Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript

Abdul Qadir al-Astuwani d. 1314 AH
111

Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript

أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط

Publisher

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Publisher Location

https

Genres

نجاسة الماء إذا تغير بالنَّجاسة خلافًا، كذا في «عمدة القاري». قلت: على أنه قد ورد هذا الحديث في بئر بُِضاعة اسم امرأة، وهي بكسر الموحدة وضمها؛ بئر قديمة بالمدينة يلقى فيها الجِيَف ومحايض النساء، فذكر ذلك للنبيِّ ﵇ حين توضأ منها، فقال: «الماء طهور...»؛ الحديث، وقد كان ماؤها جاريًا في البساتين تسقى منه خمسة بساتين، وفي الماء الجاري لا يتنجس بوقوع النَّجاسة فيه عندنا، فهذا الحديث إن صح؛ فهو محمول على بئر بضاعة، وهو غير مراد إجماعًا؛ لأنَّه إذا تغير الماء بالنَّجاسة؛ تتنجس بالإجماع، وتمامه في «منهل الطلاب». (لَا بَأْسَ)؛ أي: لا حرج (بِالْمَاءِ)؛ أي: في استعمال الماء المطلق؛ لأنَّه باقٍ على طهارته (مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ)؛ بضمِّ المثناة التحتية أوله وكسر التحتية آخره، وضميره يعود على الماء، و(ما): ظرفية مصدرية مأولة بمدة، وقوله: (طَعْمٌ)؛ بالرفع فاعله (أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ)؛ أي: كل ماء طاهر في نفسه ولا ينجس بإصابة الأذى؛ أي: النَّجاسة إلا إذا تغير أحد الأشياء الثلاثة منه؛ وهي الطعم واللون والريح، فكل ماء دائم وقعت فيه نجاسة؛ لم يجز الوضوء به قليلًا كان أو كثيرًا، وأمَّا الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة؛ جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر، وهو إمَّا طعم أو لون أو ريح؛ لأنَّ النَّجاسة لا تستقر فيه مع جريان الماء، والمراد بالجاري ما يعده العرف جاريًا على الأظهر، وقيل: هو ما يذهب بقشة واحدة، وهو الأشهر، قال في «عمدة القاري»: فإن قلت: الطعم أو الريح أو اللون هو المغيَّر -بفتح التحتية المشددة- لا المغيِّر على صيغة الفاعل، والمغيِّر؛ بالكسر: هو الشيء النجس الذي يخالطه، فكيف يجعل الطعم أو الريح أو اللون مغيرًا على صيغة الفاعل على ما وقع في عبارة البخاري، وأمَّا الذي في عبارة عبد الله بن وهب؛ فهو على الأصل؟ قلت: المغير في الحقيقة هو الماء، ولكن تغيره لما كان لم يعلم إلا من جهة الطعم أو الريح أو اللون؛ فكأنه هو المغير، وهو من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبب، وزعم الكرماني، فقال: لا بأس؛ أي: لا يتنجس الماء بوصول النجس إليه قليلًا أو كثيرًا، بل لا بد من تغيير أحد الأوصاف الثلاثة في تنجسه، والمراد من لفظ: (ما لم يتغير): طعمه، فنقول: لا يخلو إما أن يراد بالطعم المذكور في لفظ الزُّهري: طعم الماء أو طعم الشيء المنجس، فعلى الأول معناه: ما لم يغير الماء من حاله التي خلق عليها طعمه له لا بد أن يكون بشيء نجس؛ إذ البحث فيه، وعلى الثاني معناه: ما لم يغير الماء طعم النجس، ويلزم منه تغيير طعم الماء؛ إذ لا شك أن الطعم هو المغير للماء للطعم، واللون للون، والريح للريح؛ إذ الغالب أن الشيء يؤثر في الملاقي بالنسبة، وجعل الشيء متصفًا بصفة نفسه، ولهذا يقال: لا يسخن الحار، ولا يبرد البارد، فكأنه قال: ما لم يغير طعم الماء طعم الملاقي النجس أو لا بأس؛ معناه: لا يزول طهوريته ما لم يغيره طعم من الطعوم الطاهرة أو النجسة، نعم؛ إذا كان المغير طعمًا نجسًا؛ نجسه، وإن كان طاهرًا؛ يزيل طهوريته لا طهارته، ففي الجملة: في (^١) اللفظ تعقيد، انتهى. وردَّه في «عمدة القاري» بقوله: (قلت: تفسيره هكذا هو عين التعقيد؛ لأنَّه قد فسر قوله: «لا بأس» بمعنيين؛ أحدهما: بقوله: «لا يتنجس...» إلى آخره، والآخر: بقوله: «لا تزول طهوريته»، وكلا المعنيين لا يساعد اللفظ، بل هو خارج عنه، وقوله: «المغير للطعم هو الطعم»: غير سديد؛ لأنَّ المغير للطعم غير الطعم، وهو الشيء الملاقي له، وكذلك اللون والريح، وكذلك قوله: «والمراد من لفظ: ما لم يغيره طعمه ما لم يتغير طعمه»: غير موجه؛ لأنَّه تفسير للفعل المتعدي بالفعل اللازم من غير وجه، وكذلك ترديده بقوله: «لا يخلو إما أن يراد بالطعم المذكور...» إلى آخره: غير موجه؛ لأنَّ الضمير في «لم يغيره» يرجع إلى الماء، فيكون المعنى على هذا: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم الماء، وطعم الماء ذاتي، فكيف يغير ذات الماء؟ وإنما يغير طعم الشيء الملاقي، والفرق بين الطعمين ظاهر) انتهى. وقد خبط وخلط العجلوني في هذا المقام وادَّعى أنه التحقيق، وعرج عن عبارة الكرماني وعبارة «عمدة القاري»، ثم اختصر عبارة «عمدة القاري» بعبارة مغلقة ونسبها لنفسه، ونقل أثر الزُّهري بعبارة غير العبارة السابقة التي ذكرناها، واعترض على صاحب «عمدة القاري»: بأنَّه ليس الذي رواه ابن وهب على الأصل كما يتوهم. قلت: والحال أن الواهم في ذلك هو العجلوني؛ لعدم نقل عبارة الزُّهري بالتحقيق، وإنما نقلها بلفظ مخل محرف حتى يعترض، واعتراضه مردود عليه، كما لا يخفى، وإنما لم يذكر عبارة الكرماني؛ لكونها غير جارية على التحقيق، ولم يذكر عبارة «عمدة القاري»؛ للتعصب والتعنت، بل غيَّرها بعبارة مغلقة غير واضحة، واعتمدها ونسبها لنفسه؛ فافهم واحفظ؛ لكونها في غاية من التحقيق، ونهاية من الدقيق، فلله در