Ashhar Khutab Wa Mashahir Khutaba
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
Genres
إنكم تذكرون قصة جوليفر، فقد تحطمت به سفينته في بلاد يسكنها أقزام صغار فكان بينهم عملاقا يخطو على أسوار عاصمتهم وإذا انتصب فاق طول قامته منائر معابدهم، فكان يجر أسطولا ملوكيا، وكان يمد ساقه فيمر تحتها جيش الملك يحمل الرايات ويدق الطبول، فإذا أفطر التهم أحد أهرائهم وإذا تعشى أكل قطيعا من مواشيهم، فإذا عطش عمد إلى دنان النبيذ فشربها جملة، ثم يسيح سياحته الثانية فيجد نفسه بين أناس يبلغ أحدهم في القامة ستين قدما فبينما كان يحتاج وهو في بلاد الأقزام إلى أن يحمل الناس على يديه ويضعهم عند أذنه لكي يسمع ما يقولونه له إذا به تفعل به العمالقة ما كان يفعله مع أولئك الأقزام. يتفرج السيدات بمشاهدته وهو يقاتل الجرذان والضفادع والزنابير، ثم يأتي قرد فيختطفه ويتسلق به إحدى المداخن فإذا بلغ القمة أرداه فيقع في صحفة من القشدة يسبح فيها ويخرج ناجيا بنفسه.
لقد كان هذا الرجل في بلدته الأصلية مثل سائر الناس ذا قامة اعتيادية فلما صار في بلاد الأقزام صار عملاقا وعاد قزما بين العماليق. وهكذا الحال في العلوم، فعمالقة أحد العصور قد يكونون أقزام عصر آخر. (20) خطبة للورد رسل
كان لورد جون رسل (1792-1878) أحد رؤساء الوزارة الإنجليزية وكان من أكبر زعماء حزب الأحرار في القرن التاسع عشر، تحت رايته نشأ غلادستون وعلى يديه اشتد ساعد الأحرار حتى صاروا قوة يحسب لها المحافظون حسابها. ومن مآثره إصلاح طرق الانتخاب للبرلمان، وكانت الأصوات تباع في زمنه بالنقد جهرا وكانت دوائرها لا تتناسب عددا ومن ينتخب منها. وهو أيضا صاحب الفضل في إلغاء المكوس الجمركية على الحبوب الواردة لإنجلترا.
وكان في الخطابة وسطا لا يأتي بالدون ولا يرتفع إلى الجيد الناصع ولكن خطبه كثيرة وأكثرها يتعلق بالشئون السياسية. وقد ألقى الخطبة التالية في معهد الميكانيكيين في ليدس وموضوعها «قيمة الصدق في الآداب» قال:
إن سعة هذا الموضوع تجعلني أشعر بضيق الوقت إذا حاولت أن أبحث بعض فروعه، ولكن لي كلمة أجدني جريئا على أن أقولها لكم وهي جديرة بأن يعتبرها كل من يتصدى لدرس الآداب.
ففي الأدب عدد لا يحصى من التآليف تختلف من حيث الذوق ومن حيث الصيغة، فمنها الرزين ومنها الزاهي. ومنها ما يتطوح مع الخيال ومنها ما لا يحيد عن المنطق، ولكنها جميعها تحتاج إلى شرط واحد هو في اعتقادي شمول الصدق لها. لقد قال أحد المؤلفين الفرنسيين إن الجمال ليس سوى الحقيقة وإن الحقيقة وحدها هي الجميلة، وإن الحقيقة يجب أن تنبسط على الأساطير الخيالية. وهذا قول حق؛ لأني أعتقد أنه لا يمكننا أن نقيس الأدب الخيالي وننقده تمام النقد إلا إذا صدق تمثيله للطبيعة.
ولعلي أحسن الإفصاح عما أريد إذا ضربت لكم مثلا أو مثلين، فقد عاش في القرن الماضي شاعر قد ذاع صيته واشتهر بحق بجزالة الخيال وقوة الإحساس؛ أعني به ينج، فإنه على الرغم من مواهبه لم يكن موفقا في صدق الأداء، فقد قال في إحدى قصائده: «إن النوم مثل هذه الدنيا سريع إلى زيارة من يبسم لهم الحظ، بينما هو يهجر البائسين، ولا يقع إلا على الجفون التي لم تكدرها الدموع.»
فإذا أنتم حققتم النظر في هذه الكلمات رأيتم أن الشاعر قد خلط شيئين معا، فقد خلط بين أولئك المجدودين الذين نالوا حظهم من هدوء البال وكمال العافية وبين أولئك المجدودين الذين حصلوا على الثراء، فانظروا الآن معي تجدوا أن أولئك الذين لم ينالوا حظهم من هذه الدنيا ورأوها قد تنكرت لهم والذين لم يبتسم لهم الحظ يهنئون بالنوم اللذيذ أكثر مما يهنأ به من يفوقونهم رتبة أو ثروة.
ولا شك في أنكم تذكرون شاعرا آخر صادق التمثيل للطبيعة، أعني به شكسبير، فهو يذكر في إحدى قصائده بحارا صغيرا قد أخذه النوم وهو في مكانه المزعزع على الصاري تحفه رياح العاصفة، بينما الملك لا يستطيع النوم في فراشه الوثير. فهذا هو الشاعر الذي لا يعدو حقائق الطبيعة.
فإذا أنتم نظرتم في هذه الاعتبارات وقستم الشعر بهذا المقياس وعولتم عليه أيضا في درس التاريخ وغيره حصلت لكم قوة التمييز وصرتم على بينة مما تقرءون، فتعرفون عندئذ ما إذا كان جديرا بانتباهكم وإعجابكم أو أنه كثير الأغلاط غير جدير بالالتفات. (21) خطبة للورد بيكونسفيلد
Unknown page