مقدمة
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
خاتمة في فوائد شتى تتعلق بالأمثال
مقدمة
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
خاتمة في فوائد شتى تتعلق بالأمثال
أشهر الأمثال
أشهر الأمثال
تأليف
طاهر الجزائري
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ... أما بعد، فهذا كتاب أوردت فيه من الأمثال ما لا يسع الأديب جهله، وقد رتبته على حروف المعجم.
مقدمة في ذكر أمور ينبغي أن تعرف أولا
الأمر الأول:
قال الميداني في مجمع الأمثال وهو من أعظم الكتب المؤلفة فيها: قال المبرد: المثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه.
قال زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال ابن السكيت: المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه معنى ذلك، شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره.
وقال بعض العلماء: المثل جملة من القول تشتهر فتنقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها، والمثل أحد قسمي الاستعارة التمثيلية؛ ولذا تعرض له علماء البيان، قال في المفتاح في مبحث التشبيه: إن التشبيه التمثيلي متى فشا استعماله على سبيل الاستعارة لا غير؛ سمي مثلا، ولورود الأمثال على سبيل الاستعارة لا تغير. وقال في مبحث الاستعارة: ومن الأمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف الأخرى، مثل أن تجد إنسانا استفتي في مسألة فيهم تارة بإطلاق اللسان ليجيب ولا يهم أخرى، فتأخذ صورة تردده هذا، فتشبهها بصورة تردد إنسان قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى، ثم تدخل صورة المشبه في صورة المشبه به، وما للمبالغة في التشبيه فتكسوها وصف المشبه به من غير تغيير فيه بوجه من الوجوه، على سبيل الاستعارة قائلا: أراك أيها المفتي تقدم رجلا وتؤخر أخرى. وهذا نسميه التمثيل على سبيل الاستعارة. ولكون الأمثال كلها تمثيلات على سبيل الاستعارة لا يجد التغيير إليها سبيلا. ا.ه.
هذا هو المثل في عرف أهل البيان. وقد يطلق المثل على ما هو أعم من ذلك، فيدخل فيه مثل: الرفق يمن، والمرء عدو لما جهل، والحر حر وإن مسه الضر، إلى غير ذلك مما اشتمل على حكمة باهرة. ومثل فلان أجود من حاتم وأحلم من الأحنف وأزكى من إياس، إلى غير ذلك مما يشبهها.
وقال في لسان العرب: المثل الشيء الذي يضرب بشيء مثلا فيجعل مثله. وفي الصحاح: ما يضرب به من الأمثال. قال الجوهري: ومثل الشيء أيضا صفته، قال ابن سيده: وقوله عز من قائل:
مثل الجنة التي وعد المتقون ، قال الليث: مثلها هو الخبر عنها. وقال أبو إسحاق: معناه صفة الجنة. ورد ذلك أبو علي قال: لأن المثل الصفة غير معروف في كلام العرب، إنما معناه التمثيل. قال عمر بن أبي خليفة: سمعت مقاتلا صاحب التفسير يسأل أبا عمرو بن العلاء عن قول الله عز وجل:
مثل الجنة
ما مثلها؟ فقال:
فيها أنهار من ماء غير آسن . قال: ما مثلها؟ فسكت أبو عمرو. قال: فسألت يونس عنها، فقال: مثلها صفتها. قال محمد بن سلام: ومثل ذلك قوله:
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل
أي صفتهم. قال أبو منصور: ونحو ذلك روي عن ابن عباس. وأما جواب أبي عمرو لمقاتل حين سأله: ما مثلها؟ فقال: أنهار من ماء غير آسن، ثم تكريره السؤال : ما مثلها؟ وسكوت أبي عمرو عنه؛ فإن أبا عمرو أجابه جوابا مقنعا. ولما رأى نبوة فهم مقاتل سكت عنه لما وقف من غلظ فهمه؛ وذلك أن قوله:
مثل الجنة
تفسير لقوله تعالى:
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، وصف تلك الجنات فقال: مثل الجنة التي وصفتها ... وذلك مثل قوله:
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، أي صفة محمد
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه في التوراة، ثم أعلمهم أن صفتهم في الإنجيل كزرع، قال أبو منصور: وللنحويين في قوله:
مثل الجنة التي وعد المتقون
قول آخر قاله محمد بن يزيد الثمالي في كتاب المقتضب، قال: التقدير فيما يتلى عليكم مثل الجنة، ثم فيها وفيها ... قال: ومن قال إن معناه صفة الجنة فقد أخطأ؛ لأن مثل لا يوضع في موضع صفة إنما يقال: صفة زيد أنه ظريف وأنه عاقل، ويقال: مثل زيد مثل فلان. إنما المثل مأخوذ من المثال والحذو، والصفة تحلية ونعت. ويقال: تمثل فلان ضرب مثلا، وتمثل بالشيء ضربه مثلا، وفي التنزيل العزيز
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، وذلك أنهم عبدوا من دون الله ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزل به حجة، فأعلم الله الجواب مما جعلوه له مثلا وندا، فقال:
إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ، يقول: كيف تكون هذه الأصنام أندادا وأمثالا لله وهي لا تخلق أضعف شيء مما خلق الله ولو اجتمعوا كلهم له، وإن يسلبهم الذباب الضعيف شيئا لم يخلصوا المسلوب منه، ثم قال:
ضعف الطالب والمطلوب . وقد يكون المثل بمعنى العبرة، ومنه قوله عز وجل:
فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ، فمعنى السلف: أنا جعلناهم متقدمين يتعظ بهم الغابرون. ومعنى قوله: ومثلا؛ أي عبرة يعتبر بها المتأخرون. ويكون المثل بمعنى الآية، قال الله - عز وجل - في صفة عيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام:
وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ؛ أي آية تدل على نبوته. وأما قوله عز وجل:
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ، جاء في التفسير أن كفار قريش خاصمت النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما قيل لهم: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم، قالوا: قد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى والملائكة الذين عبدوا من دون الله، فهذا معنى ضرب المثل بعيسى. ا.ه.
والمراد بضرب المثل هو اعتبار الشيء بغيره وتمثيله به، وهو من ضرب الدراهم، وقد وقع ذلك كثيرا في كتاب الله تعالى وفي كلام النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يؤثر في القلوب أكثر مما يؤثر وصف الشيء في نفسه، ومما وقع منه في كلام النبي
صلى الله عليه وسلم ، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي موسى عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها.
الأمر الثاني:
الأمثال تجري على ما جاءت عليه ولا تغير. قال المرزوقي: من شرط المثل أن لا يغير عما يقع في الأصل عليه. ألا ترى أن قولهم: أعط القوس باريها، تسكن ياؤه وأن التحريك الأصل؛ لوقوع المثل في الأصل على ذلك؟ وكذلك قولهم: الصيف ضيعت اللبن؛ لما وقع في الأصل للمؤنث لم يغير من بعد وإن ضرب للمذكر.
وقال التبريزي في تهذيبه: تقول الصيف ضيعت اللبن مكسورة التاء إذا خوطب بها المذكر والمؤنث والاثنان والجمع؛ لأن أصل المثل خوطبت به امرأة، وكذا قولهم: أطري فإنك ناعلة، يضرب للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع على لفظ التأنيث.
الأمر الثالث:
الأمثال من أجل الكلام لما اشتملت عليه من إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه؛ ولذا عني العلماء بها وشرحوها وبينوا ما تومئ إليه من المقاصد والأغراض، وحثوا على معرفتها والوقوف عليها، وعدوا من لم يعن بها وإن عني بغيرها ناقصا في الأدب غير تام الأدوات فيه، ومما يحمل على الرغبة فيها أن المشتغل بفن الأدب إذا حفظ جل المشهور منها وبحث فيه، حصلت له فوائد مهمة، منها الوقوف على كثير من غريب اللغة على وجه لا يبرح من الذهن، ومنها تمرين لسانه على أساليب العرب في كلامهم، حتى إنه ربما تحصل له ملكة في اللغة العربية وإن لم يعن بمعرفة قواعدها المقررة في الكتب، وهذه الطريقة من أهم الطرق في تحصيل اللغة العربية والناس في غفلة عنها، وقد انتبه إليها بعض أهل المغرب فأقدموا عليها فنجحوا في ذلك في أقرب مدة. ومن الغريب أنه يندر أن يوجد أسلوب من أساليب اللغة العربية وليس له مثال في الأمثال، ومنها الوقوف على كثير من الأمور المهمة المتعلقة بعلم الأخلاق وتدبير المنزل وفن السياسة؛ فإن في كثير من الأمثال ما له مدخل في ذلك، بل إنه يندر شيء لم تدخل فيه الأمثال، إلا أن هذا لا يظهر إلا لمن أقبل عليها وسدد النظر إليها.
وهذا أوان الشروع في المقصود.
حرف الألف
إن من البيان لسحرا:
قاله النبي
صلى الله عليه وسلم
حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم، فسأل النبي
صلى الله عليه وسلم
عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال عمرو: مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني. فقال عمرو: أما والله إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال، والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الأخرى، ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أقبح ما وجدت فقال
صلى الله عليه وسلم : «إن من البيان لسحرا.» يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة.
ألق دلوك في الدلاء:
يضرب مثلا في الحث على الاكتساب وترك التواني في طلب الرزق، وهو من قول أبي الأسود الدؤلي:
وما طلب المعيشة بالتمني
ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها يوما ويوما
تجيء بحمأة وقليل ماء
وقال بعضهم: ما أحب أني مكفي وأن لي ما بين شرق وغرب، قيل: ولم؟ قال: كراهية العجز.
إن غدا لناظره قريب:
أي لمنتظره، يقال: نظرته أي انتظرته.
أحشفا وسوء كيلة:
قال في الصحاح في ح ش ف: الحشف أردأ التمر، وفي المثل: أحشفا وسوء كيلة.
وقال في ك ي ل: الاسم الكيلة بالكسر، يقال: إنه لحسن الكيلة مثل الجلسة والركبة، وفي المثل: أحشفا وسوء كيلة، أي أتجمع أن تعطيني حشفا وأن تسيء لي الكيل.
إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى:
المنبت: المنقطع عن أصحابه في السفر، والظهر: الدابة. يضرب لمن يبالغ في طلب الشيء ويفرط فيه حتى إنه ربما يفوته على نفسه.
اتسع الخرق على الراقع:
معناه: قد زاد الفساد حتى فات التلافي، وهو من قول ابن حمام الأزدي:
كالثوب إن أنهج فيه البلى
أعيا على ذي الحيلة الصانع
كنا نداريها وقد مزقت
فاتسع الخرق على الراقع
أطري فإنك ناعلة:
قال في الصحاح في ط ر ر: وأطر أي أدل، وفي المثل: أطري فإنك ناعلة. قال ابن السكيت: أي أدلي، فإن عليك نعلين. يضرب للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع على لفظ التأنيث؛ لأن أصل المثل خوطبت به امرأة فجرى على ذلك. وقال أبو عبيد: معناه اركب الأمر الشديد فإنك قوي عليه، قال: وأصله أن رجلا قال لراعية له كانت ترعى في السهولة وتترك الحزونة: أطري أي خذي طرر الوادي - وهي نواحيه - فإن عليك نعلين. قال: وأحسبه عنى بالنعلين غلظ جلد قدميها. وقال في ن ع ل: ورجل ناعل ذو نعل، وفي المثل أطري فإنك ناعلة.
إن الحديد بالحديد يفلح:
الفلح الشق، ومنه الفلاح للحراث لأنه يشق الأرض، أي يستعان في الأمر الشديد بما يشاكله.
أسمع جعجعة ولا أرى طحنا:
قال في الصحاح: الجعجعة صوت الرحى، وفي المثل: أسمع جعجعة، ولا أرى طحنا، والجعجعة أصوات الجمال إذا اجتمعت. ا.ه.
والطحن بالكسر: الدقيق، وهو مثل يضرب للجبان يوعد ولا يوقع، وللبخيل يعد ولا ينجز.
إن المقدرة تذهب الحفيظة:
المقدرة: القدرة، والحفيظة: الغضب، قال أبو عبيد: بلغنا هذا المثل عن رجل عظيم من قريش في سالف الدهر كان يطلب رجلا بذحل، فلما ظفر به قال: لولا أن المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك. ثم تركه.
إنباض بغير توتير:
الإنباض مصدر قولك: أنبضت القوس إذا جذبت وترها ثم أرسلته لترن، والتوتير مصدر قولك: وتر قوسه إذا شد وترها.
وقال في لسان العرب: قال اللحياني: وترها وأوترها شد وترها، وفي المثل: إنباض بغير توتير.
ابن سيده: ومن أمثالهم لا تعجل بالإنباض قبل التوتير، وهذا مثل في استعجال الأمر قبل بلوغ أناه.
أي الرجال المهذب:
أول من قاله النابغة حيث قال:
ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه:
قال في الصحاح: قال الكسائي: وفي المثل أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وهو تصغير معدي منسوب إلى معد، وإنما خففت الدال استثقالا للجمع بين التشديدين مع ياء التصغير. يضرب للرجل الذي له صيت وذكر في الناس، فإذا رأيته ازدريت مرآته. وقال ابن السكيت: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، قال: وكأن تأويله تأويل أمر كأنه قال: اسمع به ولا تره.
إن الرثيئة تفثأ الغضب:
يضرب مثلا لحسن موقع المعروف وإن كان يسيرا، وأصله أن رجلا غضب على قوم فأتاهم للإيقاع بهم، فسقوه رثيئة فسكن غضبه، والرثيئة: اللبن الحامض يصب عليه حليب، وتفثأ تسكن، يقال: فثأت القدر إذا سكنت غليانها بالماء.
حرف الباء
بعض الشر أهون من بعض:
هذا من قول طرفة بن العبد حين أمر النعمان بقتله فقال:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
يضرب عند ظهور الشرين بينهما تفاوت، وهذا كقولهم: إن من الشر خيارا.
بكل واد أثر من ثعلبة:
هذا من قول ثعلبي رأى من قومه ما يسوء فانتقل إلى غيرهم، فرأى منهم أيضا مثل ذلك.
بكل واد بنو سعد:
هذا مثل قولهم: بكل واد أثر من ثعلبة.
بلغ السيل الزبى:
هي جمع زبية، وهي حفرة تحفر للأسد إذا أرادوا صيده، وأصلها الرابية لا يعلوها الماء، فإذا بلغها السيل كان جارفا، يضرب لما جاوز الحد.
بلغ السكين العظم:
هذا مثل قولهم: بلغ السيل الزبى، ومثلهما بلغ منه المخنق، وهو الحنجرة والحلق، أي بلغ منه الجهد.
برق لو كان له مطر:
يضرب لمن له رواء ولا معنى وراءه.
حرف التاء
تضرب في حديد بارد:
يضرب لمن طمع في غير مطمع.
تركته يصرف عليك نابه:
يضرب لمن يغتاظ عليك، ومثله تركته يحرق عليك الأرم.
تعسا لليدين وللفم:
كلمة يقولها الشامت بعدوه، يقال: تعس يتعس تعسا إذا عثر، وأتعسه الله، ولليدين معناه على اليدين.
تطأطأ لها تخطئك:
الهاء للحادثة يقول: اخفض رأسك لها تجاوزك، وهذا كقولهم: دع الشر يعبر، يضرب في ترك التعرض للشر.
تخبر عن مجهوله مرآته:
أي يدل ظاهره على باطنه، والمرآة بالفتح المرأى.
حرف الثاء
ثل عرشه:
أي ذهب عزه وساءت حاله، يقال: ثللت الشيء إذا هدمته وكسرته، قال القتيبي: للعرش هنا معنيان؛ أحدهما: السرير والأسرة للملوك، فإذا ثل عرش الملك فقد ذهب عزه، والمعنى الآخر: البيت ينصب من العيدان ويظلل، وجمعه عروش، فإذا كسر عرش الرجل فقد هلك وذل.
