الاصوليين فالمعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه فى القياس بالعلة وذهب بعضهم الذي هو السمعانى تبعا للنحاة واهل اللغة الى الفرق بينهما فقال السبب الموصل الى الشيء مع جواز المفارقة بينهماولااثر له فيه ولا فى تحصيله كالحبل للماء والعلة ما يتاثر عنه الشيء دون واسطة كالخمر للاسكار ويعبر عن السبب بالباعث اه فلذاقال فى نظمه:
ومع علة ترادف السبب..........والفرق بعضهم إليه قد ذهب
(وَالشَّرْطُ يَأْتِي) أي والشرط ياتى فى مبحث المخصص كما هو صنيع الناظم حيث قال:
والشَّرْطُ يِأْتِي حَيْثُ حُكْمُهُ وَجَبْ.
وذكره هناك لان الشرط كما يكون شرعيا يكون لغويا بمثابة الصفة فى التخصيص كما فى اكرم ربيعة ان جاءوا أي الجائين منهم والتخصيص محل ذكره هناك والمناسب للذكر هنا هوالشرط الشرعى حيث انه من خطاب الوضع وهو ماتقدم فى قوله وان ورد سببا وشرطا الخ
وذلك كالطهارة للصلاة والاحصان لوجوب الرجم وعرفه المصنف فيما سياتي بقوله وهو مايلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود وعدم لذاته فلذاعرفه العلامة ابن عاصم ايضا بقوله:
والشرط ما اللازم فيه ان عدم.. ان يعدم الحكم الذي به التزم
وليس لازمابه ان وجد ... ان يعدم الحكم ولاان يوجدا
فهو حينئذ يلزم من عدمه عدم الحكم بمثابة السبب كما قال ناظم مراقى السعود:
(ولازمٌ مِنِ انتفاءِ الشرط.........عدمُ مشروط لدى ذي الضبط
كسبب) سوي ان ذا اعنى السبب يلزم بوجوده وجود الحكم كما قال العلامة ابن عاصم فى تعريفه السبب:
فالسبب اللازم منه ان وجد ... ان يوجد الحكم وان يفقد فقد
وذاك اعنى الشرط ليس بوجوده شيئ قائم أي لازم من وجوده او عدم الحكم فلذاقال ناظم مراقى:
وذا الوجودُ لازم....منه وما في ذاك شيء قائم
والشرط غير الركن اذالركن جزء الذات أي الحقيقة الداخل فيها كالركوع فى الصلاة والشرط ماخرج عن ذات الشيء وحقيقته كالطهارة لها واما الصغية التى يحتاج اليها العقد من نكاح ونحوه فانهادليل على الماهية لا ركن من الاركان فلذاقال:
والركن جزء الذات والشرط خرج ... وصيغة دليلها في المنتهج
بفتح الهاء أي الطريق الصحيح رد به ابن عبد السلام على من يعدها أي الصفة من الاركان اذ الدليل غيرالمدلول ثم ان الشروط ثلاثة شروط وجوب شروط اداء فشرط الواجب ما يكون به الانسان مكلفا كدخول الوقت والنقاء من الحيض والنفاس
1 / 14
وكدخول دعوة الانبياء ولا يطلب المكلف بتحصيله كان فى طوقه ام لا فلذاقال فى السعود:
شرط الوجوب ما به نُكلف......وعدم الطلب فيه يُعرف
مثل دخول الوقت والنقاء........وكبلوغ بعث الانبياء
واما شرط التكليف باداء التكليف أي فعلها فهومايكو به التمكن من الفعل مع حصول ما يكون به الانسان من اهل التكليف قال الشارح فالنائم والغافل غير مكلفين باداء الصلاة مع وجوبها عليهما فالتمكن شرط فى الاداء فقط فلذاقال:
ومع تمكن من الفعل الأدا........وعدمُ الغفلة والنومِ بدا
واما شرط الصحة فقال الشارح هو ما اعتبر للاعتداد بفعل الشيء طاعة كان او غيرها كالطهارة بالماء اوبالتراب للصلاة فلذاقال
وشرط صحة به اعتداد..........بالفعل منه الطهر يستفاد
قال الشارح وكل ما هو شرط فى الوجوب فهو شرط فى الاداء قاله ابن عرفة وحكى عليه السعد الاتفاق على ما نقله فى حاشيته على المحلى وعليه فكل ما هو شرط فى الوجوب كالبلوغ والعقل وبلوغ الدعوة فهو شرط فى الاداء فلذاقال
والشرط في الوجوب شرط في الأدا....وعزوه للاتفاق وُجدا
قال فى الشرح ويزيد شرط الاداء بالتمكن من الفعل قاله القاضى بردلة اه.
