تجنَّبتُ بنت العمّ وهي قريبة ... مخافةَ أن يضوى عليَّ سليلي
وفي مثله لأخر:
أُنذرُ من كانَ بعيدَ الهَمِّ ... تزويجَ أولاد بنات العمِّ
وفي مثله لآخر:
تركت بنات العمّ واقتادني الهوَى ... إلى ابْنَةِ عالي الذكر من آل فارسِ
وقال العتبي: تزوج أهل بيت بعضهم في بعض، فلما بلغوا البطن الرابع بلغ بهم الضعف إلى أن كانوا يَحبون حبوًا لا يستطيعون القيام ضعفًا.
وقال عمارة بن عقيل:
تبحَّثْتم سخطي فغيَّر بحثُكم ... سجيَّة نفسٍ كان نصحًا ضميرُها
ولا يلبث التَّخشينُ نفسًا كريمة ... عريكتها أن يستمرَّ مريرُها
وما النفس إلاَّ نطفة بقرارة ... إذا لم تكدَّر كان صفوًا غديرُها
أما قوله: " وما النفس " البيت، فمن أحسن الكلام وأوضح المعاني، وقريب منه قول الفرزدق وليس هو بعينه:
تصرَّم منّي ودُّ بكر بن وائل ... وما خلتُ باقي ودِّها يتصرَّمُ
قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطرُ الإباءَ فيُفْعَمُ
وما أنفُس الفتيانِ إلاَّ مناهِل ... تُضيء وإن كانت على الظلم تُظْلِمُ
وشبيه بهذه الأبيات قول عمارة بن عقيل:
وما تنفكُّ من سعد إلينا ... قطوع الرحم فارية الأديمِ
فنغفرها كأن لم يفعلوها ... وطول العفو أدربُ للظلومِ
الدُّربة: العادة، قال الراجز:
عفوك عن عبد لئيم دُربَهْ ... فأدِّب العبدَ وأحسِنْ ضرْبَهْ
عُبيد بن ناقدٍ:
أحُوط العشيرةَ لم أبغِها ... بعيبٍ ولم ألتمسْ ذامَها
وأُعطِي تلادِيَ ذا فَقْرها ... وأضربُ بالسَّيف مَن رامَها
وعادِيَة كمَسيلِ الأَتِيِّ ... نهنهتُ بالطَّعن قُدَّامها
تَرى لونَها مثل لَون النُّجو ... مِ ساعَة تَفرجُ إظلامَها
فسائِلْ هوازنَ عن وقعِنا ... وحيَّ تميم وهمَّامهَا
عشيَّة لولا حياءُ النِّساءِ ... لسُقْنا الدّيارَ وآطامَها
أما قوله: " أحوط العشيرة " البيت، فمعنى جيّد، وقد أكثرت الشعراء الاشتراك فيه، فمن ذلك قول الجعفيّ:
أحوط عشيرتي من كلِّ أمرٍ ... تُعابُ به العشيرةُ أو تُذَمُّ
وأضرب دونها في كلِّ حربٍ ... بأبيضَ ليس يبرأُ منه كَلْمُ
ومنه قول ليلى الأخيليَّة:
تحوطُ العشيرةَ أفعالُهُ ... وتحمل عنها الَّذي آدَها
وأما قوله: " وعادية كمسيل الأتيّ " البيت، فيصف كتيبة لقوّتها، وقوله: " نهنهتُ بالطعن قدّامها " يقول: طاعنت المتقدمين من فرسانها، والمتقدمون في وقت الحرب هم الأُمراء الفرسان، وكذلك قول عنترة:
نهنهتُ أوَّلَهم بعاجل ضربةٍ ... ورشاش نافذةٍ كلون العندمِ
وأما قوله: " ترى لونها مثل لون النجوم " البيت، فإنَّه يريد بالنجوم ههنا الأسنةَ وبالظلامِ الغبارَ، وهذا كثير في الشعر، وإليه نظر ابن المعتزّ بقوله:
فما راعَهُ إلاَّ أسنة عسكر ... كظلمة ليلٍ ثُقّبتْ بنجومِ
وبيت ابن المعتز أظرف لفظًا وأجود قسمة من الأول، ومثله لآخر يصف جيشًا:
وملمومةٍ لا يخرق الطرف عرضَها ... لها كوكبٌ فخم شديد وضوحُها
تسير وتزجي السُمر تحت نُحورُها ... كريه إلى من فاجأَتْه صبوحُها
مثله:
ونحن ضربنا الكبشَ حتَّى تساقطَتْ ... كواكبُه بكلّ عضبٍ مهنَّدِ
مثله:
ولمّا رأيتُ الصَّبرَ ليس بنافعي ... وإن كان يومًا ذا كواكبَ أشْهبا
مثله:
تبدو كواكبُه والشمسُ طالِعةٌ ... لا النورُ نورٌ ولا الإظلام إظلامُ
مثله:
بجأواءَ يَنفي وردُها سَرعانَها ... كأنَّ وميضَ البيضِ فيها الكواكبُ
وأما قوله: " عشية لولا حياء النساء " البيت، إغراق في الوصف شديد، وإياه أراد البحتريّ بقوله:
وأنزلتَ ما فوق المعاقل منهم ... فلم يبقَ إلاَّ أن تَسوقَ المعاقلا
وبيت البحتريّ أحسن من الأول وأصحّ لأنّ البحتريّ أوقع شكًّا في بيته، وهذا ذكر أنّه لولا حياؤُهم من النساء لساقوا الديار والآطام وهذا محال.