ثار حابلهم على نابلهم:
يضرب مثلا لفساد ذات البين وتهييج الشر، والحابل صاحب الحبالة وهي الشبكة، والنابل صاحب النبل أي: قد اختلط القوم من شدة الشر، فصغيرهم يثور على كبيرهم وكبيرهم على صغيرهم.
حرف الجيم
الجار ثم الدار:
هذا كقولهم: الرفيق قبل الطريق. وكلاهما يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عبيد: كان بعض فقهاء أهل الشام يحدث بهذا الحديث ويقول: إذا أردت شراء دار فسل عن جوارها قبل شرائها.
جار كجار أبي دؤاد:
يعنون كعب بن مامة، فإن كعبا كان إذا جاوره رجل فمات وداه، وإن هلك له بعير أو شاة أخلف عليه، فجاءه أبو دؤاد الشاعر مجاورا له، فكان يفعل به ذلك، فضربت به العرب المثل في حسن الجوار، فقالوا: جار كجار أبي دؤاد، قال قيس بن زهير:
أطوف ما أطوف ثم آوي
إلى جار كجار أبي دؤاد
جاوز الحزام الطبيين:
الطبي للحافر والسباع كالضرع لغيرها، يضرب هذا عند بلوغ الشدة منتهاها.
حرف الحاء
حبك الشي يعمي ويصم:
أي إن حبك للشيء يعميك عن مساويه، ويصمك عن استماع العذل فيه.
حافظ على الصديق ولو في الحريق:
يضرب في الحث على رعاية العهد.
حسبك من شر سماعه:
أي اكتف من الشر بسماعه ولا تعاينه. ويجوز أن يراد يكفيك سماع الشر وإن لم تقدم عليه ولم تنسب إليه.
الحديث ذو شجون:
أي ذو طرق، الواحد شجن بسكون الجيم.
يضرب هذا المثل في الحديث يتذكر به غيره، وقد نظم بعضهم هذا المثل ومثلا آخر في بيت واحد وهو:
تذكر نجدا والحديث شجون
فجن اشتياقا والجنون فنون
الحزم حفظ ما وليت وترك ما كفيت:
المثل لأكثم بن صيفي يحث به على ترك ما لا يعني مع المحافظة على ما يعني. قال أبو هلال: ولا أعرف شيئا أشد على الأحمق من تركه ما لا يعنيه واشتغاله بما يعنيه، على أن فيما يعني شغلا عما لا يعني.
الحرب خدعة:
قال في الصحاح: الحرب خدعة وخدعة، والفتح أفصح، وخدعة أيضا مثال همزة.
وقال في النهاية: فيه الحرب خدعة، يروى بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال، وبضمها مع فتح الدال؛ فالأول معناه أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع، أي إن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة، وهي أفصح الروايات وأصحها.
ومعنى الثاني: هو الاسم من الخداع.
ومعنى الثالث: أن الحرب تخدع الرجال وتمنيهم ولا نفي لهم، كما يقال: رجل لعبة وضحكة، أي كثير اللعب والضحك.
الحمد مغنم والمذمة مغرم.
حرف الخاء
خير الأمور أوساطها:
يضرب في التمسك بالاقتصاد.
خير الأمور أحمدها مغبة:
أي عاقبة، هذا مثل قولهم: الأعمال بخواتيمها.
خياركم خيركم لأهله:
يروى هذا في حديث مرفوع.
خير مالك ما نفعك:
قال أبو عبيد: العامة تذهب بهذا المثل إلى أن خير المال ما أنفقه صاحبه في حياته ولم يخلفه بعده. وكان أبو عبيدة يتأوله في المال يضيع للرجل فيكسب به عقلا يتأدب به في حفظ ماله فيما يستقبل، قالوا: لم يضع من مالك ما وعظك.
خذ الأمر بقوابله:
أي خذه عند استقباله قبل أن يدبر؛ فإنه إذا أدبر أتعب طلابه قال القطامي:
وخير الأمر ما استقبلت منه
وليس بأن تتبعه اتباعا
خلا لك الجو فبيضي واصفري:
أول من قال ذلك طرفة بن العبد الشاعر، وذلك أنه كان مع عمه في سفر وهو صبي، فنزلوا على ماء فذهب طرفة بفخيخ له فنصبه للقنابر، وبقي عامة يومه فلم يصد شيئا، ثم حمل فخه ورجع إلى عمه وتحملوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فقال:
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
قد رحل الصياد عنك فأبشري
ورفع الفخ فماذا تحذري
لا بد من صيدك يوما فاصبري
خرقاء وجدت صوفا:
ويقال: وجدت ثلة. وهي الصوف أيضا، يضرب مثلا للذي يفسد ماله.
حرف الدال
دونه خرط القتاد:
الخرط: قشرك الورق عن الشجرة اجتذابا بكفك، والقتاد شجر له شوك أمثال الإبر، يضرب للأمر دونه مانع.
الدال على الخير كفاعله:
هذا يروى في حديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، وقال المفضل: أول من قاله اللجيج بن شنيف اليربوعي في قصة طويلة ذكرها في كتابه الفاخر.
دع امرأ وما اختار:
يضرب لمن لا يقبل وعظك، والواو في قولهم: وما اختار بمعنى: مع؛ أي اتركه مع اختياره وكله إليه.
دردب لما عضه الثقاف:
دردب: أي خضع وذل، والثقاف: خشبة تسوى بها الرماح، يضرب لمن يمتنع مما يراد منه ثم يذل وينقاد.
دونه النجم:
يجوز أن يراد به الجنس ويجوز أن يراد به الثريا، وقد يقال: دونه العبوق.
حرف الذال
ذهبوا أيدي سبا:
ومثله تفرقوا أيدي سبا، أي تفرقوا تفرقا لا اجتماع معه.
ذهبوا تحت كل كوكب:
يضرب للقوم إذا تفرقوا.
ذهبوا شذر مذر:
أي في كل وجه، ومذر اتباع.
ذهب منه الأطيبان:
يضرب لمن قد أسن، أي لذة النكاح والطعام.
الذود إلى الذود ابل:
الذود اسم مؤنث يقع على قليل الإبل ولا يقع على الكثير، يضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتى يؤدي إلى الكثير.
الذئب يأدو للغزال:
يقال: أدوت له آدو إذا ختلته، يضرب في الخديعة والمكر، ويجوز أن تكون الهمزة في أدوت بدلا من العين، وكذلك في يأدو أي يعدو لأجله من العدو.
ذكرتني الطعن وكنت ناسيا:
قيل إن أصله أن رجلا حمل على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رمح، فأنساه الدهش والجزع ما في يده، فقال له الحامل: ألق الرمح، فقال الآخر: إن معي رمحا لا أشعر به! ذكرتني الطعن وكنت ناسيا، وحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه.
حرف الراء
الرباح مع السماح:
يراد به أن المسامح أحرى أن ينال الربح من المماحك، ويقولون: اسمح يسمح لك.
رب أكلة تمنع أكلات:
يضرب مثلا للخصلة من الخير تنال على غير وجه الصواب، فتكون سببا لمنع أمثالها.
رضا الناس غاية لا تدرك:
قاله أكثم بن صيفي، ومعناه أن الرجل لا يسلم من الناس على كل حال، فينبغي أن يستعمل ما يصلحه ولا يلتفت إلى قولهم.
رب رمية من غير رام:
يضرب مثلا للمخطئ يصيب أحيانا.
رب ملوم لا ذنب له:
هذا من قول أكثم بن صيفي.
رب لائم مليم:
هذا من قول أكثم أيضا.
الراوية أحد الشاتمين:
هذا مثل قولهم سبك من بلغك.
الرشف أنقع:
أي أذهب وأقطع للعطش، والرشف: التأني في الشرب، يضرب في ترك العجلة.
رب كلمة سلبت نعمة:
يضرب في اغتنام الصمت.
رب فرحة تعود ترحة.
ربما كان السكوت جوابا:
هذا كقولهم: ترك الجواب جواب.
ركوض في كل عروض:
العروض: الناحية.
رب ابن عم ليس بابن عم:
هذا يحتمل معنين؛ أحدهما: أن يكون شكاية من الأقارب، أي رب ابن عم لا ينصرك ولا ينفعك، فيكون كأنه ليس بابن عم. والثاني: أن يريد رب إنسان من الأجانب يهتم بشأنك ويستحيي من خذلانك، فهو ابن عم وإن لم يكن ابن عم نسبا.
رب أخ لك لم تلده أمك:
يستعمل في إعانة الرجل لصاحبه وانصبابه في هواه وانخراطه في سلكه، حتى كأنه أخوه، قال الشاعر:
أعاذلة كم من أخ لي أودده
على كريم لم يلدني والده
رب قول أشد من صول:
الصول الحملة والوثبة عند الخصومة والحرب.
الرفيق قبل الطريق:
أي حصل الرفيق أولا واخبره.
رب كلمة تقول لصاحبها: دعني:
يضرب في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار.
رضيت من الغنيمة بالإياب:
يضرب مثلا للرجل يشقى في طلب الحاجة حتى يرضى بالخلاص، وهو من قول امرئ القيس:
وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
رب نار كي خيلت نار شي:
قال الشاعر:
لا تتعبن كل دخان ترى
فالنار قد توقد للكي
ركب جناحي نعامة:
يضرب لمن جد في أمر، إما انهزام وإما غير ذلك.
الرائد لا يكذب أهله:
الرائد: الذي يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ لهم، فإن كذبهم أفسد أمرهم وأمر نفسه معهم؛ لأنه واحد منهم. يضرب مثلا للنصيح غير المتهم على من ينصح له، وأصله في العربية راد يرود، إذا جاء وذهب وضرب يمينا وشمالا، ومنه قيل: ارتاد الشيء إذا طلبه؛ لأن الطالب يتردد في حاجته حتى ينالها.
حرف الزاي
زلت به نعله:
يضرب لمن نكب وزالت نعمته.
قال زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل
زر غبا تزدد حبا:
قال المفضل: أول من قال ذلك معاذ بن حرم الخزاعي.
زاحم بعود أو دع:
قال في الصحاح: العود المسن من الإبل، وهو الذي جاوز في السن البازل والمخلف، وجمعه عوده، وقد عود البعير تعويدا، وفي المثل أن جرجر العود فزده وقرا، والناقة عودة، ويقال في المثل: زاحم بعود أو دع، أي استعن على حربك بأهل السن والمعرفة، فإن رأي الشيخ خير من مشهد الغلام.
حرف السين
سبق السيف العذل:
قال ضبة بن أد لما لامه الناس على قتله قاتل ابنه في الحرم. وقد ذكر قصته المفضل الضبي في كتاب الأمثال فقال: زعموا أن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن معد، كان له ابنان يقال لأحدهما سعد وللأخر سعيد، وأن إبل ضبة نفرت وهما معها فخرجا يطلبانها فتفرقا في طلبها، فوجدها سعد فجاء بها، وأما سعيد فذهب ولم يرجع، فجعل ضبة يقول بعد ذلك إذا رأى تحت الليل سوادا مقبلا: أسعد أم سعيد؟ فذهب قوله مثلا.
ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي، لا يجيء سعيد ولا يعلم له خبر، ثم إن ضبة بعد ذلك بينما هو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان إذ مرا على سرحة بمكان، فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟ فإني لقيت فيه شابا من هيئته كذا وكذا - فوصف صفة سعيد - فقتلته وأخذت بردا كان عليه، ومن صفة البرد كذا وكذا، فوصف صفة البرد وسيفا كان عليه، فقال ضبة: فما صفة السيف؟ قال: ها هو ذا علي، قال: فأرينه، فأراه إياه فعرفه ضبة ثم قال: إن الحديث لذو شجون. ثم ضربه حتى قتله، فذهب قوله هذا أيضا مثلا، فلامه الناس وقالوا: قتلت رجلا في الأشهر الحرم؟ فقال ضبة: سبق السيف العذل، فأرسلها مثلا.
سرت إلينا شبادعهم:
الشبدع: العقرب، ويشبه به اللسان لأنه يلسع به الناس، ومعنى المثل: سرى إلينا شرهم ولومهم إيانا وما أشبه ذلك.
سمنكم هريق في أديمكم:
وكثيرا ما يقولون: سمنهم في أديمهم، قال أبو عبيدة: الأديم المأدوم من الطعام، أي جعلوا سمنهم فيه ولم يفضلوا به، وقال الأصمعي: أصله في قوم سافروا ومعهم نحي سمن فانصب على أديم لهم فكرهوا ذلك، فقيل لهم: ما نقص من سمنكم زاد في أديمكم، وهذا المثل يضرب للرجل ينفق ماله على نفسه ثم يريد أن يمتن به.
سقط في يده:
يضرب لمن ندم.
سيل به وهو لا يدري:
أي ذهب به السيل يريد دهي وهو لا يعلم، يضرب للساهي الغافل.
سحابة صيف عن قليل تقشع:
يضرب في انقضاء الشيء بسرعة.
سوء الظن من شدة الضن:
هذا مثل قولهم: إن الشفيق بسوء الظن مولع.
حرف الشين
شب شوبا لك بعضه:
يضرب في الحث على إعانة من لك فيه منفعة، وهو مثل قولهم: احلب حلبا لك شطره.
شرق بالريق:
أي ضره أقرب الأشياء إلى نفعه.
شمر ذيلا وادرع ليلا:
يضرب في الحث على الجد في الطلب.
الشرط أملك عليك أم لك:
يضرب في حفظ الشرط، يجري بين الإخوان.
شقشقة هدرت ثم قرت:
الشقشقة بالكسر شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة، فإنما يشبه بالفحل.
وشقشق الفحل: هدر، والعصفور: صوت.
شر أهر ذا ناب:
يقال: أهره إذا حمله على الهرير، وذو الناب السبع، يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله.
شر الأخلاء خليل يصرفه واش:
يضرب للكثير التلون في الوداد.
شنشنة أعرفها من أخزم:
قال ابن الكلبي: الشعر لأبي أخزم الطائي، وهو جد أبي حاتم أو جد جده، وكان له ابن يقال له أخزم، وقيل كان عاقا فمات وترك بنين، فوثبوا يوما على جدهم أبي أخزم فأدموه، فقال:
إن بني ضرجوني بالدم
شنشنة أعرفها من أخزم
ويروى زملولي وهو مثل ضرجوني في المعنى، أي لطخوني، يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق، والشنشنة: الطبيعة والعادة.
شر الرعاء الحطمة:
يضرب لمن يلي شيئا ثم لا يحسن ولايته، وإنما ينبغي أن يكون الراعي كما قال الراعي:
ضعيف العصا بادي العروق ترى له
عليها إذا ما أمحل الناس أصبعا
أي أثرا حسنا.
الشر أخبث ما أوعيت من زاد:
يضرب في اجتناب الذم والشر، قاله أبو عبيد، وهو من بيت أوله:
الخير يبقى وإن طال الزمان به
الشباب مطية الجهل:
ويروى مظنة الجهل.
حرف الصاد
صار الرمي إلى النزعة:
أي عاد الأمر إلى أولي القوة، والنزعة واحدهم نازع، وهو ها هنا الشديد للوتر.
ويقولون: صار الأمر إلى الوزعة، ومعناه: قام بالأمر أهل الأناة والحلم، وأصل الوزع الكف، وفي حديث الحسن: لا بد للناس من وزعة، أي كففة يمنعون الناس عما ينبغي أو يمنعوا منه.
الصدق ينبي عنك لا الوعيد:
يقول: إنما ينبي عدوك عنك أن تصدق في المحاربة وغيرها، لا أن توعده ولا تنفذ ما توعد به.
