السر
طالما سمعت الحكايات عن الملاك المتجسد في صورة امرأة. وكم بحثت عنه في الميادين والطرق والحواري وأنا أقول لنفسي: إن رؤيته تضارع رؤية النور في ليلة القدر!
وفي ليلة الموسم المباركة سمعت همسا بأنه سيمر عند السبيل حين سطوع القمر. وتجولت حول السبيل بنية العاشق وعزيمة البطل. وإذا بامرأة تلوح لفترة قصيرة، فاقتحمني وجهها السافر الملائكي وغمرني بالهيام والنشوة، ولكني لم أسع وراءها لعلمي باستحالة العبور من دنيا البشر إلى دنيا الملائكة.
عند ذاك انكشف لي سر حبي الأول.
ملخص التاريخ
أحببت أول ما أحببت وأنا طفل، ولهوت بزمني حتى لاح الموت في الأفق. وفي مطلع الشباب عرفت الحب الخالد الذي يخلفه الحبيب الفاني. وغرقت في خضم الحياة. ورحل الحبيب. واحترقت الذكريات تحت شمس الظهيرة. وأرشدني مرشد في أعماقي إلى الطريق الذهبي المفروش بالمعاناة، والمفضي إلى الأهداف المراوغة. فطورا يلوح السيد الكامل، وطورا يتراءى الحبيب الراحل.
وتبين لي أن بيني وبين الموت عتابا، ولكنني مقضي علي بالأمل.
رجل الأقدار
لم أنس ذلك الرجل. كان معلمي فترة طويلة من العمر. اشتهر في حياته بتلاحق المحن، والتعاسة الزوجية، ورقة الحال. ولكنه اشتهر أيضا بالصبر والقدرة على معايشة الألم والانغماس في الكآبة. ولما تقدم به العمر انضاف إلى متاعبه تصلب الشرايين. وأخذت ذاكرته تضعف وتتلاشى، ومضى ينسى فيما ينسي خسائره وجميع ما ناله من عنت الحياة؛ فخف عبؤه وهو لا يدري. وطعن في المرض، فنسي زوجته تماما وأنكرها، وأصبح يتساءل عن سر وجودها في بيته. وذهب عنه الكثير من كدره. وبلغ به المرض مداه فنسي شخصه، ولم يعد يعرف من هو؛ وبذلك تسنم قمة الراحة. هكذا أفلت من قبضة الحياة القاسية، حتى غبطه من كان يرثي له.
الصفح
Unknown page