بشر بن أبي خازم الأسديّ ويهجو:
ألا قَبُحتْ خفارةُ آل لأمٍ ... فلا شاةً ترُدُّ ولا بعيرا
لِئامُ الناسِ ما عاشوا حياةً ... وأنتنُهم إذا دُفنوا قُبورا
وأنكاسٌ غداةَ الرَّوع كُشْفٌ ... إذا ما البيضُ خَلَّيْن الخدورا
ذُنابى لا يَفون بعقد جارٍ ... وليس يُنعِّشون لهم فقيرا
إذا ما جئتهم تَبغي قِراهم ... وجدتَ الخيرَ عندهم عسيرا
ومن خبيث الهجاء ومُمِضّه قول عمرو بن معدي كرب في جرم بن زبّان:
ولمّا رأيتُ الخيلَ زورًا كأنَّها ... جداولُ ماءٍ أُرسلَتْ فاسْبطرَّتِ
وجاشَتْ إليَّ النفسُ أوّلَ مرَّةٍ ... فرُدَّتْ على مكروهها فاسْتقرَّتِ
فلو أنَّ قومي أنطقَتْني رِماحهُم ... نطقْتُ ولكنَّ الرماح أجرَّتِ
ظَللْتُ كأنّي للرماح دريئة ... أقاتل عن أحساب جَرم وفَرَّتِ
أما قوله: " وجاشت إليّ النفس " البيت، فلو أنَّ شاعرًا أراد هجاءه بأقبح من هذا البيت لما قدر على ذلك، لأنه ذكر أنة نفسه حسَّنت له الفرار وجاشت من الخوف فردّها على المكروه حتَّى استقرّت، إلاَّ أنّ جماعة من الشعراء الفرسان قد أتوا بهذا المعنى واستحسنوا القبيح منه وهم فرسان العرب، منهم عمرو بن معدي كرب، وقد ذكرنا قوله، ومنهم عمرو بن الإطنابة في قوله: " وإقدامي على المكروه نفسي " وقد ذكرناها في أوائل هذا الكتاب، وأخذه آخر فقال:
فإنّكِ لو سئلْتِ بقاءَ يومٍ ... على الأجل الَّذي لكِ لنْ تُطاعي
وقد سبق ذكرها، وهي لقطريّ بن الفجاءة المازني، وقال آخر:
أقول لنفسٍ لا يُجادُ بمثلِها ... أقِلّي عتابًا إنَّني غيرُ مُدبرِ
ومثله لدريد:
جاشت إليّ النفس في يوم الفَزعْ ... لا تكثري ما أنا بالنِكْس الورَعْ
وهذا كثير جدًا، فإذا كان عمرو بن معدي كرب وابن الإطنابة وأمثالهما من فرسان الجاهلية ومن شهرت لها المقاومة في الحروب يذكرون في أشعارهم أنّ نفسهم همَّت بالفرار فعذر الله أبا العمر الطبريّ وأشباهه في ذكرهم من الفرار ما استحسنه واستجاده غيرهم من الفرسان المعدودين، ولو تتبّعنا في هذا الموضع نظائر هذا المعنى من أشعار القدماء لاتَّسع ذلك، ونحن نأتي به في مواضع أُخر على ما شرطنا إن شاء الله.