(وَالْمَانِع الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ) المانع ينقسم الى مانع السبب ومانع الحكم فمانع السبب ياتى فى مبحث العلة ومانع الحكم هو المراد عند الاطلاق وهو الذي تعرض المصنف له هنابقوله والمانع الخ فان الابوة فى باب القصاص وهي كون القاتل ابا للقتيل مانعة من وجوب القصاص المسبب عن قتل فهي من حيث نفيها وجوب القصاص مانع ومن حيث اثباتها حرمته سبب وحيث كان الاب سببا فى وجود ابنه فلا يكون الابن سببا فى عدمه وقال الناظم فى تعريفه:
والْمَانِعُ الْوَصْفُ الْوُجُودِي الْظَّاهِرُ ... مُنْضَبِطًا عَرَّفَ مَا يُغَايِرُ
الْحُكْمَ مَعْ بَقَاءِ حِكْمَةِ الْسَّبَبْ.
فكان على المصنف ان يذكر كالناظم وابن الحاجب مع بقاء حكمة السبب قال فى الضياء اللامع ليخرج مانع السبب
1 / 15
الاقسام. اول فقط على نزاع. كاكطول الاستبراء والرضاع.
قوله الاقسام أي القسمين الذين هما الدوام والابتداء تعبيرا عن المثنى بالجمع ثم ان المانع والشروط والسبب قد يجتمع فى شيئ واحد كالنكاح فانه مانع من نكاح اخت المنكوحة وسبب فى وجوب الصدق وشرط فى ثبوت الطلاق وكما فى الجالب للفلاح أي فوز الدنيا والاخرة الذي هو الايمان فانه مانع من القصاص اذاقتل المؤمن غير مساو وسبب الثواب وشرط لصحة الطاعة او وجوبها فلذاقال:
واجتمع الجميع في النكاح.......وما هو الجالب للنجاح
(الصِّحَّةُ مُوَافَقَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) أي والصحة سواء كانت فى عبادة او معاملة موافقة ذي الوجهين الشرع أي امره والمراد بذين الوجهين ما يكون وقوعه تارة على موافقة الشرع واخرى على غيرها فلذاقال الناظم:
وَصِحَّةُ الْعَقْدِ أوْ التَّعَبُّدِ ... وفَاقُ ذِي الْوَجْهَيْنِ شَرْعُ أَحْمَدِ
وقال ناظم مراقي السعود:
وصحة وفاق ذي الوجهين.......للشرع مطلقا بدون مين
قوله مطلقا أي سواء كان ذوالوجهين عبادة او معاملة أي واما ما لا يقع الا على وجه واحد كمعرفة الله اذ لو وقعت مخالفة له كان الواقع جهلا لا معرفة فلا يوصف بصحة ولابعدمها فحينئذ يؤخذ مما ذكر ان العبادة ذات الوجهين صحتها موافقتها الشرع وان لم تسقط القضاء وقيل الصحة فيها اسقاطه بمعنى انه لا يحتاج الى فعلها ثانيا وبناء على ماذكر ان ما وافق من عبادة ذات وجهين الشرع ولم يسقط القضاء كمن صلى محدثا على ظن انه متطهر ثم ظهر له حدثه فيسمى على الاول الذي هو راي المتكلمين دون الثانى المحكى عن الفقهاء فلذاقال ناظم مراقى السعود:
وفي العبادة لدى الجمهور......أن يسقطَ القضا مدى الدهور
وقال العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول:
والحد للصحة عند من مضى ... ما وافق الامر او اسقط القضا
ثم قال الشارح ان الخلاف فى تعريف الصحة مبنى عند المجيد بضم الميم أي الممعن للنظر فى علم الاصول على الخلاف فى القضاء هل بامر جديد او بالامرالاول فعلى الاول بنى المتكلمون مذهبهم فى العبادة التى لم تفعل فى وقتها من انها موافقة الامر فلا يوجبون القضاء لما لم يرد نص جديد به وعلى الثانى بنى الفقهاء ثم ذكر ان الصحة عند ذي خبربضم الخاء أي معرفة بالفن أي هو تقي الدين السبكى موافقة ذي الوجهين نفس الامر عند الفقهاء وعند المتكلمين موافقة ظن المامور فلذاقال فى نظمه:
