وقد ذكرنا نظائر هذا المعنى، وأكثرها فيما كتبنا في هذا الكتاب، وبقيت تأتي في مواضع أخر.
أعرابي وذكر قومًا أبادهم الدهر:
ولقد ترَى ناديهم وكأنَّه ... طوق المجرَّةِ غُرَّةً وتماما
أُمراء غير مؤمَّرين ترى لهم ... أمرًا وهم من قدرهم إعظاما
مثل هذا قول الآخر:
إنَّ الأميرَ هو الَّذي ... يضحي أميرًا عند عزلهْ
إنْ زال سلطان الإما ... رة كانَ في سلطان فضلِهْ
أعرابي:
لا تَبحثَنْ مولاكِ عمَّا بقلبه ... ولا ترتَقي مرقاتَه حين يغضبُ
فبعضُ اجْتماع الحيّ أطوع فرقة ... وبعضُ التَّنَحِّي من صديقك أقربُ
هذا المعنى كثير جدًا، ولو ذهبنا إلى استقصائه كان كتابًا منفردًا، وإنَّما نأتي من النظائر بما عزّ وقلّ في أيدي الناس، ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول سعيد بن حميد:
رُبَّ هجر يكون خيفة هجر ... وفراقٍ يكون خوف فراقِ
ومن أحسن ما قيل في مشي النساء ما قال بعض الأعراب:
فقمن بطيئًا مشيهن تأوّدا ... على قصبٍ قد ضاقَ عنه خلاخِلُه
كما هزَّت المرّانَ ريحٌ فحرَّكت ... أعاليَ منه وارْجحنَّتْ أسافلُه
أعرابي:
فيا لله يشتمني قعين ... تعالى اللهُ ربِّي ذو الجلالِ
فتى إن يرضَ لا ينفعْك شيئًا ... وإن يغضبْ فإنَّك لا تُبالي
وقد أخذه ابن الرومي فقال:
غضبتَ وطُلْتَ من سفه وطَيش ... تهزهزُ لحيةً في قدِّ رُقْشِ
فما افترقتْ لغضبتك الثّريَّا ... ولا اجتمعتْ لذاك بناتُ نعشُ
وقول ابن الرومي هذا أجود من الأول لفظًا وزيادةً في المعنى، ومثل الأول قول الآخر:
أبو عامر كالنَّاس يرضَى ويغضبُ ... ويبعد في بعضِ الأمور ويقربُ
ولكن رضاه ليس يُجدي قلامةً ... فما فوقَها وسخطه ليس يرهبُ
أخيرُ من هذا كلّه قوله:
أرعِدْ وأبرِقْ يا يز ... يدُ فما وعيدُك لي بضائرِ
1 / 43