أما قوله: " فلو أنَّ قومي أنطقتني " البيت، الأصل فيه أنَّ الفصيل إذا أرادوا فطامه شقّوا لسانه فلم يقدر على الرّضاع، فقال هذا: كأنّ لساني قد شُقَّ فليس أقدر أتكلّم ولا أذكر لكم فخرًا لما فعلتم من الفرار، ولو أنّكم قاتلتم لجاز أن أذكر ذلك في الشعر وأفتخر به، فأمّا مع هربكم فمتى قلت شيئًا أفتخر به كذَّبتني النَّاس، فهذا هجاء ممضّ، ومثله من الكلام المنثور قول الأعشى لبني شيبان يوم ذي قار: " يا معشر بكر بن وائل! أطلقوا لساني " أي افعلوا فعلًا أستجيز أن أمدحكم به، وقد أخذ هذا المعنى جماعة من الشعراء فأتوا به في المدح والذّمّ، فمن ذلك قول بعضهم في المدح:
هم عقلوا عنّي لسان مفاخري ... وهم أطلقوا يوم اللقاء لسانيا
وأخذه أبو هفان في المدح أيضًا فقال:
وهم بسيوفهمُ الماضيا ... تِ يوم الوغى أطلقوا مَنطقي
وقد تأوّل بعض العلماء أنَّ قول النعمان بن عبد المدان:
أقول وقد شدُّوا لساني بِنسْعَةٍ ... معاشِرَ تَيمٍ أطلِقوا عن لسانيا
مثل هذا المعنى، والأمر خلاف ذلك، لأنَّ النعمان كان شاعرًا فلمّا أسرَته التَّيم خافوا هجاءه فشدّوا لسانه لئلاّ يهجوهم، وقد ذكرنا هذا المعنى في مواضع أخر.
وأمّا قوله: " ظللت كأنّي للرماح دريئة " البيت، فليس يجوز أن يكون في الهجاء أشدّ منه لأنّه ذكر قتاله عن قوم قد فرّوا، وليس هم منهم غير أنَّه يقاتل عنهم عصبية وغضبًا لهم، وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
رأيت بني القلمّس رهط سوء ... لهم غَنم وليس لهم كلابُ
أناظر عنهم وهمُ حُضور ... وأطعن دونهم وهم غيابُ
وهذا أيضًا من الهجاء الشديد، ذكر أنَّ لهم أموالًا وأنَّ أعداءهم ينتهبونها طمعًا فيهم وقلَّة خوف منهم، وقوله: " ليس لهم كلاب " يريد سفهاء يمنعون عنهم الظالم فيردّون الباغيَ، ومثل هذا قول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي صولة المستأسد الحامي
وقول هذا الشاعر: " أناظر عنهم وهم حضور " البيت، فقبيح أيضًا إلاَّ أنَّ فيه للمعترض كلامًا يقوله في قوله: " وأطعن عنهم وهم غياب " فيقول: فلعلَّهم لو شهدوا لقاتلوا، وليس هو مثل قول عمرو: " أقاتل عن أحساب جرمٍ وفرّت " فهذا جعلهم حضورًا قد شهدوا الحرب ثمَّ فرُّوا، وأما قوله: " أناظر عنهم وهم حضور " فمثله قول جرير:
ويُقضَى الأمرُ حين تغيب تَيم ... ولا يُستأذنونَ وهم شهودُ
ومثله قول الآخر:
عزَلْنا وأمَّرنا وبكرُ بن وائل ... تجرُّ خصاها تبتغي مَن تُحالفُ
ذكر في هذين البيتين ذلّهم وأنَّهم لا يحضرون عند مشاورة ولا أمرٍ عظيم. ومن بديع ما قيل في الذلّة والقلّة قول الآخر:
قومٌ إذا حضرَ الملوكَ سُراتُهم ... نُتفتْ شواربُهم على الأبوابِ
ومثل ذلك قول زياد الأعجم:
قمْ صاغرًا يا شيخَ جرم وإنَّما ... يُقال لشيخ القوم قُم غيرَ صاغرِ
فمن أنتمُ إنَّا نسينا مَن أنتمُ ... وريحُكمُ مِن أيّ ريح الأعاصرِ
أأنتم أُولى جئتُم مع البقل والدَّبا ... فطار وهذا شخصكم غير طائرِ
فلم تُعرَفوا إلاَّ بمن كانَ قبلكم ... ولم تُدرِكوا إلاَّ مَدقَّ الحوافرِ
وقد ذكرنا أشياء ممَّا قيل في الذلّة والقلّة فيما سلف ونذكر فيها أشياء فيما يستأنف بمشيئة الله وعونه.