يُبنى على القضاء بالجديد....أو أول الأمرِ لدى المُجيد
وهْيَ وِفاقه لنفس الأمر.....أو ظن مأمور لدى ذي الخبر
وقيل ان الخلاف انما هو فى لفظ الصحة فقط هل وضع لما وافق الامر سواء وجب القضاء ام لا او لما لا يتعقبه قضاء واما فى المعنى فيجب القضاء اتفاقا فيما اذاتبين الخلل بعد وعدمه فيما اذالم يتبين ذلك فلذاقال الناظم متعرضا للخلف اللفظى زيادة على المصنف:
وَقِيْلَ فِي الأَخِيْرِ إِسْقَاطُ الْقَضَا ... والْخُلْفُ لَفْظِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْرِّضَى
والاخير هوالتعبد (وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ) أي وبصحة العقد الماخوذة مما تقدم وهى موافقة الشرع باستجماع الشروط المعتبرة فيه شرعا ترتب أثره وهو ما شرع العقد له لحل الانتفاع فى البيع والاستمتاع فى النكاح اذماذكر غاية ما يقصد العقد له فلذاقال الناظم
بِصَحَّةِ الْعَقْدِ اعْتِقَابُ الْغَايَهْ ...
أي اعتقاب غايته بمعنى ترتب أثره وقال ناظم مراقى السعود
بصحة العقد يكون الاثر ...
قال الجلال المحلى: وقدم الخبر على المبتداء ليتاتى له الاختصار فيما يليهما والاصل
1 / 16
وترتب أثر العقد بصحته واما فساد العقد فانه عكس صحته فلا يترتب عليه اثره فلذاقال ناظم مراقى السعود:
وفي الفساد عكس هذا يظهر
(وَالْعِبَادَة إجْزَاؤُهَا أَيْ كِفَايَتُهَا فِي سُقُوطِ التَّعَبُّد وَقِيلَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ)
اختلف فى تفسير الاجزاء فى العبادة فالمشهور انه الكفاية فى اسقاط التعبد أي الطلب وان لم يسقط القضاء وقيل الاجزاء اسقاط القضاء ابدا فلذاقال الناظم عاطفاعلى العقد مدخول الصحة. والدين الاجزاء أي الكفايه
بِالْفِعْلِ فِي إِسْقَاطِ أنْ تَُعِبَّدَا ... وَقِيْلَ إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ أَبَدَا
قوله والدين بالجر قال شارحه أي وبصحة الدين أي العبادة وقال ناظم مراقى السعود:
كفايةالعبادة الاجزاء ... وهي ان يسقط الاقتضاء
أو السقوط للقضا.
فالاجزاء حينئذ مطلقا اخص من الصحة حيث انه لا يطلق الا على العبادة والصحة تطلق عليها وعلى المعملات فلذاقال مشيرا للاجزاء.
وذا أخص....من صحة إذ بالعبادة يُخَص.
وعند الجمهور ان الصحة اعم من القبول والثواب لشمولها لهما ولما اذا لم يحصلا وبعضهم نقل الاستواء أي الترادف فلذاقال:
والصحة القبول فيها يدخل......وبعضهم للاستواء ينقل
(وَيَخْتَصُّ الْإِجْزَاءُ بِالْمَطْلُوبِ وَقِيلَ بِالْوَاجِبِ) أي ويختص الاجزاء بالمطلوب الذي هو العبادة دون العقد وان كان مشاركا لها فى الصحة وسواء كانت واجبة او مندوبة وقيل يختص بالواجب لا يتجاوزه الى المندوب فالمعنى حينئذ ان الاجزاء لا يتصف به العقد وتتصف به العبادة الواجبة والمندوبة وقيل الواجبة فقط فلذاقال الناظم معيدا الضمير على الاجزاء.
ولَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ بَلْ مَا طُلِبَا ... يَخُصُّهُ وَقِيْلَ باللَّذْ وَجَبَا
وقال نا ظم مراقى السعود:
وخُصِّص الإجزاء بالمطلوبِ......وقيل بل يختص بالمكتوب
أي بالواجب فلذا افاد العلامة ابن عاصم ايضا ان الصحة اعم من الاجزاء حيث انه وصف يلتزم فى الوجوب حيث قال
وهى من الاجزاء عندهم اعم ... اذهو وصف فى الوجوب يلتزم
(وَيُقَابِلُهَا الْبُطْلَانُ وَهُوَ الْفَسَادُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) أي ويقابل الصحةالبطلان فهو مخالفة ذي الوجهين الشرع وقيل فى العبادة عدم اسقاطها القضاء والبطلان الذي علم انه مخالفة ذي الوجهين الشرع هوالفساد ايضا فكل منهما مخالفة ما ذكر الشرع فلذاقال ناظم مراقى السعود:
وقابلِ الصحةَ بالبطلان.......وهو الفساد عند أهل الشان
فهما متعاكالاداء والقضاء كما قال العلامة ابن عاصم: من وصفها
الصحة والاداء عكسهما الفساد والقضاء خلافا لابى حنيفة فانه خالف الجمهور فى تعريف الفساد فقال مخالفة ما ذكر للشرع بان يكون منهيا ان كانت النهى عنه لاصله فهى البطلان كالمخالفة فى الصلاة المفقود منهابعض الشروط او الاركان وان كان منهيا عنه لوصفه اللازم له فهى الفساد كما فى صوم يوم النحر للاعراض بصومه عن ضيافة الله تعالى للناس بلوحم الاضاحى التى شرعها فيه والاعراض وصف لازم للصوم غير داخل فى مفهوم فلذاقال فى المراقى.
وخَالَفَ النّعمانُ فَالْفساد......ما نهيه للوصف يُستَفَادُ
وَفَاتَ الْمُصَنِّفَ أَنْ يَقُولَ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مُخَالَفَةَ ذِي الْوَجْهَيْنِ لِلشَّرْعِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لِأَصْلِهِ كَمَا تُسَمَّى بُطْلَانًا هَلْ تُسَمَّى فَسَادًا أَوْ لِوَصْفِهِ كَمَا تُسَمَّى فَسَادًا هَلْ تُسَمَّى بُطْلَانًا فَعِنْدَهُ وَعِنْدَنَا نَعَمْ اه.
فلذا قال الناظم معيدا الضمير على الصحة قابلها الفساد
قَابَلَهَا الْفَسَادُ والْبُطْلاَنُ ... والْفَرْقَ لَفْظًا قَدْرَأَى الْنُّعْمَانُ
(وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضٍ وَقِيلَ كُلُّ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَالْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ) أي ان المراد فى تعريف الاداء هو فعل بعض ما دخل وقته مع فعل البعض الاخر فى
1 / 17
الوقت ايضا او بعده وهو ركعة من الصلاة لحديث الصحيحين ﴿مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ﴾ فبعض بلا تنوين لاضافته الى مثل ما اضيف اليه كل فيبقى على حاله كذراعى وجبهة الاسد لقول الخلاصة.