صاحب «عمدة القاري» ما أغزر علمه وأوفر فهمه! وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه. قلت: وحاصله: أن الطعم وأخويه مغير، والماء متغير به، وهو طعم النجس أو لونه أو ريحه؛ فإنه هو الذي غير الماء أو طعم الماء أو لونه أو ريحه الحاصل بمخالطة النَّجاسة، فالمتغير هو الماء، لكنه لمَّا لم يعلم تغيره من جهة طعمه أو ريحه أو لونه؛ كان هو المتغير، فهو من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب، والله تعالى أعلم. وقال في «منهل الطلاب»: المراد من هذه الأوصاف -أعني: الطعم واللون والريح- أوصاف النَّجاسة لا الشيء المتنجس؛ كماء الورد والخل مثلًا، فلو صب في ماء جار؛ يعتبر أثر النَّجاسة التي فيه لا أثره نفسه؛ لطهارة المائع بالغسل، وكذا الثوب المصبوغ بالصبغ النجس، والمخضوبة بالحناء النجس والعضو ونحوه المتلطخ بالدهن النجس إذا وضع في الماء الجاري فظهر فيه لون الصبغ والحناء وأثر الدهن؛ لا يتنجس ما لم يظهر فيه أثر النَّجاسة لا أثر هذه الأشياء، وتمامه فيه؛ فليحفظ. قال في «عمدة القاري»: واستنبط منه: أن مذهب الزُّهري في الماء الذي يخالطه شيء نجس الاعتبار بتغييره بذلك من غير فرق بين القليل والكثير، وهو مذهب جماعة، وشنع أبو عبيد في كتاب (الطهور) على من ذهب إلى هذا بأنَّه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفًا؛ أنه يجوز له التطهير به، وهو مستبشع. وزعم ابن حجر أن هذا نصر قول التفريق بالقلتين. وردَّه في «عمدة القاري» قال: قلت: كيف ينصر هذا بحديث القلتين، وقد قال ابن العربي: مداره على علقمة أو مضطرب في الرواية أو موقوف؟! وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير وهو إباضي، واختلفت روايته؛ فقيل: قلتين، وقيل: قلتين أو ثلاثًا، وروي: أربعون قلة، وروي: أربعون غربًا، ووقف على أبي هريرة وعبيد الله بن عمر، وقال اليعمري: حكم ابن منده بصحته على شرط مسلم من جهة الرواة، ولكنه أعرض عنه من جهة الرواية بكثرة الاختلاف فيها والاضطراب، ولعل مسلمًا تركه لذلك. قلت: ولذلك لم يخرِّجه البخاري؛ لاختلاف وقع في إسناده، وقال أبو عمر في «التمهيد»: ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت في الأثر؛ لأنَّه قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل، وقال الدبوسي في كتاب «الأسرار»: وهو خبر ضعيف، ومنهم من لم يقبله؛ لأنَّ الصحابة والتابعين لم يعملوا به، انتهى، وقال في «منهل الطلاب»: وحديث القلتين ضعيف بالاضطراب سندًا ومتنًا، أما الأول؛ فقال أبو دواد: إن في إسناده ضعفًا، وقال ابن المديني شيخ البخاري: حديث القلتين مما لا يثبت، وقال البيهقي: الحديث غير قوي، وقد