أعرابي من بني ذبيان:
رأَستكمُ وما منكم رئيس ... أذُود وليس فيكم من يذُودُ
تُفدِّيني نساؤُكم ومُهْري ... يكرُّ وأنتم عُصَبٌ شهودُ
فأين لواءكم إلاَّ بكفِّي ... إذا كثر البوارقُ والرّعودُ
وهذا أيضًا هجاء ممضّ شديد وتقريع عظيم.
وأما قوله: " تفديني نساؤكم " البيت، فمثل قول الآخر:
وقد علمتْ هوازنُ كيف صبري ... إذا ما انْحازَ في الحربِ اللّواءُ
ويوم بني السّقيفة أفرَدوني ... لطعنٍ ما لجائفه دواءُ
فما إن زلت أضربهم بسيفي ... وما زالت تُفدِّيني النِّساءُ
ومثله لآخر:
وقد علمت نساؤكم بأنَّا ... غداة الرَّوع أحمَى للذمار
وأضربُ منكمُ رأس المفدَّى ... وأعظَمُ في اللَّيالي ضوءَ نار
ومثله قول الآخر:
ورجعتمُ يومَ الكريهة خُشَّعًا ... وسيوفُنا وسيوفكم تترنَّمُ
فمتَى جحدتم ما نقول فسائِلوا ... عنَّا نساءَكمُ لكيما تعلَموا
ولنحن أكثرُ في صدور نسائكم ... منكم إذا ما الأرض طبّقها الدّمُ
وشبيه بهذا قول ابن هَرْمة:
إذا قيل أيّ فتًى تعلمون ... لمُعترِّ فِهْرٍ ومُحتاجها
ومَن يُعجِل الخيلَ يوم اللّقاء ... بإلجامها قبل إسراجها
أشارت إليك أكفُّ النِّساء ... بذلك من قبل أزواجها
وقد ردَّ ابن هرمة شبيهًا بهذا القول في بعض شعره وإن لم يكن المعنى بعينه فقال:
إذا قيل أيّ فتًى تعلمون ... أهشَّ إلى الطَّعن بالذَّابلِ
وأضربَ للقِرْن يوم الوَغَى ... وأطعَمَ في الزَّمن الماحِلِ
أشارت إليك أكفّ الأنامِ ... إشارةَ غَرْقَى إلى السَّاحِلِ
يحيى بن مقسم السَّكونيّ:
قومي السَّكون فلا أَبغي بهم بدلا ... نعم القبيلة في عُسْر وإيسارِ
فما تسوِّدُ ربّ المال تَتْبَعُه ... ولا تقيمُ على خسف ولا عارِ
لكن تسوِّدُ ذا رأيٍ وذا كرَمٍ ... إن كانَ ذا نَشَبٍ أو حِلفَ إقتارِ
إلى هذا أشار حسَّان في قوله:
نُسوِّد ذا المالِ القليلِ إذا بدتْ ... مروءتهُ فينا وإنْ كانَ مُصرِما
ومثله:
لئن قلَّدوني أمرَهم يوم عاقل ... فما كنتُ نِكْسا عند ذاكَ مُزَنَّدا
وما سوَّدوني أنَّني ربُّ هَجْمة ... ولكن رأوني مُصدرَ الأمر مورِدا
ومن كانَ ذا مال ولم يكُ ذا حجًى ... فلستَ تراه ما جرى الآلُ سيِّدا
وقريب منه قول الأشجع:
ولم يكُ أوسَعهم في الغنَى ... ولكنَّ معروفَه أوسعُ
ومثله قول مروان بن معن:
ولم يكُ أكثرَ الفتيانِ مالًا ... ولكن كانَ أرحبَهم ذِراعا
ومثله:
عطائي عطاء الأغنياء وإنَّما ... سوامي سوام المُقترين المنائحُ
لنا حمدُ أرباب المئين ولا يُرى ... إلى بيتنا مال مع اللَّيل رائحُ
وشبيه به قول الآخر:
ساد القبائل من ربي ... عة والقبائل من مُضَرْ
بحجًى تمكّن طَودُهُ ... لا بالضِّياع ولا البِدَرْ
أعرابيّ:
ولا خير في مولًى يظلُّ كأنَّه ... إذا ضِيمَ مولاه مقيمًا على غُنْمِ
حريضٍ على ظلمِ البريءِ مخالفٍ ... عن القصدِ مأمونٍ ضعيفٍ عن الظلمِ
يرَى الحزمَ إن تَرمِي العدَى من ورائه ... وإنْ كانَ لا ينكأ عدوًّا ولا يرمي
حسود لذي القربَى كأنَّ ضُلوعهُ ... من الغشّ للأدنَى تبيت على كَلْمِ