ويحذف الثانى ويبقى الاول ... كحاله اذبه يتصل
وحصول الاداء بالبعض هو المشهور عندنا للنص العاضد له من حديث الصحيحين المذكور فهوالمعول عليه فلذاقال ناظم مراقى السعود:
وكونه بفعل بعض يحصل.....لعاضد النص هو المُعوَّلُ
قال العلامة الجليل الشيخ سيدي خليل فى مختصر الفتوى وتدرك فيه الصبح بركعة لا اقل والكل اداء وقيل ان ما فعل في وقته اداء ومافعل خارجه قضاء فلذاقال:
وقيل ما في وقته أداء......وما يكون خارجا قضاءُ
وهو قول سحنون مقابل للمشهور وقيل ان الاداء هو فعل كل العبادة فى الوقت المعين لها فلذاقال:
فعل العبادة بوقت عُيِّنا......شرعا لها باسم الأداء قُرنا
وقال العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول:
وما يكون موقعا منها لدا ... وقعت معين له فهو الاداء
والى القولين اشار الناظم بقوله:
ثُمَّ الأَدَاءُ فعْلُ بَعض مَا دَخَلَ ... قَبْلَ خُرُوْج وَقْته وقِيْلَ كُلْ
فالمؤدى حينئذ ما فعل من كل العبادة فى وقتها او فيه وبعده
(واَلْوَقْتُ زَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لَهُ شَرْعًا مُطْلَقًا) لما ذكر المصنف ﵀ الوقت فى تعريف الاداء احتيج الى تعريفه فعرفه بانه الزمان الذي قدره الشارع للعبادة مطلق كان الزمان موسعا كالصلوات الخمس والضحى او مضيقا كزمن صوم رمضان وايام البيض فلذاقال ناظم مراقى السعود:
والوقت ما قدَّره من شرعا........مِنْ زمنٍ مُضيَّقًا مُوسَّعا
وقال الناظم ايضا:
والْوَقْتُ مَا قَدَّرَهُ الَّذِي شَرَعْ ... مِنَ الزَّمانِ ضيِّقًا أو اتَّسَعْ
قال المحقق البنانى المراد بالموسع مايزيد على مقدار ما يسع وقوع العبادة وبالمضيق ما كان بمقدار ذلك اه.
(وَالْقَضَاءُ فِعْلُ كُلِّ - وَقِيلَ بَعْضِ - مَا خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ مُقْتَضًى لِلْفِعْلِ مُطْلَقًا وَالْمَقْضِيُّ الْمَفْعُولُ)
القضاء لغة قال القرافى هو نفس الفعل واصطلاحا ما عرفه به المصنف ويقال فى كل هنا ما قيل فى بعض الاداء من عدم التنوين لنية الاضافة أي وتعريف القضاء هو فعل كل ماخرج وقت ادائه من العبادة خارج الوقت وقدمه لانه المشهور كما عرفه العلامة ابن عاصم بما ذكر قائلا
ان وقعت عبادة وقد مضى.. وقت لها فهو القضاء
وقيل هو فعل بعض ما خرج وقت ادائه قال الجلال المحلى: مَعَ فِعْلِ بَعْضِهِ الْآخَرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَيْضًا صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ قَبْلَهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ اه. وقوله استدراكا بذلك الفعل الذي فعل كله او بعضه خارج الوقت لشيئ سبق له مقتض لان يفعل وجوب اوندبا على المذهب الشافعى واما على مذهبنا معاشر المالكية فلا يقضى الا الفرض وكذا لفجر يقضى للزوال كما قال فى المرشد المعين
فجر رغيبة وتقضي للزوال.. والفرض يقضى ابدا وبالتوال
ولذا عبر ابن الحاجب حيث كان مالكيا بالوجوب وكذاناظم مراقى السعود حيث قال معيدا الضمير على الاداء:
... وضده القضاء تداركالما ... سبق الذي اوجبه قدعلما
واشار الناظم الى التعريف الذي عرف به المصنف القضاء بقوله.
وَفِعْلُ كُلٍّ أوْ بَِبَعْضِ مَا مَضَى ... وَقْتٌ لَهُ مُسْتَدْرِكًا بِهِ الْقَضَا
قال الجلال المحلى وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْتِدْرَاكِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَهُ فِي جَمَاعَةٍ مَثَلًا وقوله مطلقا أي سواء وجب اداء المقضى او امتنع او جاز حسبما افاده شارح مراقى
1 / 18
السعود من انه اذا حصل السبب ووجد الشرط ثم لم يتفق الفعل كمن ترك الصلاة عمدا فاطلاق القضاء فى حقه حقيقة لوجوب الاداء واذاكان ممنوعا كصوم الحايض فتسميته قضاء مجاز محض والصحيح انه اداء واذاكان جائزا كالمريض الذي يضر به الصوم ولا يهلكه فيباح له الفطر كالمسافر فالتسمية فى حقها قضاء مجاز لثبوت التخيير فلذاقال فى نظمه:
من الأداء واجب وما مُنِع......ومنه ما فيه الجواز قد سُمع
كما افاد ان العبادة قدتوصف بالاداء والقضاء معا كاالصلوات الخمس وقد توصف بالاداء وحده كصلاة الجمعة والعيدين وقد لاتوصف بهما كالنوافل التى لاوقت لها فلذاقال:
واجتمع الأداء والقضاء....وربما ينفرد الأداء
وانتفيا في النفل.