الصيف ضيعت اللبن:
قال الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص: ويقولون للرجل المضيع لأمره المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعت اللبن بفتح التاء، والصواب أن يخاطب بكسرها وإن كان مذكرا؛ لأنه مثل، والأمثال تحكى على أصل صيغتها وأولية وضعها، وهذا المثل وضع في الابتداء بكسر التاء لمخاطبة المؤنث به.
وأصله أن عمرو بن عمرو بن عدي كان تزوج ابنة عم أبيه دختنوس بنت لقيط بن زرارة بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالا، فكرهته ولم تزل تسأله الطلاق حتى طلقها، فتزوجها عمير بن معبد بن زرارة، وكان شابا مملقا، فمرت بها ذات يوم إبل عمرو وكانت في ضر، فقالت لخادمتها: قولي له ليسقينا منها، فلما أبلغته قال لها: قولي لها: الصيف ضيعت اللبن.
فلما أدت جوابه إليها ضربت يدها على كتف زوجها وقالت: هذا ومذقه خير، وإنما خص الصيف بالذكر لأنها كانت سألته الطلاق فيه، فكأنها يومئذ ضيعت اللبن.
صنعة من طب لمن حب:
أي: اصنع هذا الأمر لي صنعة من طب لمن حب، أي صنعة حاذق لإنسان يحبه، يضرب في التنوق في الحاجة واحتمال التعب فيها، وإنما قال حب لمزاولة طب وإلا فالكلام أحب، وقال بعضهم: حببته وأحببته لغتان.
صرح المحض عن الزبد:
يقال للأمر إذا انكشف وتبين.
حرف الضاد
ضرب أخماسا لأسداس:
قال في مجمع الأمثال: الخمس والسدس من إظماء الإبل، والأصل فيه أن الرجل إذا أراد سفرا بعيدا عود إبله أن تشرب خمسا ثم سدسا، حتى إذا أخذت في السير صبرت عن الماء، وضرب بمعنى بين وأظهر، كقوله تعالى:
ضرب لكم مثلا ، والمعنى أظهر أخماسا لأجل أسداس، أي رقى إبله من الخمس إلى السدس، يضرب لمن يظهر شيئا ويريد غيره.
وقال في جمهرة الأمثال: قولهم ضرب أخماسا لأسداس يضرب مثلا في المماكرة والخداع، وأصله في أوراد الإبل وهو أن يظهر الرجل أن ورده سدس وإنما يريد الخمس، وأنشد ثعلب:
إذا أراد امرؤ مكرا جنى عللا
وظل يضرب أخماسا لأسداس
قال: وهؤلاء قوم كانوا في إبل لأبيهم عزابا.
فكانوا يقولون للربع الخمس وللخمس السدس، فقال أبوهم: إنما تقولون هذا لترجعوا إلى أهليكم، فصارت مثلا في كل مكر.
وأنشد ابن الأعرابي:
وذلك ضرب أخماس أريدت
لأسداس عسى أن لا تكونا
والخمس: هو أن ترعى الإبل ثلاثة أيام وترد في الرابع، والسدس: هو أن ترعى أربعة أيام وترد في الخامس، وهما بالكسر.
ضغث على إبالة:
الإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس.
وبعضهم يقول إبالة مخففا، قال الشاعر:
لي كل يوم من ذؤالة
ضغث يزيد على إبالة
وذؤالة الذئب، ومعنى المثل: بلية على أخرى.
ضاقت عليه الأرض برحبها.
ضربه ضرب غرائب الإبل:
ويروى اضربه ضرب غريبة الأبل، وذلك أن الغريبة تزدحم على الحياض عند الورود، وصاحب الحوض يطردها ويضربها بسبب إبله.
حرف الطاء
طرف الفتى يخبر عن لسانه:
ويروى عن ضميره، قال بعض الحكماء: لا شيء على غائب أعدل من طرف على قلب.
طويته على غره:
غر الثوب: أثر تكسره، يقال: اطوه على غره، أي على كسره الأول، يضرب لمن يوكل إلى رأيه أي تركته على ما انطوى عليه وركن إليه.
طارت بهم العنقاء:
يقال: ذلك للقوم إذا هلكوا فلم يبق منهم أحد، والعنقاء اسم لا مسمى له.
الطريف خفيف:
معناه أن الذي تستجده من الأشياء أحب إليك من الذي طال لبثه معك، وقريب من قول الناس: لكل جديد لذة.
حرف الظاء
ظن العاقل خير من يقين الجاهل.
الظلم ظلمات يوم القيامة:
هذا يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم .
حرف العين
عقده بأنشوطة:
أي عقده عقدا غير محكم، وذلك أن الأنشوطة يسهل حلها، تقول: نشطته تنشيطا إذا عقدته بأنشوطة، وأنشطته إنشاطا إذا حللته، فإذا عقدته عقدا محكما فلت أربت عقده وهو مؤرب.
عند جهينة الخبر اليقين:
قال ابن السيد في كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: قد اختلف العلماء في هذا المثل، فكان الأصمعي يقول: جفينة بالنون والفاء وقال هو خمار، وكذلك قال ابن الأعرابي، وكان أبو عبيدة يقول: حفينة بحاء غير معجمة، وكان ابن الكلبي يقول: جهينة بالجيم والهاء، وهو الصحيح. وذلك أن أصل هذا المثل أن حصين بن عمرو بن معاوية بن كلاب خرج في سفر ومعه رجل من جهينة يقال له الأخنس بن شريف، فنزلا في بعض منازلهما، فقتل الجهيني الكلابي وأخذ ماله، وكانت لحصين أخت تسمى صخرة، فكانت تبكيه في المواسم وتسأل الناس عنه، فلا تجد من يخبرها بخبره، فقال الأخنس:
وكم من فارس لا تزدريه
إذا شخصت لموقفه العيون
يذل له العزيز وكل ليث
حديد الناب مسكنه العرين
علوت بياض مفرقه بعضب
يطير لوقعه الهام السكون
فأضحت عرسه ولها عليه
هدو بعد زفرتها أنين
كصخرة إذ تساءل في مزاح
وفي جرم وعلمها ظنون
تسائل عن حصين كل ركب
وعند جهينة الخبر اليقين
عسى الغوير أبؤسا:
قال في الصحاح: في غرور، وتصغير الغار غوير، وفي المثل: عسى الغوير أبؤسا، قال الأصمعي: أصله أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر. وقال ابن الكلبي: الغوير ماء لكلب، وهو معروف، وهذا المثل تكلمت به الزباء لما تنكب قصيرا اللخمي بالإجمال الطريق المنهج وأخذ على الغوير، وقال في ع س ي: عسى من أفعال المقاربة، وفيه طمع وإشفاق، ولا يتصرف لأنه وقع بلفظ الماضي لما جاء في الحال، تقول: عسى زيد أن يخرج، وعست فلانة أن تخرج، فزيد فاعل عسى، وأن يخرج مفعولها، وهي بمعنى الخروج إلا أن خبره لا يكون اسما، لا يقال عسى زيد منطلقا. وأما قولهم: عسى الغوير أبؤسا فشاذ نادر وضع أبؤسا موضع الخبر، وقد يأتي في الأمثال ما لا يأتي في غيرها، وربما شبهوا عسى بكاد واستعملوا الفعل بعده بغير أن، فقالوا: عسى زيد ينطلق، وقال في ب أ س: والأبؤس جمع بؤس من قولهم: يوم بؤس ويوم نعم، والأبؤس أيضا الداهية، وفي المثل: عسى الغوير أبؤسا وقد أبأس إبآسا، قال الكميت:
قالوا: أساء بنو كرز فقلت لهم
عسى الغوير بأبآس وأغوار
وأبؤسا منصوب على أنه خبر يكون المقدرة.
عش ولا تغتر:
أصل المثل فيما يقال أن رجلا أراد أن يفوز بإبله ليلا واتكل على عشب يجده هناك، فقيل له: عش ولا تغتر بما لست منه على يقين.
عند النطاح يغلب الكبش الأجم:
ويقال أيضا: التيس الأجم، وهو الذي لا قرن له.
يضرب لمن غلبه صاحبه بما أعد له.
العقوق ثكل من لم يثكل:
أي إذا عقه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء، قال أبو عبيد: هذا في عقوق الولد للوالد، وأما قطيعة الرحم من الوالد للولد فقولهم: الملك عقيم، يريدون أن الملك لو نازعه ولده الملك لقطع رحمه وأهلكه حتى كأنه عقيم لم يولد له.
على يدي عدل:
قال ابن السكيت: هو العدل بن جزء بن سعد العشيرة، وكان على شرط تبع، وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فجرى به المثل في ذلك الوقت، فصار الناس يقولون لكل شيء قد يئس منه: هو على يدي العدل.
العنوق بعد النوق:
العناق: الأنثى من أولاد المعز وجمعه عنوق، وهو جمع نادر، والنوق جمع ناقة.
يضرب لمن كانت له حال حسنة ثم ساءت، أي كنت صاحب نوق فصرت صاحب عنوق.
على أهلها تجني براقش:
براقش: كلبة كانت لقوم من العرب، فأغير عليهم فهربوا ومعهم براقش، فاتبع القوم آثارهم بنباح براقش، فهجموا عليهم فاصطلموهم.
وأبو براقش: طائر يتلون في اليوم ألوانا، ويقال للرجل الكثير التلون: أبو براقش.
عنز بها كل داء:
يضرب للكثير العيوب من الناس والدواب.
العود أحمد:
يجوز أن يكون أحمد أفعل من الفاعل، يعني إنه إذا ابتدأ العرف جلب الحمد إلى نفسه، فإذا عاد كان أحمد له أي أكسب للحمد له، ويجوز أن يكون أفعل من المفعول، يعني أن الابتداء محمود والعود أحق بأن يحمد منه.
عاد الأمر إلى نصابه:
يضرب في الأمر يتولاه أربابه.
العتاب قبل العقاب:
يروى بالنصب على إضمار استعمل العتاب، وبالرفع على أنه مبتدأ يقول: أصلح الفاسد ما أمكن بالعتاب، فإن تعذر أو تعسر فبالعقاب.
عثيثة تقرم جلدا أملسا:
يضرب للرجل يجتهد أن يؤثر في الشيء فلا يقدر عليه، وعثيثة تصغير عثة وهي دويبة تأكل الأدم.
حرف الغين
الغراب أعرف بالتمر:
وذلك أن الغراب لا يأخذ إلا الأجود منه؛ ولذلك يقال: وجد تمرة الغراب إذا وجد شيئا نفيسا.
غمام أرض جاد آخرين:
يضرب لمن يعطي الأباعد ويترك الأقارب.
غدا غدها إن لم يعقني عائق:
الهاء كناية عن الفعلة، أي غدا غد قضائها إن لم يحبسني حابس.
غيض من فيض:
أي قليل من كثير، الغيض: النقصان، والفيض: الزيادة، وهذا كقولهم: برض من عد، والبرض: القليل، والعد: الماء الذي له مادة.
غل يدا مطلقها:
يضرب مثلا للرجل ينعم على صاحبه نعمة يرتهنه بها.
غادر وهيا لا يرقع:
يضرب مثلا للجناية التي لا حيلة فيها، أي فتق فتقا لا يمكن رتقه، والوهي: الخرق، وغادر بمعنى ترك.
غمرات ثم ينجلين:
يضرب في احتمال الأمور العظام والصبر عليها، ورفع غمرات على تقدير هذه غمرات، ويروى: الغمرات ثم ينجلين، كأنه قال: هي الغمرات أو القصة الغمرات تظلم ثم تنجلي، وواحده الغمرات، وهي الشدائد، غمرة وهي ما تغمر الواقع فيها بشدتها أي تقهره.
حرف الفاء
في الاعتبار غنى عن الاختبار:
أي من اعتبر بما رأى استغنى عن أن يختبر مثله فيما يستقبل.
في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار:
يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض، قال أبو زياد: ليس في الشجر كله أورى زنادا من المرخ، قال: وربما كان المرخ مجتمعا ملتفا وهبت ريح فحك بعضه بعضا، فأورى فاحترق الوادي كله ولم تر ذلك في سائر الشجر.
والزند الأعلى يكون من العفار، والأسفل من المرخ.
فتى ولا كمالك:
قاله متمم بن نويرة في مالك بن نويرة لما قتل في الردة، وقد رثاه متمم بقصائد، وتقديره هذا فتى أو هو فتى.
الإفراط في الأنس مكسبة لقرناء السوء:
قاله أكثم بن صيفي، يضرب لمن يفرط في مخالطة الناس.
في الله تعالى عوض عن كل فائت:
قاله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
في التجارب علم مستأنف:
أي جديد.
في الخير له قدم:
يريدون أن له سابقة في الخير.
في بيته يؤتى الحكم:
هذا مما زعمت العرب عن ألسن البهائم، قالوا إن الأرنب التقطت ثمرة فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب.
فقالت الأرنب: يا أبا الحسن، فقال: سميعا دعوت.
قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلا حكمتما.
قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يؤتى الحكم.
قالت: إني وجدت تمرة، قال: حلوة فكليها.
قالت: فاختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير.
قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذت.
قالت: فلطمني، قال: حر انتصر.
قالت: فاقض بيننا، قال: قد قضيت. فذهبت كلها أمثالا.
حرف القاف
قلب الأمر ظهرا لبطن:
يضرب في حسن التدبير، واللام في لبطن بمعنى على، ونصب ظهرا على البدل، أي قلب ظهر الأمر على بطنه حتى علم ما فيه.
قد شمرت عن ساقها فشمري:
يضرب في الحث على الجد في الأمر، والضمير في شمرت للداهية، والخطاب في شمري للنفس.
قد يبلغ الخضم بالقضم:
الخضم: أكل بجميع الفم والقضم بأطراف الأسنان، أي إن الشبعة قد تبلغ بالأكل بأطراف الفم، ومعناه: أن الغاية البعيدة قد تدرك بالرفق.
قطعت جهيزة قول كل خطيب:
أصله أن قوما اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيين قتل أحدهما من الآخر قتيلا، ويسألون أن يرضوا بالدية، فبينما هم في ذلك إذ جاءت أمة يقال لها جهيزة، فقالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتله، فقالوا: عند ذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب، يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه بأمر يأتي به.
القول ما قالت حذام:
يضرب مثلا في تصديق الرجل صاحبه.
قد بين الصبح لذي عينين:
بين هنا بمعنى تبين، يضرب للأمر يظهر كل الظهور.
قد ألقى عصاه:
إذا استقر من سفر أو غيره.
قد قيل ما قيل إن حقا وإن كذبا:
هذا شطر من بيت تتمته:
فما اعتذارك من قول إذا قيلا
قلب له ظهر المجن:
يضرب لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ثم حال عن العهد، والمجن بكسر الميم: الترس، والجمع: المجان بفتحها.
قبل الرمي يراش السهم:
يضرب مثلا في الاستعداد للأمر قبل حلوله، ويراش: يركب عليه الريش، أي ينبغي أن يصلح السهم قبل وقت الرمي.
وهو مثل قولهم: قبل الرماء تملأ الكنائن، والكنائن جمع كنانة وهي الجعبة.
قول الحق لم يدع لي صديقا:
يروى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه.
حرف الكاف
كل امرئ في شأنه ساعي:
أي كل امرئ في إصلاح شأنه مجد.
كل امرئ في بيته صبي:
أي يطرح الحشمة ويستعمل الفكاهة.
كل فتاة بأبيها معجبة:
يضرب في عجب الرجل برهطه وعشيرته.
كفى قوما بصاحبهم خبيرا:
أي كل قوم أعلم بصاحبهم من غيرهم.