(^١) في الأصل: (ففي)، ولعل المثبت هو الصواب.

تركه الغزالي والروياني مع شدة اتباعهما للشافعي؛ لشدة ضعفه، وأما الثاني؛ فلأنَّه روي بطريق مختلفة، فتارة روي: (إذا بلغ الماء قلتين)، وتارة: (ثلاثًا)، وتارة: (أربعين قلة)، وتارة: (أربعين دلوًا)، وقول الشافعي في الحديث: (بقلال هجر) منقطع للجهالة، والقلة في نفسها مجهولة؛ لأنَّها تذكر، ويراد بها: قامة الرجل، وتُذكر ويُراد بها: رأس الجبل، كما روي ذلك عن علي، وتذكر ويُراد بها: الجرة، والتعيين لـ (قلال هجر): لا يثبت بقول جرير؛ لأنَّه مقلد، فيبقى الاحتمال ويبطل الاستدلال به، والله أعلم. ومذهب الإمام الأعظم رئيس المجتهدين وأصحابه: أن الماء إما جار أو راكد، قليل أو كثير، فالجاري إذا وقعت فيه نجاسة وكانت غير مرئية؛ كالبول، والخمر، ونحوهما؛ فإنه لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، وإن كانت مرئية؛ كالجيفة ونحوها، فإن كان يجري عليها جميع الماء؛ لا يجوز التوضؤ به من أسفلها، وإن كان يجري أكثره عليها؛ فكذلك اعتبارًا للغالب، وإن كان أقله يجري عليها؛ يجوز التوضؤ به من أسفلها، وإن كان يجري عليها النصف دون النصف؛ فالقياس جواز التوضؤ، وفي الاستحسان لا يجوز احتياطًا، والراكد اختلف فيه؛ فقال الظاهرية: لا ينجس أصلًا، وقال عامة العلماء: إن كان الماء قليلًا؛ ينجس، وإن كان كثيرًا؛ لا ينجس، لكنهم اختلفوا في الحد الفاصل بينهما؛ فعندنا: بالخلوص، فإن كان يخلص بعضه إلى بعض؛ فهو قليل، وإلا؛ فهو كثير، واختلف أئمتنا في تفسير الخلوص بعد أن اتفقوا أنه يعتبر الخلوص بالتحريك، وهو أن يكون بحال لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر؛ فهو مما يخلص، وإلا؛ فهو مما لا يخلص، واختلفوا في جهة التحريك؛ فروى الإمام أبو يوسف عن الإمام الأعظم: أنه يعتبر التحريك بالاغتسال من غير عنف، وروى الإمام محمَّد: أنه يعتبر بالوضوء، وروي: أنه باليد من غير اغتسال ولا وضوء، وأمَّا اعتبارهم في تفسير الخلوص؛ فروى الإمام أبو حفص الكبير: أنه اعتبره بالصبغ، وروى أبو نصر: أنه اعتبره بالصبغ، وروى أبو نصر: أنه اعتبره بالتكدير، وروى الجوزجاني: أنه اعتبره بالمساحة، فقال: إن كان عشرًا في عشر؛ فهو لا يخلص، وإن كان دونه؛ فهو مما يخلص، وعن ابن المبارك: أنه اعتبره بالعشرة أولًا، ثم بخمسة عشر، وإليه ذهب الإمام أبو مطيع البلخي، فقال: إن كان خمسة عشر في خمسة عشر؛ أرجو أن يجوز، وإن كان عشرين في عشرين؛ لا أجد في قلبي شيئًا، وعن الإمام محمَّد: أنه قدره بمسجده، وكان ثمانيًا في ثمان، وبه أخذ الإمام محمَّد بن سَلَمَة، وقيل: كان مسجده عشرًا في عشر، وقيل: كان ثمانيًا في ثمان، وخارجه عشرًا في عشر، وعن الإمام الكرخي: أنه لا عبرة للتقدير، وإنما المعتبر هو التحرِّي، فإن كان أكبر، رأيه: أن النَّجاسة خلصت إلى الموضع الذي يتوضأ منه؛ لا يجوز، وإن كان أكبر، رأيه: أنها لم تصل إليه؛ يجوز. قال في «منهل الطلاب»: (والتحقيق: أن الخلوص مفوض إلى رأي المبتلى غير مقدر بشيء، فإن غلب على ظنه عدم الخلوص؛ أي: وصول النَّجاسة إلى الجانب الآخر؛ جاز منه الوضوء، وإن لم يغلب على ظنه عدم الخلوص أو اشتبه عليه الخلوص؛ لا يجوز)، وهو ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وإليه رجع الإمام محمَّد، وهو الأصح، كما في «غاية البيان» و«الينابيع»، وحقق في «البحر الرائق»: أنه المذهب، وبه يعمل، وهو الأليق بأصل الإمام الأعظم، وقال شمس الأئمَّة: (المذهب التحرِّي والتفويض إلى رأي المبتلى، وهو الأصح) انتهى. ومثله في «فتح القدير»، لكن