وتعرض العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول لا حوال العبادةالثلاثة قائلا:
وبالاداء والقضاء يوصف ... بعض العبادات وذاك الاعرف
وبعضها يوصف بالاداء.. علي انفراده من القضاء
وبعضها يعري عن اتصاف ... بذا وهذا دون ما اختلاف
قوله والمقضى المفعول أي من كل العبادة بعد خروج وقتها او بعضها
حسبما تقدم قال المحقق البنانى ليس هذا تعريفا كاملا بل هومن الاكتفاء أي المقضى المفعول السابق الذي علم من تعريف القضاء وهكذا قوله المؤدي قاله العلامة اه (وَالْإِعَادَةُ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ قِيلَ لِخَلَلٍ وَقِيلَ لِعُذْرٍ فَالصَّلَاةُ الْمُكَرَّرَةُ) الاعادة من اوصاف العبادة قال فى الضياء اللامع وهى فى اصطلاح الاصوليين نوع من الاداء اه. أي وتعريف الاعادة فعل الشيء المعاد ثانيا فى وقت الاداء له قيل لخلل فى فعله اولا من فوات شرط او ركن كالصلاة بدون الطهارة او بدون الفاتحة سهوا فى المسالتين وقيل لعذر من خلل فى فعله او لا اوحصول فضيلة لم تكن فعلها اولا والى القولين اشار الناظم بقوله:
وَفِعْلُهُ وَقْتَ الأداءِ ثَانِيَا ... إِعَادَةٌ لِخَلَلٍ أوْ خَالِيَا
أي خاليا المعاد فى الوقت من الخلل بل الاعادة فيه لتحصيل فضيلة وافاد شارح مراقى السعود ان الاعادة عندنا تكون ولوخارج الوقت حيث ان التكرار لا بد ان يكون لعذر من فوات ركن او شرط وذلك لا يختص بالوقت اولتحصيل مندوب وهو مختص بالوقت فلذاقال: والعبادهْ....تكريرُها لوْ خارجًا إعادهْ.
للعذر.
فعلى هذ القول الثانى ان تكرير الصلاة لعذر فضيلة الجماعة اعادة دون القول الاول حيث انه لاخلل فيها قال الجلال المحلى
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِقِيلَ نَظَرًا لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ الْأَوْفَقَ لَهُ الثَّانِيَ اه. وعلى الاول درج العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول قائلا
ويدخل الفساد فى العباده ... فيقتضى دخوله الاعاده
وهو متى يدخل فى العقود ... فحكمه الاخلال بالمقصود
(وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنْ تَغَيَّرَ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَرُخْصَةٌ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْقَصْرِ وَالسَّلَمِ وَفِطْرِ مُسَافِرٍ لَا يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا وَخِلَافُ الْأَوْلَى والا فَعَزِيمَةٌ) هذاتقسيم للحكم الى رخصة وعزيمة والرخصة لغة عبارة عن اليسر واصطلاحا ما ذكره المصنف أي والحكم الماخوذ من الشرع ان تغير من حيث تعلقه من صعوبة له على المكلف الى سهولة كما اذا تغير الحكم من حرمة الفعل الى الحل لعذر مع قيام السبب للحكم الاصلى التخلف عنه للعذر فالحكم حينئذ المتغير اليه السهل المذكور يسمى رخصة فلذاقال ناظم مراقى السعود
والرخصة حكم غيرا ... الى سهولة لعذر قررا
مع قيام علة الاصلى ...