كالقابض على الماء:
يقال ذلك للرجل يطلب ما لا يحصل له.
كثرة العتاب تورث البغضاء.
كما تدين تدان:
أي كما تجازي تجازى، يعني كما تعمل تجازى إن حسنا فحسن، وإن سيئا فسيء.
كلا جانبي هرشى لهن طريق:
يضرب فيما سهل إليه الطريق من وجهين، و«هرشى» ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يرى منها البحر، ولها طريقان، فكل من سلكهما كان مصيبا، قال الشاعر:
خذي أنف هرشى أوقفاها فإنه
كلا جانبي هرشى لهن طريق
لهن: أي للأبل.
أكثر الظنون ميون:
المين: الكذب، وجمعه ميون، يضرب في تزييف الظن.
كالمستغيث من الرمضاء بالنار:
يضرب للرجل يفر من الأمر إلى ما هو شر منه.
قال الشاعر:
والمستغيث بعمرو عند كربته
كالمستغيث من الرمضاء بالنار
الرمضاء: التراب الحار.
كثير النصح يهجم على كثير الظن:
المثل لأكثم بن صيفي، ومعناه: أنك إذا بالغت في النصح ظن أنك تريد حظا لنفسك. وقال أكثم في موضع آخر: إذا بالغت في النصح فتأهب للتهمة.
حرف اللام
لو خيرت لاخترت.
لولا الوئام لهلك الأنام:
الوئام: الموافقة، ويروى لولا اللئام لهلك الأنام من قولهم: لأمت بينهما أي: أصلحت، ويروى اللوام من الملاومة من اللوم.
لا ينتطح فيها عنزان:
يضرب مثلا للأمر يبطل ويذهب ولا يكون له طالب.
ليس هذا بعشك فادرجي:
أي ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق فدعيه، يقال: درج أي مشى ومضى، يضرب لمن يرفع نفسه فوق قدره.
التأم جرح والأساة غيب:
يضرب لمن نال حاجته من غير منة أحد، والأساة جمع آس وهو الطبيب.
ألق حبله على غاربه:
أصله الناقة إذا أرادوا إرسالها للرعي ألقوا جديلها على الغارب، ولا يترك ساقطا فيمنعها من الرعي، يضرب لمن تكره معاشرته، تقول: دعه يذهب حيث يشاء.
لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعقي:
قال في الصحاح: سرطت الشيء بالكسر أسرطه سرطا: بلعته، واسترطه أي ابتلعه، وفي المثل: لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعقي، من قولهم: أعقيت الشيء إذا أزلته من فيك لمرارته، كما يقال: أشكيت الرجل إذا أزلته عما يشكوه. ويروى لا تكن حلوا فتزدرد ولا مرا فتعقي، والازدراد: الابتلاع، يقال: زرد اللقمة بالكسر وازدردها إذا ابتلعها.
لا يدري الحي من اللي:
قال ثعلب في أماليه: قولهم لا يدري الحو من اللو والحي من اللي، أي لا يعرف الكلام الذي يفهم من الذي لا يفهم. وقال في موضع آخر: هو الكلام البين وغير البين.
وقال ابن السيد في كتاب المسائل: سأل سائل عما وقع في الأمثال لأبي عبيد من قول العرب: ما يعرف الحو من اللو وما يعرف الحي من اللي، ما معناه وما مقتضاه؟ والجواب: أما قولهم «ما يعرف الحي من اللي» فتأويله أن الحي ها هنا مصدر حويت الشيء أحويه، واللي مصدر لويته بدينه ألويه إذا مطلته، فمعناه: أنه من جهله لا يعرف فرق ما بين الظفر بالشيء والمطل به، وأصلهما حوى ولوى، فاجتمعت واو وياء وسكنت الأولى منهما، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، كما قيل: طويت طيا وشويت شيا.
وأما من قال: ما يعرف الحو من اللو فالوجه فيه أن يكونوا أرادوا باللو لو التي تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، وشددوا واوها لأنهم أجروها مجرى الأسماء وأعربوها؛ إذ لا يكون اسم متمكن على حرفين الثاني منهما حرف مد ولين، فزادوا على الواو واوا أخرى، وأدغموا الواو الأولى فيها لتكون على مثال الأسماء المتمكنة من نحو جو وقو.
وقياس الحو في هذه اللغة أن يكون مصدر حويت أيضا، قلبوا الياء من حوى واوا اتباعا للو كما قالوا: إني لآتيه بالعشايا والغدايا، فجمعوا الغداة على غدايا ليكون مثل عشايا.
ومعنى ما يعرف الحو من اللو ما يعرف فرق ما بين حصول المراد وامتناعه، ويجوز أن تكون لو التي يراد بها التمني، فيكون المعنى على هذا ما يفرق بين حصول المطلوب والتمني له. انتهى ملخصا.
قال بعض العلماء: الحو والحي: الحق، واللو واللي: الباطل، ولا يعرف الحو من اللو؛ أي لا يعرف الحق من الباطل.
حرف الميم
ما يعرف قبيلا من دبير:
قيل معناه: لا يعرف الأمر مقبلا ولا مدبرا.
وقيل غير ذلك، قال في أدب الكاتب: القبيل ما أقبلت به المرأة من غزلها حين تفتله، والدبير ما أدبرت به، قال الأصمعي: أصله من الإقبالة والإدبارة، وهو شق الأذن ثم يفتل ذلك، فإذا أقبل به فهو الإقبالة، وإذا أدبر به فهو الإدبارة، والجلدة المعلقة في الأذن هي الإقبالة والإدبارة.
وقال في أساس البلاغة: ومن المجاز: ما يعرف قبيلا من دبير، وأصله من فتل الحبل إذا مسح اليمين على اليسار علوا، فهو قبيل، وإذا مسحها عليها سفلا فهو دبير، فقال في جمهرة الأمثال: قولهم ما يعرف قبيلا من دبير قال أبو عمرو: أي ما يعرف الإقبال من الإدبار. قال: والقبيل ما أقبل به من الفتل على الصدر، والدبير ما أدبر به. وقال الأصمعي: مأخوذ من المقابلة والمدابرة، والمقابلة التي تشق أذنها إلى قدام، والمدابرة التي تشق أذنها إلى خلف، وقال في مجمع الأمثال نحو ذلك. وفي القبيل والدبير أقوال أخر ذكرت في لسان العرب.
ما يصطلى بناره:
يعني أنه عزيز منيع لا يوصل إليه ولا يتعرض لمراسه.
المنة تهدم الصنيعة:
هذا كما قال الله تعالى:
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .
ما أساء من أعتب:
يضرب لمن يعتذر إلى صاحبه ويخبر أنه سيعتب.
المرء أعلم بشأنه:
يضرب في العذر يكون للرجل ولا يمكنه أن يبديه.
المشاورة قبل المناورة:
هذا كقولهم: المحاجزة قبل المناجزة. والتقدم قبل التندم.
ما أحلى في هذا الأمر ولا أمر:
أي لم يصنع شيئا.
ما لي في هذا الأمر يد ولا أصبع:
أي أثر.
مثل النعامة لا طير ولاجمل:
يضرب لمن لا يحكم له بخير ولا شر.
ما عسى أن يبلغ عض النمل:
يضرب لمن لا يبالى بوعيده.
ما يشق غباره:
يضرب لمن لا يجارى؛ لأن مجاريك يكون معك في الغبار، فكأنه قال: لا قرن له يجاريه.
المرء بأصغريه:
يعني بهما: القلب واللسان.
ما عدا مما بدا:
أي: ما منعك مما ظهر لك.
المزاح لقاح الضغائن:
يقول: ربما مازحت الرجل فأحقدته.
ماء ولا كصداء:
صداء: ركية لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها.
مرعى ولا كالسعدان:
يضرب مثلا للشيء يفصل على أقرانه وأشكاله، والسعدان: نبت وهو من أفضل مراعي الإبل.
من استرعى الذئب ظلم:
أي: من استرعى الذئب فقد وضع الأمانة في غير موضعها.
ما عنده خل ولا خمر:
أي: ما عنده خير ولا شر.
مكره أخوك لا بطل:
معناه: إنما أنا محمول على القتال ولست بشجاع.
من أشبه أباه فما ظلم:
معناه: من أشبه أباه فقد وضع الشبه في موضعه.
ما أخاف إلا من سيل تلعتي:
أي: ما أخاف إلا من أقاربي، والتلعة: مسيل الماء إلى الوادي.
ملكت فأسجح:
قال في الصحاح: الإسجاح حسن العفو، يقال: ملكت فأسجح، ويقال: إذا سألت فأسجح، أي سهل ألفاظك وارفق.
ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة.
مرعى ولا أكولة:
يضرب مثلا للرجل له مال كثير وليس له من ينفقه عليه.
ما للرحال مع القضاء محالة:
المحالة: الحيلة، ومنها قولهم: المرء يعجز لا محالة.
المرء تواق إلى ما لم ينل:
يقال: تاق الرجل يتوق توقانا إذا اشتاق، يعني: أن الرجل حريص على ما منع منه كما قيل: أحب شيء الإنسان ما منعا.
ما ظنك بجارك فقال: ظني بنفسي:
أي إن الرجل يظن بالناس ما يعلم من نفسه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
ما ضفا ولا صفا عطاؤه:
الضافي: الكثير، والصافي: النقي، أي لم يضف وفق الظن ولم يصف من كدر المن.
من الرفش إلى العرش:
الرفش بالفتح والضم: المجرفة كالمرفشة، والرفاش: هائل الطعام بالمجرفة إلى يد الكيال، أي ارتقى من العمل بالمجرفة إلى سرير الملك.
ما هذا البر الطارق:
يقال: طرق إذا أتى ليلا، يضرب في الإحسان يستبعد من الإنسان، ويروى الطارق أي الحديد.
من لم يأس على ما فاته أراح نفسه:
قاله أكثم بن صيفي.
ما بها نافخ ضرمة:
بها أي بالدار، والضرمة: ما أضرمت فيه النار كائنا ما كان، يعني بالمثل ما بالدار أحد.
مهلا فواق ناقة:
أي أمهلني قدر ما يجتمع اللبن في ضرع الناقة، وهو مقدار ما بين الحلبتين، والفيقة اسم ذلك اللبن.
من ترك المراء سلمت له المروءة.
المعاذير قد يشوبها الكذب.
مع المخفض يبدو الزبد:
أي إذا استقصي الأمر حصل المراد.
من لك بأخيك كله:
أي من يكفل ويضمن لك بأخ كله لك، أي كل ما فعله مرضي، يعني لا بد أن يكون فيه ما تكره، وهذا يروى من قول أبي الدرداء الأنصاري رضي الله عنه، يضرب في عز الإخاء.
الموت السجيح خير من الحياة الذميمة:
السجاحة: السهولة واللين، وجه أسجح وخلق صحيح أي لين.
من تجنب الخبار أمن العثار:
الخبار: كسحاب ما لان من الأرض واسترخى.
من يرد السيل على أدراجه:
أدراج السيل طرقه ومجاريه، يضرب لما لا يقدر عليه.
مخرنبق لينباع:
الاخربناق: الإطراق والسكون، والانبياع: الامتداد والوثب، أي إنما أطرق ليثب، ويروى لينباق أي يأتي بالبائقة وهي الداهية.
مع اليوم غد:
يضرب مثلا للنظر في العواقب.
ما درى أيا من أي:
يقال ذلك في الأمرين يستويان فلا يفرق بينهما، وفي الأمرين يختلطان ولا يتميزان.
ما لألالت الفور بأذنابها:
يقال: ما أفعل ذلك مالألات الفور بأذنابها، أي ما حركت الظباء أذنابها، والفور الظباء لا واحد لها من لفظها، ومثله قولهم: لا أفعله ما اختلف العصران، وهما الغداة والعشي، وما كر الجديدان والملوان وهما الليل والنهار.
من ير يوما ير به:
يقول: من رأى يوما على عدوه رأى مثله على نفسه، وقيل معناه: من أحل بغيره مكروها أحل مثله به.
من مأمنه يؤتى الحذر:
هو من أمثال أكثم بن صيفي، يقول: إن الحذر لا يدفع المقدور عن صاحبه.
من يسمع يخل:
يقال: خلت الشيء إذا ظننته، والمعنى: أن من يسمع الشيء ربما ظن صحته.
من سلك الجدد أمن العثار:
يضرب مثلا لطالب العافية، والجدد المستوي من الأرض، والمثل لأكثم بن صيفي، قال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: أخبرنا أبو أحمد عن أبي بكر عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: قال أكثم: يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر، بنفسي أن بين حيزومي لبحرا من التكلم لا أجد لها مواقع غير أسماعكم ولا مقار إلا قلوبكم، فتلقوها بأسماع مصغية وقلوب واعية تحمدوا عواقبها، إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة والحزم معقول والنفس مهملة، والروية مقيدة، ومن جهة التواني وترك الروية يتلف الحزم، ولن يعدم المشاور مرشدا، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يشغل سره ويزعج قلبه ويثير غيظه لا يجاوز ضره نفسه.
ما وراءك يا عصام:
يضرب مثلا في استعلام الخبر.
المنية ولا الدنية:
ويقولون: النار ولا العار.
المكثار كحاطب ليل:
هذا من كلام أكثم بن صيفي، وإنما شبهه بحاطب ليل؛ لأنه ربما نهشته الحية ولدغته العقرب في احتطابه ليلا، فكذلك المكثار ربما يتكلم بما فيه هلاكه.
ما له سارحة ولا رائحة:
سرحت الماشية أرسلتها في المرعى فسرحت هي، والمعنى: ما له ما يسرح ويروح أي شيء، ومثله كثير.
ما عنده خير ولا مير:
الخير: كل ما رزقه الناس من متاع الدنيا، والمير: ما جلب من الميرة، وهو ما يتقوت فيتزود.
من قنع بما هو فيه قرت عينه.
معاتبة الإخوان خير من فقدهم:
هذا مثل قولهم: وفي العتاب حياة بين أقوام.
من ضاق عنه الأقرب أتاح الله له الأقرب.
من الحبة تنشأ الشجرة.
المرأة من المرء، وكل إدماء من آدم:
يقال: هذا أول مثل جرى للعرب.
من طلب شيئا وجده.
من ملك استأثر:
يضرب لمن يلي أمرا فيفضل على نفسه وأهله، فيعاب عليه فعله.
من أجدب انتجع:
يضرب للمحتاج.
من يزرع الشوك لا يحصد به العنبا.
من نام لا يشعر بشجو الأرق:
يضرب لمن غفل عما يعانيه صاحبه من المشقة.
حرف النون
النفس مولعة بحب العاجل:
هذا المثل لجرير بن الخطفي حيث يقول:
إني لأرجو منك شيئا عاجلا
والنفس مولعة بحب العاجل
نفس عصام سودت عصاما:
قيل: إنه عصام بن شهير حاجب النعمان بن المنذر، الذي قال له النابغة الذبياني حين حجبه عن عيادة النعمان من قصيدة له:
فأني لا ألومك في دخول
ولكن ما وراءك يا عصام
يضرب في نباهة الرجل من غير قديم، وهو الذي تسميه العرب الخارجي، يعني أنه خرج بنفسه من غير أولية كانت له، قال كثير:
أبا مروان لست بخارجي
وليس قديم مجدك بانتحال
وفي المثل: كن عصاميا ولا تكن عظاميا، وقيل:
نفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وصيرته ملكا هماما
نفسك بما تحجحج أعلم:
أي أنت بما في قلبك أعلم من غيرك، يقال: حجحج الرجل إذا أراد أن يقول ما في نفسه ثم أمسك، وهو مثل المجمجة.
الناس مجزيون بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر:
أي إن عملوا خيرا يجزون خيرا، وإن عملوا شرا يجزون شرا.
