فما أبْقَتِ الأيامُ مِلْمالِ عندنا ... سِوى جِذْم أدواد تُعينُ على الأزْلِ
ثلاثةُ أثلاثٍ فأثْمانُ خَيلنا ... وأقواتُنا وما نسوق إلى العقْلِ
أما قوله " معاذ الإله أن تنوح نساؤنا " البيت، فقد تناوله بعض الشعراء بأسره فقال:
معاذ الإله أن تنوح نساؤنا ... على هالكٍ منَّا وإنْ قُصم الظَّهرُ
وأخذه آخر فقال:
فُجعوا بذي الحسب الصميم فأصبَحُوا ... لا مُبْلسين ولا كِظاما وُجَّما
حتَّى كأنَّ عدوَّهم ممَّا يرَى ... من صبرهم حسِبَ المصيبة أنعُمَا
وأخذه آخر فقال:
هم القَوم لا يخشَون حَربا مضرَّةً ... وإن قتلوا لم يقشعِرُّوا من القتلِ
وأخذه أبو تمام فقال:
مسترسلين إلى الحتوف كأنَّما ... بين الحتوف وبينهم أرْحامُ
وقوله: " قراع السيوف بالسيوف " البيت، قد ذكرنا شيئًا من نظائر هذا البيت فيما تقدم من هذا الكتاب، فممَّا لم نذكر قول ابن الخرشب:
نزلْنا على رغم العِدى في مفازة ... معاقلُنا فيها السُّيوف الصَّوارمُ
وقال التغلبي في هذا المعنى أيضًا:
لنا حصونٌ من الخطّيّ عاليةٌ ... فيها جداولُ من أسيافنا البُتُرِ
فمن بنَى مَدَرا من خوف حادثة ... فإنَّ أسيافَنا تُغني عن المَدَرِ
وقد جوَّد هذا الشاعر وما قصَّر، وأصاب تشبيه السيوف إذ جعلها مثل الجداول لكثرة مائها وائتلافها، ثمَّ ذكر أنَّها تغني عن الحصون المبنية من المدر.
وقوله: " فما أبقت الأيام " البيت والَّذي يليه، فقد جوَّد فيما ذكر وأحسن القسمة في البيت الأخير إذ جعل جِمالهم ثلاثة أقسام، فقسم يُصرف في أثمان الخيل إذ كانت حصونهم التي يلجأون إليها ويبلغون بها الغايات ويدركون بها التِرات، وقسم في أزوادهم وأقواتهم وما يَقرون ضيوفهم، وقسمٌ يسوقونه في ديات من يقتلون، ولا نعلم أحدًا اتَّفق له في بيت واحد ولا أبيات كثيرة كما اتَّفق لهذا من صحة القسمة وشرح الأبواب التي تصرف فيها.
المجنون:
وما بِنتُ إلاَّ خاصم البينُ حبّها ... بحالين من قلبي مطيع وسامع
تبارك ربِّي كم لليلى إذا انتحَتْ ... بها النَّفس عندي من حميمٍ وشافعِ
قيس بن زهير العبسي:
تركتُ النهاب لأربابه ... وأكرهتُ نفسي على ابن الصَّعِقْ
جعلتُ يديَّ وشاحًا له ... وبعضُ الفوارسِ لا يعتَنِقْ
قد ذكرنا كما تقدَّم أن أصل هذا المعنى بيت عنترة:
ينبِئك من شهد الوقيعة أنَّني ... أغشَى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ
وذكرنا معه شيئًا من نظائره، فلما وقفنا على هذا البيت علمنا أنَّه الأصل فإن قال قائل: قيس بن زهير وعنترة بن شدَّاد العبسيّين في عصر واحد، قلنا: صدقت، إلاَّ أنَّ قيس بن زهير كان أكبر من عنترة بدهر طويل. وأخرى أن هذا الشعر قاله قيس في آخر حرب داحس، وهو الوقت الَّذي قَتل فيه خالد بن جعفر العامريّ زهير بن جذيمة العبسيّ، في أسره عمرو بن الصعق العامريّ، وما نحسب أنَّ عنترة كان وُلد في ذلك الوقت، وإنَّما لحق عنترة آخر أيام عبس وذبيان بعد يوم جَبَلة، وإنَّما ثبتت شجاعته في يوم عُراعر
1 / 40