قريب إذا عضَّت به الحرب عضَّة ... وأبعد شيء جانبًا منك في السّلمِ
فذاك كغثّ اللَّحم ليس بنافعٍ ... ولا بدَّ يومًا أن يُعدَّ من اللَّحمِ
أما قوله: " قريب إذا عضَّت به الحرب عضَّة " البيت، فقد أكثرت الشعراء فيه وأسهبت فلا يُذكر منه إلاَّ ما يدلّ على المعنى، من ذلك قول أوس بن حجر:
وليس أخوك الدَّائمُ العهدِ بالَّذي ... يذمُّك إن ولَّى ويُرضيك مُقبلا
ولكنَّه النَّائي إذا كنتَ آمِنا ... وصاحبُك الأدنَى إذا الأمرُ أعضَلا
ومثله لآخر:
وإذا تكون كريهةٌ أُدعَى لها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يدعَى جُنْدبُ
ومثله:
ولولا دفاعي في الملمَّات عنكم ... إذن لعرفتم غبَّ هذي النَّوائبِ
إذا كانَ أمنٌ كنتم الأُسْدَ شدَّةً ... وإنْ كانَ خوفًا كنتُمُ كالثَّعالِبِ
ومثله:
إذا أخصبتمُ كنتم عدوّا ... وإن أجدبتمُ كنتم عِيالا
ومثله لآخر:
لا تعرفونا إذا ما الأمنُ أبطَرَكم ... وعند خوفكمُ أنتم لنا خَوَلُ
ومثله لكعب الأشقريّ في يزيد بن المهلَّب:
أيزيد إنَّك لم تَزَلْ ... للأزد مذ خُلقتْ دِعامَهْ
إنِّي ألومك والَّذي ... أصفيتني يَحْدو الملامَهْ
أُدعَى إلى الحربِ العوا ... نِ ولستُ أُدعَى للمدامَهْ
وأما قوله: " فذاك كغثّ اللَّحم " البيت، فمثل قول أكثم بن صيفيّ: " أنفك منك وإنْ كانَ أجدع "، وإليه نظر ابن المعتزّ فقال:
كماء طريق الحجّ في كلِّ منهلٍ ... يُذَمُّ على ما كانَ منه ويُشربُ
ومثله قول الآخر:
أكلوا تالِدي وذمُّوا قدمي ... مثل خبز الشَّعير أكلًا وذَمّا
وكقول أبي علي البصير لابنه: خرجتَ يا بنيَّ من العُدَدِ ودخلتَ في العَدَد.
ومثله لسويد:
أنتمُ منَّا ولكنَّكم ... أجبَن الأمَّة في يوم الفَزَعْ
ورفعنا قدرَكم في وائلٍ ... طاقة الوسع ولكنْ ما ارتفعْ
ومثله لآخر:
رأيتُ بني الهجيم وإن تدانَى ... بهم في دارمٍ نسبٌ قريبُ
هُمُ منهم ولكن ليس منهم ... نجيبٌ حين يُختبرُ النَّجيبُ
أعرابيّ:
بَلِيتُ وأفناني الزَّمانُ وأصبحتْ ... هُنَيدةُ قد أنضيتُ من بعدها عشرَا
وقد عشتُ دهرًا ما تجِنُّ عشيرَتي ... لها ميِّتًا حتَّى أخُطُّ لها قبْرَا
الطِرِمَّاح وكان خارجيًّا:
وإنِّي لمقتادٌ جوادي فقاذفٌ ... به وبنفسي اليومَ إحدى المقاذِفِ
أكسبَ مالًا أو أَؤُوبُ إلى غنًى ... من الله يكفيني عذاب الخلائفِ
فيا ربِّ لا تجعلْ وفاتي إذا أتتْ ... على شرجَعٍ يُعلَى بخُضرِ المطارِفِ
ولكنْ أحِنْ يومي شهيدًا وعُصبةً ... يُصابونَ في فجّ من الأرضِ خائِفِ
عصائب أشتاتٌ يؤلِّفُ بينهم ... هدَى اللهِ نزَّالون عند المواقِفِ
إذا فارقوا دنياهُمُ فارقوا الأذَى ... وصاروا إلى موعودِ ما في المصاحِفِ
وذكر الأثر عن أبي عبيدة عن أبي عمرو الشيباني قال: رأيتُ بالبصرة جنازة وعليها مطرف خزّ أخضر، فسألتُ عنها، فقيل: جنازة الطِرِمَّاح، فذكرت قوله:
فيا ربِّ إن حانتْ وفاتي فلا تكنْ ... على شرجَعٍ يُعلَى بخُضرِ المطارِفِ
فعلمتُ أن الله ﷿ لم يستجب له.