نفخت لو تنفخ في فحم:
يضرب مثلا للحاجة تطلب في غير موضعها أو ممن لا يرى لك قضاءها، قال الراجز:
قد نفخوا لا ينفخون من فحم
والفحم بالتحريك لا يجوز إسكانه.
الناس بخير ما تباينوا:
أي ما دام فيهم الرئيس والمرءوس، فإذا تساووا هلكوا.
نام عصام ساعة الرحيل.
الناس كأسنان المشط:
أي متساوون في النسب، أي: كلهم بنو آدم.
حرف الهاء
الهوى هوان:
أول من قال ذلك رجل من بني ضبة يقال له أسعد بن قيس، وصف الحب فقال: هو أظهر من أن يخفى، وأخفى من أن يرى، فهو كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، وإن الهوى الهوان، ولكن غلط باسمه، وإنما عرف ما أقول من أبكته المنازل والطلول. فذهب قوله مثلا.
هو على حبل ذراعك:
أي الأمر فيه إليك، يضرب في قرب المتناول، قال الأصمعي: يضرب للأخ لا يخالف أخاه في شيء بإخائه إشفاقا عليه؛ أي هو كما تريد طاعة وانقيادا، وحبل الذراع عرق في اليد.
هذا أحق منزل بترك:
يضرب لكل شيء استحق أن يترك من رجل أو جوار أو غيره، قال أبو عوسجة:
هذا أحق منزل بترك
الذئب يعوي والغراب يبكي
هذا أوان الشد فاشتدي زيم:
زعم الأصمعي أن زيم في هذا الموضع اسم فرس، وشد واشتد إذا عدا، يضرب للرجل يؤمر بالجد في أمره.
هو عندي باليمين:
أي: بالمنزلة الشريفة.
هو على طرف الثمام:
يضرب مثلا للأمر يسهل مطلبه والحاجة تنال بلا مشقة، والثمام كغراب نبت لا يطول فيشق على المتناول.
هو ينسى ما يقول:
قال ثعلب: إنما تقول هذا إذا أردت أن تنسب أخاك إلى الكذب.
هذا جناي وخياره فيه:
يضرب مثلا لترك الاستئثار، والمثل لعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة، وكان جذيمة قد نزل منزلا فأمر أصحابه باجتناء الكمأة، وكان بعضهم إذا وجد شيئا يعجبه استأثر به، وكان عمرو يأتيه بجناه على وجهه ويقول:
هذا جناي وخياره فيه
إذ كل جان يده إلى فيه
الهيبة من الخيبة:
ويروى الهيبة خيبة، يعني: إذا هبت شيئا رجعت منه بالخيبة.
هل من مغربة خبر:
ويروى هل من جائبة خبر، أي: هل من خبر غريب أو خبر يجوب البلاد؟
هل يخفى على الناس القمر:
يضرب للأمر المشهور، قال ذو الرمة:
وقد بهرت فما تخفى على أحد
إلا على أحد لا يعرف القمرا
هون عليك ولا تولع بإشفاق:
أي لا تكثر الحزن على ما فاتك؛ فإنك تاركه ومخلفه على الورثة، وتمام البيت :
فإنما مالنا للوارث الباقي
حرف الواو
وقع القوم في ورطة:
قال أبو عبيد: أصل الورطة الأرض التي تطمئن لا طريق فيها، وورطه وأورطه إذا أوقعه في الورطة، يضرب في وقوع القوم في الهلكة.
وشيعة فيها ذئاب ونقد:
الوشيعة مثل الحظيرة تبنى من فروع الشجر للشاء، والنقد: صغار الغنم، يضرب لمكان فيه الظلمة والضعفة ولا مجير ولا مغيث.
ويل لعالم أمر من جاهله:
قاله أكثم بن صيفي في كلام له.
وقع في روضة وغدير:
يضرب لمن وقع في خصب ودعة.
الوحدة خير من جليس السوء:
قال أبو عبيد: هذا من أمثالهم السائرة في القديم والحديث.
ويل للشجي من الخلي:
قال في الصحاح: رجل شج أي حزين، وامرأة شجية على فعلة ويقال: ويل للشجي من الخلي، قال المبرد: ياء الخلي مشددة وياء الشجي مخففة، قال: وقد شددت في الشعر وأنشد:
نام الخليون عن ليل الشجيينا
شأن السلاة سوى شأن المحبينا
فإن فعلت الشجي فعيلا من شجاه الحزن، فهو مشجو وشجي فهو بالتشديد لا غير.
وجد تمرة الغراب:
يضرب لمن وجد أفضل ما يريد، وذلك أن الغراب يطلب من التمر أجوده.
وافق شن طبقه:
قال الشرقي بن القطامي: كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له شن، فقال: والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها. فبينما هو في بعض مسيره إذ وافقه رجل في الطريق فسأله شن أين تريد؟ فقال: موضع كذا. يريد القرية التي يتصدها شن، فرافقه حتى إذا أخذا في مسيرهما قال له شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك وتحملني؟! فسكت عنه شن وسارا حتى إذا قربا من القرية إذا بزرع قد استحصد، فقال شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فقال الرجل: يا جاهل ترى نبتا مستحصدا فتقول: أكل أم لا؟! فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة، فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حيا أو ميتا؟ فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي؟! فسكت عنه شن، فأراد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه وكان للرجل بنت يقال لها طبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه، فأخبرها بمرافقته إياه وشكا إليها جهله، وحدثها بحديثه.
فقالت: يا آبت ما هذا بجاهل، أما قوله: أتحملني أم أحملك، فأراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا.
وأما قوله: أترى هذا الزرع أكل أم لا، فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟
وأما قوله: في الجنازة، فأراد هل ترك عقبا يحيى بهم ذكره أم لا؟
فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم، ففسره فقال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني من صاحبه، قال: ابنة لي، فخطبها إليه، فزوجه إياها وحملها إلى أهله. فلما رأوها قالوا: وافق شن طبقة فذهبت مثلا يضرب للمتوافقين. وقال الأصمعي: هم قوم كان لهم وعاء من أدم فتشنن، فجعلوا له طبقا، فقيل: وافق شن طبقه، وهكذا رواه أبو عبيد في كتابه وفسره.
ويل أهون من ويلين:
هذا مثل قولهم: بعض الشر أهون من بعض.
الوفاء من الله بمكان:
أي للوفاء عند الله محل ومنزلة، يضرب في مدح الوفاء بالوعد.
حرف الياء
يا عاقد اذكر حلا:
ويروى: يا حامل فإذا قلت: يا عاقد فقولك: حلا، يكون نقيض العقد، وإذا رويت يا حامل فالحل بمعنى الحلول يقال: حل بالمكان يحل حلا وحلولا ومحلا، وأصله في الرجل يشد حمله فيسرف في الاستيثاق حتى يضر ذلك به عند الحلول. يضرب مثلا للنظر في العواقب.
يوم لنا ويوم علينا:
يضرب في انقلاب الدول والتسلي عنها.
يظن بالمرء مثل ما يظن بقرينه:
هذا مثل قولهم: عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه.
يكفيك مما لا ترى ما قد ترى:
يضرب في الاعتبار والاكتفاء بما يرى دون الاختبار لما لا يرى.
يداك أوكتا وفوك نفخ:
يقال ذلك لمن يوقع نفسه في مكروه، وأصله أن رجلا أراد أن يعبر نهرا على سقاء ، فلم ينفخه ولم يوكه على ما ينبغي، فلما توسط النهر انحل وكاؤه، فصاح: الغرق! فقيل له: يداك أوكتا وفوك نفخ. أي إنك من قبل نفسك أتيت، والوكأ: الخيط يشد به رأس السقاء.
يا ماء لو بغيرك غصصت:
يضرب لمن دعي من حيث ينتظر الخلاص والمعونة.
يجري بليق ويذم:
بليق: اسم فرس كان يسبق وهو مع ذلك يدب، يضرب في ذم المحسن.
يقلب كفيه:
يضرب للنادم على ما فاته، قال الله تعالى:
فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها .
يضربني ويصأى:
يقال: صأى يصأى ويقلب، فيقال: صاء يصيء، وهذا كقولهم: تلدغ العقرب وتصيء.
يسر حسوا في ارتغاء:
الارتغاء: شرب الرغوة، قال أبو زيد والأصمعي: أصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها، فيشربها وهو مع ذلك ينال من اللبن، يضرب لمن يريك أنه يعينك، وإنما يجر النفع إلى نفسه.
يحسب الممطور أن كلا مطر:
يضرب للغني الذي يظن كل الناس في مثل حاله.
يوهي الأديم ولا يرقع:
يضرب لمن يفسد ولا يصلح.
يأتيك كل غد بما فيه:
أي بما قضي فيه من خير أو شر.
يرعد ويبرق:
يقال: وعد الرجل وبرق إذا تهدد، ويروى: يرعد ويبرق وينشد:
أرعد وأبرق يا يزي
د فما وعيدك لي بضائر
وأنكر الأصمعي هذه اللغة.
يحث وهو الآخر:
يضرب لمن يستعجلك وهو أبطأ منك.
يا ربما خان النصيح المؤتمن:
يضرب في ترك الاعتماد على أبناء الزمان.
يرقم على الماء:
يقال ذلك للرجل الحاذق، أي من حذقه يرقم حيث لا يثبت الرقم، ويضرب ذلك أيضا مثلا للشيء لا يثبت ولا يؤثر.
يأتيك بالأخبار من لم تزود.
يكوى البعير من يسير الداء:
يضرب في حسم الأمر الضائر قبل أن يعظم ويتفاقم.
يعيش المرء بأصغريه:
ويروى: يستمتع.
هذا ولنقتصر من الأمثال المشهورة على هذا القدر، وقد بقي نوع من الأمثال لم نذكر منه شيئا فيما سبق، وهو ما كان على وزن أفعل، وقد رأينا أن نورد هنا منه شيئا مما ذكر في جمهرة الأمثال أو مجمع الأمثال، فإنهما أشهر ما ألف في هذا الفن.
وها هو ذلك:
آمن من حمام مكة:
من الأمن؛ لأنها لا تثار ولا تهاج، قال شاعر الحجاز وهو النابغة:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها
ركبان مكة بين الغيل والسند
أبخل من مادر:
هو رجل بلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقى في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه ومدر الحوض به، فسمي مادرا لذلك، واسمه مخارق.
أبلغ من قس:
هو قس بن ساعدة الأيادي، وكان من حكماء العرب.
أبصر من الزرقاء:
ويقال: أبصر من زرقاء اليمامة.
قال في الصحاح: اليمامة اسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: أبصر من زرقاء اليمامة، واليمامة بلاد كان اسمها الجو، فسميت باسم هذه الجارية لكثرة ما أضيف إليها، وقيل: جو اليمامة.
أبعد من الكواكب:
ويقال: أبعد من النجم وأبعد من العيوق.
قال في الصحاح: النجم الكوكب والنجم الثريا، وهو اسم لها علم، مثل زيد وعمرو، فإذا قالوا: طلع النجم يريدون الثريا، وإن أخرجت منه الألف واللام تنكر.
والعيوق: كوكب يطلع مع الثريا.
أبين من فلق الصبح.
أبلد من ثور.
أبقى من وحي في حجر.
الوحي: الكتابة والمكتوب أيضا.
أتيم من المرقش:
يعنون المرقش الأصغر، وكان متيما بفاطمة بنت الملك المنذر، وبلغ من أمره أخيرا أن قطع المرقش إبهامه بأسنانه وجدا عليها، وفي ذلك يقول:
ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره
ومن يغو لا يعدم على البغي لائما
ألم تر أن المرء يجذم كفه
ويجشم من لوم الصديق المجاشما
أي يكلف نفسه الشدائد مخافة لوم الصديق إياه.
وأتيم: أفعل من المفعول، يقال: تامه الحب وتيمه: أي عبده وذلله، وتيم الله مثل قولك: عبد الله.
أتوى من دين:
التوى: الهلاك، يقال: توى إذا هلك، وإنما قيل ذلك لأن أكثر الديون هالك.
أتيه من قوم موسى عليه السلام:
هذا من التيه بمعنى التحير، وأرادوا به مكثهم في التيه أربعين سنة.
أثقل من الرصاص.
أجبن من صافر:
قال أبو عبيد: الصافر كل ما يصفر من الطير ، والصفير لا يكون في سباع الطير، وإنما يكون في خشاشها وما يصاد منها، وذكر محمد بن حبيب أنه طائر يتعلق من الشجر برجليه وينكس رأسه خوفا من أن ينام فيؤخذ، فيصفر منكوسا طول ليلته.
وقال في الصحاح: صفر الطائر يصفر صفيرا، أي مكا، ومنه قولهم: أجبن من صافر وأصفر من بلبل، والنسر يصفر، وقولهم: ما بها صافر، أي أحد.
أجرأ من أسامة:
وهو اسم من أسماء الأسد غير معروف.
أجرأ من قسورة:
وهو الأسد، أخذ من القسر وهو القهر.
أجرأ من السيل وأجرأ من الليل:
مهموز من الجراءة، وغير مهموز من الجري.
أجول من قطرب:
قالوا: هو دويبة تجول الليل كله لا تنام. ويقال فيها: أسهر من قطرب.
أجمع من نملة:
ويقال: أجمع من ذرة.
أجود من هرم:
هو هرم بن سنان، وكان من أجود الناس، قال أبو عبيدة: ولم يضرب به المثل، وقد مدحه زهير.
أحلم من الأحنف:
هو الأحنف بن قيس، وكنيته أبو بحر واسمه صخر من بني تميم، وكان في رجله حنف وهو الميل إلى أنسيها، وكان حليما موصوفا بذلك، حكيما معترفا له به.
أحزم من حرباء:
لأنه لا يخلي ساق شجرة حتى يمسك ساق شجرة أخرى، قال الشاعر:
إني أتيح له حرباء تنضبه
لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
أحمق من نعامة:
وذلك أنها تنتشر للطعم، فربما رأت بيض نعامة أخرى قد انتشرت لمثل ما انتشرت هي له، فتحضن بيضها وتنسى بيض نفسها، وإياها عنى ابن هرمة بقوله:
كتاركة بيضها بالعرا
ء وملبسة بيض أخرى جناحا
أحذر من غراب.
أخطب من سحبان وائل:
وهو رجل من باهلة، وكان من خطبائها وشعرائها.
أخلف من عرقوب:
قال أبو عبيد: عرقوب رجل من العماليق أتاه أخ له يسأله، فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة فقال: دعها حتى تصير بلحا، فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوا، فلما زهت قال: دعها حتى تصير رطبا، فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرا، فلما تمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجذها ولم يعط أخاه شيئا، فصار مثلا في الخلف.
أخف حلما من عصفور:
قال حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم
جسم البغال وأحلام العصافير
أخرق من ناكثة غزلها:
ويقال: من ناقضة غزلها، وهي امرأة كانت تغزل ثم تنقض غزلها، وهي التي قيل فيها: خرقاء وجدت صوفا.
وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه المرأة هي التي قال الله تعالى فيها:
ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .
أخيل من غراب:
لأنه يختال في مشيته.
أخون من ذئب:
ويقولون في مثل آخر: «من استرعى الذئب ظلم.»
أخف من فراشة.
أخف من الجماح:
الجماح بالضم والتشديد: سهم يلعب به الصبيان لا نصل له، يجعلون في رأسه مثل البندقة لئلا يعقر، وقوس الجماح مثل قوس النداف، إلا أنها أصغر، فإذا شب الغلام ترك الجماح وأخذ النبل.