قال في شرح «المنية»: وعامة المتأخرين سهلوا الأمر، واختاروا ما اختاره الإمام أبو سليمان الجوزجاني: أنه يعتبر الخلوص بالمساحة، وهو أن يكون عشرًا في عشر؛ أي: طوله عشرة أذرع، وعرضه كذلك، فيكون وجه الماء مئة ذراع، وجوانبه أربعون ذراعًا إن كان مربعًا، كذا ذكره شيخ الإسلام في «المبسوط»، وبه أخذ مشايخ بلخ، والإمام المعلى، قال الإمام أبو الليث: وهو قول أكثر أصحابنا، وعليه الفتوى، ومشى عليه بعض أصحاب المتون، وفي «الهداية»: (وعليه الفتوى)، وقواه في «النهر»، ورد ما قاله في «البحر»، وحققه شيخ الإسلام سعد الدين الديري في «رسالته»، ورد على من قال بخلافه، وقد جرى كثير من المتأخرين عليه؛ فليكن هو المذهب، وإلى غيره لا يذهب، والله تعالى أعلم، وتمامه في «منهل الطلاب»؛ فافهم. (وقال) الإمام الكبير (حمَّاد)؛ بتشديد الميم، على وزن (فعَّال)؛ بالتشديد: هو ابن سليمان، فقيه الكوفة، وشيخ الإمام الأعظم ﵄، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في «مصنفه»: حدثنا معمر عن حمَّاد بن سليمان أنَّه قال: (لا بأس) أي: لا حرج (بريش الميتة)؛ يعني: ليس بنجس ولا ينجس الماء الذي وقع فيه، سواء كان ريش المأكول لحمه أو غيره، وهذا مذهب الأئمَّة الحنفية والمالكية، وزعم الشافعية أنه نجس، ولا دليل يدل لهم؛ لأنَّه لا تحله الحياة، ولا يتألم الحيوان بقطعه؛ فهو طاهر لا يغير الماء والمائعات عن الطهورية، (وقال الزُّهري): محمَّد بن مسلم ابن شهاب (في عِظام) بكسر العين المهملة، جمع عظمة (الموتى): جمع ميت، ويجمع أيضًا على أموات، يشمل العاقل وغيره كما هنا؛ (نحو) أي: مثل (الفيل وغيره)؛ أي: غير الفيل مما لا يؤكل لحمه، وكذا جميع أجزاء الميتة التي لا دم فيها؛ كالقرن، والسن، والظلف، والحافر، والوبر، والصوف، والشعر؛ كلها طاهرة لا تنجس بالموت، وهو مذهب الأئمَّة الحنفية، ومحمَّد بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومالك، وأحمد، وإسحاق، والمزني، وابن المُنْذِر، لكن قالوا: هؤلاء -العظم، والقرن، والظلف- نجسة، فخالفونا في هذه الثلاثة، وفي العصب روايتان: الطهارة والنَّجاسة، والأصح: أنه طاهر، وخالف الشافعية، فزعموا أنها كلها نجسة إلا الشعر، فإن فيه خلافًا ضعيفًا، وفي العظم أضعف منه، وأمَّا الفيل؛ ففيه خلاف، فعند الإمام الأعظم والإمام أبي يوسف: هو كسائر السباع، فيجوز الانتفاع بعظمه وجلده بالدباغ، وعند الإمام محمَّد: هو نجس العين حتى لا يجوز بيع عظمه، ولا يطهر جلده بالدباغ ولا بالذكاة، والمعتمد الأول، وعليه الفتوى؛ فافهم: (أدركت ناسًا)؛ أي: كثيرين، فالتنوين فيه للتكثير (من سلف العلماء): وهم الصحابة والتابعون ﵃ (يمتشطون بها)؛ أي: بعِظام الموتى؛ يعني: يجعلون منها مشطًا ويستعملونه، فهذا يدل على طهارته، وهو مذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، (ويدَّهنون)؛ بتشديد الدَّال (فيها)؛ أي: في عِظام الموتى؛ أي: يجعلون فيها ما يحط فيه الدهن، وأصل (يدَّهنون): يتدهنون؛ لأنَّه من باب (الافتعال)، فقلبت الفاء دالًا، وأدغمت الدَّال في الدَّال. وزعم ابن حجر أنه يجوز ضم أوله، وإسكان الدَّال. وردَّه في «عمدة القاري»: بأنَّه على هذا يكون من باب الإدهان، فلا يناسب ما قبله، إلا إذا جاءت فيه رواية بذلك، وذلك لأنَّ معناه بالتشديد: هم يدهنون أنفسهم، وإذا كان من باب (الإفعال)؛ يكون معناه: هم يدهنون غيرهم، فلا مانع من ذلك، إلا أنه موقوف على الرواية، وقال بعض الشراح عن السفاقسي: فيه ثلاثة أوجه؛ اثنان منها ما ذكرناهما الآن، والوجه الثالث:

1 / 111