وذلك
1 / 19
كاكل الميتة للمضطر والقصر الذي هو ترك الاتمام للمسافر والسلم الذي هوبيع موصوف فى الذمة وفطر مسافر فى رمضان لا يجهده بفتح الياء وضمها أي لا يشق عليه الصوم مشقة قوية قال الجلال السيوطى ومن امثلتها فى العبادات تعجيل الزكاة فلذاقال فى نظمه:
وحُكْمُنَا الشَّرْعِيُّ إِنْ تَغَيَّرَا ... إِلَى سُهُولَةٍ لأَمْرٍ عُذِرَا
معَ قَيَامِ سَبَب الأَصْلِيِّ سَمّْ ... بِرُخْصَةٍ كَأَكْلِ مَيْتٍ والسَّلَمْ
وقبلَ وقتٍ للزَّكاةِ أدَّى ... والْقَصْرِ والإفْطَارِ إذْ لاَ جَهْدَا
فالانتقال الى اكل الميتة عند الاضطرار واجب فياثم بترك الاكل منها قال المحقق البنانى فلوترك الاكل حتى مات يموت حينئذ عاصيا اه. والانتقال الى القصر فى السفر البالغ المسافة التى يقصر لاجلها مندوب والانتقال من النهى عن بيع الانسان ما ليس عنده الى السلم تيسيرا للمحتاجين مباح كتعجيل الزكاة على الوجه المقرر فى الفروع والانتقال من الاولى الذي هو صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم الى الفطر خلاف الاولى واتى بها المصنف على ترتيب اللف والنشر المرتب واثره اقتفى الناظم فى ذكر اقسام الانتقال فقال:
حَتْمًا مُبَاحًا مسْتَحَبًّا وَخِلاَفْ ... أوْلىَ
وذكر العلامة ابن عاصم انه ينتقل بها الى الممنوع والواجب وتركه والجائز والمندوب قائلا
وسم بالرخصة ما اقتضى السبب.. من فعل ممنوع وترك ما وجب
وبعضها قد يبلغ الوجوبا ... وبعضها الجائز والمندوبا
ثم زادالناظم انه قد يكون الانتقال الى الكراهة حيث قال
قلت وقد تقرن بالكراهة ... كالقصر فى اقل من ثلاثة
قال فانه مكروه صرح به الماوردي خروجا من خلاف ابي حنيفة فانه يمنعه اه. وافاد شارح مراقى السعود ان الانتقال فى الرخصة الى الماذون فيه من واجب ومندوب ومباح وجود وان غير الماذون فيه من مكروه بقسميه وحرام هل يكون متعلق الرخصة او لا فيه خلاف فلذاقال في نظمه:
وتلك فى الماذون جزما توجد ... وغيره فيه لهم تردد
ثم ذكر انها قد تطلق على مااستثنى من اصل كلى يقتضى المنع كالقراض والمسافاة حيث قال:
وربما تجي لما أخرج من......أصل بمطلق امتناعه قمن
أي حقيق قول المصنف والا فعزيمة قال العلامة حلولو فى الضياء اللامع قال ولي الدين وظاهركلام المصنف ان العزيمة تنقسم ال الاحكام الخمسة وهو مقتضى كلام البيضاوى وجعلها الامام منقسمة الى ما عدالحرمة وخصها الغزالى والامدي وابن الحاجب فى مختصره الكبير بالوجوب والندب وذكر ولي الدين عن والده ما يقتضى اختصاصها بالوجوب والتحريم قال لان كلا منهما فيه عزم مؤكد الاول فى فعله والثانى فى تركه اه.
ووافقه العلامة ابن عاصم فى مهيع الوصول حيث قال
وفعل اوترك اذا مالزما ... عزيمة سمى عند العلما
وتعرض الجلال المحلى لذكر محترزات القيود التى حواها قول المصنف والا قائلا بان لم يتغير أي لحكم اصلا كوجوب الصلوات الخمس او تغير الى صعوبة كحرمة الاصطياد بالاحرام بعد اباحته قبله او الى سهولة لا لعذر كحل ترك الوضوء لصلاة ثانية مثلا لمن لم يحدث بعد حرمته بمعنى انه خلاف الاولى او لعذر لا مع قيام السبب للحكم الاصلى كاباحة ترك ثبات الواحد مثلا من المسلمين للعشرة من الكفار فى القتال بعد حرمته وسببها قلة المسلمين ولم نبق حال الاباحة لكثرتهم حينئذ وعذرها مشقة الثبات المذكور لما كثروا اه. وما
1 / 20