أدهى من قيس بن زهير:
هو سيد عبس، وذكر من دهائه أشياء، منها أنه مر ببلاد غطفان فرأى ثروة وعديدا فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد العبسي: إنه يسوءك ما يسر الناس، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري أن مع الثروة والنعمة التحاسد والتباغض والتخاذل، وأن مع القلة التعاضد والتآزر والتناصر، ومنها قوله لقومه: إياكم وصرعات البغي وفضحات الغدر وفلتات المزح.
ومنها قوله: ثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذلة.
أذل من النقد:
قال أهل اللغة: النقد جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه، يكون بالبحرين.
أذل من البساط:
يعنون هذا الذي يبسط ويفرش فيطؤه كل أحد.
أرق من النسيم.
أرزن من النضار:
يعني: الذهب.
أروغ من ثعالة:
يعني: الثعلب.
أزهى من غراب:
لأنه إذا مشى لا يزال يختال وينظر إلى نفسه.
أزكن من إياس:
هو إياس بن معاية بن قرة المري، وكان تولى قضاء البصرة لعمر بن عبد العزيز.
والزكن: التفرس، وقد ذكر بعض الشعراء إياسا في شعره، فلم يستقم له أن يذكره بالزكن، فوضع مكانه الذكاء فقال:
أقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
ومن نوادر زكنه، أن رجلين احتكما إليه في مال فجحد المطلوب إليه المال، فقال للطالب: أين دفعت إليه المال؟ فقال: عند شجرة في مكان كذا، قال: فانطلق إلى ذلك الموضع لعلك تتذكر كيف كان أمر هذا المال، ولعل الله يوضح لك سببا. فمضى الرجل وحبس خصمه، وقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك قد بلغ موضع الشجرة؟ قال: لا بعد، قال: قم يا عدو الله أنت خائن. قال: فأقلني أقالك الله. فاحتفظ به حتى أقر ورد المال، وقد كتب المدائني كتابا سماه كتاب زكن إياس.
أسرى من أنقد:
هذا من السرى، وأنقد اسم للقنفذ معرفة لا يصرف، ولا تدخله الألف واللام، كقولهم للأسد: أسامة وللذئب: دؤالة، والقنفذ لا ينام بل يجول ليله أجمع، ويقال في مثل آخر: بات بليل أنقد، وفي مثل آخر: اجعلوا ليلكم ليل أنقد.
أسهر من النجم.
أشأم من البسوس:
قال في الصحاح: البسوس اسم امرأة، وهي خالة جساس ابن مرة الشيباني، كانت لها ناقة يقال لها سراب، فرآها كليب وائل في حماه وقد كسرت بيض طير كان قد أجاره، فرمى ضرعها بسهم، فوثب جساس على كليب فقتله، فهاجت حرب بكر وتغلب ابني وائل بسببها أربعين سنة، حتى ضربت بها العرب المثل في الشؤم، وبها سميت حرب البسوس.
أصنع من النحل:
وإنما قيل هذا لما فيه من النيقة في عمل العسل.
أصفى من جني النحل:
وهو العسل، ويقال له المزج والأري والضحك والضرب.
أصدق من قطاة:
لأن صوتها حكاية اسمها تقول: قطاة قطاة.
أصنع من سرفة:
قال في الصحاح: السرفة دويبة تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها، على مثال الناووس ثم تدخل فيه وتموت، يقال في المثل: هو أصنع من سرفة.
أضبط من نحلة.
أضوأ من الصبح.
أطيش من فراشة:
لأنها تلقي نفسها في النار.
أطيب نشرا من الروضة:
النشر: الرائحة.
أطمع من أشعب:
بلغ من طمعه أنه مر برجل يعمل طبقا، فقال : أحب أن تزيد فيه طوقا، قال: ولم؟ قال: عسى أن يهدى إلي فيه شيء.
أطيب من الماء على الظمأ.
أطير من حبارى:
لأنها تصاد بأرض البصرة، فتوجد في حواصلها الحبة الخضراء الغضة الطرية، وبينها وبين ذلك بلاد وبلاد.
أطب من حذيم:
حذيم كمنبر: رجل من تيم الرباب كان أطب العرب، وكان أطب من الحارث، قال أوس بن حجر يذكره:
فهل لكم فيها إلي فإنني
بصير بما أعيا النطاسي حذيما
أظلم من حية:
لأنها تجيء إلى جحر غيرها فتدخله وتغلبه عليه.
أظمأ من رمل:
وإنما هذا لأنه أشرب شيء للماء.
أعز من كليب وائل:
هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، وكان سيد ربيعة في زمانه، وقد بلغ من عزه أنه كان يحمي الكلأ فلا يقرب حماه ويرمي الصيد فلا يهاج، وكان إذا مر بروضة أعجبته أو غدير ارتضاه، كنع كليبا ثم رمى به هناك، فحيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى، وكان اسم كليب بن ربيعة وائلا، فلما حمى كليبه المرمى الكلأ قيل: أعز من كليب وائل، ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنوه اسمه، وكان من عزه أنه لا يتكلم أحد في مجلسه ولا يحتبي أحد عنده؛ لذلك قال أخوه مهلهل بعد موته:
نبئت أن النار بعدك أوقدت
واستب بعدك يا كليب المجلس
وتكلموا في أمر كل عظيمة
لو كنت شاهدهم بها لم ينبسوا
وكليب هذا هو الذي قتله جساس، فهاجت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنة، وقد ذكرنا ذلك عند قولهم: أشأم من البسوس.
أعيا من باقل:
هو رجل بلغ من عيه أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما، فمر بقوم فقالوا: بكم اشتريت الظبي؟ فمد يديه وأدلع لسانه يريد أحد عشر، فشرد الظبي وكان تحت إبطه.
أعدى من الحية:
هذا من العداء وهو الظلم، وهذا كقولهم: أظلم من حية.
أعدى من الجرب:
من العدوى.
أعدى من العقرب:
هذا من العداء والعداوة.
أعدى من الذئب:
هذا من العداء والعداوة والعدو.
أعدى من السليك:
هذا من العدو، وسليك تميمي من بني سعد، وسلكة أمه، وكانت سوداء وإليها ينسب، والسلكة: ولد الحجل، وذكر أبو عبيدة السليك في العدائين مع المنتشر بن وهب الباهلي وأوفى بن مطر المازني، والمثل سار بسليك من بينهم.
أعدى من الشنفرى:
هذا من العدو أيضا.
أعز من أنف الأسد.
أعجز ممن قتل الدخان:
قال ابن الأعرابي: هو رجل كان يطبخ قدرا فغشيه الدخان، فلم يتنح حتى مات، فبكته باكية وقالت: أي فتى قتله الدخان؟ فقال لها قائل: لو كان ذا حيلة تحول. أي طلب الحيلة لنفسه، ويجوز أن يكون تحول بمعنى تنقل.
أعقد من ذنب الضب:
لأن فيه عقدا كثيرا.
أغر من سراب:
لأن الظمآن يحسبه ماء، ويقال في مثل آخر: كالسراب يغر من رآه ويخلف من رجاه.
أغدر من ذئب.
أغشم من السيل.
أفسد من الجراد:
لأنه يجرد الشجر والنبات، وليس في الحيوان أكثر إفسادا لما يتقوته الإنسان منه.
أفسد من السوس:
ويقال أيضا: أفسد من السوس في الصوف في الصيف.
أفسد من الضبع:
لأنها إذا وقعت في الغنم عاثت ولم تكتف بما يكتفي به الذئب.
أفرس من ملاعب الأسنة:
هو أبو براء عامر بن مالك فارس قيس.
أفتك من عمرو بن كلثوم:
خبر فتكه يطول، وجملته: أنه فتك بعمر بن هند الملك في دار ملكه بين الحيرة والفرات وهتك سرادقه وانتهب رحله، وانصرف بالتغالبة إلى باديته بالشام موفورا لم يكلم أحد من أصحابه، فسار بفتكه المثل.
أفرغ من يد تفت اليرمع:
وذلك لأن الفارغ والمتفكر يولعان بالأرض والخط فيها، وفت ما لان من حجارتها قال في القاموس: اليرمع حجارة رخوة إذا فتتت انفتت، ويقال للمغموم المنكس: تركته يفتت اليرمع.
أقسى من الحجر.
أكسب من ذئب:
لأنه الدهر يطلب صيدا لا يهدأ ولا ينام.
أكذب أحدوثة من أسير:
هذا من قول الشاعر:
وأكذب أحدوثة من أسير
وأروغ يوما من الثعلب
أكذب من أسير السند:
وذلك أنه يؤخذ الرجل الخسيس منهم فيزعم أنه ابن الملك.
أكثر من النمل.
ألزم للمرء من ظله:
لأنه لا يزال ملازم صاحبه.
ألين من الزبد.
ألذ من الغنيمة الباردة:
تقول العرب: هذه غنيمة باردة، إذا لم يكن فيها حرب.
ألذ من إغفاءة الفجر.
ألذ من شفاء غليل الصدر.
الأم من راضع:
قال الفراء: الراضع هو الذي يكون راعيا ولا يمسك معه محلبا، فإذا جاء معتر فسأله القرى، اعتل بأن ليس معه محلب، وإذا رام هو الشرب رضع من الناقة والشاة.
أمنع من عقاب:
هذا من المنعة.
أموق من الرخمة:
قالوا: وإنما خصت من بين الطير لأنها ألأم الطير وأظهرها موقا وأقذرها طعما.
وتسمى الأنوق، قال الكميت:
وذات اسمين والألوان شتى
تحمق وهي كيسة الحويل
أمر من الخطبان:
الخطبان: الحنظل حين يأخذ فيه الاصفرار.
أمر من المقر:
المقر: الصبر بعينه، وكلاهما ككتف.
أمر من الآلاء:
الآلاء: كالعلاء شجر حسن المنظر مر الطعم.
أمرق من السهم:
مروقه مضيه وذهابه، وفي الحديث: كما يمرق السهم من الرمية.
أنسب من دغفل:
هو رجل من بني ذهل بن ثعلبة، كان أعلم أهل زمانه بالأنساب.
أنقى من مرآة الغريبة:
يعنون التي تتزوج في غير قومها، فهي تجلو مرآتها أبدا لئلا يخفى عليها من وجهها شيء.
أندم من الكسعي:
وهو رجل من كسع وهو حي من اليمن ربى نبعة حتى اتخذ منها قوسا ونبلا، فرمى الوحش ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ، فكسر القوس، فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد فندم.
قال الشاعر:
ندمت ندامة الكسعي لما
رأت عيناه ما صنعت يداه
أنم من الصبح:
لأنه يهتك كل شيء.
أنم من زجاجة على ما فيها:
لأن الزجاج جوهر لا ينكتم فيه شيء.
أنوم من الفهد:
قد اشتهر الفهد بكثرة النوم حتى قيل: إنه أنوم الحيوان.
أنشط من ظبي مقمر:
لأنه يأخذه النشاط في القمر فيلعب.
أنجب من أم البنين:
هي ابنة عمرو بن عامر فارس الضحياء، ولدت لمالك بن جعفر ابن كلاب ملاعب الأسنة عامرا، وفارس قرزل طفيل الخيل والد ابن الطفيل، وربيع المقترين ربيعة، ونزال المضيف سلمى، ومعوذ الحكماء معاوية، قال لبيد يفتخر بها:
نحن بني أم البنين الأربعة
وإنما قال أربعة مع أن هؤلاء خمسة؛ لأن أباه ربيعة كان قد مات وبقي أعمامه وهم أربعة. وأما قول بعضهم إنه إنما قال أربعة وهم خمسة، لأجل إقامته الوزن، ففيه نظر من وجهين؛ أحدهما: أن ذكر الخمسة هنا لا ينكسر به الشعر. الثاني: أن الشاعر لا يسوغ له أن يأتي بخلاف الواقع لإقامة الوزن، ولو ساغ ذلك لارتفع الوثوق بما يرد في الشعر، وهو ديوان العرب.
أهدى من قطاة:
ويقال: أهدى من حمامة.
أهول من السيل:
ويقال: أهول من الحريق.
أوفى من السموأل:
هو السموأل بن عاديا اليهودي، أودعه امرؤ القيس دروعا وسيوفا وخرج إلى الروم، فقصده ملك من ملوك الشام فتحرز منه السموأل، فأخذ الملك ابنا له وكان خارجا من الحصن، وقال: إن سلمت إلي الدروع والسيوف وإلا ذبحت ابنك. فقال: شأنك فإني غير مخفر ذمتي. فذبحه وانصرف بالخيبة، فقال الأعشى:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به
في جحفل كسواد الليل جرار
فقال ثكل وغدر أنت بينهما
فاختر وما فيهما حظ لمختار
فشك غير طويل ثم قال له
اقتل أسيرك إني مانع جاري
والذين يضرب بهم المثل في الوفاء كثير، منهم عوف بن محلم والحارث بن ظالم والحارث بن عباد وأم جميل.
أولع من قرد.
أيبس من صخر.
أيقظ من ذئب.
هذا ما تيسر إيراده من الأمثال، ومن أراد الزيادة على ما ذكر هنا فليرجع إلى الكتب المبسوطة في ذلك، وإنما لم نتعرض لأمثال المولدين وأمثال العامة لعدم تعلق الغرض بذلك.
خاتمة في فوائد شتى تتعلق بالأمثال
(1) الفائدة الأولى
قال بعض علماء البيان: لا ينبغي للأديب أن يخل بمعرفة الأمثال؛ لأن الحاجة إليها شديدة، وذلك لأن العرب لم تضع الأمثال إلا لأسباب أوجبتها وحوادث اقتضتها، فصار المثل المضروب لأمر من الأمور عندهم كالعلامة التي يعرف بها الشيء، وليس في كلامهم أوجز منها ولا أشد اختصارا.
ومن أمثلة ذلك هذا المثل، وهو «إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر»، وأصله أن اثنين تراهنا على الشمس والقمر ليلة أربع عشرة من الشهر، فقال أحدهما: تطلع الشمس والقمر يرى، وقال الآخر: يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس، فتراضيا برجل جعلاه حكما بينهما، وكان بحضرتهما قوم مالوا إلى أحدهما، فقال الآخر: إن قومي يبغون علي، فقال الحكم: «إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر»، فذهبت مثلا.
ولا يخفى أن قول القائل: «إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر.» إذا أخذ على ظاهره من غير نظر إلى القرائن المنوطة به والأسباب التي قيل من أجلها، لا يعطي من المعنى ما قد أعطاه المثل، وذلك أن المثل له مقدمات وأسباب قد عرفت وصارت مشهورة بين الناس، وحيث كان الأمر كذلك جاز أن يراد هذه الألفاظ في التعبير عن المعنى المراد.
ولولا تلك المقدمات المعلومة والأسباب المعروفة لما فهم من قول هذا القائل المعنى الذي قصده. (2) الفائدة الثانية
قال بعض علماء البيان: من ضروب الاستعارة التمثيل، وهو أن تمثل شيئا بشيء فيه إشارة نحو قول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي
بسهميك في أعشار قلب مقتل
فمثل عينيها بسهمي الميسر يعني المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب له ثلاثة أنصباء، فصار جميع أعشار قلبه للسهمين اللذين مثل بهما عينيها، ومثل قلبه بأعشار الجزور، فتمت له جهات الاستعارة والتمثيل، ومعنى التمثيل: اختصار قولك مثل كذا وكذا كذا وكذا.
والتمثيل والاستعارة من التشبيه إلا أنهما بغير آلته وعلى غير أسلوبه.