السَّموأل بن عاديا:
يا ليت شعري حين أندبُ هالكًا ... ماذا تؤنِّبُني به نُوَّاحي
أيقلْنَ لا تبعد فرُبَّ كريهةٍ ... فرَّجتَها بشجاعة وسماحِ
ولقد أخذتُ الحقَّ غيرَ مُخاصمٍ ... ولقد بذلتُ الحقَّ غيرَ مُلاحِ
البيت الأخير جيد، ومثله للأقوه:
وإنِّي لأُعطِي الحقَّ من لو ظلمتُهُ ... أقرَّ وأعطاني الَّذي أنا طالبُ
وآخذُ حقِّي من رجالٍ أعزَّةٍ ... وإن كرُمَتْ أعراقُهم والمناسبُ
ومثله لعبد الله بن عبد الله بن طاهر:
لا يطمحُ الظَّالمُ في جانبِي ... ولستُ ممَّن يمنعُ الواجِبا
الشنفرى وقصيدته هذه من أجود أشعار العرب ونحن نأتي بأكثرها، أوَّلها:
أقِيموا بني أُمِّي صدورَ مطيِّكم ... فإنِّي إلى قوم سِواكم لأمْيَلُ
فقد حُمَّتِ الحاجاتُ واللَّيلُ مُقمرٌ ... وزُمَّت لِطيَّاتٍ مطايا وأرحُلُ
وفي الأرضِ منأَى للكريمِ عن الأذَى ... وفيها لمن خافَ القلى مُتنقَّلُ
لعمرُك ما بالأرضِ ضِيق على امرئٍ ... سَرى راغبًا أو راهبًا وهْوَ يعقِلُ
يقول فيها:
وإن مدَّتِ الأيدي إلى الزَّاد لم أكنْ ... بأعجَلهم إذ أجشَعُ القومِ أعجلُ
وما ذاك إلاَّ بسطةٌ عن تفضُّلٍ ... عليهم وكانَ الأفضلَ المتفضِّلُ
ولي صاحبٌ من دونهم لا يخونُني ... إذا التبست كفِّي به يتأكَّلُ
ثلاثةُ أصحابي فوأدٌ مُشبَّعٌ ... وأبيضُ مأثور وصفراءُ عَيْطَلُ
إذا زلَّ عنها النبلُ حنَّت كأنَّها ... مولّهة ثكلَى تحنُّ وتعولُ
وأغدو خميصَ البطنِ لا يستفزُّني ... إلى الزَّادِ حِرصٌ أو فوأد مؤكّلُ
ويومٍ من الشعرَى يذوبُ لعابُهُ ... أفاعيهِ في رمضائِهِ تتململُ
نصبتُ له وجهي ولا كنَّ دونَه ... ولا سترَ إلاَّ الأتحمِيُّ المُرَعبَلُ
ولولا اجتِنابُ الذَّأمِ لم يُلفَ مشربٌ ... يُعاش به إلاَّ لديَّ ومأكلُ
ولكنَّ نفسًا حُرَّة ما تُقيم بي ... على الخَسفِ إلاَّ ريثَما أتحوَّلُ
أُديمُ مِطالَ الجوعِ حتَّى أُميتَهُ ... وأضربُ عنه الذِّكرَ صَفحًا وأذهلُ
وأستفُّ تُربَ الأرض كي لا يرَى له ... عليَّ من الطَّول امرؤٌ متطوِّلُ
وأغدو على القُوت الزَّهيدِ كما غدَا ... أزلٌّ تَهاداهُ المتالِفُ أكحلُ
غدا طائرًا يُعارض الرِّيحَ هافيًا ... يَخوتُ بأذنابِ الشِّعاب ويعسِلُ
فلمَّا دعاه القُوتُ من حيث أمَّه ... دعا فأجابتهُ نظائرُ نُحَّلُ
مُهلِّلةٌ شيبُ الوجوهِ كأنَّها ... قِداحٌ بكفَّي ياسرٍ تَتَقَلْقلُ
مُهرَّتَةٌ شُوهٌ كأنَّ شُدوقَها ... شقوقُ العِصيّ كالِحاتٌ وبُسَّلُ