والمثل المضروب في الشعر نحو قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
راجع إلى ما ذكر لأن معناه ستبدي لك الأيام كما أبدت لغيرك، ويأتيك بالأخبار من لم تزود كما جرت عادة الزمان، وتسمية المثل دالة على ذلك؛ لأن المثل والمثل الشبيه والنظير، وقيل إنما سمي مثلا لأنه ماثل لخاطر الإنسان أبدا، يتأسى به ويعظ ويأمر ويزجر، والماثل الشاخص المنتصب من قولهم: طلل ماثل أي: شاخص، فإذا قيل رسم ماثل فهو الدارس، والماثل من الأضداد، وقال قوم: إنما معنى المثل المثال الذي يحذى عليه كأنه جعله مقياسا لغيره، وهو راجع إلى ما ذكر. قال بعض العلماء: في المثل ثلاث خلال، إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه، وقد يكون المثل بمعنى الصفة ومن ذلك قوله تعالى:
مثل الجنة التي وعد المتقون
أي صفة الجنة.
والمثل السائر كثير نظما ونثرا، وأفضله أوجزه، وأحكمه أصدقه، وقد تأتي الأمثال الطوال محكمة إذا تولاها النصحاء من الناس.
ومن الأمثال القصار في القرآن:
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت .
ومن الأمثال الطوال فيه:
والذين كفروا بربهم أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
الآية، ثم قال:
أو كظلمات في بحر لجي
الآية.
والأناشيد في هذا الباب كثيرة، فمنها ما فيه مثل واحد، ومنها ما فيه مثلان، ومنها ما فيه ثلاثة أمثال، ومنها ما فيه أربعة أمثال وهو قليل جدا.
فما فيه مثل واحد قول عنترة العبسي:
نبئت عمرا غير شاكر نعمتي
والكفر مخبثة لنفس المنعم
فجاء بالمثل غير محتاج إلى ما قبله، وكذلك قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
ومما فيه مثلان قول امرئ القيس:
الله أنجح ما طلبت به
والبر خير حقيبة الرحل
فجاء بمثلين كل واحد منهما قائم بنفسه غير محتاج إلى صاحبه، وكذلك قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
وقول عبيد بن الأبرص الأسدي:
الخير يبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ومما فيه ثلاثة أمثال قول زهير:
وفي الحلم إذعان وفي العفو دربة
وفي الصدق منجاة من الشر فاصدق
فأتى بكل مثل في ربع بيت ثم جعل الربع الآخر زيادة في شرح ما قبله، وكذلك قول النابغة الذبياني:
الرفق يمن والأناة سلامة
فاستأن في رفق تلاق نجاحا
فجاء بثلاثة أمثال إلا أنها مداخلة لم تسلم سلامة ما قبلها من كلام زهير، وقال ابن عبد القدوس:
كل آت لا بد آت وذو الجه
ل معنى والغم والحزن فضل
فجاء بثلاثة أمثال مداخلة الوزن أيضا .
ومما فيه أربعة أمثال قول الشاعر:
فالهم فضل وطول العيش منقطع
والرزق آت وروح الله منتظر
ومن الأمثال أيضا كلمات سارت على وجه الدهر كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، يضرب مثلا للذي رؤيته دون السماع به وفي كل ما جرى هذا المجرى. وكذلك قولهم: على أهلها جنت براقش، يضرب مثلا للرجل يهلك قومه بسببه.
وقد يطلقون المثل ويريدون به التمثيل.
وهذه الأشياء في الشعر إنما هي نبذ تستحسن ونكت تستطرف مع القلة وفي الندرة، فأما إذا كثرت فهي دالة على الكلفة، فلا يجب لشعر أن يكون مثلا كله وحكمة كشعر صالح ابن عبد القدوس، فقد قعد به عن أصحابه وهو يتقدمهم في الصناعة لإكثاره من ذلك، وكذلك لا يجب أن يكون استعارة وبديعا كشعر أبي تمام، فقد رأيت ما قال فيه المتعقبون له كالجرجاني وأبي القاسم بن بشر الآمدي وغيرهما.
ولا ينبغي للشعر أيضا أن يكون خاليا من هذه الحلى فارغا منها ككثير من شعر أشجع وأشباهه من هؤلاء المطبوعين جملة، مع أنه لا بد لكل شاعر من طريقة تغلب عليه فينقاد إليها طبعه ويسهل عليه تناولها. (3) الفائدة الثالثة
قال في الإتقان: في النوع السادس والستين في أمثال القرآن فائدة، عقد جعفر بن شمس الخلافة في كتاب الآداب بابا في ألفاظ من القرآن جارية مجرى المثل، وهذا هو النوع البديعي المسمى بإرسال المثل، وأورد من ذلك قوله تعالى:
ليس لها من دون الله كاشفة .
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .
الآن حصحص الحق .
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه .
ذلك بما قدمت يداك .
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان .
أليس الصبح بقريب .
وحيل بينهم وبين ما يشتهون .
لكل نبإ مستقر .
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
قل كل يعمل على شاكلته .
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
كل نفس بما كسبت رهينة .
ما على الرسول إلا البلاغ .
ما على المحسنين من سبيل .
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة .
آلآن وقد عصيت قبل .
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى .
ولا ينبئك مثل خبير .
كل حزب بما لديهم فرحون .
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .
وقليل من عبادي الشكور .
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
لا يستوي الخبيث والطيب .
ظهر الفساد في البر والبحر .
ضعف الطالب والمطلوب .
لمثل هذا فليعمل العاملون .
وقليل ما هم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار .
في ألفاظ أخر ... ا.ه. (4) الفائدة الرابعة
وقد وقع ضرب المثل في القرآن كثيرا، قال تعالى:
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ، وقال تعالى:
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
وأمثال القرآن قسمان: ظاهر مصرح به، وكامن لا ذكر للمثل فيه.
فمن أمثلة الأول قوله تعالى:
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير .
ومن أمثلة الثاني قوله تعالى:
أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .
أخرج البخاري عن ابن عباس أنه قال: قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت:
أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء. فقال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني عمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى عرف أعماله.
والأمثال المضروبة في القرآن قد تدل على تحقيق أمر أو إبطاله، أو تفخيم أمر أو تحقيره إلى غير ذلك، وكثير منها قد تستنبط منه أحكام.
وقد ألف في أمثال القرآن الإمام أبو الحسن الماوردي. (4-1) طرفة
قال الإمام المذكور: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت أبي يقول: سألت الحسن بن الفضل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله «خير الأمور أوساطها»؟ قال: نعم، في أربعة مواضع، قوله تعالى:
لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ، وقوله تعالى:
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، وقوله تعالى:
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ، وقوله تعالى:
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا .
قلت: تجد في كتاب الله «من جهل شيئا عاداه»، قال: نعم في موضعين:
بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ،
وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم .
قلت: فهل تجد في كتاب الله «احذر شر من أحسنت إليه»؟ قال: نعم،
وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله .
قلت: فهل تجد في كتاب الله «ليس الخبر كالعيان»، قال: في قوله تعالى:
أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي .
قلت: فهل تجد «في الحركات البركات»؟ قال: في قوله تعالى:
ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة .
قلت: فهل تجد «كما تدين تدان»؟ قال: في قوله تعالى:
من يعمل سوءا يجز به .
قلت: فهل تجد فيه قولهم «حين تقلى تدري»؟ قال:
وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا .
قلت: فهل تجد فيه «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»؟ قال:
هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل .
قلت: فهل تجد فيه «من أعان ظالما سلط عليه»؟ قال:
كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير .
قلت: فهل تجد فيه قولهم: «لا تلد الحية إلا حيية؟» قال: قال تعالى:
ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا .
قلت: فهل تجد فيه «للحيطان آذان»؟ قال:
وفيكم سماعون لهم .
قلت: فهل تجد «الجاهل مرزوق والعالم محروم»؟ قال:
من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا .
قلت: فهل تجد فيه «الحلال لا يأتيك إلا قوتا والحرام لا يأتيك إلا جزافا»؟ قال:
إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم . (5) الفائدة الخامسة
من الأمثال الموضوعة على ألسنة الحيوانات مثل قولهم: «إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.» والأصل فيه ما ذكروا وهو أن اصطحب أسد وثور أحمر وثور أبيض وثور أسود في أجمة، فقال الأسد للأحمر والأسود: هذا الأبيض يفضحنا بلونه ويطمع فينا من يقصدنا، فلو تركتماني آكله أمنا فضيحة لونه. فأذنا له في ذلك فأكله.
ثم قال للأحمر: هذا الأسود يخالف لوني ولونك، ولو بقيت أنا وأنت ظنك من يراك أسدا مثلي، فدعني آكله. فسكت عنه فأكله، ثم قال للثور الأحمر: لم يبق إلا أنا وأنت وأريد أن آكلك. فقال: إن كنت فاعلا ولا بد، فدعني أصعد تلك الهضبة وأصيح ثلاثة أصوات. فقال: افعل ما تريد. فصعد وصاح ثلاثة أصوات: ألا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض. فجرت مثلا. (6) الفائدة السادسة
قال بعض الكتاب: اعلم أن الكاتب يحتاج إلى النظر في الأمثال الواردة عن العرب نثرا ونظما، والنظر في الكتب المصنفة في ذلك كأمثال الميداني والمفضل بن سلمة الضبي وحمزة الأصفهاني وغيرهم، وكذلك أمثال المولدين الواردة في أشعارهم كالأمثال الواردة في شعر جرير والفرزدق ونحوهما، وكذلك أمثال المحدثين الواردة في أشعارهم كالأمثال الواردة في شعر أبي العتاهية وأبي تمام والمتنبي، فإن حكم ما ورد من الأمثال في شعر المولدين والمحدثين حكم أمثال العرب الشعرية، أما في شعر المولدين فلجريهم على أسلوب العرب وركوب جادتهم، وأما في شعر المحدثين فللطافة مأخذهم واستطراف ما يأتون به من الأمثال.
وذلك أن المثل له مقدمات وأسباب قد عرفت وصارت مشهورة بين الناس معلومة عندهم، وهذه الألفاظ الواردة في المثل دالة عليها معبرة عن المراد بها بأقصر لفظ وأوجزه.
ولذا نطق بها في كل زمان على كل لسان.
ولم يسر شيء كسيرها ولا عم عمومها حتى قالوا: «أسير من مثل.» وقد ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه فقال:
ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وقال تعالى :
وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل
الآية.
وقال تعالى:
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ، إلى غير ذلك من آي القرآن.
وهو على ضربين: قريب من الفهم لظهور معناه وكثرة دورانه بين الناس، وبعيد من الفهم لخفائه وقلة دورانه بين الناس.
فالأول مثل قولهم: عند الصباح يحمد القوم السرى.
والثاني مثل قولهم: إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر.
وأما الأمثال الواردة نظما، فهي كلمات استحسنت في الشعر وطابقت وقائع عامة جارية بين الناس، فتداولها الناس وأجروها مجرى الأمثال النثرية، وقد روي أن النبي
صلى الله عليه وسلم
كان يتمثل بقول طرفة:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وثبت في الصحيح أنه
صلى الله عليه وسلم
قال: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وقد أجاد بعض الشعراء حيث قال مضمنا لها:
تأمل سطور الكائنات فإنها
من الملأ الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها
ألا كل شيء ما خلا الله باطل (6-1) تنبيهان
التنبيه الأول
لا يشترط في المثل أن يكون الممثل به متحقق الوجود في الخارج؛ لأن التمثيل يصح مع ذلك ويكون جاريا على سبيل الفرض والتقدير، وقد أشار إلى ذلك بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى:
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .
ومعنى إنبات الحبة سبع سنابل أن تخرج ساقا يتشعب منه سبع شعب لكل واحدة منها سنبلة فيها مائة حبة.
وفي الآية حذف مضاف إذ التقدير، مثل نفقات الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، وحذف لوجود الدليل عليه.
التنبيه الثاني
لا يجوز مخالفة الأمثال الواردة في القرآن؛ ولذلك أنكر على الحريري قوله: فأدخلني بيتا أحرج من التابوت، وأوهى من بيت العنكبوت، قال: فيه مخالفة لقوله تعالى:
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت .
وليس من هذا القبيل ضرب المثل بجناح البعوضة؛ فإنه ليس فيه مخالفة لقوله تعالى:
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها . (7) الفائدة السابعة
اختلف في سبب نزول قوله تعالى:
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون .
فقال بعض المفسرين: إن الله تعالى ضرب في هذه السورة هذين المثلين للمنافقين، يعني قوله:
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ، وقوله:
أو كصيب من السماء
الآيات الثلاث، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فنزل ذلك.
وقال بعضهم: إن الله تعالى لما ضرب المثل بالذباب في قوله:
وإن يسلبهم الذباب شيئا ، وبالعنكبوت في قوله:
كمثل العنكبوت
قال أهل الضلال: ما أراد الله من ذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ فنزل ذلك.
قال القفال: وقد يجوز أن ينزل ذلك ابتداء؛ لأن معناه في نفسه مفيد.
ومعنى الآية أن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة فما فوقها، ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها.
وأصل الاستحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يذم به، ولا يجوز ذلك على الله تعالى، لكن الترك لما كان من لوازمه عبر به عنه، ويجوز أن يكون وقع في كلام الكفار هذه العبارة، وهي أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت، فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال، وهو فن من كلامهم بديع.
وضرب المثل صنعه، وهو من ضرب اللبن وضرب الخاتم، تقول: ضرب مثلا إذا صنعه وبينه، وتقول: ضرب كذا مثلا إذا جعله مثلا، وهو هنا يتعدى إلى مفعولين.
وقد اختلف في المراد بقوله:
فما فوقها ، فقيل المراد به ما فوق البعوضة في القدر، كالذباب والعنكبوت.
وقيل المراد به ما فوق البعوضة في المعنى الذي ضربت فيه مثلا، وهو الحقارة، فيكون المعنى فما دونها، وذلك مثل الذرة وجناح البعوضة، وهذا كما يقال في الرجل يذكره الذاكر فيصفه باللؤم والشح، فيقول السامع: نعم، وفوق ذلك أي فوق الذي وصف به.
وما في قوله مثلا ما هي ما الإبهامية، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما وزادته عموما، كقولك: أعطني كتابا ما، تريد أي كتاب كان.
وقيل ما هنا زائدة للتأكيد كالتي في قوله تعالى:
فبما نقضهم ميثاقهم .
قال في المغني في مبحث ما: وتزاد بعد أداة الشرط، جازمة كانت نحو:
أينما تكونوا يدرككم الموت ،
وإما تخافن ، أو غير جازمة نحو:
حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم ، وبين المتبوع وتابعه في نحو:
مثلا ما بعوضة .
قال الزجاج: ما حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين، ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود، وبعوضة بدل وقيل ما اسم نكرة صفة لمثلا أو بدل منه، وبعوضة عطف بيان على ما. (8) الفائدة الثامنة
قد ذكر في العقد الفريد كثيرا من الأمثال، وقد أوردها على أسلوب آخر، وقد رأينا أن نلخص ذلك لما فيه من الفوائد المهمة، وقد وقع فيما لخصناه شيء مما سبق ذكره، وها هو ذلك ملخصا. (8-1) كتاب الجوهرة في الأمثال
قد مضى قولنا في العلم والأدب، وما يتولد منهما وينسب إليهما من الحكم النادرة والفطن البارعة، ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الأمثال التي هي وشي الكلام وجوهر اللفظ وحلى المعاني التي تخيرتها العرب وقدمتها العجم، ونطق بها في كل زمان وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها، ولا عم عمومها، حتى قيل: أسير من مثل.
ما أنت إلا مثل سائر
يعرفه الجاهل والخابر
وقد ضرب الله عز وجل الأمثال في كتابه وضربها رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في كلامه.
قال الله عز وجل:
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له .
وقال:
ضرب الله مثلا رجلين ، ومثل هذا كثير في آي القرآن.
فأول ما نبدأ به أمثال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ثم أمثال العلماء، ثم أمثال أكثم بن صيفي وبزرجمهر الفارسي، وهي التي كان يستعملها جعفر بن يحيى في كلامه، ثم أمثال العرب التي رواها أبو عبيد وما أشبهها من أمثال العامة، ثم الأمثال التي استعملها الشعراء في أشعارهم في الجاهلية والإسلام. (8-2) أمثال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال النبي
صلى الله عليه وسلم
حين ذكر الدنيا وزينتها: إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم.
وقال حين ذكر الغلو في العبادة: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
وقال: إياكم وخضراء الدمن. قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء.
وقال: الإيمان قيد الفتك.
وقال: إن من البيان لسحرا.
وقال: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
وقال: الحرب خدعة.
وله أمثال كثيرة غير هذه، ولكنا لم نذهب في كل باب إلى استقصائه، وإنما ذهبنا إلى أن نكتفي بالبعض ونستدل بالقليل على الكثير، ليكون أسهل مأخذا للحفظ وأبرأ من الملالة.
تفسيرها
قوله: إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم. فالحبط كما ذكر أبو عبيد عن الأصمعي أن: تأكل الدابة حتى ينتفخ بطنها وتمرض منه، يقال: حبطت الدابة تحبط حبطا، وقوله أو يلم معناه: أو يقرب ذلك منه.
وقوله: الإيمان قيد الفتك، أي منع منه كأنه قيد له، وفي حديث آخر لا يفتك مؤمن.
وقوله: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، معناه: إن لدغ مرة تحفظ أخرى.
وقوله: الحرب خدعة يريد أنها بالمكر والخدعة. (8-3) أمثال روتها العلماء
داود بن أبي هند عن الشعبي أن رجلا من بني إسرائيل صاد قبرة، فقالت: ما تريد أن تصنع بي، قال: أذبحك فآكلك، قالت: والله ما أشفي من برم ولا أغني من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هن خير لك من أكلي.
أما الواحدة فأعلمكها وأنا في يدك، والثانية إذا صرت على هذه الشجرة، والثالثة إذا صرت على الجبل، فقال: هات، فقالت: لا تلهفن على ما فاتك. فخلى عنها ، فلما صارت على الشجرة قال: هات الثانية. قالت: لا تصدقن بما لا يكون أن يكون. ثم طارت فصارت على الجبل، فقالت: يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درة فيها زنة عشرين مثقالا. قال: فعض على شفتيه وتلهف، قال: هات الثالثة. فقالت له: أنت نسيت الاثنين فكيف أعلمك الثالثة، ألم أقل لك لا تلهفن على ما فاتك، فقد تلهفت علي إذ فتك وقلت لك: لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون، فصدقت، أنا وعظمي وريشي لا أزن عشرين مثقالا فكيف يكون في حوصلتي ما يزنها؟!
من ضرب به المثل من الناس
قالت العرب: أسخى من حاتم، وأعز من كليب وائل، وأسود من قيس بن عاصم، وأبلغ من سحبان وائل، وأحلم من الأحنف بن قيس، وأصدق من أبي ذر الغفاري.
من يضرب به المثل من النساء
يقال: أشأم من البسوس، وأبصر من زرقاء اليمامة.
ما تمثلوا به من البهائم
قالوا: أشجع من أسد، وأجبن من الصافر، وأحذر من غراب، وأسمع من فرس، وأنوم من فهد، وأضرع من سنور.
ما ضرب به المثل من غير الحيوان
قالوا: أهدى من النجم، وأمضى من السيل، وأوسع من الدهناء، وأثقل من الجبل.
إكثار الكلام وما يتقى منه
قالوا: من ضاق صدره اتسع لسانه.
من أكثر أهجر، أي خرج إلى الهجر وهو القبيح من القول، وقالوا: المكثار كحاطب ليل وجالب خيل، ربما نهشته الحية أو لسعته العقرب في احتطابه ليلا.
في الصمت
قالوا: الصمت حكم، وقليل فاعله.
وقالوا: الندم على السكوت خير من الندم على الكلام.
وقالوا: السكوت سلامة.
القصد في المدح
منه قولهم: من حفنا أو رفنا فليقتصد. يقول: إن من مدحنا فلا يغلون في ذلك.
وقولهم: لا تهرف بما لا تعرف، الهرف: الإطناب في المدح والثناء.
ومنه قولهم: شاكه أبا يسار، من دون ذا ينفق الحمار. أخبر أبو محمد الأعرابي عن رجل من بني عامر بن صعصعة قال: لقي أبو يسار رجلا بالمربد يبيع حمارا ورجل يسومه، فجعل أبو يسار يطري الحمار، فقال المشتري : أعرفت الحمار؟ قال: نعم، قال: كيف سيره؟ قال: يصطاد به النعام معقولا، فقال له البائع: شاكه أبا يسار من دون أن ينفق الحمار، والمشاكهة: المقاربة والقصد.
صدق الحديث
من قولهم: لا يكذب الرائد أهله. معناه: أن الذي يرتاد لأهله منزلا لا يكذبهم فيه، ومنه قولهم: القول ما قالت حذام.
من صمت ثم نطق بالفهاهة
قالوا: سكت ألفا ونطق خلفا، الخلف من كل شيء الرديء.
انكشاف الأمر بعد اكتتامه
من قولهم: حصحص الحق، وقولهم: صرح المخض عن الزبدة.
العذر للرجل ولا يمكن أن يبديه
منه قولهم: لعل له عذرا وأنت تلوم. المرء أعلم بشأنه.
خلف الوعد
منه قولهم: ما وعده إلا برق خلب. وهو الذي لا مطر معه، وقولهم: ما وعده إلا وعد عرقوب. (8-4) أمثال الرجال واختلاف نعوتهم
في الرجل المبرز في الفضل
منه قولهم: ما يشق غباره، وأصله: السابق من الخيل.
وقولهم: ليست له همة دون الغاية القصوى.
الصلة والقطعية
من قولهم: لا خير لك فيمن لا يرى لك ما يرى لنفسه، قولهم: إنما يضن بالضنين، وقولهم: حل سبيل من وهى سقاؤه. وقولهم: ألق حبله على غاربه.
حمية القريب وإن كان مبغضا
من ذلك قولهم: آكل لحمي ولا أدعه يؤكل. ومنه: لا تعدم من ابن عمك نصرا. وقولهم: الحفائظ تحلل الأحقاد. (8-5) الأمثال في مكارم الأخلاق
الحلم
من أمثالهم في الحلم: إذا نزل الشر فاقعد. أي فاحلم ولا تسرع إليه، وقولهم: أخر الشر فإن شئت تعجلته. وقولهم في الحلماء: كأنما على رءوسهم الطير. ومنه قولهم: ربما أسمع فأذر.
المساعدة وترك الخلاف
من ذلك قولهم: إذا عز أخوك فهن. وقولهم: لولا الوئام هلك الأنام. الوئام: المباهاة، يقول: لولا المباهاة لم يفعل الناس خير.
مداراة الناس
قالوا: إذا لم تغلب فاخلب. يقول: إذا لم تغلب فاخدع ودار. وألطف منه قول شبيب بن شيبة في خالد بن صفوان: ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية، يريد أن الناس يدارونه لشره وقلوب الناس تبغضه.
اكتساب الحمد واجتناب الذم
قالوا: الحمد مغنم، والذم مغرم . ومنه قولهم: قليل الذم غير قليل.
الصبر على المصائب
من ذلك قولهم: هون عليك ولا تولع بإشفاق. وقولهم: من أراد طول البقاء فليوطن نفسه على المصائب، وقولهم: لا تلهف على ما فات.
الحض على الكرم
منه قولهم: اصطناع المعروف يقي مصارع السوء. وقول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
الخبير بالأمر البصير به
منه قولهم: على الخبير سقطت. وقولهم: كفى قوما بصاحبهم خبيرا. وقولهم: على يدي دار الحديث. وقوله: تعلمني بضب أنا حرشته. يقول: تخبرني بأمر أنا وليته، وقولهم: الخيل أعلم بفرسانها. وقولهم: كل قوم أعلم بصناعتهم.
الاستخبار عن علم الشيء وتيقنه
من ذلك قولهم: ما وراءك يا عصام؟ وأول من تكلم به النابغة الذبياني لعصام صاحب النعمان، وكان مريضا، فكان إذا لقيه النابغة قال له: ما وراءك يا عصام؟
وقولهم: ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
الأخذ في الأمور بالاحتياط
منه قولهم: إن ترد الماء بماء أكيس
وقولهم: عش ولا تغتر. يقول: عش إبلك ولا تغتر بما تقدم عليه، وقولهم: اشتر لنفسك وللسوق. ومنه الحديث المرفوع عن الرجل الذي قال: أرسل ناقتي وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل.
الاستعداد للأمر قبل نزوله
منه قولهم: قبل الرمي يراش السهم. وقولهم: قبل الرماية تملأ الكنائن. وقولهم: خذ الأمر بقوابله. أي باستقباله قبل أن يدبر، وقولهم: المحاجزة قبل المناجزة. وقولهم: يا عاقد اذكر حلا. وقولهم: خير الأمور أحمدها مغبة.
توسط الأمور
من ذلك قولهم: لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعفى. أي تلفظ، يقال: أعفى الشيء إذا اشتدت مرارته، وتقول العامة: لا تكن حلوا فتؤكل ولا مرا فتلفظ. وتوسط الأمور أدنى إلى السلامة، ومنه: خير الأمور أوسطها. ومنه قول علي بن أبي طالب: خير الناس هذا النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي.
حسن التدبير والنهي عن الخرق
الرفيق يمن. الخرق شؤم. رب أكلة تحرم أكلات. ول حارها من تولى قارها.
التأني في الأمر
من ذلك قولهم: رب عجلة تعقب ريثا، وقولهم: المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وقال القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
سوء الجوار
منه قولهم: لا ينفعك من جار سوء توق. والجار السوء قطعة من نار. ومنه هذا أحق منزل بترك.
سوء المرافقة
أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق. التئق: السريع الشر، والمئق: السريع البكاء، والتئق والمئق مهموزان.
المقادير
منه قولهم: المقادير تريك ما لا يخطر ببالك. وإذا أنزل الحين غطى العين. ولا يغني حذر من قدر. من مأمنه يؤتى الحذر.
التنوق في الحاجة
منه قولهم: فعلت فيها فعل من طب لمن حب.
استتمام الحاجة
أتبع الفرس لجامها. يريد أنك قد جدت بالفرس واللجام أيسر خطبا، فأتم الحاجة.
الحاجة يحول دونها حائل
منه قولهم: الأمر يحدث بعده الأمر. وقولهم: أخلف رويعيا ظنه. وأصله: أن راعيا اعتاد مكانا فجاء يرعاه فوجده قد تغير وحال عن عنده.
اليأس والخيبة
منه قولهم: من لي بالسانح بعد البارح؟ أي من لي باليمن بعد الشؤم؟ ومنه أطال الغيبة وجاء بالخيبة، وقولهم: جاء بخفي حنين.
قال الشاعر:
وما زلت أقطع عرض البلاد
من المشرقين إلى المغربين
وأدرع الخوف تحت الدجى
واستصحب النسر والفرقدين
وأطوي وأنشر ثوب الهموم
إلى أن رجعت بخفي حنين
الرضا من الحاجة بتركها
منه قولهم: من نجا برأسه فقد ربح. وقولهم: رضيت من الغنيمة بالإياب. وقول العامة: الهزيمة مع السلامة غنيمة. وقال امرؤ القيس:
وقد سافرت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
الليل داج والكباش تنتطح
فمن نجا برأسه فقد ربح
قضاء الحاجة قبل السؤال
منه قولهم: ائت الصارخ وانظر ما له. يريد: لم يأتك مستصرخا إلا من ذعر أصابه، فأغثه قبل أن يسألك.
ومنه: كفى برغائها مناديا.
الانتصار من الظلم
هذه بتلك. والبادي أظلم.
ومنه: من لم يذد عن حوضه يهدم. (8-6) أمثال مستعملة في الشعر
منها قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
ومنها قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ومن ذلك قول الآخر:
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها
ولا تجود يد إلا بما تجد
انتهى ما أخذ من العقد الفريد. (9) الفائدة التاسعة
فائدة الكاتب من معرفة الأمثال وحفظها، الاستعداد لإدراجها في كلامه في المواضع التي تناسبها.
فإنه لا يقوم مقامها في ذلك شيء.
ومن ثم أدرج الحريري كثيرا من الأمثال في كلامه في المقامات، وقد رأينا أن نورد من ذلك هنا ما تيسر.
قال في الخطبة:
واستقلت من هذا المقام الذي فيه يحار الفهم، ويفرط الوهم، ويسبر غور العقل، وتتبين قيمة المرء في الفضل، ويضطر صاحبه إلى أن يكون كحاطب ليل، أو جالب رجل وخيل، وقلما سلم مكثار أو قيل له عثار.
وقال فيها:
وأرجو أن لا أكون في هذا الهذر الذي أوردته والمورد الذي توردته، كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه.
وقال في المقامة الخامسة الكوفية:
رب آكلة هاضت الآكل، وحرمته مآكل.
وشر الأضياف من سام التكليف، وآذى المضيف. خصوصا أذى يعتلق بالأجسام، ويفضي إلى الأسقام. وما قيل في المثل الذي سار سائره: خير العشاء سوافره، إلا ليعجل التعشي، ويجتنب أكل الليل الذي يعشي ...
قال الشارح: معنى هاضت ضعفت وأدخلت عليه هيضة، وهي القيء والإسهال. وأصل المثل: رب أكلة تمنع أكلات.
وقال في المقامة التاسعة الإسكندرية:
غشيتني ندامة الفرزدق حين أبان النوار، والكسعي لما استبان النهار.
وقال في المقامة العاشرة الرحبية:
وسلم إلى ساعة الفراق، رقعة محكمة الإلصاق، وقال: ادفعها إلى الوالي إذا سلب القرار، وتحقق منا الفرار، فعل المتلمس، من مثل صحيفة الملتمس.
وقال في المقامة الرابعة عشرة المكية:
قلت للشيخ: هل ضاهت عدتنا عدة عرقوب؟ أو هل بقيت حاجة في نفس يعقوب؟ فقال: حاش لله وكلا، بل جل معروفكم وجلى.
وقال في المقامة الحادية والعشرين الرازية:
فلما حللت بالري، وقد حللت حبي الغي، وعرفت الحي من اللي، رأيت بها ذات بكرة، زمرة في أثر زمرة.
العرب تقول: ما يعرف الحي من اللي والحو من اللو، تقوله لمن تستجهله وتنفي عنه الفطنة.
وهذا من جملة الأمثال التي تعرف فيها الحريري وقد انتقد عليه ذلك.
وقال في المقامة الثانية والعشرين الفراتية:
فجالست منهم أضراب قعقعاع بن شور، ووصلت بهم إلى الكور بعد الحور.
قال الشريشي: كلام العرب: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي من النقصان بعد الزيادة، فقلب اللفظ على مراده.
وقال في المقامة الرابعة والعشرين القطيعية:
فبرزنا ونحن كالشهور عدة، وكندماني جذيمة مودة، إلى حديقة أخذت زخرفها وازينت وتنوعت أزاهيرها وتلونت.
وجذيمة: هو الأبرش ملك الحيرة.
وندماناه أي: نديماه مالك وعقيل ابنا فالج، نادماه أربعين سنة ما أعادا عليه حديثا.
وقد ضرب بهما المثل في الوفاق.
ولنختم الكلام هنا؛ فإن فيما ذكر كفاية.
وكان الفراغ من تأليف هذا الكتاب في أواخر ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وسبع وثلاثين من الهجرة، وذلك بمدينة مصر في الدار التي نسكنها في جهة عابدين.
والحمد لله على نعمه.
Unknown page