فضجَّ وضجَّتْ بالبراحِ كأنَّها ... وإيَّاه نَوحٌ فوق عَلياءَ ثُكَّلُ
وأغضَى وأغضتْ وائتَسى وائتَسَتْ به ... مَراميلُ عزَّاها وعَزَّته مُرمِلُ
فإمَّا تَرَيني يا ابنةَ القومِ ضاحِيا ... على رِقبة أحفَى ولا أتنعَّلُ
وإنِّي لمولَى الصَّبرِ أجتابُ بزَّه ... على مثلِ قلبِ السِّمعِ والصَّبرُ يُنقلُ
ولستُ بمِهْيافٍ يُعشّى سَوامَهُ ... مُجدَّعَةً سُقبانُها وهي بُهَّلُ
ولا جُبَّأٍ أكتى مُرِبٍّ بعِرْسه ... يُطالعُها في أمره كيف يفعلُ
هذه القصيدة كثيرة المحاسن وقد ذكرنا فيها من النظائر في مواضع أُخر. وبعد فليس فيها معنى غريب يقلُّ مثله في الشعر، بل أكثر معانيها في أيدي النَّاس مشتهر، وليس سبيلنا في المعنى إذا كان كثيرًا أن نأتي به، وإنَّما نأتي بما قلَّ ولم يكن كثيرًا أو معنى خفِي فنبيِّنه.
حاتم الطَّائيّ:
أماوِيَّ إنْ يُصبحْ صدايَ بقفرةٍ ... من الأرضِ لا ماءٌ ولا خمرُ
ترى أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضائرِي ... وأنَّ يدِي ممَّا بخِلتُ به صِفرُ
وقد علمَ الأقوامُ لو أنَّ حاتمًا ... أرادَ ثراءَ المالِ كانَ له وفرُ
غَنينا زمانًا بالتصعلك والغنَى ... وكُلًاّ سقاناه بكأسَيْهما الدَّهرُ
فما زادونا بأوًا على ذي قَرابة ... غِنانا ولا أزْرَى بأحسابنا الفقرُ
وله أيضًا:
رأتْني كأشلاءِ اللّجام وإنْ ترَيْ ... أخا الحرب إلاَّ كاسفَ اللَّونِ أغبرَا
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحربُ عضَّها ... وإنْ شمَّرتْ عن ساقها الحربُ شمَّرا
فلا تسأليني واسألي أيّ فارسٍ ... إذا الخيلُ جالتْ في قنًا قد تكسَّرا
فمن شعر حاتم الَّذي يقول فيه: " أماويَّ إن يصبح " البيت وما بعده أخذ النمر بن تولب في قوله فقال:
أعاذلَ أن يُصبح صداي بقفرةٍ ... بعيدًا وينأى صاحبِي وقريبِي
ترى أنَّ ما أبقيتُ لم أكُ ربَّهُ ... وأنَّ الَّذي أنفقتُ كانَ نَصيبي
وذي إبلٍ يسعَى ويحسِبها له ... أخي نَصَبٍ في رعيها ودُؤوبِ
غدتْ وغدا ربٌّ سواه يسوقُها ... وبُدِّل أحجارًا وجُولَ قليبِ
وقال سحيم عبد بني الحسحاس، وكان المفضَّل الضَّبّيّ يقول: قصيدة الأسود - يعني سحيمًا - ديباج خسروانيّ:
عُميرةَ ودِّعْ إنْ تجهَّزتَ غاديا ... كفَى الشَّيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهِيا
لياليَ تصطاد الرِّجالَ بفاحمٍ ... تراهُ أثيثًا ناعمَ النَّبتِ عافِيا
1 / 60